الفقر والصحة… علاقة طردية وأرقام متزايدة
صوت الأمل – علياء محمد
تعيش اليمن منذ أواخر 2014 م أسوأ الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي أدَّت إلى تفاقم معاناة السكان ودفعت الكثير منهم إلى حافة الفقر الذي حرم عددًا كبيرًا من الناس الحصول على الرعاية والخدمة الطبية.
وأوضح التقرير الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في أغسطس من العام 2020م، “أن الفقر ارتفع بين عامي 2014 و2016 ارتفاعًا حادًا، وأشارت التقديرات بأن في العام 2018م، ومع استمرار الوضع الحالي واستمرار التراجع الاقتصادي وصعوبة الأوضاع الإنسانية فإن معدلات الفقر مرشحة للزيادة إلى معدلات تفوق 80% خلال العام 2020م.
كما بين التقرير، أن عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الصحية في اليمن وصلوا إلى أكثر من 19.7 مليون شخص لعام 2020 مقارنة ب 8.4 مليون شخص في 2014، وأن نتائج نظام مراقبة المرافق الصحية تؤكد أن من أصل 4،974 مرفق صحي تم تقييمها كان 51% فقط من تلك المرافق تعمل بطاقتها الكاملة، و35% تعمل جزئيا، بينما 14% متوقفة كليا نتيجة الصراع.
“لم أعد قادرة على مواصلة العلاج وسأرضى بقدري”. بهذه الكلمات عبَّرت فاطمة أحمد عن معانتها في عدم قدرتها على إكمال جرعات العلاج لمرض السرطان، الذي شخَّصه الأطباء منذ أربع سنوات، وتقول أحمد: “آخر عملية قمت بها كلفتني خمسمائة ألف ريال، وقمت بجمعها من فاعلي الخير ولكني مازلت أحتاج إلى الكثير من العمليات، ولن أستطيع إكمالها، فأنا من عائلة فقيرة وتكاليف مرضي باهظة جدًا”.
إهمال القطاع الحكومي وفساد الخاص
تؤكد عائشة محمد (ممرضة في إحدى المستشفيات الحكومية) أن عددًا كبيرًا من الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاجات، ودائمًا ما تسمع قصصًا تدمع لها العين، خصوصًا أصحاب المناطق الريفية فهم مع الأوضاع السيئة التي يعيشونها إلا أنهم يتكبدون الخسائر داخل المدينة بسبب التنقل من مكان إلى آخر.
ويقول ناصر محمد (أحد سكان محافظة المحويت): “أصيب والدي بجلطة دماغية وتطلب الأمر نقله إلى محافظة صنعاء ووصلنا إلى مستشفى حكومي وسط العاصمة، لنُقابَل برفضهم استقبال الحالة والتعذر بعدم وجود سرير، ولأن الحالة حرجة قمنا بنقله إلى مستشفى خاص، وظل الوالد في العناية المركزة ما يقارب الأسبوعين وتوفي بعدها ،والآن نحن مطالبون بدفع مبلغ وقدره مليون ريال يمني وهذا مالم نحسب له حساب”.
ويحكي ناصر عن الأوضاع الصعبة والشَّاقة التي يتجرعها الفقير رغمًا عنه، فيقول: إنهم يواجهون تحديات كبيرة في حصولهم على الرعاية الصحية، الفقر من جانب وإهمال المستشفيات الحكومية وفساد المستشفيات الخاصة من جانب آخر.
وأوضح تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي 2020 ، أن شريحة الفقراء تمثل السواد الأكبر من السكان في اليمن لصعوبة وصولها للرعاية الصحية خاصة في ظل التكلفة العالية لخدمات المرافق الصحية الخاصة ، كما تواجه هذه الشريحة تحديات كبيرة تتمثل في النقص الحاد من الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية ، وتضاؤل المياه الصالحة للشرب ، وعدم كفاية الموارد التشغيلية واللوجستية للبرامج الصحية .
القطاع الصحي متاجرة بأرواح الفقراء
ترى سميرة محمد (مواطنة) أن القطاع الصحي أصبح كالتجارة، وأن بعض الأطباء لا يقدمون لك ما تحتاج إليه في المستشفى الحكومي، ونظرًا لحالتك الصعبة فهو يعطيك موعدًا للذهاب إلى عيادته الخاصة وأقل سعر للمعاينة في العيادات الخاصة أربعة آلاف ريال غير شامل الفحوصات وجهاز التلفزيون.
مضيفة، أنه عندما تجري المعاينة يقوم بطلب فحوصات معينة ولكن يشترط عليك اسم المختبر الذي سيقوم بفحصك ولن يقبل الفحوصات من غيره، مبررًا ذلك بثقته به وعندما تذهب إلى المختبر تتفاجأ بأن قيمة الفحوصات تصل إلى الأربعين ألف ريال، وتخسر ما يقارب الخمسين ألف ريال يمني وأنت لم تكتشف نوعية مرضك، فتقرر حينها الانسحاب؛ لأنك ستدخل في مكان أكثر عمقًا وأنت غير مستعد لذلك.
الفقر يزيد من خطورة المرض
يعاني الكثير من الأشخاص في اليمن مشكلة التأخير في التشخيص، الأمر الذي يُبطئ من شفاء المريض ويفاقم معاناته ويجد عدد كبير من الأفراد أنفسهم أمام خيارين إما صرف دخلهم الشهري على عائلاتهم وإما صرفها على مرضهم ويختار الأغلب منهم السكوت عن المرض ليوفر لقمة العيش لأبنائه.
“ما فيش حل آخر”. هكذا كانت إجابة محمد عبد الله الذي يعاني من الفتاق (ظهور كتلة في أسفل البطن) ويحتاج إلى عمل عملية لعلاجه ولكنه لم يقم بأي خطوة في العلاج؛ نتيجة الأوضاع المادية الصعبة وتوقف الرواتب وسوء الأوضاع الاقتصادية، وقرر اختيار السكوت على مرضه؛ لأنه لا يملك قيمة تكاليف العملية.
يقول الدكتور أدهم محمد عوض (مدير عام الترصد الوبائي): إن عددًا كبيرًا من المرضى يأتون في حالة صحية حرجة وصعبة، وعندما نسالهم لماذا تأخرتم؟ يقولون: “لا نملك المال لتغطية تكاليف العلاج وأوضاعنا المادية صعبة، ونتيجة لهذا التأخير تكون نسب الشفاء ضئيلة”.
ويضيف عوض: “أصبح الوضع العام للقطاع الصحي معقدًا للغاية، وتسبب الصراع القائم في البلاد بحرمان الكثير من الأسر الحصول على الخدمات الصحية أبرزها خدمة الأم والطفل، بالإضافة إلى زيادة أسعار الأدوية والفحوصات في المستشفيات الخاصة والحكومية».
ارتفاع الأسعار ومعاناة الفقراء
أشار التقرير الاقتصادي الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في ديسمبر من العام 2017م، إلى انكماش متوسط دخل الفرد من نحو (1247 ألف ومئتين وسبعة وأربعين دولارًا) عام 2014م إلى (485 أربعمائة وخمسة وثمانين دولارًا) عام 2017م، بمعدل تغير تراكمي بلغ 61.1% وهذا يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر الوطني، المقدر بـ (600 دولار) سنويًّا للفرد الواحد.
“لا معاناة أقوى من أن تبحث عن قيمة تكاليف تغيير الدم لفلذة كبدك”. هكذا بدأت (أم شيماء حسن) حديثها عن معانة الأسرة مع مرض ابنتهم البالغة من العمر ست سنوات وتعاني من التلاسيميا وتحتاج إلى تغيير للدم كل أسبوعين وبمبلغ عشرين ألف ريال يمني.
وتضيف حسن: “شهر يتوفر المبلغ وآخر لا يتوفر، وليس بمقدورنا تغطية هذه التكاليف وإلى متى ستستمر مساعدات الناس لنا، حتى أن البعثات والمؤسسات التي تتحمل علاج مثل هذه الحالات تحتاج إلى معاملات طويلة ووساطات تسمح لك بالدخول إلى قائمة الكشوفات”.
وفي السياق ذاته، تؤكد أحلام علي (مواطنة)، زيادة تكاليف الرسوم الطبية بالنسبة للفئات االأشد فقرًا، وتقول : “المستشفيات الحكومية لا تلبي غرضنا في الرعاية الصحية، فنحن نقف في طوابير لقطع ورقة المعاينة ولكن قد ينتهي اليوم ودوام الطبيب، ولم يأتِ دورنا في الدخول، وإذا دخلنا للمعاينة يطلب الطبيب فحوصات عديدة لا نستطيع عملها فنضطر إلى العودة للمنزل نصارع المرض بأنفسنا”.
أما أم ابراهيم (مواطنة) فقد أرهقتها أسعار أدوية السكر التي تظل في ارتفاع مستمر ولم تعد لديها القدرة على تحمل التكاليف، بالإضافة إلى عدم استطاعتها اتباع النظام الغذائي المفروض عليها من الأطباء، وأصبحت كغيرها من الأسر تضع الأولوية للمأكل والمشرب والمسكن عوضًا عن الصحة.
التدخلات الصحية للمنظمات طوق النجاة
أوضح تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة الصادر في 15 من نوفمبر في العام 2019م، التدخلات والمساعدات الصحية المنقذة للحياة التي قامت بها المنظمة؛ دعمًا للقطاع الصحي اليمني كان أبرزها توفير الاستشارات الطبية لأكثر من مليون و95 ألفًا من اليمنيين والنازحين، الذين تأثروا بالصراع، بالإضافة إلى توفير عيادات متنقلة للنازحين على طول الساحل اليمني.
هذا وقد دعمت المنظمة احتياجات الترميم والاحتياجات التشغيلية لـ 86 منشأة صحية في جميع أنحاء اليمن، كما تدير المنظمة تسعة فرق صحية متنقلة تزور المهاجرين والنازحين في مواقعهم، أربعة من هذه الفرق تقدم خدمات صحية طارئة على طول ساحل اليمن.
من جانب آخر التزمت اليونيسف، بأن تكفل للأطفال وأسرهم إمكانية الاستفادة من مساعدات الرعاية الصحية المنقذة للحياة وحمايتهم من الإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها، جاء ذلك في تقرير صادر عن منظمة اليونسف في العام 2018 م، وعن طريق عدد من الاستراتيجيات الخاصة بالاستجابة الطارئة، دعمت اليونسف النظام الصحي العام، ووسعت نطاق خدمات التطعيم لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال لحمايتهم من الإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها.
ولتحقيق نتائج صحية أفضل فقد أُطلِقت شبكة العاملين الصحيين المجتمعيين في ثماني محافظات وَ 28 مديرية، بما في ذلك محافظات صنعاء، عدن، حجة، إب، الحديدة، لحج، أبين وحضرموت، قام 121 فريقًا متنقلا عام 2018م بتقديم حُزمة من خدمات الرعاية الصحية والتغذوية للأمهات والأطفال بخاصة في المناطق التي تفتقر إلى المرافق الصحية التي يصعب الوصول إليها وفي مناطق وجود النازحين.
استطلاع.. ازدياد ظاهرة التسول في اليمن سببه الفقر 87 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر منتصف شهر سبتمب…