‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفقر في اليمن من تداعيــــات الفقـــر: التسول باختلاف أساليبه، النظرة القانونية، ودور الجهات المعنية

من تداعيــــات الفقـــر: التسول باختلاف أساليبه، النظرة القانونية، ودور الجهات المعنية

صوت الأمل – سماح عملاق

تتزايد معدلات ظاهرة التسول في اليمن باستمرار، حيث ترتفع أعداد المتسولين ارتفاعًا متزايداً لا سيما أن الوضع الحالي للبلاد يتزامن مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس “كورونا”، والصراع وما يرافق ذلك من انقطاع الرواتب الحكومية، وضعف الخدمات العامة، وانهيار العملة المحلية مقابل النقد الأجنبي؛ ما يدفع فئات كثيرة إلى امتهان التسول لسد احتياجاتها.

وفي حالات غير قليلة تحولت هذه الظاهرة إلى عصابات منظمة لاستمالة مشاعر الرحمة والشفقة لدى المواطنين، كما توجد فئات معينة اضطرت إلى مد يدها للناس بعد فقدان وظائفها، خصوصًا الأرامل والطاعنين في السن، فإن فئات أخرى تجعل من التسول طقسًا سنويًّا للربح السريع في فترات معينة من العام مثل شهر رمضان المبارك؛ نظرًا إلى الأجواء الروحانية التي تطبع هذا الشهر.

دوافع ومبررات للتسول

      في هذا السياق قال د. محمود البكاري (أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز): إن التسول يعدُّ ظاهرة اجتماعية لها آثار سلبية في الفرد والمجتمع؛ لأنها تعبر عن وجود خلل في طبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، فهي من ناحية تدل على وجود حالة من البطالة الناتجة عن عدم وجود فرص عمل، وعن حالة فساد مستشرٍ بجهاز الدولة؛ والنتيجة الحتمية هي ترسخ ظاهرة الفقر والحرمان، من ثمَّ حرمان المجتمع من إمكاناته المادية والبشرية، وماسبق يؤدي إلى استفحال ظاهرة التسول”.

ويقول البكاري انه لا يعتقد فيما يقال إن بعضهم يمارسون التسول برغبة وقناعة؛ لأن كرامة الإنسان هي أغلى مايملك؛ فلابد أن تكون هناك ظروف قاهرة وصعبة، تدعو لامتهان التسول، وإذا وُجدت بعض الحالات التي ترغب في التسول طواعية فهي بالتأكيد نادرة وليس الأصل أو القاعدة.

محمد الياسري (ضابط في الجيش) قال: هناك أسباب عديدة للتسول وانتشاره، فقد يلجأ بعضهم إلى التسول مضطرًاً في البداية نتيجة الفقر، وبعد ذلك وبسبب ما يجنيه من دخل مرتفع، احترف التسول وجعله مهنة له، وبعضهم قد يكون ضحية لعصابة منظمة حيث يُختطَف صغيرًاً، ومن ثم يُجبَر على العمل في التسول؛ و يُستَغلُّ الأطفال لجذب الشخص المتصدق بعين الرأفة والرحمة.

أساليب مختلفة

    وفيما يتعلق بأساليب الاستعطاف يشرح مروان فضل (محافظة الضالع)، بالقول: “لكلٍّ طريقته، بعض المتسولين يلجؤون إلى الدعاء وقراءة القرآن، والبعض يتخذ القصة المؤثرة وسيلة للكسب، في حين تلجأ فئة إلى إظهار أماكن إصابتها بمرض أو ورقة شراء الأدوية التي عجزت عن توفير ثمنها، فيما تلجأ فئة أخرى إلى التسول بالكتابة، وذلك بتوزيع أوراق على ركاب الحافلات، تحكي الوضع الاجتماعي الضعيف، لاستعطاف الناس، وهكذا إلى درجة يحار فيها الشخص كيف يميز بين المتسول الصادق والمتحايل”.

       يفيد فواز عبده (محافظة إب) أن ظاهرة التسول منتشرة في مجتمعنا اليمني وأكثر منطقة تنتشر فيها هذه الظاهرة هي مدينة الحديدة، أما بالنسبة لأساليب ظاهرة التسول فهناك التسول بمواقف الباصات والسيارات (الفرزات) ومنهم من يدعي المرض، ومنهم من يقول إنه غريب عن المنطقة، وقد ظهرت ظاهرة أخرى تتمثل بأن الشخص لايملك تكاليف التعليم وغيرها وبعض المتسولين لديهم أموال وعقارات بل وحسابات في البنوك.

ويضيف عبده “ويكثر وجود المتسولين في الأسواق والشوارع أو عند المساجد والمطاعم والبنوك، وأحيانًاً يطرقون الأبواب ويكثر وجودهم في بعض المواسم خاصةً في شهر رمضان الذي يكثر فيه إخراج الصدقات، كما أن أغلب المتسولين من فئة الأطفال”

التسول الإلكتروني

تقول حنان محمد الشريف (ناشطة مجتمعية – تعز): “ انتشرت ظاهرة التسول الإلكتروني، مع تزايد استخدام الوسائل التقنية الحديثة، وارتفاع أعداد المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعية، وابتكر المتسولون طرقًا جديدة، بحسابات وهمية وأرقام هواتف غير حقيقية، للوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص”.

وتضيف الشريف، أن المتسول الإلكتروني يستخدم أساليب جديدة وسيناريو تتكرر تفاصيله، وتتغير أبطاله كل فترة من الزمن، عبر رسائل بنداءات استغاثة، بداعي الفقر والمرض والوقوع ضحية لكوارث الصراع أو الطبيعة وجميعها تقريبًا بروايات ملفقة.

وطالبت الأخصائية الاجتماعية (بشرى محمد) بتحكيم العقل وعدم الالتفات أو الاهتمام والتفاعل وراء تلك الرسائل والمنشورات الاستعطافية، والتعامل بالعقل والمزيد من الحكمة والحذر من الوقوع في مثل هذه الخديعة، وعدم إرسال الأموال التي لا يعلم فيما ستستخدم أو لمن تصل، والتأكد من احتياجهم فعلًا للمساعدة، كما طالبت بإبلاغ الجهات المسؤولة عن المتسولين المتكسبين بطرائق الاتصال المخصصة، إذ تتأكد تلك الجهات من حالة المتسول، إن كان محتاجًاً، فإما أن تؤمن له عملًا شريفًاً، إن كان قادرًاً على العمل، وإما أن تعاقبه، إن كان يتخذ التسول مهنة فيكذب على الناس.

كما دعا الدكتور هيثم بن سيدم (مدير البرامج في مؤسسة سفراء الخير للأعمال الخيرية والإنسانية – إب) كل من يريد أن يتصدق، أن يوجه أمواله إلى الجهات المعتمدة التي تتوافر لديها الخبرة في التفرقة بين المحتاج والمتسول، عبر لجان وباحثين، فليس كل من تواصل معنا وبكى تعاطفنا معه.

وأضاف سيدم: “نحن مسؤولون عن الأموال التي بين أيدينا، وكيف ولمن ننفقها، وتوجيهها إلى مصارفها الشرعية، وللعلم فإن المتسولين ومن خلفهم يبتعدون عن الذهاب إلى هذه الجهات، لأنها تعتمد على آليات واضحة في البحث الاجتماعي والدراسة، والتحقق من مدى حاجة الفرد إلى الزكاة، أو الصدقة، أو المساعدة”.

عصابات منظمة

بين فريق (التوعية الاجتماعية)، أن احتراف التسول وانتشار العصابات المنظمة، وتوقف عملية التحديث لبيانات صندوق الرعاية الاجتماعية وضعف المساعدات المقدمة للفقراء وغياب الآليات والدراسات وتجميد التشريعات المجرمة لامتهان التسول، كل ما سبق ذكره عوامل أساسية أدَّت إلى انتشار التسول في السنوات الأخيرة، خصوصًا في ظل تقاعس الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية عن أداء دورها وتحمل مسؤولياتها في الحد من الظاهرة.

يضاف إلى ذلك عدم تفعيل قانوني العمل والتأمينات والمعاشات الاجتماعية والصحية، وضعف برامج التمكين الاقتصادي ودعم الأسر المنتجة والتعليم المهني ومحو الأمية، وفقًا لدراسة الفريق حول التسول والمنشورة في يناير 2021م.

تقول بشرى محمد (الأخصائية في علم الاجتماع): «إن الدراسات تشير إلى الآثار المدمرة للتسول على المجتمع منها انتشار الاعتداءات الجنسية بين المتسولين وتحول الأطفال إلى مجرمين نظرًا لافتقارهم للمبادئ والقيم والأخلاقيات، وتعرضهم لأسوأ أشكال الاستغلال، واعتمادهم على الأساليب المختلفة للحصول على الأموال من دون مقابل وكذا عدم حصولهم على أي مؤهلات علمية، تساعدهم في كسب أرزاقهم بعد تجاوز مرحلة الطفولة ــ مرحلة يعزف المحسنون فيها عن إعطاء أموالهم للأطفال ــ مما يدفع مستغليهم للتخلي عنهم”.

وتضيف بشرى، تؤدي الظاهرة إلى انتشار الأمراض النفسية لدى أطفال التسول والنقمة على المجتمع، مما يسهل عملية تجنيدهم من قبل العصابات الإجرامية، بالإضافة إلى الأمراض العصبية وغيرها الناتجة عن إعطاء الأطفال والمستغلين عقاقير طبية مخدرة لإظهارهم على الوجه المطلوب.

في رحاب الدستور

وأشار المحامي «مازن سلام» إلى أن القانون اليمني تعامل مع التسول كسلوك إنساني منحرف وغير أخلاقي، وأدرجه ضمن دائرة التجريم، كونه فعلًا مخلًا يستحق المساءلة والعقاب؛ حيث نص في المادة (203)من قانون العقوبات اليمني النافذ رقم  12لسنة 1994م التي قضت بأن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر من اعتاد ممارسة التسول بأي مكان إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للعيش، وتكون العقوبة الحبس بما لا يزيد عن سنة إذا رافق الفعل التهديد أو إدعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه، ويجوز للمحكمة بدلًا من الحكم على المتسول بالعقوبة المقررة أن تأمر بتكليفه بعمل إلزامي مدته لا تزيد عن سنة إذا كان قادرًا على العمل أو تأمر بإيداعه ملجأً أو دار للعجزة أو مؤسسة خيرية معترف بها إذا كان عاجزًا عن العمل وذلك متى ماكان إلحاق أي منهما بالمحل الملائم له ممكنًا).

ويكمل المحامي سلام:” في رأي الشخصي أن نفاذ مثل هذا النص ومن باب العدالة، يجب أن تقوم الدولة والنظام العام بواجباتها القانونية والدستورية تجاه مواطنيها بتوفير حالة اقتصادية ملائمة تعمل على توفير فرص للعمل بما يكفل العيش الكريم وتفعيل دور المؤسسات المجتمعية، للقيام بواجباتها تجاه المجتمع كدور رعاية الأيتام والعجزة والإصلاحيات الاجتماعية.

ويقول المحامي هيثم اسماعيل البيضاني لـ “صوت الأمل”: “توسعت رقعة ظاهرة التسول خلال سنوات الصراع الماضية، بل أصبحت تحمل في طياتها ارتكاب جرائم التهديد، وربما قد تصل للقتل والتقطع والنهب المسببة بازدياد معدل الفقر بالنسبة للمجتمع اليمني ودخول نحو 80% تحت خط الفقر من سكان اليمن؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية من توقف رواتب الموظفين والعمال واضطراب حالة النشاط الاقتصادي والسياحي وغيرها من الأسباب بمختلف الجوانب والاتجاهات، وكل تلك الأسباب أدت إلى ما وصلت إليه التقارير والدراسات الأخيرة المتعلقة بشأن اتساع ظاهرة التسول داخل اليمن”.

ويضيف البيضاني، أن السلطة التشريعية اقرت عددًا من القوانين المتعلقة بمكافحة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة لكل حالة فيها فمثلاً: قانون الجرائم والعقوبات وقانون حماية الأطفال وقانون الرعاية الاجتماعية وقانون رعاية الأحداث، فجميع تلك القوانين ونصوصها حملت في طياتها وسطورها القواعد الآمرة بمعالجة جانبين رئيسين لهذه الظاهرة:

   الأول: مكافحة ظاهرة التسول والحد منها عن طريق تشريع نصوص قانونية في قانون الجرائم والعقوبات اليمني تعدُّ التسول جريمة يعاقب عليها القانون اليمني بنص المادة (203)، والثاني: مكافحة استغلال الأطفال لظاهرة التسول، لهذا القانون اليمني أنشأ عددًا من القوانين من خلال السلطة التشريعية بعد إجراء الدراسات والمقترحات بهدف حماية حقوق الطفل اليمني كقانون حماية الأطفال وقانون رعاية الأحداث اللذان بينا عقوبة لمن يقوم باستغلال الأطفال ماديًاً أو جنسيًّا”.

حلول مقترحة للظاهرة

تجمع الدراسات وكذلك أخصائيو المشكلة على عدد من الإجراءات الفاعلة لمعالجة التسول، أولها إعادة تفعيل العمل بقانوني الجرائم والعقوبات، ومكافحة الاتجار بالبشر، واتخاذ الإجراءات الحازمة والرادعة بحق عصابات التسول ومن ثبت متاجرتهم بأولادهم وذويهم.

“وتشمل المعالجات توسيع مظلة المستفيدين من الضمان الاجتماعي عبر صندوق الرعاية الاجتماعية وتعزيز التعاون بين الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للزكاة لمعالجة أوضاع من يثبت أن الحاجة هي من دفعتهم إلى التسول عن طريق عدد من البرامج المناسبة لأوضاعهم الصحية والاجتماعية، فضلاً عن تمكين ذوي الحاجة من المتسولين اقتصاديًّا ومهنيًّا”، وفقًا للأخصائية الاجتماعية في محافظة حضرموت بشرى محمد.

     وتوصي الدراسات باستهداف المناطق الريفية والشرائح المجتمعية المصدرة للمتسولين بعدد من برامج التوعية المعززة لقيم الاعتزاز بالذات وإحياء الوازع الديني، وكذا توعية المجتمع بمخاطر التسول وآثاره والأساليب التي تتبعها العصابات.

     إلا أن من أكثر الحلول فاعلية حسب الشيخ همدان عبد الرب الصلاحي (من أعيان محافظة إب) “إحياء قيم التكافل الاجتماعي وتعزيز حضور المكونات الرسمية والمجتمعية المنظمة له على مستوى المديريات والعزل والأحياء والقرى في مكافحة التسول والتخفيف من آثار الفقر”.

جهود حكومية

في صنعاء شُكِّلت لجنة وزارية لاتخاذ الإجراءات المناسبة من مختلف الجهات ذات العلاقة لمكافحة هذه الظاهرة، مع التركيز على تكثيف حملات التوعية في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام لخلق ثقافة مجتمعية مناهضة لهذا السلوك والعمل على توفير سبل العيش الكريم للمحتاجين فعليًّا من هذه الشريحة بإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

       بدورها أعدت أمانة العاصمة مصفوفة عمل حول التطبيق العملي لمكافحة التسول لتمثل باكورة النشاط الحكومي للتعامل مع هذه الظاهرة ونموذج لتجربة ستُعمَّم لاحقًا على كل المحافظات.

     ويقول عبد المجيد الشبيبي (مدير مكتب المدير العام لمكتب الهيئة الزكوية في إب): لقد بدأنا في مكتب الهيئة العامة للزكاة في إب بإجراء مسوحات ميدانية للمتسولين عبر لجان مختصة، وسننزل لجان جديدة للتأكد من الحصر والمسح السابق، ونجهز هذه الفترة معامل عديدة للتدريب المهني، وسنستقطب الشباب من الأسر الفقيرة في المحافظة ليتعلموا، حسب ميول كل فرد على حدة؛ في سبيل حصولهم على المهن اللائقة التي تقيهم ذلّ المسألة، وتحفظ ماء وجههم”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع.. ازدياد ظاهرة التسول في اليمن سببه الفقر 87 %

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر منتصف شهر سبتمب…