‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفقر في اليمن لا تنمية بدون معالجة مشكلة الفقر

لا تنمية بدون معالجة مشكلة الفقر

تعدُّ ظاهرة الفقر من أكبر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، إن لم تكن أكبرها على الاطلاق وأكثرها إيلامًا للعقل والضمير، وأخطرها تأثيرًا في الوضع الاقتصادي والمعيشي، كما أن  الفقر يعمل على إحداث تغيرات في  الأخلاق والسلوك، وتحطيمًا للكرامات والنفوس داخل المجتمعات، وقد نُسب إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ قوله: «لو كان الفقر رجلًا لقتلته». وفي هذا دليلٌ واضح على بشاعة جريمة الفقر، كون للفقر عواقب وخيمة في  الوسط الاجتماعي وعلى الجانب النفسي، وقد تكون آثار الفقر سلبية على من يعانون من الفقر المدقع حيث يؤدي في حالة ضعف الوازع الديني والنفسي إلى تزايد جرائم السرقات والغش والفساد وفقدان الثقة في النفس والسخط على المجتمع، إلى جانب انتشار  البطالة في المجتمعات الفقيرة.

وتعدُّ ظاهرة الفقر قضية مجتمعية كبيرة مطروحة أمام المسؤولين والدولة، وقد تخلق مشكلات متعددة في المستقبل؛ لذا يتطلب إدراجها ضمن أولويات الحكومة بحيث تعمل المعالجات والحلول المناسبة مثل توفير فرص العمل لمن يعانون من ارتفاع نسبة الفقر بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية وركود الانتعاش الاقتصادي والتنموي الذي نتج عنه عجز ــ في القطاعين العام والخاص ــ في توفير فرص عمل للمواطنين رجالًا ونساء، حيث إن أفضل وسيلة للقضاء على البطالة والفقر هي إيجاد فرص عمل تقضي على الفقر والبطالة. وعدم معالجة مشكلة الفقر، والاعتماد على ما يقدم خارجيًّا من  مساعدات إغاثية عن طريق المنظمات الدولية سواء أكانت عينية أم نقدية لن يقدم حلًا للمشكلة ولن يخدم قضية الحدِّ من الفقر، بل بالعكس سيزيد من فجوة الفقر والبطالة ويحوِّل المجتمع إلى وُكَلَةٍ معتمد على المساعدات الغذائية التي تأتيه من دون عمل، وستكون نتائج ذلك عكسية من حيث ارتفاع نسبة الفقر وزيادة المشكلات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، وسوف يؤدي بعدها إلى استنزاف للعملة الصعبة لعمل المعالجات؛ ولذلك يجب تبني خلق مشروعات صغيرة مدرة للدخل تساعد الفقراء على الاعتماد على أنفسهم، وتحسين سبل العيش.

ومن أهم أسباب الفقر هو عدم وجود مصادر دخل لحياة الأفراد في المجتمع. ويُطلق الفقر على الأفراد  الذين يفتقرون إلى الدخل لتوفير الموارد الأساسيّة، إضافة إلى عجز الأفراد عن تلبيّة الحاجات الأساسيّة لأنفسهم كالطعام، والشرب، واللباس والمسكن، فهو يشمل كل حالات الجوع وسوء التغذيّة للأفراد، كما يرتبط الفقر بالكثير من الأسباب التي تساعد في نشره، أهمها ارتفاع نسبة النمو السكاني في اليمن، إضافة إلى ما تتعرض لها الدولة من حرب وصراع وكوارث وفيضانات تزيد من صعوبة المعيشة واستنزاف الطاقات والموارد، هذا كله يؤدي إلى حالة النزوح والهجرة الداخلية والخارجية؛ سعيًا إلى إيجاد الاستقرار والمأوى، والبحث عن مصدر رزق وفرص عمل للعيش الكريم، حيث إن الفقر تقل نسبته في المجتمعات المتعلمة والمنظمة للجهود البشريّة، ويزيد الفقر في المجتمعات التي تعتمد على غيرها في استيراد كل شيء، وظاهرة الفقر تنتشر بنسب متفاوتة في جميع المجتمعات، الفرق يعتمد على درجة الفقر، ونوعيته، إضافة إلى شدته وإلى تفاوت نسبة الفقراء في كلِّ مجتمع، ويمكن تقسيم مسببات  الفقر على: أسباب طبيعية، وداخليّة، وأخرى خارجيّة.

فمن الأسباب الطبيعية: الفيضانات والكوارث التي تدمر البنية التحتية للمجتمعات.

أما الأسباب الداخليّة: فهي طبيعة المجتمع، ومدى تعلمه ونشاطه وتطوره الحضاري، إضافة إلى قدرته على تنظيم الأعمال والأنشطة، والإسهام في الإفادة من الثروة الداخلية، كالزراعة، والحرف اليدوية التقليدية ، ومعامل التصنيع اليدوية  وغيرها، لكن بسبب غياب الوعي بمخاطر الفقر والبطالة لدى الحكومة أدَّى إلى تدني المستوى المعيشي لدى المجتمعات كونها لم تعط اهتمامًا بحاجات المجتمع من توفير بنية تحتية قادرة على مساعدة المجتمع، فإما أن تنقذه من الفقر وإما أن يستفحل الأمر فتزيد حالات الفقر، وذلك عن طريق ارتباط العامل السياسي بالعامل الاقتصادي، مما يسبب الاتساع في الحاجة وفي رقعة الفقر، بسبب  الفساد المالي والإداري والظلم وعدم التوزيع العادل للثروة والخدمات، كل هذه العوامل تؤدي إلى دمار المجتمع وفشله.

وأما الأسباب الخارجيّة: فمنها الحروب والصراعات الدوليّة والمحلية التي تفرض جبروتها على البلدان فتحرمها من أن تنمو وتُطور نفسها، وذلك لتبقى ثروات الدول الضعيفة والفقيرة غير مستغلة بهدف جعل البلد فقير، كذلك سوء توزيع المساعدات الدولية بخاصة في البلدان الفقيرة الذي يسود فيها الصراع وعدم الرقابة على توزيع المساعدات الإنسانية للفقراء، وبغياب الدور الرقابي فإن معظم المساعدات تذهب إلى المتصارعين ليقوموا باستخدامها استخدامًا غير إنساني ولمصالحهم الشخصية، ومن ثمَّ يستمر الفقر في تزايد وتظهر البطالة وظاهرة التسول.

ومشكلة الفقر هي مشكلة  على مستوى العالم عامة واليمن بوجه خاص، ويترتب على بقاء الفقر الحرمان في كل المستويات في المجتمع، كالمستوى الصحي، والتعليمي، والسكني، ويترتب على الفقر أيضًا انتشار الأمية، وهذا الأمر يوضح مدى خطورة انتشار وتنامي الفقر، وله آثاره السلبيّة وبخاصة على العِلم، فالفقر يجعل المواطن يرى الأمور بمنظور غير سليم، بل إن نفسيته تكتئب وتتعقد بسبب الفقر، وذلك لأنه لم يتعلم فالعِلم يُدرب الفرد على النظر في أمور الحياة بمنظور سليم وإيجابي، كما أن العِلم يدعو إلى أن يسعى الفرد إلى طموحه مهما كانت الظروف المحيطة به، لذلك فقد كان فقدان الأفراد للعلم سببًا من أسباب الفقر في المجتمع، وقلة العِلم تجعل المجتمع يسعى إلى البحث عن لقمة العيش فقط، فالفقر يُولِّد مجتمعًا قليل الإبداع والإنتاج والتطور، فكلما كان المجتمع يعاني الفقر، قلت الابتكارات والنشاطات التي تسهم في نهوضه، وذلك يعود إلى عدم توفر القدرات المطلوبة.

ومن الاستراتيجيات المتبعة للحدِّ من الفقر على المدى الطويل قناعة أصحاب السياسة بأن التنميّة البشريّة هي القادرة على النمو الاقتصادي، وهذا سيساعد في مكافحة الفقر، إضافة إلى تعديل أساليب الإنفاق في الدولة، وإعادة جدولة التوازن بين المناطق في الدولة، ومن ثمَّ مقارنة هذا التوازن والنظر إلى المناطق الفقيرة، ومعرفة سبب فقرها وتخصيص نفقة خاصة لها من ميزانية الدولة من أجل الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية.

ثمة دراسات وتقارير للأمم المتحدة عن الفقر تشير إلى أن نسبة الفقر في اليمن وصلت إلى75 %  يعيشون تحت خط الفقر، يعيشون على أقل من1.9 دولار يوميًّا، بسبب ارتفاع معدلات الفقر العالية، حيث تجاوز الفقر في اليمن أكثر من 45% من مجموع السكان وهذه النسبة في ازدياد مستمر ودائم بسبب الصراع والقتال، وانهيار الوضع الاقتصادي، وتدنى الوضع المعيشي، وعدم صرف مرتبات الموظفين المدنيين، إلى جانب مشكلة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والكوارث والفيضانات، مع ظهور الموجة الثاني من كوفيد-19 ، إلى جانب تدني الوضع الاقتصادي.

في النهاية لا بد من إدراك مدى خطر توسع دائرة  الفقر على المجتمعات، وما سيترتب عليه من إعاقة في الحياة الاجتماعية ستقضي على فرص النجاح، والابتكار، والإبداع، وهو الأمر الذي فرض على البلدان، لذا عليها أن تجعل مكافحة الفقر من أولوياتها، فالفقر ظاهرة اقتصادية واجتماعية تؤدي إلى فشل المجتمع وضياعه، ولا بد للبلدان التي تعاني الفقر  ــ في مختلف العالم ـ مواجهته والحد منه حتى تتمكن من مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية  مع المحيط الإقليمي والدولي.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع.. ازدياد ظاهرة التسول في اليمن سببه الفقر 87 %

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر منتصف شهر سبتمب…