محافظات جنوب اليمن ما بين تأثير النظام القبلي وعودته مــــــن جديد: القبيلة تلاشت في التشكيلات التنظيمية في جنـــوب اليمن على مدى 25 عاما
صوت الأمل – منال أمين وحنين الوحش
«من المعروف أنه في مسألة القبيلة وعلاقتها بالمجتمع المدني يبرز بوضوح التفاوت الكبير في طبيعة القبيلة في اليمن على مستويات عديدة, ففي جنوب اليمن الشمالي (اليمن الأسفل) بدأت القبيلة تندمج في المجتمع المدني, وتفقد ارتباطها بالقبيلة, ولهذا شهدت هذه المنطقة الولادة الأولى لغالبية الأحزاب اليمنية» . هذا الذي استعرضه المحلل السياسي والصحفي ــ فضل عدم ذكر اسمه للصحيفة لدواعٍ أمنية.
حيث أشار في تصريح خاص لـ»صوت الأمل» إلى أن في اليمن الجنوبي ــ سابقًاــ تلاشت القبيلة في التشكيلات التنظيمية لتتوحد داخل الحزب الحاكم, حتى إذا نشبت الصراعات داخل السلطة برزت أجنحتها في صورة فرز قبلي وعشائري, فقد كان الاتجاه السياسي للدولة ضد القبلية ولهذا اختفت كل مظاهر القبلية على مدى 25 عامًا.
وأضاف: مع أن الجنوب كان يعدُّ بيئة قبلية من الطراز الأول, إلا أن هذه البيئة القبلية تخلخلت وتحللت بفعل الإدارة التجارية للاستعمار البريطاني على مدى 130 سنة, وبفعل النظام الذي تلا الاستقلال مباشرة لأنه انحاز إلى الدولة بمفهوم الدولة وليس بمفهوم القبيلة, والآن ثمة من يريد إعادة القبيلة إلى هذه المساحة.
تأثير النظام القبلي
يؤكد نائب وزير التعليم الفني والتدريب المهني عبدربه غانم المحولي أن تأثير النظام القبلي في المحافظات الجنوبية مازال مؤثرًا إلى الآن, حيث يقوم بحل العديد من النزاعات والمشكلات التي قد تتسبب في سقوط الكثير من الضحايا.
ويستعرض المحولي لـ»صوت الأمل» واقعة الاقتحام الذي تعرض لها في أبريل 2020م، إذ قام مجموعة من الأشخاص المسلحين في أطقم وعربات مسلحة يتبعون قبيلة أخرى باقتحام بيته, وأدَّى ذلك إلى اعتقال 17 شخصًا كانوا في المنزل ونُهبت محتويات المنزل, وأرعبت العائلات والأطفال الموجودون بالمنزل, متجاوزين مكانته الاجتماعية لدى قبائل الصبيحة, وبإصدار الحكم القبلي انتهت الواقعة كليًّا ودُفِعت الغرامات للمتضررين بحضور قيادات عسكرية وأمنية وشخصيات اجتماعية ومشايخ وأعيان من محافظة لحج.
بروز قبائل من جديد
وفي تقرير نشر في صحيفة البيان في 2015م بعنوان «القبائل اليمنية الطرف الحاسم في المواجهة» بيَّن أن عودة القبيلة في مناطق يمنية عديدة جاءت لتسد فراغ غياب الدولة وفشل الأحزاب فيها, التي أدت الى بروز اللجان الشعبية القبلية في أبين، وشبوة، وحضرموت، ومناطق كثيرة في محافظة تعز, كما برزت قبائل الصبيحة، والضالع، وشرعب، وحضرموت، والصلو وغيرها.
وأشار التقرير إلى استخدام القبائل كقوة غير نظامية، سواء من السلطات أو من الجماعات المعارضة لها، خصوصًا أن القبائل تنظر إلى تركيبة الجيش في اليمن على أنها لا تعكس تركيبة وطنية، بل هي غلبة لقبيلة أو منطقة على حساب بقية المناطق, وتتعامل معه في كثير من الأوقات على هذا الأساس.
الواقع التاريخي في عدن
محمد قاسم نعمان (رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان) يقول لـ»صوت الأمل»: إن عدن في الواقع التاريخي لم تكن تحُكم بالقبيلة مع خضوعها لسلطنة لحج في فترة من الفترات, لكنها لم تكن تخضع لقبيلة محددة في لحج, وكانت علاقة عدن بسلطنة لحج علاقة إدارية ومعنوية.
وبيَّن أن أساس المكون التاريخي الذي ترسخ في عدن هو النظام والقانون الخاص بالمستعمرات البريطانية (محمية عدن ـ محمية بريطانية ) وقبل الاحتلال البريطاني خضعت عدن للحماية العثمانية عن طريق سلطنة العبدلي في لحج.
وأضاف نعمان, أنه بعد الاستقلال حرص مكونو دولة الجنوب في القرن الماضي على توحيد أراضي كل الجنوب ولم يكن توحيد لقبائل الجنوب, لأن النظام الذي تكون فيه كان يهدف إلى بناء دولة مدينة تتوحد فيها كل مكونات الأراضي الجنوبية.
القبائل في شبوة
وهذا نموذجٌ لدور القبائل المؤثرة في محافظة شبوة في جنوب اليمن، يوضحه الدكتور خالد عبدالله طوحل (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة عدن)، فيقول: إن محافظة شبوة تتميز بمجتمعات أو تجمعات قبلية وليست خليطًا, حيث تعد قبائل, الواحدي , والعوالق والهلالي, والبيحاني من أشهر القبائل المؤثرة في المحافظة, ولهم نظام خاص يتبعوه لحل مشكلات وقضايا الناس.
وبيَّن لـ»صوت الأمل» أن القبيلة في شبوة تتميز بالشجاعة والشهامة والحفاظ على المصلحة العامة والابتعاد عن كل ما يضر بسمعتهم, ولهم عادات وتقاليد متوارثة يتبعونها في فرض هيبتهم وأحكامهم في أثناء فض النزاعات أسهمت في تعزيز احترام الناس لهم.
وأضاف: أن القبيلة في عتق وبعض المناطق في شبوة لها دورٌ بارزٌ في تعزيز الأمن والاستقرار داخل المحافظة بخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد, وتتعايش مع كل من يلجأ إليها من المحافظات الأخرى, وتسهم في الحفاظ على الحق العام والخاص, وتقف مع المظلوم مهما كان نوع القضية.
كما أوضح طوحل أنه عند حدوث مشكلة ما أو قضية قتل في القبيلة يلجأ أهل القتيل إلى شيخ قبيلة القاتل أو إلى العقلاء منهم, فيجدون من ينصفهم في حال ثبت صدق ما يقولون، أو تذهب القبيلة المعتدَى عليها وتشتكي من قتل أو سرقة أو أي عملٍ إجرامي وقع عليها, حيث يقوم الشيخ باستدعاء المعتدي وأهله, وتجتمع القبيلة في حال الرفض أو عدم الانصياع إلى رأي العاقل, ويُنفذ القصاصُ عليه إذا ثبت أنه مجرم أو معتدٍ, وذلك للحفاظ على سمعة القبيلة وفرض الاحترام المتبادل مع القبائل الأخرى ضمن الأعراف التي يتناقلها الأبناء عن الأجداد.
تأثيرات عودة النظام القبلي
«إن القبلية ليست طرفًا محايدًا ولم تكن كيانًا معزولًا، بل تأثرت وأثرت، ولعلها تأثرت أكثر فاخترقتها الأحزاب والأيديولوجيات والمصالح الاقتصادية والسياسية المحلية والإقليمية وكانت ميدان المعارك السياسية الحزبية على مدار سنوات». هذا ما أشار إليه تقرير صحيفة البيان «القبائل اليمنية الطرف الحاسم في المواجهة في 2015م».
توحيد شاهر (مختص بالشؤون القانونية في تعز) , يقول لـ”صوت الأمل”: إن عودة النظام القبلي في محافظة تعز خلال هذه المرحلة انعكس انعكاسًا سلبيًّا على نمط الحياة بالمدينة, حيث إن عودة دور القبيلة أدَّى إلى إلغاء سيادة القانون والدولة, وانتشار ممارسات خاطئة في الحياة العامة.
وأكد أنه لا يمكن استبدال سيادة القانون بالنظام القبلي في المجمل, لأنه يحكم طبقة معينة من فئات المجتمع, أما القانون فيخدم المجتمع بأكمله. مضيفًا، أن من أهم تأثيرات عودة النظام القبلي في المدينة انتشار الفوضى والجريمة وضعف تطبيق القانون وتغيبه تغييبًا كبيرًا.
يوافقه الرأي المحامي من تعز عدنان مدهش، حيث قال: إن أسباب عودة النظام القبلي في تعز والمحافظات الجنوبية ظهر بسبب غياب دور الدولة ومؤسساتها على أرض الواقع, الأمر الذي سهل سيطرة المشايخ على زمام القرار في الكثير من القضايا المهمة.
وبيَّن أن التأثيرات الناتجة عن عودة الأنظمة القبلية للظهور مرة أخرى أضعفت مؤسسات الدولة وأخضعتها إلى تنفيذ كل ما يخدم مصالحها، بل وفي بعض الأحيان تصفية كل من يعارضها وباسم القانون.
وحول مدى التوافق بين النظام القبلي وفرض القانون خلال هذه المرحلة، يؤكد الشيخ ناصر عبدالله (مدير مديرية خنفر في محافظة أبين) أن هناك شبه توافق بين النظام القبلي والقانون على أرض الواقع في حل النزاعات في مختلف القضايا, عن طريق معاقبة الجاني ضمن أحكام تتوافق مع قوانين الدولة, حيث إن الوضع الصعب الذي تمر بها البلاد من الناحية الأمنية والقانونية أفضى إلى اللجوء إلى العرف القبلي لحل الكثير من المشكلات والنزاعات بين الأشخاص والقبائل.
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …