نقاط القوة والضَّعف: هل في الإمكان تشارُك النظام القبلي والدولة المدنية؟
صوت الأمل – رجاء مكرد
إن الحداثة في تحديد البناء الهيكلي للدولة تمرُ بمراحل من حيث التطور التاريخي للأفكار وللحياة عمومًا، هذا التطور يختلف باختلاف التصورات البشرية المتوارثة أو المنتقاة، ولما كان النظام القبلي والدولة جزءًا من تاريخ اليمن وحضارته كان لنا الحديث مع الكاتب الصُحفي حسن العُديني حول مفهوم النظام القبلي باليمن.
كيف كانت بداية المفهوم القبلي في اليمن؟
القبيلة سابقة على الدولة في اليمن وفي المعمورة كلّها، في البداية كانت الأسرة والعائلة ثم العشيرة فالقبيلة. وأول ما وحد هذه الأُطر رابطة الدم قبل أن تحافظ على كيانها ووحدتها غريزة البقاء، لقد حتمت هذه الغريزة العيش المشترك بحثًا عن الغذاء، وحماية للنفس من أخطار الطبيعة وللتصدي لغارات القبائل الأخرى كما للإغارة عليها.
وكان لا بد أن تجد الأسرة والقبيلة وسيلة للتخاطب، بدأت بالإيماءات إلى اللغات البدائية، كان لا بد أيضًا أن تنشأ عادات وتقاليد وأعراف خاصة بكل قبيلة تختلف أو تتماثل كليًا أو جزئيًّا مع عادات وتقاليد وأعراف قبائل أخرى.
ثم تحتم قيام نوع من التنظيم للعشيرة وللقبيلة من بعدها يكون على رأسها شخص يقود ويوجه، ومن بعد اكتشفت الزراعة وبدأ الاستقرار والانتقال من الكهوف والخيام المضروبة في الواحات إلى السكن في تجمعات ثابتة ونشأت الدولة.
المهم في الأمر، أن طور القبيلة هذا مرت به البشرية كلها واختلفت المراحل, فقد قامت دول وحضارات قبل آلاف السنيين بينما لا تزال بعض البلدان تعرف حياة البدو والرحال في الصحاري، وفي أفريقيا ثمة قبائل يعيش أفرادها عراة أو يكسون بعض أجسادهم بأوراق الأشجار .
مقابل هذا، طوت أوروبا الزمان حتى ترسخت في دولها الديمقراطية وقامت الدولة المدنية التي انبثقت من ركام تاريخ أمتلأ بالقبائل الهمجية.
وبين أوروبا وأمريكا الشمالية حيث الدولة القبلية وبعض دول أفريقيا وآسيا حيث القبائل البدائية، تشهد بلدان كثيرة صراع على المستقبل بين الدولة والقبيلة.
إن ذوبان القبيلة في مجتمع متجانس، حصل بفعل التطور الاقتصادي والإيناع الفكري والحضاري حيث تسارعت حركة التاريخ من مطلع عصر النهضة إلى عصرنا الحالي.
في اليمن ما زالت القبائل تحمل أسماءها القديمة, حاشد وبكيل وهمدان ومذحج ويافع والعوالق … واليمن نام على نفسه (استمر الصراع فيه)، أكثر من ألف سنة تحت طغيان الأئمة والدويلات المتناحرة. وحينما حاولت بعض الجماعات المستنيرة أن تقيمه من هجعته، وتشق الطريق نحو فجر الحرية احتالت القبيلة وركبت موجة الثورة واستولت على الدولة في الشمال والجنوب على السواء.
برأيك ما مراكز القوة والضعف في النظام القبلي؟
لا يتمتع النظام القبلي بأي من نقاط القوة، إن الدولة غنيمة في نظر القبيلة فهي تستأثر بالموارد العامة ولا تعطي التنمية الاقتصادية والاجتماعية أي اهتمام، كما لا تعبأ بتوفير الحاجات الأساسية لعموم الشعب, وهي ترفض مبدأ المواطنة المتساوية، ولا تقيم وزنًا للحريات، والنظام القبلي يذكي الصراع بين القبائل المتنافسة ويتسبب في صراعات أهلية متطاولة كثيرًا ما تنتهي بانسلاخ أقاليم وتقسيم دول.
ما النقاط التي ممكن أن تكون مشتركة بين النظام القبلي والدولة المدنية ؟ وما نقاط الاختلاف؟
قد توجد مشتركات كثيرة في المظاهر، ولكن الخلافات جذرية في جوهر وطبائع الأشياءعلى سبيل المثال، فإن النظام القبلي ــ ربماــ لا يمانع في إصدار دستور وقوانين، ولا يتردد في السماح بتكوين أحزاب ونقابات مهنية وقيام برلمان ومجالس محلية منتخبة، لكن الأحزاب دائمًا موالية والصحافة صفراء مداهنة, والنقابات والمجالس المحلية والبرلمان مبنية على انتخابات مزورة.
وفي النظام القبلي محاكم وجهاز شرطة، مع ذلك فإن ميزان العدل مختل، لا يصون حياة المواطن وكرامته وحقوقه المدنية.
وللنظام القبلي جيش لا يذود عن حياط الوطن، وإنما يختص بحراسة سلطة القبيلة, والقبلية على أي حال مستعدة للتفريط بالسيادة الوطنية مقابل عوائد مالية.
ما مستقبل اليمن في ظل النظام القبلي؟
يمكن رؤية المستقبل من الراهن الماثل أمامنا، صراعات أهلية، وتمزيق للنسيج الاجتماعي وفقر وأوبئة وبنية تحتية مدمرة وخدمات صحية وتعليمية منهارة، ولسوف ينتهي الصراع كما يتراءى بتقسيم البلاد إلى دويلات يتقاسم النفوذ فيها دول في الإقليم وخارجه، الأمر الذي قد يضيع ثروات اليمن حسب رأيي.
هل ممكن خلق تعايش بين النظام القبلي والدولة المدنية؟ لماذا؟
يصعب الجمع بين الاثنين، فإما نظام قبلي وإما دولة مدنية، ولكن هناك مرحلة انتقال طويلة، لأن إذابة القبيلة في مجتمع متجانس عملية تاريخية، لا تتحقق بالرغبة، بل بالتنمية الاقتصادية الهائلة، والنهوض الفكرية الجبار، وقد تستدعي في المراحل الأولى قيام نظام قوي لا يتهاون ولا يأمن أحدًا.
إن التنمية الخلاقة كفيلة بأن تخلق فرصًا، وتلبي احتياجات، وتدفع بالمتبطلين إلى الانخراط في النشاط الاقتصادي، فيتولد عندهم الشعور بالأمان والاستقرار وسط المجتمع، وليس تحت مظلة شيخ.
هل هناك تعارض في قوانين الدولة المدنية والنظام القبلي؟ ما هو؟
في مجالات معينة يوجد تعارض بالضرورة, ففي الأحوال الشخصية وفي مجال الحريات والحياة العامة، يمكن أن يمنح القانون في الدولة المدنية المرأة حقوقًا لا يجيزها قانون دولة القبيلة. وفي مجالات أخرى قد تتماثل الأحكام كما في القانون المدني والفارق أن السيادة للقانون في الدولة المدنية بينما هو في دولة القبيلة عرضة للانتهاك والاحتقار .
برأيك من سيسهم في حل النزاع في اليمن النظام القبلي أم الدولة المدنية؟ ولماذا؟
لا توجد دولة مدنية يمكن أن تحل النزاع الحالي في اليمن، الحل أن الدويلات القبلية القائمة قد تتفاهم على إيقاف القتال، حين يصيبها الإعياء وإن كان أغلب الظن أن القرار خرج من أيدي اليمنيين منذ وقت بعيد، وبغض النظر عن الصيغة التي قد يتخذها الاتفاق أو الاتفاقات لما يعني إنهاء الصراع فإن الجمرة ستبقى تحت الرماد.
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …