‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة النظام القبلي في اليمن القبائل في اليمن تاريخ وواقع على الأرض .. لمحة عن النظام القبلي في بعض الدول

القبائل في اليمن تاريخ وواقع على الأرض .. لمحة عن النظام القبلي في بعض الدول

صوت الأمل – منال أمين

القبلية في اليمن هي قيمة اجتماعية مؤثرة تأثيرًا كبيرًا في البناء الاجتماعي من كل الجوانب وفي مختلف المحافظات اليمنية منذ آلاف السنيين، ولها حضور قوي في مختلف القضايا (السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية ) وذلك وفقًا لأعراف وأحكام وأدوات تعمل رديفًا لقوانين الدولة والأحكام الشرعية.

     يرجع تاريخ البنية القبلية في اليمن إلى أيام الدولة السبئية القديمة، التي كانت تتمتع بنفوذ القبائل في الدولة اليمنية القديمة, وهناك تقسيمات طبقية كانت تتميز بها القبيلة أفضلها (المكاربة) وهي أعلى طبقة في المجتمع اليمني القديم, ومن ثم برزت اتحادات قبلية شملت (مملكة سبأ، وقتبان، ومَعيـن، وحضرموت), حيث انبثقت من هذه الممالك الأربعة القبائل اليمنية.

   وتعدُّ سبأ أقوى تلك الاتحادات التي استطاعت تكوين نظام أشبه بالفيدرالية, ضمَّت الممالك الأربع وقبائلها، واخترعت الاتحادات القبلية إحساسًا بالهوية عن طريق الدين،  وذلك وفقًا لما ذُكر في كتاب «فرتزل هومل» جغرافيا وتاريخ الشرق الأدنى القديم ص 142, و كتاب «تاريخ الممالك العربية الجنوبية القديمة ص 98» لـ كلاوس سكيبمان .

      في فترات مختلفة من التاريخ اليمني شُكِّلت تحالفات قوية لبناء دول أو إسقاطها مع أن عموم القبائل تعود إلى أقسام مشتركة بطبيعة الحال. إن نسب القبيلة يعد ترفًا معرفيًّا في اليمن فهو ليس بأهمية التحالفات. وقد مرت اليمن بثلاث مراحل أو حقب تاريخية تشكلت فيها الدولة اليمنية الكبرى « معين ، وسبأ ، وحمير » وما عدا ذلك كانت تنشأ دويلات وإمارات صغيرة تتصارع مع بعضها بعضًا .

  وقد ذٌكر في الدراسة العلمية للكاتب مصطفى ناجي الجبزي حول «القبيلة والسلام في اليمن ـ يونيو 2021»: أن المُلك في سبأ  كان بيد قبيلة أو معشر ــ حسب اللفظة السبئيةــ اسمها «فيشان وذو خليل وذو سحر وذي معاهر» , واستمر لهم الحكم,  وشهدت المملكة أكثر أيامها ازدهارًا خلال حكمهم الذي يُعتقد حاليًّا أنه بدأ من القرن الثاني عشر ق.م وحتى القرن الرابع ق.م, حيث إن هؤلاء الملوك أقاموا نظام حكم فيدرالي فجعلوا لكل قبيلة أو مقاطعة حكمًا ذاتيًّا يتبع المملكة عسكريًّا واقتصاديًّا، عن طريق ضرائب يدفعها زعماء تلك القبائل في مواسم ومواعيد ثابتة لمركز الدولة في مأرب.

  وذكرت كتب التاريخ القديم والمعاصر أن الكثير من القبائل المنتشرة في أغلب الدول العربية وبعض الدول الآسيوية والأفريقية تنحدر من أصول يمنية, سواء منها القبائل التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب في عصر الحضارة السبئية القديمة أم التي هاجرت في صدر الإسلام بغرض الجهاد والفتوحات الإسلامية.

   وقال محلل سياسي وصحفي ــ فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنيةــ لـ»صوت الأمل»: إن القبيلة لا تزال تشكل أساس البنية الاجتماعية في اليمن , فتقريبًا 80% من سكان اليمن هم من القرى والأرياف , وسكان المدن يعدون جزءًا لا يتجزأ من نسيج القبيلة في اليمن التي نشأت في مجتمع تقليدي في تكوينه وسلوكه, ولاسيما في المناطق التي حافظت على عزلتها. 

    « لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد القبائل في اليمن, ولكن تشير بعض الدراسات إلى أن القبائل تشكل قرابة 85% من تعداد السكان  2013م, و يوجد أكثر من 200 ـ 400 قبيلة في اليمن؛ كما أن القبيلة لا تزال تحتفظ بأنظمتها الاجتماعية والقانونية التي نشأت عليها منذ القدم, وكذلك بعلاقات الإنتاج السائدة فيها, واستطاعت أن تحمي وجودها عبر مراحل التاريخ المتعاقبة، بل واحتفظت لنفسها بالسمات القديمة والمتوارثة ذاتها, حتى في تلك الفترات التي عاشت فيها اليمن من دون دولة, ذلك أن هناك تحديدًا ثابتًا للحقوق والواجبات, بالإضافة إلى توزيع السلطة, كما هو الحال في حالة قيام الدولة .». وذلك وفقًا لما ذكره الدكتور فارس السقاف في ندوة حول البناء السياسي وتركيبة الدولة اليمنية.

تسميات وإجراءات متبعة

    للقبيلة في اليمن تسميات مختلفة تميزها عن غيرها من القبائل في مختلف المناطق والمحافظات اليمنية, وتُعرف أيضًا بقبائل اليمن الذي يُعد التعريف الأشمل لكل القبائل اليمنية التي تتضمن أهمها (  قبائل بكيل، وقبائل حاشد، وقبائل مذحج، وقبائل حمير،  وقبائل كنده،  و قبيلة السقلدي ) , كما ترتبط باسم (جامع) يجمعها مع قبائل أخرى تشترك معها في رابطة الدم أو الخطر المشترك الذي يعرف في الأعراف القبلية بـ( الداعي العام).

     ولدى القبائل اليمنية إجراءات متبعة في عملية التحاكم ضمن العرف القبلي لمعالجة القضايا والمنازعات القبلية التي تقوم على أساس قواعد وأحكام الأعراف القبلية, ويسمى الحاكم الذي يحكم في القضية المعروضة بين الغرماء «الشيخ أو المحكم أو المتولي» على اختلاف اللهجات القبلية, ويمر الحكم العرفي الذي يصدر في أي قضية بمراحل تحكيم ثلاث (الحكم ـ حكم منقض ـ المنهاء ). “ حسب ما ذُكر في تقرير عن القبائل في اليمن ـ الجزيرة نت».

     وتوضح رؤية الكاتب عبد الناصر المودع في دراسة قُدِّمت ضمن أوراق مؤتمر الحوار الوطني الشامل حول «العرف الحربي القبلي» : أن المعالجات في القبيلة (الصُّلح) لا يستند إلى مدونة مكتوبة, وإنما تقديرات شخصية وتسويات مؤقتة على وفق تقديرات اجتماعية متفاوتة (العُرف), لا تستند على قانون مشترك وليس لها طابع قداسي ديني ولا حجة القانون. ويذهب بعضهم إلى القول إن الصلح – خلافًا للمصطلح- يعمل على ترحيل المشكلة لا إنهائها, وكانت إذا استعصت الحلول القبلية توجّه المتخاصمون إلى محاكم الدولة كمرجع رئيس وقدرة إنفاذ.

سلبيات وإيجابيات

   وللقبيلة تأثير واضح في الحياة العامة باليمن،  حيث استعرض المحلل السياسي والصحفي التأثيرات السياسية للنظام القبلي في اليمن،  قائلاً: إن التجارب السياسية والتاريخية تؤكد أن قيام دولة مدنية على انقاض نظام قبلي أمرٌ ليس يسيرًا، وقد تصطدم القبيلة مع مشروع الدولة المدنية, إذ يمثل النظام القبلي أحد الأقطاب الرئيسة في معادلة التوازن السياسي في اليمن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال القبيلة في أي معادلة سياسية مقبلة، وظلت الأنظمة والقوى السياسية المختلفة في اليمن سواء في فترات السلم أو الصراع تتكئ على القوى القبلية وتستعين بها في تقوية نفوذها والقضاء على القوى المنافسة.

   وأوضح: أن بعض القوى الحالية اعتمدت على التمسك بالأعراف القبلية كأدوات لإدارة الصراع، بل وإبرازها وتوظيفها بدقة,  فهي في الكثير من مواقفها مع القبائل تستخدم منظومة العرف القبلي وأحكامه وسلوكياته مثل الهجر والتحكيم والنكف…  بل يتجاوز ذلك إلى استخدام فنون القبيلة وأدبياتها مثل “البرع” (رقصة الصراع) و”الزامل” (فن شعري شعبي ينشد جماعيًّا) والزي الشعبي القبلي، وغيرها من الفنون التي جعلت منها  جزءًا من هويتها.

      وحول السلبيات التي تواجه النظام القبلي في اليمن، يشير المحلل لـ(صوت الأمل) إلى «أن القبيلة أو النظام القبلي مازال يهدد مشروع انتقال اليمن إلى الدولة المدنية الحديثة, فنفوذ القبيلة المترسخ في اليمن قد يمنع أي إمكانية لتطبيق القانون المدني في البلاد».

  واستعرض المحلل السياسي ما ذكره أحمد ماهر في بي بي سي 2012م حول (القبيلة تهدد مشروع انتقال اليمن إلى الدولة المدنية) فكتب: «أن القانون المدني يتعارض ـ غالبًاـ مع أعراف القبيلة وتقاليدها, وأن قيام دولة مدنية سيهدد حتمًا سلطة القبيلة وسيقلص نفودها, وهناك من لا يساوره أدنى شك في استمرار نفوذ القبيلة في الحقبة الجديدة, ولكن هناك من يرى إمكانية حصول توافق بين النظامين القبلي والمدني من شأنه أن يؤسس لمجتمع مدني يخضع لسلطة القانون”.

  وبما يخص الإيجابيات التي يتمتع بها النظام القبلي أكد الكاتب أحمد الطرس العرامي في مقالته «الحوثيون بين السياسة والقبيلة والمذهب» سبتمبر2019م:  أن النظام القبلي في اليمن يعد البديل الجاهز لأي فراغ ناتج عن غياب وضعف الدولة, حيث تمثل نظامًا موازيًا للدولة ومؤسساتها.

  في السياق نفسه يقول المحلل السياسي لـ» صوت الأمل»: إن القبيلة تتموضع بوصفها وحدة اجتماعية تكتسب شرعيتها من مجموعة من القواعد التقليدية التي تكون عقدًا اجتماعيًّا بين أفرادها، وكذلك بينها وبين مشايخها وسائر القبائل؛ وينظم هذا العقد الاجتماعي أو العرف القبلي الشؤون العامة، ويحمي المصالح المشتركة، ويقدم الحماية والدعم الاقتصادي لأفراد القبيلة, وتتصرف القبائل بوصفها ثاني أفضل البدائل عن دولة غائبة وضعيفة؛ والناس يرضون بالقبيلة لأنها توفر نموذجًا ميسرًا عن حكم القانون، عن طريق تسوية النزاعات وتنظيمها.

الأنظمة القبلية في بعض الدول

  « القبيلة والقبَليَّة: مفهومان مترابطان ولكنهما مختلفان، فالقبيلة كيان اجتماعي طبيعي، لم يسبقه من الكيانات الاجتماعية إلا الأسرة، وجميع الشعوب بدأت عشائر متنقلة في محيطها الجغرافي، ومن القبائل تكونت المدن. أما القَبَلِيَّة فهي مفهوم أيديولوجي لتأطير نظام القبيلة، كما نقول الوطن والوطنية والقوم والقومية» . وذلك وفقًا لما ذكره الكاتب محمد علي في مقالته «القبيلة والدولة في المنطقة العربية ـ يناير 2021م» .

« إن كثيرًا من دول العالم الحديث تخلصت من تأثير القبيلة والنظام القبلي في الحياة العامة على الرغم من أهميته التاريخية، لإيمانها بأنه لم يعد ملائمًا للتنظيم الحديث للدولة الوطنية، وغالبًا ما يعوق النظام القبلي تطبيق القانون».

     وقال: إن ضعف سلطة الدولة المركزية ونظامها في أغلب المجتمعات العربية أدى إلى انتعاش دور القبائل، وذلك في كل من ليبيا، والعراق، والصومال، واليمن. حيث أصبحت القبيلة هي الملاذ الأخير لحماية الأفراد؛ كما أن في دول عربية أخرى كالأردن، وموريتانيا، والعراق للقبيلة دورٌ كبيرٌ في المجال السياسي.

  وطرح الكاتب مثلًا في موريتانيا, حيث يجري « تدوير» المناصب السياسية والإدارية العليا في قبائل معينة، وتمارس القبائل فيها دور الدولة في كثير من المجالات والأنشطة, وفي العراق، ولبنان، واليمن تتخذ القبيلة طابعًا مزدوجًا (عرقيًّا وطائفيًّا) يعوق عمل الدولة ومؤسساتها الوطنية، أما في دول الخليج فإن الدور المحوري للقبيلة يتجلى في كثير من المجالات الاجتماعية والسياسية، وحتى في هُوِيَّات الأشخاص.

    وحول دور القبيلة في المشهد السياسي في العراق يوضح الكاتب «أحمد عبد الحافظ فواز (مدرس العلوم السياسية، جامعة القاهرة) في دراسة علمية بعنوان «التوظيف السياسي للقبيلة في العراق: من الملكية إلى ما بعد صدام» قائلًا فيها: «إن العراق كبلدان عربية أخرى, له تاريخ من الحكومات المركزية القوية وتعكس السلطة في القبيلة نمط السلطة المعتاد في تلك الدول من حيث جنس المسؤول وعمره, لذا فان شيخ القبيلة عادة ما يكون الأصلح من أكبر الأعضاء الذكور سنًا, وعلى الرغم من كون شيخ القبيلة هو زعيمها لكنه لا يتمتع بصلاحيات مطلقة.  فاتخاذ قرار حيال مسألة مهمة مثل الصراع أو السلام يتطلب من الشيخ التشاور مع مجلس القبيلة المكون من أصحاب الرأي والخبرة الذين تطلق عليهم القبائل مصطلح العوارف (بالقانون), وهم بدرجة القضاة, ومتى صدر القرار أضحى ملزمًا لجميع أفراد القبيلة, لذا يتحدث المدافعون عن القبيلة عن وجود ديمقراطية بهياكلها, بل لا يزال شيوخ القبائل العراقية اليوم يتمتعون بذات السلطة في الوقت الحالي, وكلما صغر حجم القبيلة أو العشيرة زادت قدرة شيخها على فرض السيطرة على أفرادها أو ضبط الحركة فيها».

  أما في السودان فهناك اتفاق على أن القبلية ـ بإيجابياتها وسلبياتها ـ تمثل مفهومًا متجذرًا في المجتمع السوداني, ويمثّل دائرة مهمة من دوائر انتماء الفرد، إذ شهد السودان ــ الذي قام بعد استقلاله عن بريطانيا عام 1956م على المفهوم المعاصر للدولة الوطنيةــ العديد من المتغيّرات في نظم الحكم والسياسات، أثّرت سلبًا في فاعليته، فتراجع دور الدولة وتوقّف تطوّرها نحو المفهوم الحقيقي للدولة الوطنية، واختلّ التوازن ليتقدّم الولاء للقبيلة على الولاء للوطن.  هذا ما أوضحه الصحفي السوداني إسماعيل محمد علي في مقالته : «التنوع القبلي في السودان.. نعمة أم نقمة؟  يناير 2020م».

كما أشار إلى أنه عندما حدث الاتصال للمرة الأولى بين المسلمين والعرب في السودان خلال النصف الأول من القرن السابع الميلادي, كانت هنالك ثلاث مجموعات عرقية كبيرة تقطن البلاد تمثلت بـ( النوبيون، على النيل ولهم مملكتان مسيحيتان هما المقرة، وعلوة، تمتدان من جنوب مصر إلى أواسط السودان،  وقبائل البجة, وتحتل المنطقة الفاصلة بين النيل والبحر الأحمر،  والقبائل الزنجية, وتقيم في غرب وجنوب السودان الحالي).

     وأضاف : أن مع ازدياد هجرات القبائل العربية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ظهرت قبائل عربية استقرت في شمال السودان, وتمثلت بـ: قبائل الجعليين وتضم «الشايقية والرباطاب والجعليين»،  وقبائل جهينة وتضم «الشكرية والكبابيش والرزيقات والبقارة والجوامعة وبنوحسين والتعايشة والترجم والسلامات والحوطية وبنو هلبا والمسيرية وبنوعجلان»، وفى غرب السودان توجد قبائل ذات أصول زنجية أهمها «الفور والزغاوة والبرتى والمراريت والميما والفلاتة»، وقبائل النوبة في مناطق جنوب كردفان، وكذلك قبائل الانقسنا بمنطقة النيل الأزرق.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً

أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …