القبائل اليمنية وخصائصـها بين القبائل الأخرى: نمـــــاذج إقليميـــة وعالميـــــة
صوت الأمل – محمد هادي أخرشط
محدودة جداَ هي القبائل ذات الانتشار الواسع، والنسب الواحد، لكن القبيلة اليمنية تأتي لتمثل نموذجاً لهذا النوع العريق من القبائل التي ينتشر أبنائها في الكثير من المناطق العربية، وكذا المجاورة لها، دون أن يختلف المؤرخون على أصلها، إذ أن لها ما يُميّزها بين باقي القبائل والعشائر الأخرى على مستوى المنطقة والعالم، من حيث النسب، والعراقة، والخصائص التي جعلتها من سادة القبائل وأكثرها ريادة، ومع ذلك يصعب تجاهل القبائل الأخرى على المستوى العربي أو على مستوى العالم، حيث إن كل قبيلة أو قومية لها عاداتها وثقافتها التي تنتهجها في حياتها، وتؤمن بها في تعاملاتها وتوجهاتها وكل شئون حياتها.
وقد أظهرت بحوث علمية أنه بالرغم من التحولات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التي تعرضت لها الحياة بشكل عام، وعلى مستوى القبيلة اليمنية بشكل خاص في الفترة التي تلت قيام الثورة اليمنية، أي بعد عام 1962م، وما ارتبط بهذا التحول من تغيرات في طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القبلية، مع كل ما حدث إلا أن التركيبات القبلية ظلت تحتفظ بقوتها ونفوذها داخل المجتمع، بل ظلت تؤكد على حضورها، وقوة تأثيرها حتى على مستوى الساحة السياسية، وذلك من خلال تقديم نفسها كقوة دعم، وحماية للدولة نفسها أو مختلف القوى السياسية المناوئة للدولة، فالمتوقع لدى الكثير من الأخصائيين الاجتماعيين، والباحثين على مستوى العالم أن تسهم الدولة أو القوي الحزبية بمختلف توجهاتها في تغيير البنية والعلاقات القبلية، والاسراع في تطورها التاريخي لكن ما حدث كان العكس، من هنا تمثل فالقبيلة الركيزة الأساسية في التركيبة الاجتماعية بالجمهورية اليمنية، ومن المعروف أن العديد من القبائل المنتشرة في أغلب الدول العربية وبعض الدول الأسيوية والأفريقية تنحدر من أصول يمنية سواء منها القبائل التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب في عصر الحضارة السبئية القديمة أو التي هاجرت في بداية انتشار الإسلام بغرض توسع الدولة، وانطلاق الفتوحات الإسلامية. كما أن الكثير من القبائل تكيفت في مراحل زمنية مختلفة مع متطلبات ومفاهيم المجتمع المدني، وأصبح ينظر إليها على أنها مدنية إلا أنها في الأصل تعد قبلية، فالقبيلة مهما صغرت أو ضعفت من حيث العدد والعدة فذلك لا يغير من صحة النسب، وعلاقة الدم، وحقيقة الانتماء الذي يحكم الروابط الأسرية بين أبناء اليمن، والجزيرة العربية عموماً.
ويتأكد بذلك أن تركيبة المجتمع اليمني تنطلق بالدرجة الأولى من كونها قبليــة، فالقبيلة تحتل أهمية بالغة في توجهات المجتمع، وأساليب تعامل أفراده، واتخاذ قرارات أبنائه، في العديد من شئون الحياة، خاصة منها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، كما تنفذ الأحكام في القضايا والمنازعات القبلية على أساس قواعد وأحكام الأعراف القبلية، مع المراعاة في الغالب لعدم مخالفة أحكام الشريعة.
تشكيلة القبائل اليمنية وتقسيماتها :
للقبائل في اليمن أعرافها، وتقاليدها، ورجالها، وهو ما ترك آثاراً قوية في العديد من جوانب الحياة داخل المجتمع اليمني، حتى على مستوى الواقع السياسي، ومفهوم الدولة، بل إن بعض المناصب الحكومية قد يتولاها من لديهم ثقل القبلي، وتتمحور القبائل اليمنية في ثلاثة تجمعات كبيرة هي: حاشد، وبكيل، ومذحج، وتتركز جميعها في الشمال، فيما ترجع باقي القبائل في الجنوب إلى التجمع الأخير ( مذحج)، ويتشكل تجمع قبائل مذحج من ثلاث قبائل تتمحور في مناطق عنس، مراد، الحداء، ويتمركز تواجدها في المناطق الشرقية من اليمن، أما قبائل حمير فقد تمركزت في الأماكن الجبلية الجنوبية، والهضاب الوسطى، بينما تتكون همدان من حاشد وبكيل، ويذهب بعض الباحثون في هذا المجال إلى إضافة قبائل حمير وكندة للتقسيمات السابقة، مشيرين إلى تقسيمات فرعية أخرى تعد بالمئات لكنها تعود إلى إحدى التقسيمات الخمسة المذكورة، وتفيد بعض الدراسات إلى أن الإحصائيات تقدر عدد القبائل اليمنية بمائتي قبيلة داخل المجتمع، منها (168) قبيلة في الشمال، والباقي في مناطق الجنوب، وتسكن غالبيتها في المناطق الجبلية .
وقد نتج عن الظروف السياسية، والاقتصادية في اليمن خلال فترة العصور الوسطى وبداية العصر الحديث إعادة تحديد شكل الخارطة القبلية لليمن، فانضمت قبائل مذحج إلى تجمع قبائل بكيل، والتقت البعض من قبائل حمير إلى تجمع أو اتحاد قبائل حاشد.
نماذج قبلية على المستوى
الإقليمي والعالمي :
تتنوع القبائل على مستوى العالم، بتنوع قيمها، وأعرافها، وعاداتها، وتختلف حسب قومياتها وأجناسها، ومن المهم هنا إيراد نماذج لتلك القبائل على المستوى الإقليمي أو العالمي للوقوف على تلك العادات، والخصائص، الخاصة بكل قبيلة منها، ومن ثم مقارنتها بشكل إجمالي بالقبائل في اليمن.
قبائل الباكستان:
تمثل قبائل باكستان من المناطق الأكثر حساسية وأهمية في مجال القبلية على المستوى الإقليمي والإسلامي تلك التي يُهيمن عليها قبائل “البشتون”، في إقليم “خيبر بختونخوا” والحزام القبلي المحاذي لأفغانستان المعروف بـ”المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية”، وهي موزعة على أربعة فروع رئيسية تُسمَّى “السربين”، و”البتان”، و”الغرغشت”، و”الكرلان”، وينقسم “البشتون” إلى حوالي ستين قبيلة رئيسية، وما يزيد عن ثلاثمائة قبيلة فرعية أو عشيرة، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الكثير من القبائل اشتهرت كذلك بشجاعتها وفروسيتها والخدمات التي تُقدِّمها في الأماكن التي تسكنها.
قبائل طاجيكستان:
تشير أغلبية المصادر التاريخية إلى أن أصول الشعب الطاجيكي ترجع إلى الفارسية، فهم من أصول إيرانية هاجرت إلى بلاد مجاورة، وفي مقدمتها أفغانستان، ومناطق كبيرة من آسيا الوسطى، وقد احتفظت هذه القبائل باللغة الفارسية، ومع مرور الزمن فإن توطين هذه القبائل جاء عبر العديد من الدول المجاورة، وتمركزهم الأساسي كان في دولة طاجيكستان التي تحتضن قرابة ثمانين في المائة من الشعب الطاجيكي، بينما يُشكل الطاجيك قرابة ربع سكان أفغانستان الحالية، ويمثلون أقلية في دولة أوزبكستان على الرغم من المكانة التاريخية الكبيرة لهم هناك، والتي يعكسها تمركزهم في مدن جنوبية مثل بخارى، وسمرقند اللتين لهما خصوصيتهما في التاريخ الإسلامي، ومكانة مميزة على مستوى الشرق، والحقيقة أن المسلمين بشكل عام يدينون للشعب الطاجيكي ببعض العلماء في مجال العلوم الإسلامية، وفي مقدمتهم الإمام البخاري، والإمام مسلم، والترمذي، وأبو حنيفة، وابن سينا والفردوسي، وغيرهم ممن كان لهم أثر فاعل ومهم في التاريخ الإسلامي، فهم من أصول طاجيكية ولهم باع واسع في تطوير الفكر الإسلامي.
القبيلة في تركيـــا:
يعد الاتراك من أكبر المجموعات العرقية على مستوى العالم، حيث يصل تعدادهم أكثر من 59 مليون نسمة، يعيش معظمهم في تركيا أي ما يعادل 70% من إجمالي سكان تركيا تقريبا، ويأتي الأذريين في المرتبة الثانية، حيث تعدادهم أكثر من 29 مليون نسمة تقريباً، معظمهم يسكنون في أذربيجان الإيرانية أذربيجان الشرقية) شمال غرب إيران، وجمهورية أذربيجان.
* غوكتورك: قبيلة غوكتورك هم جماعة مرتحلة من الـترك في آسيا الداخلية الوسطى، وقد تَبِع الغوكتورك، تحت حكم بومين خاقان عام (552) وأبنائه، الـرورانيين في تولي السلطة الرئيسية في المنطقة وأداروا تجارة طريق الحرير المربحة، وتعني كلمة ( Gök ) سماء في التركية الحديثة، وأصبح الغوكتورك هم العنصر القيادي الجديد بين شعوب البادية المختلفة في مناطق آسيا الوسطى.
* السلاجقــة: السلاجقة أو من يطلق عليهم بنو سلجوق هي سلالة تركية حكمت في إيران، وأفغانستان، وأجزاء من الأناضول، وسوريا، والعراق، والجزيرة العربية ما بين 1038-1157م، وينتمون إلى قبيلة قنق إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغز التركية، وقد دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها سلجوق وذلك سنة 960م.
قبائل تركمانستان:
تقع دولة تركمانستان في آسيا الوسطى، وقد كانت إحدى الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي السابق، وتعرف سابقا باسم الجمهورية التركمانية الاشتراكية، وعند تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في العام 1991 ، أصبحت دولة مستقلة، يسكنها الهنود الإيرانيون تاريخيًا، وقد انتقلت قبائل الأوغوز الناطقة باللغة التركية من منغوليا إلى آسيا الوسطى الحالية، وهي جزء من اتحاد قبائل تركية قوية، ويعتبر الأوغوز الأساس العرقي للسكان التركمان الحديثين. وقد أوضح العديد من الباحثين في مجالي التاريخ وعلم الاجتماع الأدوار الايجابية الفاعلة التي قام بها المئات من رجال القبائل اليمنية في مناطق آسيا منذ مئات السنين، حيث أسهم أبناء تلك القبائل، خاصة في فترة الدولتين الرسولية والصليحية في تطوير العلاقات مع دول آسيا على المستويات الاقتصادية، والعلمية، والثقافية بين اليمن والهند، مما أدى إلى نشر الثقافة والقيم المميزة والراقية عن الدولة اليمنية واليمنيين، بما فيها قيم الإسلام العظيمة، وذلك في عدد من مناطق الهند، وكذلك في اندونيسيا، والتي استقروا من خلالها في شواطئ سومطرة وغيرها من الجزر الإندونيسية، حيث تم العثور في دولة إندونيسيا على الآلاف من النقوش المكتوبة بعضها بالخط المسند الحميري، وبعضها بالخط العربي، مما دل على استقرار اليمنيين فيها عبر مراحل تاريخية مختلفة تمتد لفترات طويلة من الزمن.
القبائل في أثيوبيا:
يتشكل المجتمع الأثيوبي من طوائف عرقية عديدة تقدرها بعض المصادر بتسع رئيسية، وثمانين فرعية، وتتداول على السلطة في هذا البلد قوميات معينة، بينما تشكو أخرى من تهميشها، وحرمانها من المشاركة السياسية، ومن أبرز الطوائف الرئيسية في أثيوبيا من حيث التمثيل السكاني والنفوذ السياسي، قومية الأورمو: التي تعد كبرى القوميات الإثيوبية تنتشر في جنوب غرب البلاد، تشكل 40% من سكان إثيوبيا البالغ حوالي مائة مليون نسمة، ويعتنق ما يزيد عن 70 % من شعب “أورومو” الدين الإسلامي، ويعتبرون من أقدم الشعوب القاطنة منطقة القرن الأفريقي، ثم تبرز القومية الأمهرية، حيث تنتشر هذه القومية في شمال البلاد، وتقدر نسبتها بـ 25% من السكان، حكمت البلاد لعقود من الزمن، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطور هايلي سيلاسي، وقد هيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، تليها القومية الصومالية، وتقدر نسبتها بنحو 6.2%، ويقطن سكانها في إقليم أوغادين الذي يعرف بالإقليم الخامس، وذلك حسب التقسيم الإداري الإثيوبي، وقد تم ضمه إلى أثيوبيا منذ عام 1954م، ومن هذا الإقليم قبيلة الأوغادين إحدى قبائل الدارود.
كما توجد فيه جماعات الدناكل، وهناك جالية عربية استقرت في المنطقة، واختلطت بالسكان منذ عهد قديم، حيث أكد العديد من الباحثين تواجد أبناء القبائل اليمنية وانتشارها في أثيوبيا
( الحبشة)، والسودان، وكينيا، وذلك للتجارة، ومن خلال أعمالهم وتعاملاتهم ضربوا أفضل النماذج الحية والمؤثرة في نشر وترسيخ القيم الإنسانية والدينية العظيمة، مثل: الأمانة، والصدق في المعاملة، والتواضع، والتسامح، والوفاء، وغيرها من القيم الحضارية المهمة في التعامل الإنساني الراقي.
القبائل اليمنية مقارنة بالقبائل الأخرى في العالم
يتضح من خلال استعراض العديد من القبائل والعشائر المختلفة على مستوى العالم ما يأتي:
1. تعدد العشائر والقبائل لتلك الدول المتنوعة في الموضوع، مع اختلاف في أصولهم وجذور نشأتهم.، في حين تأتي مرجعية القبيلة اليمنية بكافة فئات أفرادها ومناطقها من ثلاث قبائل يمنية كبرى، تتفرع منها جميع القبائل، ويعود أصلها إلى اليمن.
2. تنوع لغات العديد من القبائل التي تم تناولها في هذا الموضوع مثل تركيا، والباكستان، وأفغانستان، حيث اختلاف لغة قبيلة عن قبيلة أخرى، حتى مع انتمائهم لجنسية واحدة، بينما لا يوجد هذا الاختلاف والتعدد لدى القبائل اليمنية، فلغتهم واحدة، هي اللغة العربية البسيطة.
3. تعدد جنسيات وأصول تلك القبائل أو بعضــها على مستوى العالم، حيث ترجع أصول بعضها إلى دولة أو قومية أخرى غير الدولة أو المكان الذي تعيش فيه، بينما تعود القبائل اليمنية بكافة تنوعها وتعددها إلى اليمن، الذي يعد موطنها جميعاً.
4. غرابة بعض عادات وثقافات بعض تلك القبائل، وخروجها عن المألوف في بعض التصرفات والسلوكيات عن تلك القيم والتقاليد المعتمدة ( الطبيعية) لدى غالبية المجتمعات الإنسانية والحضــارية، بينما تنتفي تلك الصفات لدى القبيلة اليمنية بفروعها وتعدد قبائلها، فعاداتها وثقافتها تتوافق مع خصائص وصفات القيم الإنسانية المعروفة والأصيلة، والمعايير المعتمدة لدى قيم الدين الإسلامي.
5. يغلب على تلك القبائل المنتشرة في أرجاء العالم تمسكها الشديدين بعاداتها وثقافاتها، وعدم الخروج عنها بأي حال، خاصة تلك القبائل في الصين، والهند، وأثيوبيا، باعتبار تلك العادات قيم وطقوس يحرم الخروج عليها، وكأنها جزء من قيم ومعايير الدين، أو القوانين العالمية، بينما تتصف القبائل اليمنية بدرجة معقولة من المرونة في التعامل مع الآخر، والبعد عن الجمود والتصلب في المواقف، خاصة في تنوع الحلول والمعالجات للقضايا الاجتماعية التي تطرأ بين الأطراف.
6. تستمد بعض القبائل ثقافتها وقيمها من معتقدات وأفكار يراها الكثير من الناس، خاصة ذوو العلم والمعرفة أنها غير منطقية، أو أقرب للخرافة، مثل التعصب لأفكار معينة، والإيمان بطقوس خاصة قبل اتخاذ قرارات ما والاعتقاد في أشخاص، أو أماكن، أو التشاؤم
من أحداث معينة، في حين لا تتواجد هذه الصفات لدى القبيلة اليمنية، أو القبائل العربية الأصيلة بشكل عام، حيث التزامهم بقيم الإسلام كدين، مع انتهاجهم سياسة الحكمة والعقل في مجمل القرارات والمواقف.
مراجع الموضوع:
1. فضل علي أبو غانم، مركز النظم للدراسات وخدمات النظم العلمي.
2. موقع معرفة، قبائل اليمن، https://www.marefa.org
3. موقع قناة الــ BBC https://www.bbc.com
4. موقــع كونتنت الإلكتروني، خريطة القبائل اليمنية.
5. الجزيرة نت، القبائل في أثيوبيا، 2018م، https://www.aljazeera.net
6. نزار العبادي، إحصائيات عن عدد القبائل اليمنية، موقع المؤتمر نت.
7. حسن عباس، القبائل في باكستان، مركز الجزيرة للدراسات، 2015م
8. http://www.alnodom.com
9. https://ar.wikipedia.org
10. https://www.aa.com
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …