لجوء الناس إلى الأنظمة القبلية الحاكمة: يلجأ الكثير من الناس إلى الأخذ بالثأر نظرًا لضعف دور القضاء
صوت الأمل – حنين الوحش
النظام القبلي له دور كبير في التخفيف من معاناة المواطنين, فهو يعمل على معالجة قضاياهم المختلفة, ويفضُّ النزاعات بين القبائل, وذلك بالتحكيم القبلي المتعارف عليه, ومع أن كل قضية لها أحكامها الخاصة التي تختلف من قبيلة إلى أخرى لكنها تتسم بعٌرف واحد”، هذا ما أوضحه الشيخ محمد الزلب أحد مراغات اليمن في منطقة ثلاء همدان.
وقال الشيخ الزلب لـ”صوت الأمل”: “إن القبائل تعد الواجهة الأولى لأي مجتمع على مستوى اليمن والمنطقة العربية عمومًا فمنذ القدم وإلى اليوم كانت القبيلة لها أيدولوجية محددة, وعادات وتقاليد وأعراف تحكمها الأخلاق, ويعد النظام القبلي العون للقانون وليس بديلًا عنه, وهذا بحكم العادات والتقاليد والأعراف التي اعتاد الناس اللجوء إليها وإلى كبار القبيلة”.
مبينًا, أن أهم القبائل في اليمن هي ( حمير, ومذحج, وكندة, وهمدان التي تتألف من قبيلتين كبيرتين “حاشد- بكيل”) وهي تعدُّ من أهم القبائل اليمنية المؤثرة في البلاد عمومًا.
وفي السياق ذاته، يؤكد الشيخ أحمد عبد الواسع بشر (أحد كبار مشايخ تعز – مديرية صبر الموادم) أن القبيلة موجودة بقوتها وهيمنتها على أرض الواقع اليمني, وتبرز هيمنتها على يدِ مشايخها الذين لهم دور بارز في حل النزاعات لمختلف القضايا (الجنائية والمدنية).
ويضيف الشيخ عبدالواسع: “نظرًا لضعف القضاء اليوم، وعدم البت في الكثير من القضايا, أصبح الكثير من الناس يلجؤون إلى حكم مشايخ القبائل الذين يقومون بحل النزاعات سواء أكانت منظورة أمام القضاء أم خارجها, و تُحلُّ على وفق أحكام وتشريعات إسلامية (منزلة) من القرآن، أو بأحكام وقوانين (وضعية) تُوضع بأعراف قبلية متعارف عليها وسائدة في المجتمع القبلي.
من جانبه يقول الباحث منير طلال لـ”صوت الأمل”: الدولة جعلت للقبائل استقلالًا كبيرًا في إدارة شؤون المجتمع, حتى أصبحت تخضع لضغوط القبيلة في الكثير من المراحل، مؤكدًا، أن الدولة لم تفرض سلطتها على القبائل بقوة ولم تؤثر فيها منذ سنوات.
ويتفق الباحث طلال مع رأي الشيخ بشر في أن الدور القائم على النظام القبلي في اليمن بما يخص حل النزاعات يحدث عادة حين يلجأ المواطنون إلى قبائلهم, سواء لحل خلافات بين القبيلة نفسها أم بين قبيلة وأخرى.
أثر الأنظمة القبلية
“أصبح النظام القبلي في اليمن له تأثير كبير وإيجابي على المواطنين، بخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر به بلادنا, حيث استطاع النظام القبلي السيطرة على زمام الأمور بما يخص إصدار الأحكام السريعة بمختلف القضايا, والتخفيف من معاناة الانتظار في البت في النزاعات والثارات؛ فالقبيلة تعدُّ حاضرة إذ إنها تقدِّم الكثير من الإيجابيات التي تخدم المجتمع اليمني.”، وفقًا لـ الشيخ محمد الزلب .
فيما قال الباحث منير: إن الدولة تكاد أن تكون اسمًا فقط، بعد ما كانت تحمل كيانًا يجمع كل أفراد المجتمع, ويكونون فيه متساويين في الحقوق والواجبات, حيث إن الوضع السيِّئ الذي تمر به البلاد أمنيًّا واقتصاديًّا والغياب شبه الكامل للقضاء, وتعدد الكيانات و الاستقطابات الدولية، كلها أسهمت في إعادة دور القبيلة إلى الواجهة وبقوة, مع تكتلات وتحالفات زادت الوضع سوءًا .
آليات قبلية لحل النزاعات
وحول الآليات التي يستخدمها النظام القبلي لحل الخلافات، قال الشيخ أحمد بشر: إن الآلية المتبعة في حل الخصومات الجنائيِّة والمدنيّة هي الأعراف القبلية والتحكيم السائد, مثل تقديم الحكم (التصبير قبل النطق بالحكم)، وتقديم بنادق العيب, وتقديم بنادق حجم الدماء، وبندق النقاء الذي يقصد به تسليم القاتل لأسرة القتيل للاقتصاص منه وغيرها, وكلها تختلف بحسب نوع العيب والقضية.
من جانبه أشار الباحث طلال لـ”صوت الأمل” إلى أن النظام القبلي يستخدم أساليب مختلفة لحل النزاعات عبر الأعراف المتبعة ومنها التحكيم بين الأشخاص المتنازعين في القبيلة نفسها, أو بين قبيلة وأخرى, ذلك التحكيم يعتمد على قيم القبيلة التي تسعى لتقدم نفسها بأفضل صورة أمام باقي القبائل. وهناك أعراف توارثها اليمنيون منذ قديم الزمن لحل النزاعات فيما بينهم.
وأوضح طلال قائلًا: قبل أكثر من قرنين من الزمن وتحديدًا في عام 1253هـ اجتمع زعماء وممثلو القبائل اليمنية شمالًا وجنوبًا, بالإضافة إلى قبائل المخلاف السليماني، لتوقيع وثيقة تعد المرجع الأول لحل مختلف النزاعات, ومازالت تلك الوثيقة تستخدم حتى وقتنا الحالي, وسميت بـ “وثيقة القواعد المرجعية العرفية للقبائل اليمنية كافة”, ويوجد فيها 564 مادة اتُّخذت أعرافًا لحل النزاعات, وكان هذا أول تدوين حديث للأعراف اليمنية بعد الإسلام, وقد وقع عليها أغلب شيوخ اليمن في تلك الفترة.
الثأر في القبائل اليمنية
ولمعرفة سبب لجوء الناس إلى التحكيم القبلي بدلاً عن القضاء بخاصة في قضايا الثأر، يقول الشيخ أحمد بشر: إن الثأر مشكلة عصيبة ومعقدة تواجه القضاء والنظام القبلي على حدٍّ سواء, وعادة الثارات تحتضنها القبيلة بقوة, ولم تستطع القبائل حتى وقتنا الحالي أن تفصل وتحل قضايا الثأر نهائيًّا. حتى وأن حُلَّت تلك القضايا يكون عدد الضحايا المتناحرين من الطرفين قد بلغ ذروته, وغالبًا ما يكون هؤلاء الضحايا من الأبرياء.
وأضاف قائلًا: يلجأ معظم الناس إلى أخذ حقوقهم بأيديهم عن طريق الثأر، نظرًا لعدم ثقتهم بدور القضاء في أخذ الحقوق, وعدم العدالة في مجمل هذا النوع من القضايا, فحتى إذا صدر الحكم من الصعب جدًا التنفيذ, لدرجة أنه قد يصل إلى حدِّ أن يُؤخذ الثأر تحت أسقف المحاكم، وعدم عدالة بعض الأحكام القبلية.
وفي السياق ذاته، يؤكد الباحث منير طلال أن النظام القبلي لديه طرق سريعة لحل القضايا بعيدًا عن تعقيدات المحاكم والقضاء, على وفق قاعدة (لا ظالم ولا مظلوم أو نصف الضرر لا جميعه), فالقبيلة ترى أن اللجوء إلى القانون بمثل هذه القضايا هو انتقاص لها, فلا يلجأ إلى القانون إلا الضعيف حسب رأيهم.
ووفقًا لما يشير إليه الزلب, يلجأ أصحاب قضايا الثأر إلى الاحتكام عند القبيلة في الكثير من الحالات بدلاً عن القانون, لاعتقادهم أن القانون أصبح عائقًا في إنصاف أي صاحب حق, ويستهلك أموالًا أكثر, لذلك يضطر أصحاب القضية إلى اللجوء الى الاحتكام القبلي الذي يكون في العادة سريعًا للحل وبتكاليف أقل, وكذلك للحفاظ على الأسرة في القبيلة اليمنية.
81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً
أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …