أطفال اليمن في المهجــــــــر بين الانــــــدمــــــــــــاج ومرارة الغربــــة
صوت الأمل – حنين أحمد
تواجه الأسر اليمنية في بلدان الغربة تحديات كثيرة لعل من أبرزها صعوبة الانسجام والتكيف مع الثقافة السائدة في بلد الغربة والمتعارضة مع العادات والتقاليد والثقافة السائدة في اليمن. أكثر من يعاني هذه التحديات هم الأطفال المتأثرين بشكل كبير بهذه الأوضاع.
يجد الطفل (محمد) -13 عاماً، مقيم في مصر- صعوبة في التأقلم مع مجتمعه الجديد، ويعبر بتذمرٍ عن رغبته في العودة إلى بلاده اليمن، واللعب في بيت جده، وزيارة أقاربه والعيش معهم، ويقول: “لا يوجد لدينا أقارب هنا لنزورهم ونقضي الوقت معهم، فالحياة التي نعيشها في اليمن لا يمكننا أن نعيشها هنا”.
رؤية طفل
على العكس من (محمد) تعبر (ياسمين خالد) -14 عاماً، مقيمة في مصر منذ 7 أعوام- عن مدى راحتها وتأقلمها في مصر وتقول: “أتمنى الرجوع إلى اليمن في زيارة للأهل وليس للعيش فيها، صديقاتي هنا، ويوجد لدينا هنا أقارب أيضاً، وفي المدرسة ندرس لغات متعددة ونمارس أنشطة متنوعة لا توجد في اليمن”. ترى ياسمين أن الحياة في مصر مختلفة بشكل إيجابي أكثر من اليمن، سواء من ناحية المناهج المدرسية والأنشطة أو من ناحية نمط الحياة بشكل عام.
آراء مختلفة
تشير (سلمى محمد) – مقيمة في تركيا وأم لطفلين- إلى أن تربية الأولاد في مجتمع جديد وثقافة جديدة يكون صعباً في البداية، لكن مع مرور الأيام يتأقلم الكبار ويتأقلم الأطفال ويتعلمون عادات مختلفة ومتغيرة، ليس بالضرورة أن تكون تلك العادات سلبية؛ بل على العكس، قد تكون أحيانا إيجابية وأفضل من التي اكتسبوها في بلدانهم.
ويرى (محمد صالح الشعباني) – مقيم في أمريكا وأب لطفلة- أنه لا مانع من اكتساب الأطفال ثقافة بلاد أخرى؛ فالعادات والتقاليد متغيرة بتغير الأزمنة والأمكنة، ومن الطبيعي أن يكتسب الطفل أشياء جديدة مختلفة عما تعلمناها نحن، ومسألة تنوع الثقافات هي أمر مهم ولا بد منه.
أما (نوال أحمد) – مقيمة في إندونيسيا وأم لأربعة أطفال- فتقول: “إن من الطبيعي أن يكتسب الأطفال نمط حياة البلاد المقيمين فيها، لكنني أعمل جاهدة لتعليم أطفالي العادات والتقاليد واللغة والتفاصيل الحياتية التي كبرنا وتربينا عليها، ومع ذلك لا مانع من اكتساب أشياء جديدة وتعلمها طالما لا تتعارض مع عاداتنا”.
ويقول (نجم عبده) – مقيم في اليابان وأب لطفلين-: “من المهم جدًا اكتساب أشياء جديدة في الحياة، ونحن نشجع تعلم أطفالنا العادات ونمط الحياة اليابانية الجيدة، لأن أنماطهم الحياتية أكثر نظامية، وصحية وعملية، وتساعد الطفل على اكتشاف مهاراته وقدراته وتطويرها. أما العادات والتقاليد فهي متغيرة من جيل لآخر، وليس بالضرورة أن يتعلم أولادنا نفس العادات التي تعلمناها وتربينا عليها نحن”، ويرى نجم أن تأثر أولاده بالبيئة المحيطة كان تأثراً إيجابياً.
الآثار النفسية:
“الآثارالنفسية التي تتركها الغربة على الأطفال، وكيفية التكيف وتهيئة الأطفال مع البيئة الجديدة” أوضحته الأخصائية في علم النفس (رندا العبسي) بالقول: “يتأثر الأطفال بالمكان الذي يقيمون فيه، وتختلف نسبة التأثر باختلاف محيط الطفل، والمجهود الذي يبذله الوالدان لمساعدته على التأقلم والانسجام مع البيئة الجديدة، كذلك يختلف باختلاف المرحلة العمرية للأطفال”.
وأشارت إلى أن الأطفال غير القادرين على تكوين علاقات وصداقات في بيئتهم القديمة يكونون سريعي التأقلم والاندماج في البيئة الجديدة، بينما يشعر الأطفال الذين قاموا بتكوين علاقات في محيطهم السابق بالوحدة في بلاد الغربة، ويفتقدون إلى الجو الحميم والعائلي والمحيط الذي كانوا يعيشون فيه. ومن الممكن أيضا أن يدخل الطفل في حالة اكتئاب يصاحبها عصبية أو فقدان شهية، ويلاحظ أنه قد يقوم بفعل أشياء لم يعتد على فعلها من قبل تعبيراً عن رفض التغيير الذي طرأ على حياته.
وتؤكد (رندا) على أهمية تهيئة الطفل نفسياً قبل الشروع في اتخاذ قرار الاستقرار في بلد جديد، من خلال استخدام أساليبَ تتناسب مع عمر الطفل، واصطحاب الأشياء الشخصية المهمة للطفل التي اعتاد على وجودها في حياته، والاهتمام المضاعف به للتخفيف من حدة شعوره بفقدان العناصر المألوفة لديه والمحببة إليه.
من الناحية التعليمية
(هدى فضل ابو غانم) – مستشارة في وزارة التربية والتعليم في أمانة العاصمة ووكيلة المدرسة اليمنية الحديثة في مصر (سابقا) – تقول: “ان الغربة أثرت بشكل كبير على حياة الأطفال اليمنيين، حيث تم ملاحظة حالة عدم استقرار في الحياة المعيشية وعدم تقبلهم لوضعهم الجديد في بلاد المهجر؛ لأنه لم يتم تهيئة الطفل لحياة جديدة، بل كانت انتقالهم مفاجئاً لهم، الأمر الذي أثر عليهم نفسياً بشكل سلبي”.
وحول أهمية إعادة تهيئة الأطفال اليمنيين في مصر على الحياة الجديدة أشارت (هدى) أنه تم فتح مدارس خاصة للأطفال اليمنيين في مصر لعدة أسباب أهمها تهيئة جو دراسي ملائم للطلاب في المدرسة، بحيث يدخل الطالب المدرسة ولا يشعر بالغربة؛ فهو يتعلم المنهج الدراسي اليمني مع زملاء ومعلمين يمنيين من نفس بيئته، وبذا يشعر الطالب أنه في اليمن بمجرد دخوله المدرسة؛ ذلك لصعوبة انخراط الطلاب اليمنيين في المنهج الدراسي المصري الذي يعد مختلفاً عن المنهج اليمني.
وأضافت أن الطلاب يصنفون إلى عدة أنواع منهم من يسهل عليه تقبل المكان والمجتمع، ومنهم من يرفض تقبل المجتمع رفضاً باتاً؛ وهذا ينعكس عليه في تصرفاته وفي مستواه التعليمي. وقد يعتمد التقبل على الفئة العمرية ومقدار اهتمام وتركيز الوالدين مع أبنائهم؛ فالطفل المغترب بشكل عام يحتاج اهتماماً مضاعفاً كي لا ينعزل أو ينجرف خلف الحالة النفسية التي يعيشها، فعادة ما يكون من السهل التعامل مع الطلاب الصغار في السن ويسهل تأقلمهم أكثر من غيرهم.
وتوضح (هدى) عن الصعوبات التي تواجه عملهم بقولها: “واجهنا عدة متاعب من حيث توفر المعلمين اليمنيين لبعض المواد، وتفاعل بعض الطلاب وانسجامهم”، مؤكدة أنه تم بذل جهود كبيرة لتشجيع الطلاب وتحفيزهم ورفع معنوياتهم ومساعدتهم في الناحية التعليمية وتغطية الدور الغائب لبعض الأهالي لإخراجهم من أجواء الاكتئاب.
العامل الاجتماعي
(خلود العريقي) – أخصائية اجتماعية- تقول: “إن الغربة قد تؤثر على الأطفال اجتماعيا من خلال عدم الانسجام وعدم القدرة على التعايش مع المجتمع الجديد، وعدم قبول الآخر، الأمر الذي يولد لدى الطفل إحساساً بالوحدة وعدم الانخراط في مجتمع الغربة لا سيما في بداية الأمر. إضافة إلى أن عدم وجود متابعة من الوالدين في هذا الجانب قد يجعل الطفل غيرَ اجتماعي وغيرَ قادر على فهم من حوله ومنعزلاً تماماً عن العالم المحيط به.
89% يؤكدون استمرار أثر الصراع على صحة الأطفال ونفسياتهم
أكد (89%) من المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية أن صحة الأطفال ونفسياتهم قد تأثر…