‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال في اليمن يوم في دار التوجيه الاجتماعي: لماذا ينتهج الطفل السلوك الخاطئ؟

يوم في دار التوجيه الاجتماعي: لماذا ينتهج الطفل السلوك الخاطئ؟

صوت الأمل – رجاء مكرد

  “يتأثر الطفل كثيراً بما يتم عرضهُ على وسائل الإعلام، خاصة المسلسلات الكرتونية التي أصبحت تحرض على العنف بشكل مباشر، وقصص الرعب والقتال، ناهيك عن الألعاب الإلكترونية التي لا تتناسب مع عمر الأطفال”، هذا ما قالته (هناء علي).

 يوافقها الرأي (صهيب بدر) الذي يرى أن محتوى وسائل الإعلام تدفع الطفل في أغلب الأوقات إلى ارتكاب سلوكيات خاطئة بسبب عدم تخصيص الأبوين وقتاً لأطفالهم ولمراقبتهم، فأغلب الأسر تكتفي  بفتح بعض القنوات التلفزيونية فقط، تاركين أطفالهم تحت سيطرة تلك القنوات دون إشراف على المحتوى، الأمر الذي تسبب في اكتساب الأطفال أساليب العنف في حياتهم .

من هذا المنطلق، اتجهت “صوت الأمل” ناحية أطفال الأحداث (دار التوجيه – للبنين)، وقضت الصحيفة يوماً في الدار، التقت فيه خبير عدالة الأطفال مدير دار الأحداث المدرب (محمد العرافي) الذي أطلع الصحيفة على تفاصيل تخص سلوك الأطفال وحياتهم في الدار.

دار توجيه وليس أحداث

  تأسست دار التوجيه الاجتماعي  للبنين عام 1978م؛ من أجل حماية الأطفال الذين هم في خلاف مع القانون الذين كانوا يسمون سابقاً بـ(أطفال الأحداث أو الجانحين)، أما الآن فيطلق عليهم (الأطفال الذين هم في نزاع أو خلاف أو تماس مع القانون)، وسبب هذه التسمية هو عدم برمجة الطفل برمجة سلبية حسب ما أوضحه (العرافي). وأضاف قائلاً : “نحرض بشكل كبير جداً في الدار على أن لا نشعر الطفل بأنه محبوس أو مسجون، فهو في النهاية يظل طفلاً؛ فالهدف الرئيس هنا هو تعديل سلوكيات الأطفال الذين هم في خلاف مع القانون”.

استثمار الطفل في الدار

   وأوضح (العرافي) لـ”صوت الأمل”  أن دار التوجيه يحوي أطفالاً من سن السابعة  حتى الخامسة عشر عاماً. يتمثل عمل الدار في حماية سلوكياتهم وتعديلها كي لا يعودوا إلى ممارسة السلوكيات الخاطئة مرة أخر.

 وحول معرفته بالقانون يؤكد أن هناك عدم معرفة بالقوانين رغم أن ثقافة الجيل السابق تختلف عن الجيل الحاضر، فسابقًا كانت مرحلة المراهقة تبدأ من عمر (17) سنة، أما الآن فتبدأ من السنة السابعة بسبب الانفتاح والإعلام.

ويضيف (العرافي) أنه يحق للدار أن تستثمر الطفل إذا كان مهذباً وخلوقاً لصالحها، بحيث تثمن الجهود ولا يعود إلى الضياع كما كان قبلاً، وأن هناك إجراءات تتم مع المحكمة بالتنسيق مع النيابة في هذا الجانب لما فيه المصلحة الفُضلى للطفل.

سلوك خاطئ وليس جريمة

   “إن ما يرتكبه الطفل من أعمال غير قانونية يعد سلوكاً خاطئاً وليس جريمة؛ فالجرائم تطبق على ما فوق سن (18)، والحالات الموجودة في الدار هم من الأطفال ذوي السلوك الخاطئ وليسوا مجرمين، لأنهم لم يبلغوا السن القانوني” هذا ما قاله (العرافي).

  وحول أنواع السلوكيات يقول: “هناك سلوكيات خاطئة ارتكبها الأطفال تمثلت في السرقة، والقتل، وممارسات غير أخلاقية وهكذا”، مؤكدًا أن أغلب من يدخلون في قضايا القتل يكونون أولاد أسر معروفة، كما أنه في حال كان السلوك الخاطئ – القتل مثلاً، فإن الطفل يحاكم لكن بدون إعدام؛ لأن قانون الأحداث مرن ويقدم المصلحة الفضلى، بمعنى  أنه لو كان  عمر القاتل (11) عاماً  فسيظل في الدار حتى عمر (19) سنة.

  وعن عدد الأطفال في دار الأحداث تم التوجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للحصول على آخر إحصائية لعدد أطفال مراكز الأحداث، ومعرفة عدد المراكز، لكن لم يتم الحصول على الإحصائية، بسبب غياب المسؤول الإداري عن ذلك ومن ينوب عنه.

ثم توجهت الصحيفة إلى الجهاز المركزي للإحصاء والتقت بـ(سميرة الجوزي) مدير كتاب الإحصاء السنوي التي طلبت مذكرة رسمية من وزارة الداخلية والجهاز المركزي للإحصاء كون سجلات الأحداث محفوظة في الداخلية مع سجلات السجن المركزي.  وبعد الرجوع إلى كتاب الإحصاء السنوي لعام 2018م اتضح أنه لا توجد أي إحصائية عن عدد الأطفال في مراكز الأحداث.

وقد حصلت “صوت الأمل” على آخر تقرير سنوي للعام 2017م، من دار التوجيه الاجتماعي للبنين، حيث أوضح مدير الدار (العرافي) أنه يوجد ما بين (12-13) دار توجيه في اليمن سابقاً ولم يتبقَ منها بسبب الصراع إلا ثلاثة، اثنان منها في صنعاء وواحد في إب.

 كما تم التواصل مع مصدر في منظمة اليونيسيف للسؤال عن الخدمات التي تقدمها المنظمة لدار التوجيه، وتم تحويل الصحيفة إلى المصدر المختص بأطفال الدار، غير أن الطلب ظل معلقاً مدة ثلاثة أيام دون رد.

أسباب العُنف

  يوضح (العرافي) أنه أصبح للانفتاح الذي توفره منصة (جوجل) تكلفة، هذه الآثار السلبية التي تربي الأطفال على العنف منذ الصغر، إضافة إلى ممارسة الإعلام وتصديرها للعنف في برامج الأطفال، كما أن بعض الأسر تجعل أطفالها يذهبون للتسول فيكتسبون عادات وأخلاقيات تعتمد على العنف.

  وأكد أيضاً أن البيئة المحيطة (الأسرة، ووسائل الإعلام) تحمل رسائلَ تعلم الأطفال سلوكيات خاطئة، بالإضافة إلى انعدام الوعي لدى بعض الأسر، فالأب والأم هما من يوجهان الطفل التوجيه الصحيح.

هل الفقر دافع أم سبب؟

   يقول الخبير (محمد العرافي):  “يقول بعض الناس إن الفقر هو سبب انحراف الأطفال. هذا أكبر خطأ. الفقر ليس سبب انحراف الأطفال، لكن الفقر دافع. هناك أسر فقيرة حالتهم المادية متدنية جدًا، لكننا نجد عندهم أخلاقاً وقيماً وهويةً إيمانية وحياتهم مستقيمة وفي الطريق الصحيح، وبعض الناس أغنياء وعندهم جرائم..  فهل  الفقر مقياس للانحراف؟!”

  وأضاف:  “عندما نقول عن الفقر أنه دافع، فهناك مسبب تجبر الأسر الفقيرة في دفع أطفالهم للعمل في الشوارع بدل الدراسة، وبيع بعض الأشياء، وهو نفسهُ الذي أدخل البنات الصغيرات للعمل بالتنظيف في البيوت، بالتالي تعرضت كثير منهن للسلوك الخاطئ، وكان مكانهن دار التوجيه؛ لذلك نؤكد أن الفقر ليس سبب وإنما دافع”.

وفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة “صوت الأمل”، في أبريل 2021 حول سبب دخول الأطفال مراكز الأحداث، تبين من آراء الأشخاص الذين تجاوبوا مع الاستطلاع، أن السبب في ذلك 61.2 الفقر، 46.9 الصراع، 34 المجتمع المحيط، 15.6 وسائل الإعلام، 34.7 العائلة.

أهمية دور الأسرة

  يؤكد المدرب (العرافي) أن السبب الرئيس لانحراف الأطفال هي الأسرة، فكثير من الخلافات الأسرية بين الزوج والزوجة يكون ضحيتها الأبناء، وعدم وعي الأسر في تحمل مسؤولياتهم مع أطفالهم بالشكل المطلوب والسليم، فمنهم من يضرب أبناءه لأنه لم يحضر له مبلغاً معيناً بعد عمله بالشارع،  وبذا يكتسب الطفل خوفاً شديداً يضطره للسرقة أو الانضمام  لجماعات إجرامية، وممارسة سلوكيات خاطئة من أجل كسب المال سريعاً.

لماذا يسلك الطفل سلوكاً خاطئاً؟    

        يقول الأخصائي النفسي (حيدر محمد): “إن سبب سلوك الطفل الخاطئ، ودخوله دار الأحداث (التوجيه) هو العُنف الذي يمارسه الأب، فالضرب وعدم التعامل الجيد مع الطفل يجعله ينحرف ويخرج للشارع، كما أن تحميل الطفل مسؤولية العمل يؤدي إلى بقائه لساعات طويلة متأخرة في الليل خارج المنزل، الأمر الذي يعرضه للأذية والتورط بمشاكل يدخل إثرها الدار”.

أما مسؤولة الدعم النفسي الاجتماعي التابع للهلال الأحمر الدكتورة (زينات مكرد) فتقول: “إن الصراع كان سبباً في تولد الضغوطات النفسية والمجتمعية  داخل الأسر. والخلافات الأسرية كلها كانت سبباً في تأثر نفسية الأطفال، ووجود السلاح في المنازل والطرقات والأحياء والأسواق وكل مكان، كل ذلك أدى إلى أن الطفل أصبح يحمل السلاح أيضاً، وهنا فقد الطفل كل حقوقه في حصوله على الحياة المناسبة”.

  مؤكدةً أن الصراع والعنف الموجودان في حياة الطفل اليومية جعلانه ينسى اللعب والدراسة ويفكر بمثل تفكير البيئة المحيطة التي تمتلئ بالعنف والنزاع.

الخدمات التي يقدمها الدار

أثناء زيارة “صوت الأمل” للدار تم التعرف على الخدمات المقدمة للأطفال التي تمثلت في التعليم الذي يعد إلزامياً ويتم في مدرسة التوجيه التي تضم مكتبة تابعة للتربية والتعليم مع طاقم إداري، بالإضافة إلى وجود قسم خاص بمحو الأمية، فأغلب الأطفال الذين يدخلون الدار هم من أطفال الشوارع وأعمارهم تتراوح ما بين (13) أو(14) عاماً لا يستطيعون الكتابة أو القراءة ولا يعرفون الوضوء ولا يحفظون أي آية قرآنية.

 كما استعرض مدير الدار خدمة الإيواء والسكن وخدمة الرياضة،  والدعم النفسي، والبرامج المتعددة السلوك التي تعمل على تعديل سلوكيات الطفل، والتغذية التي يقوموا بها.

الصعوبات

يقول مدير الدار (العرافي):  “إن موازنة الدار متوقفة منذ عام 2014م،  وإن الدعم المقدم للدار هو من أهل الخير، وهذه من أبرز الصعوبات التي يعاني منها الدار”.

ويتوجه بدعوة المجتمع في أن يساهم بشكل كبير جداً في موضوع المساندة والمناصرة لدار التوجيه ولأطفال الدار من خلال تغيير التصور الذهني الخاطئ عن هذا الطفل، وتقبل المجتمع له، كما أن للمنظمات دوراً هاماً في التوعية بما يخص مجال الأطفال وتقديم الدعم لأطفال الدار.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

89% يؤكدون استمرار أثر الصراع على صحة الأطفال ونفسياتهم

أكد (89%) من المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية أن صحة الأطفال ونفسياتهم قد تأثر…