الأطفال والسلام
يعتمد السلام في أي مجتمع على توجهات أفراد ذلك المجتمع وقيمه وقدراته، وتكتسب هذه القيم والقدرات فيهم منذ الطفولة؛ ولهذا فإن أطفالنا هم المدخل الرئيس لتحقيق هدفنا المشترك المتمثل في وجود مجتمع مستقر وتنموي يمتلك القيم والقدرات والثقافات المعززة للسلام والتنمية ما لم فسنواجه العكس من ذلك.
حسب تقرير منظمة رعاية الطفولة ((Save the Children، تعد اليمن حالياً ضمن الدول العشر الأسوأ على الأطفال والأكثر تضرراً من النزاعات المسلحة. ويوفر القانون الدولي الإنساني حماية عامة لجميع المتضررين من النزاعات المسلحة، ويتضمن أحكاماً مشددة تتعلق بالأطفال. مع ذلك، يتعرض الآلاف من أطفالنا في واقعنا اليمني لعدد من المخاطر والتهديدات، وكلما تعددت وتوسعت المناطق الخاضعة للنزاعات الداخلية ازداد عدد المسلحين، وفي الوقت ذاته يزداد تعرض الأطفال في تلك المناطق للقذائف وللرصاص الخاطئة وللألغام الخفية مما قد يسبب لهم الموت، أو فقدان جزء من أجسامهم، فيزداد عدد المعاقين والمشردين من مناطقهم ومساكنهم والتاركين لتعليمهم، أو يتعرضون للتجنيد والأوبئة. وقد يفقد الأطفال رب الأسرة أو عدداً من أفراد العائلة مما يعرضهم للتمزق الأسري وسوء التغذية والجوع ومن ثم يجبرون على الأعمال القاسية أو التسول، بينما من يسلم منهم مما سبق فيتعرضون لأزمة هُوية فلا يعرفون لمن ينتمون ولا لماذا يتعرضون لهذه الآلام، ويلازمهم الخوف من الحاضر والمستقبل بمجرد سماع أصوات الانفجارات وأخبار القتل والعنف والتشريد والاختطاف أو مشاهدة تلك الفظائع، وهذا بالتأكيد سيترك فيهم آثاراً طويلة المدى.
من المؤلم والمؤسف أن يصبح فقدان الآلاف من أطفالنا للسلام الداخلي أمراً اعتيادياً، سواء في الحضر أو في الريف اليمني؛ إذ نجد أن الكثير من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، في حين أن عدداً منهم قد احترفوا التسول، بينما نجد أن بعض المثابرين والعصاميين قد يعملون في أعمال صعبة ولأوقات طويلة، ومنهم من يحاول بيع بعض الأدوات والقطع البسيطة في الطرقات والجولات، ومنهم من يتنقل بين الحارات والقرى لجمع ما يمكن استخدامه من البقايا والمخلفات، والأدهى من ذلك ما وصل إليه بعضهم من الانخرط المباشر في النزاع الحالي.
من الجانب السلوكي والنفسي، تكون حاجة أطفالنا للسلام الداخلي عبر العاطفة والحب والأمان أعظم من أي شيء آخر، وفي فترات النزاعات يعد الأطفال الأكثر ضعفاً نظراً لصغر بنيتهم الجسدية والعقلية وضعفها، فإذا كان قد أثر النزاع فينا بشدة ونحن في سن الرشد ونملك قوة التحمل إلى أن أصبح الأغلب منا يردد علناً أو بصمت عبارة “لا مستقبل لي هنا” فكيف بالأطفال؟!
من الأولى إذاً أن نتخيل شدة تأثير النزاع الحالي على أطفالنا، فعندما يتكرر لديهم مشاهدة مظاهر العنف ويلمسون نتائجه فهم بالتأكيد سيفقدون الأمل بحاضر آمن؛ وحين تكون فترة نشأتهم بالتزامن مع سنوات طويلة من النزاع فكيف سيؤثر ذلك على شخصياتهم وما الذي سيقدموه لأسرهم ولمجتمعهم؟! وحين تحتوي معارض ألعاب الأطفال في معظم رفوفها على ألعاب هي في الأصل “مجسمات” ترمز للعنف والحروب، وحين يلعب الأطفال الألعاب اللكترونية العنيفة والمبرمجة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة بدلاً من اللعب بالألعاب الهادفة للبناء والتنمية فإنهم سيعتقدون حتماً أن السلاح هو من سيحميه بدلاً عن الدولة عبر مؤسساتها القانونية والأمنية وغيرها، ومن الممكن أن يكرهوا الحب والابتسامة.
قد يفقد الكثير من الأشخاص الراشدين الإحساس بعمق معاناة وآلام الأطفال المتأثرين بالنزاع الحالي وبدرجات متفاوتة ربما لأن هؤلاء الأشختص قد تمتعوا بالسلام منذ طفولتهم، أو ربما لم تكن حياة طفولتهم بنفس درجة القساوة التي يعيشها أطفال اليوم، ولم تكن بطول فترة استمرارها مقارنة بالنزاع الحالي المستمر منذ ست سنوات. ومع أن المتسبب في كل النزاعات الدائرة الآن هو نحن الكبار إلا أننا لم نتساءل لماذا نحن الكبار لا نزال مشتركين بطريقة أو بإخرى في تدمير مستقبل أطفالنا؛ فنحن أصحاب القرار في استمرار النزاعات وفي إيقافها؟ وإذا ما قررنا – مجتمعين – على إيقافها حقاً فمن سيتحمل نتائجها الكارثية في المستقبل المنظور؟! هل فكرنا بما قدمناه وجهزناه لمستقبل الأطفال القريب؟! كيف سيكون الوصف المناسب الذي سينعت به أبناؤنا الكبار جيلنا الحالي؟!
وإذا ما تذكرنا أحلامنا البريئة في زمن طفولتنا الباكرة وطموحاتنا حين كنا فتية المتمثلة معظمها في الرغبة الجامحة في تغيير مستقبل الأجيال القادمة إلى الأفضل وفي جعلهم إيجابيين، وفي نشر العدالة وبناء الوطن ليصبح مواكباً للعصر ومشابهاً للأوطان العريقة، إذا ما فعلنا ذلك فإننا نكتشف أن ما قدمناه في الواقع عكس ذلك تماما؛ فقد خذلناهم ولم نمنحهم السلام والحياة التي يستحقونها رغم أننا المسؤولون كلياً عن ما حدث ويحدث في الحاضر، وهانحن سنسلم لهم بنية تحتية مدمرة، ونورث لهم جروحاً ومشاعر من الآلام والأحقاد والكراهية العميقة، وربما أيضاً رغبة الانتقام في حال نجاتهم. وعلينا أن نتساءل أين سنكون نحن المتسببين في المستقبل؟ وهل نتوقع تأثرنا بديمومة الصراعات بوصفها ثقافة متجذرة في مجتمعنا؟ إن ذلك حاصل لا محالة ما لم نجنح عن الصراعات ونسعى إلى تحيقق السلام الدائم لنهيئ وطننا للبناء والتنمية المستدامة.
في مقابل كل هذه التحديات والإحباطات، هناك دوماً فرص وبدائل مليئة بالأمل، ومهما بدت ضيئلة جداً إلا أن أثرها عظيم. وبمجرد وجود الرغبة الحقيقية والنوايا الخالصة في أننا ملزمون أمام أطفالنا بمنحهم حق الشعور بالأمان والسلام والأمل عن طريق تحقيق أحلام الصغار وتحقيق تطلعات الفتية الطموحة بوصفه حقاً من حقوقهم لا تقل عن حق العيش بكرامة وتلقي التعليم والحصول على الصحة الجسدية والنفسية. فمن الفرص والحلول الممكنة إبراز الدور الحيوي للسلام في أوساط مجتمعنا عامة، وفي مناطق النزاعات بشكل خاص. ومن المفترض أن يقوم المجتمع بمؤسساته بهذا الدور، أفراداً عن طريق التأثير الإيجابي على أطراف الصراع من خلال الأنشطة والفعاليات المختلفة، فهناك تجارب فردية نجحت في التأثير الإيجابي حتى على حاملي السلاح في بعض مناطق الصراع حول العالم لا سيما تلك التي عاشت عقوداً من النزاعات؛ إذ تم توعيتهم وتدريبهم على حماية الأطفال وقت النزاع، وتشجيعهم على الوفاء بالاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بحقوق الأطفال، وحمايتهم من العنف والاستغلال والإيذاء. أما دور الآباء والمعلمين والموظفين والمهنيين والإعلاميين ممن لا يمتلكون أي قرار لوقف العنف فهدفهم المشترك حالياً هو تحقيق السلام الدائم والعودة إلى البناء عبر العديد من التدابير، بدأ بالتقريب بين وجهات النظر وتحديد الأهداف.
على سلوكياتنا وتصرفاتنا أن تكون مشتركة ومتشابهة فيما يتعلق بأطفالنا، ونستطيع أيضاً التوجه نحو المناصرة العادلة لحقوق أطفالنا الأساسية حتى أمام الأفراد العسكريين المنخرطين في الصراع، وكذلك بالترويج لثقافة السلام والتنمية البشرية بين أطفالنا، وفي الوقت ذاته علينا أن نكبح الترويج السلبي للأفلام والألعاب العنيفة؛ وأن نمنحهم الأمل بتوقف النزاعات وزوالها في وقت ما، مع غرس الصبر والتحمل والصمود في نفوسهم، وتدريبهم على حل النزاعات التي يواجهونها بطرق سلمية، وبث طموح التغيير الإيجابي فيهم، ومساعدتهم على تحويل اهتماماتهم نحو أمور تنموية، وكذا تشجيع أطفالنا – ذكوراً وإناثاً- على تولي زمام المبادرة ليصبحوا جيلاً أكثر قوة وقدرة على التحمل وعلى التعايش مع اختلافاتنا الفكرية طالما أنها سلمية، شرط ألا يتبعوا منهجياتنا التي تدعم ديمومة النزاعات لعشرات من السنوات القادمة.
89% يؤكدون استمرار أثر الصراع على صحة الأطفال ونفسياتهم
أكد (89%) من المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية أن صحة الأطفال ونفسياتهم قد تأثر…