‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة المرأة في اليمن النساء الريفيات: كفاح لا حدود له

النساء الريفيات: كفاح لا حدود له

صوت الأمل – د. بلقيس العريقي

تعتبر المرأة اليمنية في الأرياف منذ الأزل، شريك للرجل في رحلة الاكتفاء الذاتي للأسرة، فهي مصدرا للإنتاج سواء في المنزل أو في النواحي الاقتصادية بمختلف المجالات، وهي إلى جانب عملها كأم وزوجه، تعمل خارج المنزل جنبا إلى جنب مع الرجل، وتبذل في رحلة كفاحها اليومي معاناة ونضال شاق، وللأسف لم تجد المرأة الريفية دعما من الدولة ومنظمات المجتمع المدني لتأهيلها وتحسين عملها الإنتاجي.

تعرفت أثناء رحلتي إلى أرياف اليمن لإجراء دراسات مجتمعية، على برنامج الروتين اليومي الشاق لعمل النساء في الأرياف، حيث تبدأ رحلة الكفاح اليومي للمرأة الريفية مع بزوغ الفجر، تعكف المرأة أولا على إعداد وجبة الإفطار لزوجها وأطفالها وبقية أفراد عائلتها، وتنظيف وترتيب البيت، ومن ثم تتجه لإيقاظهم، ليجدوا كل شيء جاهز، بعدها تعمل على تجهيز أطفالها للذهاب إلى المدارس، أو مساعدة الأسرة على توفير الأدوات التي يحتاجونها للعمل في المزارع، ومن ثم تتجه إلى الوادي لتتولى مهمة الحرث والغرس والزراعة، وحصد الأعلاف والحشيش لتأكله الأبقار والمواشي، ولا تعود إلا عند حلول وقت الظهيرة،  تعود وهي منهكة القوى، لتعد طعام الغذاء رغم ما أخذ منها التعب كل مأخذ، لتعود مرة اخر للعمل في الحقل بعد صلاة العصر مباشرتا، ومع ذلك تعمل بلا مقابل، وبدون ملل أو شكوى، لان همها الوحيد هو توفير احتياجات زوجها وأطفالها من الغذاء والاكتفاء الذاتي.

 وفي البرنامج اليومي لنضال المرأة اليمنية تأتي مهمة جلب المياه، فمعظم أرياف اليمن في ظل محدودية مياة الشرب، وتعتمد الأسرة في جلب المياه على النساء والأطفال، ويبدأ جلب الماء في البرنامج اليومي للمرأة الريفية، منذ الصباح الباكر، تقصد المرأة مع أطفالها بركة المياه التي تقع بالقرية، وتستمر في جلب المياه لمرتين أو ثلاث في الصباح، والمؤلم في تفاصيل هذه المعاناة أن بعض البرك تقع خارج القرية لمسافة كيلومترات، مما يضطر النساء لاستعمال الحمير والذهاب باكر، يحملن المياه على ظهور الحمير، وعلى رؤؤسهن، ويبدو جلب المياه بهذه الطريقة معاناة قاسية للغاية.   

جلب الحطب ايضا يعتبر من ضمن الكفاح اليومي لنساء الريف، خصوصا في الأيام التي لا يوجد فيها عمل في المزارع كفصل الشتاء، فمع بزوغ وقت الفجر تقصد المرأة الوديان والسهول المحيطة بالقرية والقرى المجاورة، وقد تذهب إلى وديان تبعد عن القرية عدة كيلومترات، نظرا لكثرة الحطب الموجود بهذه الوديان، ومع أن ظاهرة جلب الحطب بهذه الطريقة قد انخفضت نسبتها قياسيا بين نساء الأرياف خلال العقد الماضي، نظرا لتوفر أسطوانة الغاز، إلا أنها عادت بقوة في السنوات الخمسة الماضية، نظرا للظروف الاقتصادية القاسية للأسر الريفية، وانعدام أسطوانات الغاز، بسبب الأزمات المتلاحقة التي تعيشها اليمن، التي قادت إلى ارتفاع سعر الاسطوانة الواحدة لنحو خمسة ألف ريال، وهو مبلغ كبير تعجز كثير من الأسر الريفية عن الإيفاء به.

ولتربية المواشي حضورا قوي في تفاصيل برنامج النضال اليومي للمرأة الريفية، ففي الصباح الباكر وبعد تجهيز فطور العائلة تتجه إلى مواشيها من بقر وغنم وماعز وحمير، لتنظف الحظيرة و تحضر لها الماء وبعض الأعلاف، ومن ثم تولي للأطفال دون سن الخامسة عشر من بنين وبنات مهمة رعي الأغنام في السهول والوديان المحيطة بالقرية، وحرص نساء الريف على تربية المواشي وبالذات البقر والأغنام، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من السمن واللبن والحليب، وأيضا بيع بعض المواشي بين موسم وأخر، والاستفادة من عائد البيع في توفير احتياجات الأسرة من المواد الغذائية الاساسية.

وفي هذا السياق يعتبرن نساء الأرياف في اليمن، من الفئات الضعيفة، لحرمانهن من الوصول إلى الفرص الاقتصادية والاجتماعية للعمل، ويرجع ذلك لعدة عوامل، منها افتقار المؤسسات والجهات الداعمة، لإدخال المرأة الريفية إلى سوق العمل، ومشاركتها في الحياة الاقتصادية المنظورة في البلاد، فالمرأة الريفية إذا ما حصلت على خدمات التعليم والصحة والتدريب والتأهيل، فإن ذلك سيزيد من فرص تطوير نشاطها الاقتصادي والاجتماعي، وستحقق بذلك مستوى معيشي أفضل للأسرة والمجتمع بشكل عام.

وفي ظل ما سبق، ينبغي لمنظمات المجتمع المدني توفير برامج التمويل والتأهيل للمرأة الريفية ذات العلاقة بخبراتها في مجال الزراعة، وتربية الثروة الحيوانية، والصناعات الحرفية، وتربية النحل، ومشروع الأبقار الحلوب، من أجل استغلال قدراتها، وتحسين وضعها، ووضع أسرتها الاقتصادي والمعيشي، وتحقيق التنمية الريفية.

‫شاهد أيضًا‬

الدورات التدريبية في مجال الطهي إلمام بثقافات مختلفة وفرص مهنية واسعة

صوت الأمل – علياء محمد لا يقتصر فن الطهي على الطبخ المتعارف عليه لدى الأفراد، بل يحمل بين …