الوضع الاقتصادي في اليمن.. محاولات للتعافي وإعادة الإعمار
صوت الأمل – سماح عملاق
تسبب الصراع في اليمن بخسائر اقتصادية كبيرة دفع ثمنها الشعب بأكمله، حيث لم تسلم المباني السكنية من الدمار، وكذا القطاع الصناعي والتجاري ـ العام والخاص ـ والقطاعات الخدمية التي كلفت اليمن خسائر بمليارات الدولارات.
وفي “تقييم تأثير الحرب على التنمية في اليمن ـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2019″، قُدِّرت نسبة الانكماش التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (GDP ) بنحو 46.1 % للفترة 2014 ـ 2019.
توقف النشاط الاقتصادي
أسهم الصراع في جمود النشاط الاقتصادي وتراجعه تراجعًا كبيرًا، خاصة القطاع الخاص، وقلص من فرص العمل والدخل لشريحة كبيرة من المواطنين.
أحمد عبد الواسع (47 عامًا من تعز) كان يملك محلين تجاريين للمواد الغذائية أنشأهما بعد أن كان عمل في إحدى الدول العربية لأكثر من 20 عامًا، كان يوفر فرصة عمل لأكثر من 16 موظفًا وعاملًا ، ولكن بسبب ظروف الصراع دُمِّر أحد المحالين وتوقَّف النشاط في المحل الآخر.
وبسبب توقف العمل في المحلين منذ 2016 وإلى الآن، خسر عبد الواسع مبالغ كبيرة، وتوقف نشاطه التجاري توقفًا تامًا، وتراكمت عليه الديون, ليس هو فقط بل كل من كان يعمل معه.
أحمد ليس الوحيد من خسر تجارته ومصدر رزقه، فهناك الكثير من الموظفين الذين فقدوا وظائفهم في القطاعات العامة والخاصة، وأيضًا هناك من فقدوا مشاريعهم الخاصة في مختلف المحافظات اليمنية, بسبب الصراع الذي أدَّى إلى تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد وتدهوره في مختلف القطاعات.
علي محمد (39 عامًا، موظف في صنعاء) يشكو من توقف مرتبه منذ 2016، يعمل علي في القطاع التعليمي في إحدى المدراس الحكومية، ويسكن في بيت استأجره لأولاده الخمسة وزوجته.
يواجه علي ظروفًا اقتصادية قاسية مثله مثل الكثير من المواطنين الذين كانوا يعتمدون على رواتبهم في توفير حياة كريمة لأسرهم، حاليًّا أصبح عاجزًا عن توفير الضروريات من المواد الغذائية والمستلزمات الدراسية لأولاده، حاول أن يعمل في أكثر من مكان لكن الوضع يزداد صعوبة مع التدهور الكبير في العملة المحلية وارتفاع الأسعار.
يشير تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي ـ أغسطس 2020، إلى أن معدل البطالة مرتفع جدًا بسبب الصراع الذي أدَّى إلى فقدان المواطنين لمرتباتهم، وسبَّب أزمة في الدخل وتعطيل للأنشطة الاقتصادية وسبل العيش, حيث تفاقم معدل البطالة وانعدمت فرص العمل منذ عام 2015 وإلى 2019 (22.1 % إلى 32 % )، وارتفع إلى 34 % في عام 2020، وهذ الأمر يعد من التحديات التي تواجه الاقتصاد والتنمية.
انعكاسات سلبية
إن ارتفاع معدل البطالة وتراجع فرص التوظيف الحكومي ومحدودية وظائف القطاع الخاص، كل هذه تعدُّ تحديات تواجه الاقتصاد والتنمية في هذه المرحلة الصعبة.
يوضح “لصوت الأمل” الخبير الاقتصادي الدكتور محمد أحمد الوضع الاقتصادي الذي يمر به اليمن منذ 2015 وإلى الآن، حيث يصفه بالمتدهور للغاية، قائلاً: إن الانعكاسات السلبية التي حدثت في سعر العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، دفعت إلى تفاقم الوضع المالي للدولة، فتوقفت النفقات الاجتماعية والتنموية بما في ذلك مرتبات موظفي الدولة ونفقات التشغيل، حيث ذكر الجهاز المركزي للإحصاء في مارس 2020، أن الخسائر التراكمية في إجمالي الإيرادات العامة قدرت بنحو 41.6 مليار دولار خلال الفترة 2015 – 2018 ، ما أدَّى إلى إرباك وتعقيد المشهد الاقتصادي في البلد.
من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز الدكتور صادق علي، أن تولي جهود إعادة الإعمار والإصلاح الاقتصادي تبدأ من العمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة الرئيسة، وتحسين الإدارة العامة والإدارة المالية، وإعادة تأهيل الجهازين الأمني والقضائي.
يضيف لـ”صوت الأمل”: ومع أن إنعاش هذه المؤسسات ليس كأولوية التدخلات التي تُعنى بالجانب الإنساني غير أنه لا يجب التغافل عن الإسهام الكبير لهذه المنجزات في عملية التعافي وإعادة الإعمار عبر سيادة القانون. مؤكدًا، أهمية اشتمال عملية إعادة الإعمار على إصلاحات سياسية تتواكب مع وجود محددات قانونية ملزمة في سبيل بناء الثقـة في هذه العملية.
دور القطاع الخاص
لإيمان الدولة والمجتمع الدولي بأهمية دور القطاع الخاص في عملية إنهاء الصراع وإعادة الإعمار, ذكرت (خطة أولويات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي ـ يونيو 2019) أهمية تعزيز صمود القطاع الخاص وزيادة إسهامه في إعادة الإعمار والتعافي عن طريق العمل على تقديم الدعم اللازم لتعافي القطاع الخاص في البلد، كونه المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي والمشغل الأكبر للعمالة والمزود الأساس للسلع والخدمات في الوقت الراهن.
ووكَّدت الخطة التي نفذتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي أهمية إعادة بناء المنشآت التي تضررت من الصراع وخاصة المرتبطة بالقطاع الخاص، وتعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار، وإتاحة التمويل للقطاع الخاص لاستيراد السلع الأساسية، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والأصغر والمتوسطة ورواد الأعمال وصغار المزارعين والصيادين لإعادة بناء أصولها.
مصطفى نصر (مدير مركز الإعلام الاقتصادي) يقول لـ”صوت الأمل”: “إنه في حال التوصل إلى توافق شامل على إنهاء الصراع سيكون من الضروري العمل على الاستثمار السريع وتطوير القطاع الخاص؛ لخلق فرص عمل، وإعادة بناء البنية التحتية، وتحويل تدفقات التمويل بعيدًا عن اقتصاد الصراع، واستعادة الأسواق الرسمية، والمساعدة على تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي عام من شأنه أن يسهم في تحقيق سلام دائم وطويل الأمد”.
السلطة المحلية والتعافي الاقتصادي
“يجب إعطاء السلطات المحلية مسؤولية تصميم مشاريعها الخاصة بالتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، وقيادة تلك المشاريع، عوضًا عن الاعتماد على برنامج موحد لكل مناطق اليمن، ويمكن أن تُعطى كل سلطة دورة تمويل خاصّة بها تُجدَّد بناءً على الأداء”. وذلك حسب الخبيرة الاقتصادية أمل الصلاحي .
وأضافت لصوت الأمل: أنه يمكن تحديد المشاريع التي يجري العمل عليها بصورة مشتركة بين السلطات المحلية والوطنية، والعمل على تطويرها بعد ذلك بصورة مستقلة.
وتشدّد الصلاحي على ضرورة إلحاق آليات اقتصادية استراتيجية تدعو على إعادة بناء الثقة في السلطة المركزية وحكم القانون بجهود التعافي وإعادة الإعمار.
تحريك النمو الاقتصادي
واستعرض خبير اقتصادي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي ـ لم يرغب في ذكر اسمه ـ لـ”صوت الأمل” نسب تراجع النفقات العامة على المستوى الإجمالي التي تراجعت تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة 2015ـ 2019 مقارنة بما كانت عليه عام 2014، حيث أظهرت البيانات تراجعها بمتوسط سنوي بلغ نحوًا من 14.3% ما أدَّى إلى تراجع نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي من 36.8 % عام 2014 إلى 26.5 % عام ،2019 الأمر الذي تسبب في خفض الطلب الكلي والدخل والتوظيف في الاقتصاد.
وبيَّن أيضًا أن هناك تقارير ترى الوزارة أنها تسهم في تقديم معالجات للإنعاش والتعافي الاقتصادي في المالية العامة، وإعادة دورها في تحريك النمو الاقتصادي، وذلك عبر تنمية الإيرادات العامة وخصوصًا الضريبية بما يضمن تقليل الاعتماد على التمويل التضخمي والتمويل من الإيرادات النفطية على المدى الطويل، والسيطرة على عجز الموازنة العامة عند الحدود المقبولة اقتصاديًّا، ورفع كفاية تخصيص الإنفاق العام، بما يكفل رفع نسبة الإنفاق الاستثماري.
كما وكَّد ضرورة وضع استراتيجية للتعافي والإنعاش المتصل بالتشغيل والحد من البطالة، وذلك عن طريق التركيز على الانخفاض الهائل في مستوى العمالة لدى أشد القطاعات تضررًا، للعمل على إعطاء أولوية كبرى للإنتاج في مرحلة التعافي الاقتصادي لتحقيق ثلاثة أهداف هي: خلق فرص عمل لمواجهة البطالة، وتخفيض تكاليف المعيشة، وزيادة الاعتماد على الذات.
73.3% البنية التحتية والنسيج المجتمعي اليمني مدمر كليًا
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبيان إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر أكت…