‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة إعادة إعمار اليمن الشروط الأساسية لتحقيق إعادة الإعمار باليمن

الشروط الأساسية لتحقيق إعادة الإعمار باليمن

صوت الأمل – احمد سعيد الوحش

     لا شكّ في أن العوامل الاقتصادية تؤثّر في النتائج السياسية المرتبطة بإعادة الإعمار، ويتجلّى ذلك من خلال الشروط الأربعة الأساسية التي ينبغي توافرها كي تتكلّل عملية إعادة الإعمار بالنجاح.

ويحدّد كل شرط ما إذا كانت إعادة الإعمار ستتحقّق وكيف ستحدث، وهذه الشروط هي: أولًا، توافر الموارد الاقتصادية لإعادة الإعمار، ويعني ذلك الموارد المالية بالدرجة الأولى ولكن ليس حصراً ، وثانيًا الطريقة التي تنتهي أو قد تنتهي بها الصراع ؛ وثالثًا وجود أو غياب عملية سياسية على الصعيد الوطني أو الإقليمي؛ ورابعًا الهياكل الاقتصادية التي كانت قائمة قبل الصراع ، والإرث المؤسساتي، حيث ترتكز عملية إعادة الإعمار الناجحة على بناء الدولة بشكل فعّال وتحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام ومتوازن وطويل الأمد وفي حال كان ذلك ناقصًا أو مفقودًا، تتعطّل إعادة الإعمار، ما يمنح الأطراف الفاعلة الخارجية هامشًا أكبر للتأثير في مسار هذه العملية لخدمة مصالح أخرى ويعتبر الشرط الأول هو توافر الموارد وهي خطوة ضرورية لإعادة الإعمار وإن لم تكن كافية وحدها.

 فوفرة الموارد محليًا وخارجيًا قد لا ترسي الأسس السياسية والاقتصادية اللازمة لإعادة الإعمار والحفاظ عليها. وقد تفتقر بعض الدول إلى السلامة الإقليمية والفعالية المؤسساتية الضروريتين لاستغلال مواردها.

  يُضاف إلى ذلك أن العوامل السياسية مثل إعداد نخب جديدة وفق النظام السياسي في مرحلة ما بعد الحرب تتمكن من التأثير  في آفاق الحصول على الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، فهذه العوامل تحدّد الدوائر الاجتماعية والسياسية المحلية التي سيتدفّق إليها التمويل فضلًا عن الداعمين الإقليميين والدوليين الذين سينخرطون في إعادة الإعمار، لكن في حالة عدم استجابة الأطراف إلى دعوات إحلال السلام وتوقيف النزاع، قد تواجه بعض العقوبات التي  تحرمها من الاستثمارات والقروض لإعادة الإعمار ، حيث أن الصراعات الأهلية التي شهدتها اليمن أضعفت بشكل كبير من كامل الاقتصاد التي كانت تعاني أساسًا اليمن منه بسبب الاضطرابات المتكررة،  وأفقدت الكثير من الأحيان ثقة الداعمين والممولين ، وهذه الحالات لا تمهّد بالضرورة الطريق أمام إقامة دول جديدة أكثر تماسكًا بسبب حصول تشرذم وانقسام اجتماعي وسياسي وأمني ، واذا ما تستمرّ حالة الانقسام والتشرذم دون التوصل الى حالة سلام واعادة اللحمة المجتمعية ببن مختلف الفرقاء  فقد تؤثّر بشكل كبير على عملية إعادة الإعمار من خلال ثلاث طرق مترابطة في ما بينها :

 أولا: تقوّض حالة التشرذم هذه الاستقرار الأمني الذي يعد شرطًا أساسيًا لاستقطاب الاستثمارات المحلية أو الخارجية، ما يعرقل تدفّق المساعدات الإنسانية الضرورية لإعادة توطين النازحين والمهجرين داخليًا.

ثانيا: تهدد وحدة الأسواق الوطنية التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالسلامة الإقليمية في مرحلة ما بعد الصراع، ما يحول دون تطبيق القواعد التنظيمية الأساسية التي تحكم النشاط الاقتصادي، مثل فرض الضرائب وتسعير الخدمات والسلع المدعومة والخدمات العامة. وتُعتبر وحدة السوق أساسية أيضأ لأنشطة الإنتاج والتبادل التجاري لتحقيق تعافي اقتصادي مستدام.

ثالثا: غالبا ما ترتبط حالة الانقسام والتشرذم المستمرة بإعادة تشكيل شبكات الدولة والأعمال بما يصبّ في صالح أمراء الحرب الذين انخرطوا في مجال الأعمال حيث يعمل هؤلاء الذين يدعون رواد الأعمال مساهمين بشكل أساسي من خلال توفير الحماية أو الانخراط في شتى أشكال العنف مثل النهب والابتزاز والتجريد من الأصول وهذا يعني تحييد المزيد من الأنشطة الإنتاجية من خلال الوساطة وبما في ذلك التهريب والإتجار وأنشطة السوق السوداء الأخرى ، وأيضا من خلال الانخراط في أنشطة النهب العلنية والتعدي على حصص أطراف فاعلة أخرى في المجتمع أو السوق كل هذه الأساليب  تجعل من الصعب الخروج من اقتصاد الحرب الأهلية، حتى بعد انحسار اعمال الحرب والصراع ، وهذا ما تؤكّده التجارب السابقة في البلدان التي تُعتبر مؤسسات الدولة فيها ضعيفة.

 ففي اليمن مثلا هيمن أمراء النزاع ورجال أعمال على الاقتصاد بعد انتهاء اي صراعات أهلية وتمكّن هؤلاء من تطبيع نفوذهم والتلاعب بالحوافز الاقتصادية لمصلحتهم الخاصة، بحيث أصبحت ممارسة العنف، وتوفير الحماية، ونهب الموارد الطبيعية، وتجنيد المقاتلين أنشطة اقتصادية سائدة تنخرط فيها شرائح واسعة من السكان، ومن أجل  إطلاق عملية سياسية لإنهاء الحروب الداخلية والخارجية أن يرسى الآليات اللازمة لإعادة توزيع التكاليف والأرباح بين المجموعات الاجتماعية السياسية في مرحلة ما بعد الصراع وعلى العكس يعني غياب مثل هذه العملية الحفاظ على حالة من التفاعل غير السلمي، سواء في شكل حروب أهلية شاملة أو أشكال أقل حدة من العنف، مثل الاغتيالات أو حروب العصابات أو الإرهاب أو القمع المكثّف، ويعتمد وجود عملية سياسية في مرحلة ما بعد الصراع إلى حد بعيد على الطريقة التي انتهت بها النزاعات، مع العلم بأن هذه العملية تؤثّر بشكل كبير في إمكانية إعادة الإعمار وكيفية حدوثها كونه يرتبط ذلك ارتباطا  وثيقا بالجوانب السياسية لإعادة الإعمار سواء بشكل مباشر من خلال تقاسم السلطة أو آليات الاتباع أو بشكل غير مباشر من خلال وضع القواعد التي تحكم كيفية إعادة توزيع الثروة .

 ولهذا الأمر تداعيات على بناء التحالفات وإضفاء الشرعية على السلطات السياسية في مرحلة ما بعد الصراع، عادةً ما تتحقق العملية السياسية على المستوى الوطني إذ ترتبط هذه العملية بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها لكن في الدول المنقسمة بشدة بسبب الحرب غالبا ما يشارك الفرقاء الإقليميون والدوليون كمؤثّرين أو وسطاء أو محكّمين أو مفسدين وبالتالي يصبحون جزءًا من هذه العملية.

  وعلى النقيض من هذا فإن غياب الترتيبات الأمنية والسياسية في دول العربية ومنها اليمن التي تخوض صراعات قد يحول مسار إعادة الإعمار والتعافي إلى امتدادٍ للتنافس الإقليمي والدولي ، في نهاية المطاف يُعتبر الإرث الاقتصادي الذي كانت تتمتع به الدولة ما قبل الصراع مهما أيضأ في تحديد ما إذا كانت إعادة الإعمار ستؤدّي إلى تعافي اقتصادي طويل الأمد ، ويمكن أن يشكّل هذا الإرث الاقتصادي إما فرصة أو عائقا يحدد تأثير إعادة الإعمار من المنظور السياسي والاقتصادي فهذا الإرث قد يعزز أو يعرقل مسار التنمية الشاملة التي يشارك فيها المواطنون في إنتاج وتوزيع القيمة للتأثير على آفاق إعادة الاندماج الوطني وبناء الدولة.

  في هذا الصدد لا بد من التركيز على عاملين مترابطين: الأول، هو أن الدول التي تعتمد بشكل كبير على الثروة المستمد من الموارد الطبيعية أو التحويلات أو المساعدات الخارجية لديها فرص أقل للانخراط في التنمية الشاملة على المدى الطويل ذلك أن قطاعاتها الإنتاجية ضعيفة في الغالب ويعتمد نمو ناتجها المحلّي الإجمالي بشكل كبير على مصادر خارجية لرأس المال أو مصادر محلية ضيقة للغاية وعلى العائدات الحكومية والصادرات ، ويكمن العامل الثاني، في حجم القطاع الخاص ونشاطه فكلّما تنامت حصة القطاع الخاص في مرحلة ما قبل الصراع من حيث التوظيف والإنتاج والاستثمار زاد احتمال أن تفضي إعادة الإعمار إلى التنمية الشاملة والتعافي الاقتصادي على المدى الطويل يشار إلى أن الدولة التي تحصل على نسب عالية من الثروة  تضم في الغالب بيروقراطية عامة متضخمة وقطاعا خاصا صغيرا.

وعادةً ما تكون أقل إنتاجية وتعمد إلى إعادة تدوير الثروة  بدلاً من إنتاج القيمة سواء من خلال المضاربات العقارية أو الوساطات المالية وعمليات السمسرة ، يضاف إلى ذلك أن المجتمعات التي تسود فيها مثل هذه الأنشطة غالبا ما تكون أكثر عرضة للصراعات الأهلية، وحيث  أن  آفاق إعادة الإعمار في اليمن تبدو  قاتمة في اليمن إذ إن شروط النجاح إما ناقصة أو مفقودة تملأ بحسب أروى كثير من المختصين ، إضافة إلى ذلك لا تبشر التفاعلات الوطنية أو الإقليمية أو الدولية بانتهاء النزاع فيها حتى بعد انتهاء الصراع.

 لذا غالب الظن أن إعادة الإعمار لن ترى النور على الإطلاق بسبب نقص الموارد وانعدام الأمن المكثّف، وحالة الانقسام السياسي او أنها ستصبح امتداد للنزاع لكن بوسائل أخرى تشمل متنافسين محليين وخارجيين وهذا ما يبدو واضحا حتى الآن ، وقد تكون النتيجة النهائية نشوب صراعات محلية أقل حدة أو توطيد الترتيبات الأمنية أو الاقتصادية الناجمة عن الصراع ، فهل يستطيع اليمنيين تجاوز الانقسام وتوقيف النزاع وتحقيق شروط إعادة الإعمار وبما يخدم المصلحة الوطنية لليمن.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.3% البنية التحتية والنسيج المجتمعي اليمني مدمر كليًا

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبيان إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر أكت…