العمارة اليمنية في أعين اليمنيين
صوت الأمل – حنان حسين
الموقع الجغرافي لليمن جعلها تعد واحدة من أبرز الدول التي تحتضن تراثًا معماريًا غنيًا وفريدًا؛ ولذلك تحظى اليمن بأهمية كبيرة؛ إذ ترجع كثير من المعالم التاريخية إلى العصور الأثرية القديمة، فتحقق تقديرًا واهتمامًا عاليًا من قبل الأهالي المحليين والزائرين على حد سواء. وهناك الكثير من المباني التاريخية على امتداد اليمن، كالمساجد والقلاع والقصور والمنازل التقليدية التي تشير إلى ذلك التراث المعماري الجميل.
الفن المعماري في أعين المجتمع
أرجوان علي (من سكاني صنعاء القديمة) ترى أن الكثير من أبناء صنعاء لا يزالون يبنون بيوتهم وفق الشكل المعماري السائد من زمن الآباء والأجداد رغم التطورات العمارة الحالية؛ لأن للمعمار الصنعاني هيبة تضاهي الطراز المعماري الحديث، حسب رأيهم.
وتقول هديل فايع (فنانة تشكيلية) التي تتحدث عن أهمية المحافظة على طراز العمارة اليمنية: “أشعر أن تراثنا وثقافتنا اليمنية ككل هي مصدر مُطلق للجمال، نستطيع أن نطبقه ونعبر عنه بعدة طرق وبأي فن، وأبرزها الفن التشكيلي”.
وأضافت: “أما عن كيفية الحفاظ على الفن المعماري فسأتحدث عن نقطتين، الأولى ضرورة استخدامه وتعزيز وجوده في تصاميمنا المعمارية وفنوننا بأشكالها. فمهما ذهبنا باتجاه الحداثة، علينا ألا ننسى النمط اليمني برموزه وتفاصيله ودلالاته الغنية، لأنه بالفعل لا يتعارض مع الحداثة ويُعتبر ثريًا ومتجددًا. والثانية ضرورة التركيز على استخدام المواد المحلية؛ لأنها جزء من فن العمارة اليمنية، فعدم استخدامها واختيار مواد لا تتناسب مع البيئة ونمط العمارة المحلي، ستمنع إيضاح النمط اليمني وتصبح العمارة “مشوهة ثقافياً” لا يوجد لها هوية معمارية محددة، بطريقة أو بأخرى”.
خالد أحمد عيسى (باحث في الآثار والعمارة الإسلامية – جامعة صنعاء) يرى أن “المجتمع اليمني قادر على المحافظة على تراثه المعماري عن طريق الحفاظ على الهوية البصرية للعمارة اليمنية ومراعاة المنظر الجمالي في مجال التصميم الهندسي فيها بشكل عام من قبل المهندسين وتطبيق ما تعلموه على الواقع سواء من حيث التصميم وما يترتب عليه من مسائل، كالمساحة والتخطيط والفراغات والنسبة والتناسب… إلخ، أو من حيث الهوية الثقافية والطابع المعماري السائد في المنطقة التي سيتم تنفيذ فن العمارة الجديد فيها، من خلال مواد البناء المنتشرة في المنطقة والعناصر المعمارية الأكثر وجودًا واستخدامًا فيها. إضافة إلى مراعاة المنظر الجمالي والرؤية البصرية، والتأكيد على مسألة الاستدامة في العمارة بعناصرها الثلاثة المهمة بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا”.
ويؤكد خالد عيسى على الحفاظ والاستفادة من العمارة التقليدية، بقوله: “أثبت أجدادنا العظماء قدرتهم الفائقة وإبداعهم المتميز من خلال مراعاتهم للمنظر الجمالي، سواء للمباني أو للمدن التي شيَّدوها. وخير مثال يجسد أعمالهم وجودُ المدن التاريخية التي ما زالت إلى اليوم تحكي عظمتهم وحسهم الفني الرائع”.
وأردف: “من هذه المدن تلك المُدرجة في قائمة التراث الإنساني العالمي لدى اليونسكو كصنعاء القديمة وشبام حضرموت وزبيد وغيرها من المعالم المتميزة في فن عمارتها واحتوائها على المنظر الجمالي والرؤية البصرية الجذابة والمتناسقة”.
امتيازات وتحديات
من وجهة نظر دينا إشفاق (مهندسة معمارية ومهتمة بتاريخ العمارة في الحضارات) فهي ترى أن العمارة في صنعاء تمتاز بعدة جوانب، منها: أن أهالي صنعاء يفضلون بناء البيوت في الاتجاه العدني؛ لأنه يعكس أشعة الشمس، وبالتالي تصبح الحرارة منخفضة ومعتدلة، عكس محافظة عدن التي يبتعد أهاليها عن هذا الاتجاه بسبب جذبه للحرارة العالية”.
وأضافت دينا إشفاق أن مواد البناء المختلفة ساعدت في كذلك، في وضع ميزة للهوية اليمنية في العمارة، وأن هناك مجموعة من الميزات في المواد المستخدمة؛ فمثلاً في العمارة الصنعانية يستخدم الطوب الأحمر لأنه متوفر في مناطق قريبة تقريبًا، وفي عدن يستخدم الحجَرَ الشمساني الذي كان يستخرج من الجبال ويتم صقله والبناء به. كما تميزت العمارة في حضرموت بالمادة البيضاء التي تتصلب عند العمل بها، وتتميز بيوت يافع بوجود بعض الزوائد التي تبنى بهدف امتصاص الشحنات الكهربائية عند حدوث البروق والصواعق، وأصبحت الآن جزءًا من العمارة اليافعية.
عبد الله ناجي (خريج قسم الآثار) يرى أن أبرز التحديات التي تواجه فن العمارة اليمنية هي الصراعات المستمرة والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي قد تؤثر على الجهود المبذولة للحفاظ على العمارة التراثية ويقول: “بعض المباني التاريخية قد تتعرض للتلف أو التدهور بسبب نقص التمويل والموارد والظروف الاقتصادية الصعبة”.
وأما عرفات البهلولي (باحث مهتم بمدينة صنعاء وتاريخها الحضاري) فيرى أن إحدى المشاكل الخطيرة هي انتشار الدكاكين العشوائية في حواري صنعاء القديمة، ويوضح: “تعد الدكاكين العشوائية الدخيلة سرطانًا ينخر دخل المدينة التاريخية صنعاء. فهناك عدد من حارات صنعاء القديمة نراها تتحول تدريجيًا إلى أسواق، وتشوه هوية الحي الصنعاني الهادئ، مثل حارة سكرة، ونصير، والباشا والزمر، فنجد أن الطوابق السفلية للمباني تؤَجَّر بهدف عمل توسعة للأسواق، وفتح محلات جديدة بشكل غير مرتب، لا يراعي مكونات المدينة القديمة”.
ويقترح عرفات أن تنال الأسر التي لا تزال موجودة حاليًا وتجيد العمل على مادة القضاض على أسطح المنازل والمساجد في صنعاء القديمة اهتمامًا وعناية أكبر.
حلول واقتراحات
تدعو دينا إشفاق إلى الحفاظ على العمارة اليمنية من خلال صيانتها، وتشجيع المعماريين ومالكي المنازل على الحفاظ عليها والعمل وفق النمط القديم، وتوفير مواد البناء بشكل كافٍ، ووضع أسعار مناسبة للجميع، وأهم شيء التوعية بأهمية التراث المعماري لليمن.
فيما ترى ريم أحمد الصوفي (مهندسة معمارية من عدن) أنَّ من الممكن المحافظة على فن العمارة اليمنية من خلال عدة طرق، منها: توعية العامة وتثقيفهم بأهمية العمارة اليمنية وتراثها، تنظيم معارض ومحاضرات وورش عمل لزيادة الوعي بأساليب العمارة التقليدية والمميزات الثقافية والتاريخية للعمارة اليمنية، صيانة المباني التاريخية والمعالم الهامة وإصلاحها.
وأضاف ناصر الجمالي (مقاول معماري) أن التكنولوجيا اليوم أصبحت غنية بالكثير من أساليب نشر هذا الإرث، وتحدث قائلا: “الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يساعدان بشكل كبير في نشر صور المباني اليمنية، مما عزز رغبة السياح في زيارة هذه المناطق. فمن الممكن أن تصبح العمارة اليمنية أحد أساليب الدعوة إلى السياحة، رغم الظروف، وتنشيط الحركة الاقتصادية”.
عبد الرحمن علي (خريج هندسة معمارية) يرى أن هناك حلولًا كثيرة للحفاظ على فن العمارة اليمنية من الاندثار، وهي وضع قوانين وتشريعات تحظر الهدم غير المسموح به للمباني التاريخية، وتطبيق العقوبات عند إدخال طراز معماري غير متعارف عليه على المدن التاريخية، كصنعاء القديمة وحضرموت وزبيد وغيرها.
ويتحدث عادل الحيمي، مخرج فيلم “سطل” الفائز بجائزة الأفلام القصيرة لأفلام التراث العالمي، عن العلاقة الوطيدة لرجلٍ يمني طاعن في السن بفن العمارة والزخرفة في مدينة صنعاء. أبرزَ الحيمي في فيلمه كيفية المساهمة في تخليد تراث فن العمارة الصنعاني، والمحافظة عليه من الاندثار، وقال: “للحفاظ على فن وتراث العمارة في صنعاء القديمة بشكل خاص، لا بد من إجراءات وضوابط مهمة تأتي من صناع القرار، مثل منع استحداثات المباني غير المطابقة للتراث الصنعاني، والنزول الدوري لترميم المباني المتضررة من آثار الأمطار”. وشدد على أهمية إزالة الاستحداثات التي تضر بصنعاء القديمة، مثل الخزانات والصناديق والأسلاك والخيوط العشوائية، وكذلك إزالة الصور والشعارات من مباني المدينة، وتوعية السكان بأهمية الحفاظ عليها.
أما أنيسة الحاج (مواطنة) فتؤكد أن اليمن تمتلك ثروة ثقافية هائلة، على مختلف المستويات المعمارية والغنائية وغيرها، ومن ثم يجب على الفرد معرفة أهمية هذا الإرث وعدم العبث به، أو محاولة طمسه “بأفعال صبيانية” –حسب وصفها- مثل القيام بلصق الشعارات على واجهات المنازل، أو سرقة بعض الزخارف والآثار المعمارية وبيعها دون معرفة قيمتها الفعلية.
وعلى ذات السياق، تقول نادية علي (من أبناء محافظة تعز): “اليمن بلد غني بالحضارات، لذلك يجب الحفاظ عليه، وتصويره وتقديمه إلى بقية المجتمعات في أحسن ما يكون، فالقمامة والنفايات تشوه مظهر المدن بشكل كبير. علينا الافتخار بإرث اليمن المعماري من خلال الاهتمام والعناية على كافة الأصعدة، وليس بالإهمال والتخريب”. يعد طراز العمارة جزءًا هامًا من التراث الثقافي والمعماري لليمن، فهو يظهر الهوية الثقافية والتاريخية للوطن بأكمله. وعلى مر التاريخ، تطورت أنماط العمارة اليمنية بشكل يحفظ للتراث اليمني هيئته وهيبته التي تبرز بها كل المحافظات اليمنية، مثل المنازل التراثية والقصور والحصون والمساجد والمدارس التاريخية والأسواق في مدن تاريخية كصنعاء وشبام حضرموت وتريم ومدن أخرى كثيرة تستدعي منا الحرص عليها والاهتمام بها.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…