‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة فن العمارة في اليمن فن الزخرفة.. ملامح دينية أم خطوط ونقوش

فن الزخرفة.. ملامح دينية أم خطوط ونقوش

صوت الأمل – حنان حسين

تمثل العمارة اليمنية صورة إبداعية عملاقة تُعبّر عن هوية أصيلة وعريقة متأصلة في جذور اليمن، فإلى جانب العمارة وموادها وطريقة تصميم شوارعها، ورصف أسواقها، وملامح الجمال في أحيائها وأزقتها الضيقة، التي تبعث على خلق الألفة بين المارّة والسكان، كلُّ هذه الملامح تجعلك في حالة دهشة مستمرة.

قد يكون فن النقش والزخارف من أكثر الفنون توسعًا ومعرفة في اليمن قديمًا، رُبّما لأنّ الحجر يعدُّ المادة الوحيدة التي استخدمها الفنان المعماري اليمني آنذاك، فمنحت المدينة إبداعًا انعكس في أشكال النقوش والزخارف في العمارة اليمنية. فتلك النقوش والرسوم والأشكال الهندسية تدعو للتساؤل والبحث عن معانيها، فمن تشكيلة مطرقة الباب، إلى مئذنة المسجد، إلى تلك النجوم والأشكال أعلى المباني في الأحياء والأسواق.

ينقسم فن الزخرفة في اليمن إلى أكثر من نوع، الأول الزخرفة الهندسية: وتتمثل بأشكال المثلثات والنجوم المختلفة، والزخارف الرسومية للورود وأوراق الشجر والنخيل وعناقيد العنب وغيرها، وهي تظهر بكثرة في المساجد، أما النوع الآخر فهو الزخارف والنقوش الجبسية (من مادة الجص) كالزخارف الموجودة أعلى جامع قبة المتوكل في صنعاء. يظهر هذان النوعان بشكل واضح في الجوامع والمساجد اليمنية القديمة، كالجامع الكبير في صنعاء. بالإضافة إلى الزخرفة الكتابية المعتمد على استعمال الخطوط، بالخط الكوفي والخط المسند وخط النسخ وغيرها.

أوضح الدكتور محمد سعيد سيف (أستاذ الآثار في جامعة صنعاء) أنّ من قام بالزخارف هم فنانون مبدعون؛ بقوله: “من قام بالزخرفة قديمًا، هم فنانون مَهَرَة، استطاعوا أن ينقلوا إلينا بتلك الزخارف الفنية حقبًا قديمة بأكملها”.

وأردف موضحًا عن بعض الفنون المعمارية التي تمّ عمل الزخارف عليها، قائلًا:” المآذن في المساجد، نجدها متدرجة من مرحلة إلى أُخرى، ثمَّ يقل كلّما ارتفعنا لأعلى، حتى نجد البدن المثمن (نوع من الأعمدة المتميزة في الفن الإسلامي)، وتُزين القاعدة ببعض البروزات المنشورة، وزخرفة “زجزاجية” (متعرجة ذات زوايا) تشبه شكل اللوز أو العين اللوزي، وعمود “البدن المثمن” يشكل على هيئة مستطيل. وفي الأعلى نجد الياجور الذي يعطي للناظر نوعًا من التناغم ما بين اللونين البُني والأبيض، وهذا ما ينقل صورة عن صفاء مكنون الإنسان اليمني قديمًا في تلك الحقب التاريخية”. وأضاف: “عندما نرى المآذن بجوار المسجد، فهي توحي أن هذا المسجد يرفع يديه إلى السماء، لكي يدعو أثناء الصلوات، أو حين التسابيح ليلًا”.

خطوط ونقوش

تشير بعض الدراسات الأثرية إلى أن هناك بعض المباني، مثل الجامع الكبير في صنعاء، وبعض المساجد الأخرى، مثل جامع زبيد في محافظة الحديدة، وجامع الجند في محافظة تعز، قد احتوت بعض النقوش والزخارف التي من المحتمل أنها ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام، مثل اللوحين المكتوبين بالمسند الحميري على أحد أبواب الجامع الكبير بصنعاء.

وجود كتابات بخط المسند الحميري تعدّ من العوامل التي ساعدت أيضاً على تحديد تاريخ الكثير من البيوت في اليمن وتوثيقها، فهي ذات حقبة تاريخية مشهورة، فيعود هذا الخط إلى مملكة حمير؛ أي منذ حوالي 3000 عام. فهناك الكثير من المخطوطات التي تؤرخ تلك الحقبة وسماتها وبناياتها والكثير من التفاصيل.

خط المسند يعدُّ نوعًا من أنواع الخط العربي الأصيل، لذلك كانت هذه الكتابات جزءًا لا يتجزأ من الزخارف والنقوش المستخدمة في تزيين المباني، فقد وُجدت على جدران البيوت من الأعلى لأهميتها الكبيرة.

وهذا ما ذكره شفيق الغرباني (من أبناء مدينة صنعاء القديمة) بقوله: “إنّ هناك ما يقارب 70% من هذه النقوش هي عبارة عن أحرف بخط المسند، لكنه جرى تداولها وتورثها على أنّها نقوش زخرفية”.

الملامح التاريخية

هناك بعض الملامح الدينية التي ورد ذكرها من قبل الباحثين التاريخيين، أنّ اليمن كانت بيئة خصبة للكثير من الأديان، وأنّ المعابد في الممالك اليمنية القديمة كثيرة على امتدد التاريخ.

يذكر أنه من ضمن الأعراف الشهيرة التي وردت في فن النقوش والزخارف في اليمن هو نقش اسم المبنى أو نقش اسم المالك، مع ذكر اسم الآلة بشكل تفاؤلي، ووضعه كشاهد أمام البيت أو المعبد.

وعن طريق هذه الشواهد أخذ الباحثون أكثر معلوماتهم عن اليمن القديم وتاريخه، وأكبر الأمثلة على ذلك ما وجد في مدينة (ثلا) في محافظة عمران، إذ إنّ هناك بعض المنازل يصل عمرها لأكثر من 3000 عام؛ أي من عهد المملكة الحميرية. وهذا ما يفسر أنّ هناك الكثير من النقوش التي تدلل على طبيعة المجتمع، وطريقة عيش سكانه، وتاريخهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.

وأكد الدكتور علي سعيد سيف (أستاذ الآثار في جامعة صنعاء) أنّ هناك تنوعًا زخرفيًّا ما بين الكتابية والنباتية في المحافظات اليمنية ومبانيها، وأن هناك بعض المظاهر الدينية في فن العمارة اليمنية مثل السقوف الخشبية التي توجد في الجامع الكبير في صنعاء، وجامع حوث، وجامع ظفار. وفي هذه الجوامع لا توجد خزانة تشبه أخرى، وفي بعض المناطق الحارة يتآكل الخشب ويبلى، عكس المناطق الباردة التي ذكرناها.

وأكد الدكتور علي سيف، قائلًا: “هناك زخارف في التوابيت أكثر من رائعة، خاصة تابوت أحد الأشخاص اليمنيين يقع في منطقة التحرير، فنجد أنّ هذا التابوت يوجد فيه سياج وعليه اسم المتوفى وتاريخ وفاته وبعض التفاصيل عنه، ونجد فيه كذلك بعض الزخارف النباتية الملونة على الأخشاب وبطريقة مميزة، وعلى الطريقة العثمانية، فنجد الجوري وشقائق النعمان والقرنفل”.

وأضاف: “يوجد تابوت لأحد الأئمة، وهو مطل على السائلة، نجده مكونًا من أربعة طوابق، الطابق السفلي نجمة ومستطيل، والطابق الثاني مستطيل يقطعه، والثالث جمل مسنّم، والرابع على شكل قبة، تزينت كل هذه الطوابق بالكثير من الزخارف المصمّمة بطريقة رائعة وملونة”.

وأوضح أن كل هذه الأشكال تدخل ضمن فن العمارة والبناء اليمني، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بفن الزخرفة؛ لما لها من دور مكمل لإخراجه كمظهر حضاري متناغم ومدهش ورائع. تنوعت فنون الزخرفة اليمنية بتنوع الفنون حول العالم، لكن في غمرة الفنون البصرية ينسى البعض أن ينظر بعين الجمال لهذا الفن المتأصل في روح الفنان اليمني؛ فنجد أن للزخرفة رونقًا بديعًا، ولمحة خاصة في فن العمارة اليمني، وأن هناك العديد من الأشكال المميزة التي تميز كل الحضارات التي نشأت في اليمن على امتداد التاريخ. فالحضارات قديمًا  (كحِمْيَر وقتبان ومعين ومملكة حضرموت) أوجدت لليمني هوية بصرية مزدهرة، وعكست رؤية المهندس اليمني وبراعته في هندسة البناء.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية

صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…