رغم شحة الإمكانيات.. جهود أمنية مكثفة للحدِّ من تجارة المخدرات وتعاطيها
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تعد مكافحة المخدرات أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات اليوم؛ إذ تسببت في الكثير من المشاكل الاجتماعية والصحية، فضلًا عن الآثار السلبية على الأفراد والأسر، لذلك، تلعب الجهات الرسمية، مثل الهيئات الأمنية والأجهزة القضائية، دورًا حاسمًا في مكافحة تجارة المخدرات وتعاطيها.
وتسعى الجهات الرسمية لوضع السياسات والقوانين اللازمة للحد من انتشار المخدرات، ومنع تجارتها، كما تقوم هذه الجهات أيضًا بتنفيذ عمليات تفتيش ومراقبة للحدود والموانئ والمطارات، بهدف اكتشاف الكميات المهربة من هذه الممنوعات ومصادرتها، كما أنّ دور الجهات الرسمية في مكافحة المخدرات هو جزء لا يتجزأ من الجهود الوطنية والدولية لحماية المجتمعات والأفراد من هذا الخطر الكبير.
دور الجهات الأمنية
تبذل إدارة مكافحة المخدرات التابعة لأمن ساحل حضرموت جهودًا جبارة في إطار القضاء على هذه الآفة، التي تشكل خطرًا حقيقيًّا يهدد ترابط النسيج الاجتماعي، وتسهم بشكل فعال في ملاحقة المتورطين بشكل مستمر، من خلال التحريات والترصد والمتابعة، بمساندة المواطنين واللجان المجتمعية، أثمرت هذه الجهود في إفشال الكثير من عمليات الترويج في مديريات ساحل حضرموت جنوب اليمن.
نائب مدير إدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت، النقيب وضاح بازومح أكد لـ (صوت الأمل) أنّ ظاهرة تعاطي المخدرات وترويجها ارتفعت حدة انتشارها في مديريات الساحل منذ عام 2016م؛ نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، وبالإضافة إلى الجانب الأمني المتدهور في ذلك الوقت، يقول: “اعتمدنا في إدارة المكافحة على عدة أساليب، منها: محاربة الممنوعات المعروضة في الأسواق، وتقسيم المناطق إلى مربعات؛ حتى نحكم سيطرتنا على الحد من انتشار هذه الآفة، وعمل قائمة بالمروجين والمتعاطيين، وتمَّ استهداف الكثير منهم”.
وأضاف النقيب بازومح: “قمنا بإنشاء مجموعة من الفروع لإدارة المكافحة بمختلف المديريات الممتدة على الشريط الساحلي؛ كون مجمل عمليات التهريب تتم عن طريق البحر، وضبطنا العديد من العمليات. كما استهدفنا مختلف شرائح المجتمع بحملات توعوية، تهدف إلى الكشف عن المتعاطين، وتقديم البلاغات، والتعاون مع الجهات المختصة؛ للقضاء على تعاطي الممنوعات، والحد من انتشارها بين أوساط فئات المجتمع، خصوصًا الأحياء التي لدينا عنها تحريات، ويوجد فيها المروجون أو المدمنون على نطاق واسع”.
وأشار نائب مدير مكافحة المخدرات بازومح أنّ أول ضبطية رسمية لمادة الشبو المخدر كان عام 2018م، بمطار سيئون، نحو اثنين كيلو جرام، بحوزة أحد المسافرين إلى الخارج، ولضعف الإمكانيات لم يتم التعرف على هذه المادة إلَّا بعد تحريات من عدة مصادر، ومن بعدها تواترت عمليات الضبطيات بصورة متكررة خلال الأعوام الماضية.
ونوه بازومح بأنّ هذه المادة الفتاكة يتم تعاطيها من قبل الأشخاص المرحلين أو العائدين من الخارج بقضايا مماثلة، ويعدّون أحد أهمّ أسباب انتشاره بين مختلف أطياف المجتمع المحلي.
إلى ذلك، قال مدير إدارة مكافحة المخدرات بمحافظة المهرة، النقيب عارف العوبثاني: تعدُّ المحافظة ذا شريط ساحلي ممتد بنحو (560) كيلو متر، ويعدُّ البحر الواجهة الأولى أمام المهربين لتمرير الممنوعات، يقابله ضعف الإمكانيات التي تمتلكها إدارة المكافحة وشحتها، إلَّا أنَّ هناك جهودًا كبيرةً تبذل من قبل مختلف شرائح المجتمع؛ لمساندة الجهات الرسمية في محاولة تجفيف مستنقع هذه الآفة الخطيرة والدخيلة على السكان المهري واليمني بشكل عام.
وتطرق العوبثاني في تصريح خاص لـ (صوت الأمل) إلى الأدوار التي تقدمها الجهات الرسمية للحدِّ من انتشار تفشي ظاهرة المخدرات، وملاحقة الجناة، والتعامل بكل صرامة لإنقاذ البلاد من هذه الظاهرة الخطيرة، وما تقود مدمنيها إلى ارتكابه من جرائم أكثر بشاعة، كما أنّ إدارة المكافحة عملت على تأسيس فروع في جميع مديريات المهرة؛ بهدف توسعة نطاق المكافحة، وكبح الجريمة، والتخفيف من وطأتها على الواقع المحلي، وكذا مكافحة تهريبها إلى دول الجور، وعملنا على إفشال أكثر من عملية تهريب، كانت قادمة من خارج اليمن على متن زوارق بحرية.
إحصائيات وأرقام
حصلت صحيفة (صوت الأمل) على إحصائية دقيقة من قسم التحقيق بإدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت، خلال المدة من (2020م إلى شهر يونيو 2023م) لعدد عمليات القبض على مروجي المخدرات وتجارها ومتعاطيها في مختلف مديريات ساحل حضرموت، إذ تمَّ القبض على (715) متهمًا بين متعاطٍ ومروجٍ من فئتي الرجال والنساء، وقيدت (366) قضية تتعلق بالمخدرات، وضُبط (82) كيلوًا من مادة الحشيش، و (58) من مادة الشبو المخدر، وكذا (3001) حبة من الكبتاجون، و (2824) حبة من أنواع المخدرات الأخرى المختلفة.
أمّا في محافظة المهرة شرق البلاد، فقد بلغت كمية المضبوطات من عام 2021م إلى شهر يونيو 2023م، ما يزيد عن (6) أطنان من المواد المخدرة، أغلبها تمَّ ضبطها في البحر، وبلغ عدد المتهمين بالإتجار بالمخدرات خلال النصف الأول من العام الجاري 2023م، المرحلين من سجون المكافحة إلى النيابات المتخصصة في المكلا أو الغيضة (51) متهمًا، من بينهم (19) من جنسيات مختلفة غير يمنية، وقُيّدت في العام الحالي (26) قضية، تتعلق بالمخدرات، وفقًا لإحصائية أدلت بها إدارة مكافحة المخدرات بالمهرة لصحيفة (صوت الأمل).
وأشار رئيس قسم التحقيق بإدارة مكافحة المخدرات، بساحل حضرموت، النقيب أحمد المرشدي إلى أنّ تلك العمليات تمت بعد تحرٍّ ورصدٍ دقيقٍ من رجال الأمن للخلايا، مستبعدًا أن تكون هناك خسائر بشرية من الجانبين أثناء مداهمة المروجين أو المدمنين وضبطهم، وتمييز المواد المحظورة، ملفتًا أنّه بعد إجراء التحقيقات مع المتهمين، وكشف ملابسات القضية، يتم تحويل الملفات للمحاكم المختصة؛ للنظر والبت فيها.
برامج توعوية
أوضح نائب مدير المكافحة النقيب بازومح أنّ الطاقة الاستيعابية لسجون المكافحة ممتلئة تمامًا، ممّا يصعب في قادم الأيام استيعاب أعدادٍ أخرى، وهذا يشكل عائقًا أمام الإدارة في مواصلة برامج ومحاضرات توعوية؛ لعدم توفر قاعات متخصصة، كما لا توجد اتفاقيات في الوقت الحاضر مع المنظمات الدولية أو المحلية؛ للعمل على تأهيل النزلاء، وإكسابهم مهارات وحِرَف تمكنهم من تحسين وضعهم المعيشي، مما تساعدهم في تجنب الانخراط في الممنوعات.
وتابع، وفق الإمكانيات المتواضعة عملت المكافحة على استهداف المراهقين، وتخصيص عنابر للحفاظ عليهم من الاندماج مع ذوي السوابق، وعدم تعرضهم للتعنيف أو التحرش، ومدَّهم ببرامج دينية وتوعوية شبه مكثفة لإعادة تأهيلهم مرة أخرى، وكذا فئة النساء، مبيّنًا أنّ محدودية الميزانية لم تساعد على استمرارية البرامج التوعوية والتأهيلية لتلبية ما تصبو آلية إدارة المكافحة، مطالبًا الجهات المانحة باستهداف هذه الفئة بدورات تدريبية وتوعوية وتعريفية بأضرار المخدرات ومخاطرها.
وفي سياق متصل تحدث النقيب العوبثاني أنّ إدارة مكافحة المخدرات بالمهرة نفذت العديد من الحملات والبرامج التوعوية، منها نشاطات رياضية تحمل شعارات مناهضة للممنوعات نفذتها أندية المحافظة، وتحت إشراف إدارة المكافحة، ومكتب الشباب والرياضة، مطلع شهر أغسطس 2023م، كما تم نشر ملصقات توعوية في مختلف مدارس المهرة والجامعات والمعاهد، وأيضًا توزيع لافتات توعوية في الشوارع الرئيسية للمدن والمديريات في الأشهر الماضية.
ودشنت في مديرية الديس الشرقية بمحافظة حضرموت حملة توعوية، نفذتها السلطات الأمنية والعسكرية، وفقًا لمركزها الإعلامي، في 5 أغسطس 2023م، تحت شعار (ولأهلك عليك حقٌّ)، تهدف إلى تحذير المجتمع من آفة المخدرات، والوقوف ضدَّها بحزم دون تهاون، تخللها العديد من الفقرات الإرشادية، والمسرحية الهادفة، وتعريفية بخطر المخدرات والسموم القاتلة التي تنقلها، كما تعدُّ هذه الآفة دخيلة على المجتمع.
توصيات وحلول
وضع نائب مدير مكافحة المخدرات بساحل حضرموت النقيب وضاح بازومح عدة توصيات، من شأنها القضاء أو الحدّ من انتشار الظاهرة، ومنع تهريبها بين محافظات الجمهورية، ومنها: التعاون بين جميع إدارات المكافحة بعموم البلاد، وعمل دراسات تعاونية لتوحيد الجهود وإشراك القطاعات الأخرى، وتشديد الرقابة في الحواجز الأمنية وخفر السواحل، وأيضًا نشر ثقافة التوعية على نطاق واسع، وتعريف المجتمع بأضرار الإدمان، وما تنتج عنه من جرائم غير أخلاقية منافية للدين الحنيف.
مطالبًا الجهات القانونية بوضع عقوبات مشددة على المروجين والمدمنين من ذوي السوابق، حتى يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم إن صحّ التعبير، داعيًا إلى إنشاء مراكز تدريب وتأهيل؛ لتصحيح مسار المغرر بهم من الوقوع في آفة المخدرات، سواء إتجار أو إدمان.
ومن جهته عدّد مدير المكافحة بالمهرة النقيب عارف العوبثاني بعض الحلول للحدّ من تفشي ظاهرة الممنوعات، ومكافحتها، أبرزها: توفير الإمكانيات اللازمة بحسب دراسة الواقع في المحافظات، وما تحتاجه من دعم لوجستي؛ لتغطية النقص الحاصل، وكذا الدعم المادي، وأيضًا استمرارية التوعية بمخاطر المخدرات وما تخلفه من أضرار على الفرد والمجتمع، وإقرار قوانين أشد عقوبة على المتاجرة بالممنوعات، وتأهيل أفراد المكافحة على الأساليب الحديثة في كشف كافة الطرق المستحدثة بالتهريب. على الرغم من التحديات الاقتصادية والأمنية الكبيرة التي تواجه اليمن خلال السنوات الثمان الماضية، فإنّ إدارات مكافحة المخدرات المنتشرة في عموم المحافظات تلعب دورًا حاسمًا في التصدي لإتجار الممنوعات وتهريبها، وضبطها بشكل مستمر، إلى جانب ذلك فإنّها تواجه عصابات هذه الآفة بإمكانيات شحيحة، لذا يجب على الجهات ذات الاختصاص والمنظمات الدولية تقديم الدعم اللازم؛ حتى تتمكن الإدارة من أداء واجباتها بالصورة المطلوبة.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…