الانتحار ظاهرة مرضية أم ضعف في أداء النظام؟
صوت الأمل – محمد هادي محمد
تعد ظاهرة الانتحار من المشكلات الإنسانية الأكثر خطورة على حياة البشر، حيث إنها ظاهرة تثير مخاوف كبيرة ومتعددة، لما تحمل في طياتها من أضرار وخيمة، ومخاطر مدمرة على الإنسان والبيئة، وتزعزع استقرار المجتمعات؛ فالإنسان هو المحور الأساسي لتعمير الكون وتنمية الحياة بكل مجالاتها. وقد حرم الله القتل بعمومه بين البشر، ومن ذلك قتل الذات، مبكرًا في بداية التاريخ الإنساني؛ لما يصب في مصلحة الحياة والإنسان معاً، ولتنمية المجتمع، وبهدف حماية البقاء وتطوّر الجماعات الإنسانية. وفيما يبدو أن هناك العديد من الأسباب لتحريم قتل الإنسان نفسه وإنهاء بقائه، يأتي من أبرزها تكريم الله للإنسان، وتفضيله على سائر المخلوقات، إذ إن المخلوقات من حوله في الأرض والكون مسخرة لخدمته ومن أجل نمائه وتطوره.
يهدف السلوك الانتحاري إلى إلحاق الضرر بالذات (النفس)، وينطوي على محاولات عنيفة لإنهائها؛ فعملية التفكير في الانتحار هي أفكار وخطط، ومُحاولات لأفعال يُمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى الوفاة، مثل الاختناق أو الغرق أو التردي والسقوط من مكان عالٍ. ولخطورة هذه الظاهرة، يذهب بعض الباحثين والخبراء الاجتماعيين إلى تصنيف الانتحار باعتباره السبب الرئيس الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 29 عاماً.
وأشارت بعض الدراسات في هذا الجانب إلى أنه في كل عام يضع حوالي 703000 شخصًا حدًا لحياته، فيما يرى العديد من الأخصائيين أن أرقام حالات محاولات الانتحار أكبر من ذلك بكثير، وتترك كل حالة انتحار معاناة وألماً يؤثران على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها وتترتب عليها آثار طويلة الأمد على ذوي الشخص المنتحر، وقد يحدث الانتحار في أي مرحلة من مراحل العمر وليس مقيداً بمرحلة معينة.
كما يعد الانتحار أحد القضايا المهمة التي تحتاج إلى اهتمام خاص على مستوى دول العالم، ففي إحدى الإحصائيات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية إشارة إلى أن هناك 800 ألف شخص يضعون حداً لحياتهم كل عام تقريبًا، وهناك وفاة كل 40 دقيقة بسبب الانتحار. وفي نفس المسار أكدت الرابطة الدولية لمنع الانتحار أن هناك 3000 منتحر بشكل يومي، ما يعنى أن عدد المنتحرين قد يزيد عن عدد ضحايا الحرب.
يحدث الانتحار لأسباب عديدة تتنوع بين أمراض نفسية وأخرى عضوية، فيقع قرار إنهاء الحياة باعتباره الحل الأمثل أمام هؤلاء. وتأتي الحروب والصراعات لتشكل سببًا من أسبابه، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الكثير من المجتمعات. يقابل ذلك ضعف في شخصية المنتحر أمام هذه المشكلات والتحديات الحياتية في الواقع، فينهار الشخص (ذكراً كان أو أنثى) على المستوى النفسي والعصبي ولا يتمكن من المقاومة والثبات، فيضع حداً لحياته باعتبار أن ذلك أفضل له.
وهناك من يرى بأن حالات الانتحار تحدث غالباً في الدول المرتفعة الدخل. وهذا حكم غير موضوعي فهي ظاهرة تحدث في جميع مناطق العالم، وهناك دراسات تبين أنه في عام 2019 هناك أكثر من 79% من حالات الانتحار على مستوى العالم حدثت في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
إنّ الانتحار ومحاولاته المتنوّعة ذات علاقة بعوامل اجتماعية واقتصادية سيئة وبصعوبات وجدانية ووجودية، وأثبتت بعض الدراسات (Baudelot Establet, 2006 ; OMS, 2007) أنّ ظاهرة الانتحار في الدول الغربية تبدو عالية وأقل في البلدان النامية، ويرى الكثير من الناس أن معيار الدين من العوامل التي تمثل وقاية من ارتكاب الانتحار؛ إذ يلاحظ أنّ البلدان المسلمة عامّة -رغم انخفاض معدّلات نموّها- لا توجد فيها معدلات انتحار مرتفعة.
لكن ما لا يلاحظ في الواقع المعاصر هو أن الكثير من البلدان العربية تشهد تناميًا لظاهرة الانتحار، لكنها تتناولها بتحفظ، فيما أشارت مصادر بأن العديد من النساء المعنفات في الأردن يعانين من مشكلات نفسية، خاصة الاكتئاب، مما يدفعهن إلى التفكير في الانتحار أو محاولة ذلك، وأن أغلبهن لم يصرحن بمعاناتهن جراء العنف وتتحكم فيهن ثقافة الصمت، وفي ذلك ما يشير إلى وجود علاقة بين العنف القائم على النوع الاجتماعي وبين حدوث ظاهرة الانتحار، وأن هناك علاقة متينةً تربط ما بين انتحار الإناث ومحاولات الانتحار بينهن وبين العنف والتمييز، وعدم العدالة بين الجنسين.
في حين أكدت دراسات أخرى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها بعض دول المنطقة مثل العراق دفعت إلى انسداد الأفق أمام الشاب، ما زاد من معدلات ظاهرة الانتحار في ظل صمت السلطات التي لم تقدم على فعل ما يلزم للحد من هذه الظاهرة التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الماضية. وقد أعلن “المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان” في العراق تسجيل البلاد أعلى نسب انتحار بمعدل حالتي انتحار يومياً، في حين شهد عام 2020 تسجيل 663 حالة انتحار، وفي عام 2019 سجلت 605 حالة، و530 حالة في عام 2018، أما في عام 2017 سجلت 462حالة انتحار. فيما يشار إلى أن 70% من الحالات هم دون سن الـ30 عاماً وأن أغلبهم لا يملكون أي مؤهل دراسي.
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الجانب هو: هل سبب وجود ظاهرة الانتحار وتناميها في أوساط المجتمعات مجرد مرض نفسي يصيب الإنسان أم أن الأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية التي يتحمل النظام السياسي (الدولة) العبء الأكبر منها هي السبب الأقوى وراء هذه الظاهرة؟ أعتقد أن الاسباب تتعدد وتتنوع، لكن الواقع والحاضر الذي يعيشه الشخص ويتألم منه ليل نهار له دور كبير في مساندة ودعم مثل هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة على الإنسان والحياة.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…