الفرق بين خطورة عمالة الأطفال في الريف أو الحضر يحدده نوع المهنة
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يعيش الطفل محمد وهيب(15عاما) في إحدى أرياف محافظة تعز اليمنية مع خمسة أشقاء ووالديه، نزح والده من محافظة الحديدة في العام2018 م؛ إذ بسبب الصراع وجد صعوبة في الحصول على عمل بديل فقرر العودة إلى قريته، وهناك يعمل في نقل الأحجار (مهنة بناء المنازل)، قرر محمد مع تدهور الظروف المعيشية في الأسرة أن يعمل إلى جانب والده في البناء، وفي ذات الوقت يذهب إلى المدرسة.
يقول محمد: “ كل شيء غالي، أبي أصبح عاجزًا عن توفير احتياجاتنا؛ جراء ارتفاع الأسعار؛ لذا قررت أن أرافق والدي إلى موقع العمل وأعمل ولو بأجر نصف يوم، متطلبات الأسرة كثيرة، ولا أستطيع أن أرى والدي يكافح بمفرده.
يقول والد محمد: “عندما يستدعيني أحدًا من القرية للعمل يرافقني محمد، ويجلس بجانبي، أحيانًا كثيرة يطلب منه رب العمل أن يساعدنا في نقل الاسمنت أو التراب أو بعض الأحجار الصغيرة إلى موقع البناء”.
يعترف والد محمد أن ابنه يتحمل فوق طاقته، لكنه عاجزًا عن منعه من العمل، حتى لا يجوع أشقاءه ووالدته –خصوصًا- مع شدة الفقر التي وصلت له الأسرة، وأجره لا يفي بكل متطلبات الحياة التي تحتاجها اسرته، وأبنائه الذين كبروا وكبرت مسئوليته اتجاههم.-حسب قول والد محمد-.
مضيفًا بحسرة ونبرة مشحونة بالحزن “أن يحمل طفلا لا يتعدى الخامسة عشرة من عمره أسطول من التربة أو أحجار ثقيلة أو يحمل لإحدى نساء القرية اسطوانة غاز مقابل مائتين ريال ، من مسافة بعيدة وطريق وعر أمرًا صعبًا، لكن الظروف هي التي حالت أن يكون طفله في ميدان اللعب أو ربما يرسم على كراسته أو يتابع افلام كرتون في إحدى القنوات. -حد تعبيره-.
تقرير أممي لمنظمة الزراعة والأغذية للأمم المتحدة نشر على موقع المنظمة في العاشر من يونيو 2022م إلى جملة من الأسباب التي تساعد في توسع ظاهرة عمل الأطفال في المناطق الريفية، وهي انخفاض دخل الأسرة، وقلة البدائل المتاحة لكسب العيش، وسوء فرص الحصول على التعليم، ومحدودية إنفاذ قانون العمل، وتشعر العديد من الأسر والمجتمعات المحلية أنه ليس أمامها خيارًا آخرًا سوى تشغيل أطفالهم في الزراعة من أجل سد احتياجاتهم من الغذاء والدخل، وفي الواقع، يعمل ما يقدر بنحو ثلثي الأطفال العاملين في الزراعة في عمليات أسرية أو جنبًا إلى جنب مع أفراد الأسرة.
عمالة الأطفال في الريف والحضر
ينخرط الأطفال في اليمن في العديد من الأعمال، والحرف والتي تتجاوز قدرتهم أحيانًا على التحمل، تتنوع المهن والحرف التي يعمل بها أطفال البلاد سواء في الريف أو الحضر، بين العمل في حقول القات وفي مزارع الخضروات والفواكه وغيرها من المحاصيل وبين العمل في المصانع والمنشآت الأخرى وبين العمل في بيع السلع لسائقي السيارات في شوارع المدن وأسواقها، وفي الطرق الرئيسية بين المحافظات وحمل البضائع من مواد غذائية ومواد بناء، وفي التحطيب والعمل في المطاعم وفي محلات الخياطة في الورش، ومسح السيارات وبيع الوجبات في أحياء وأزقة المدن في أسواق الخضروات و الملابس، والتجارة وحفر الآبار وحفر لمياه الصرف الصحي أو العمل في حفر شبكاته، والحراسة.
(الباحث الاجتماعي: ربيع الجنيد) يعلق على عمالة الأطفال في الريف والحضر بقوله: “ظاهرة عمالة الاطفال من الظواهر الكارثية، و التي زادت نسبة انتشارها في المجتمع اليمني؛ نتيجة الصراع الدائر في البلاد، الذي بدوره أثر على الوضع الاقتصادي للأسر اليمنية؛ لتدفع الأخيرة بأطفالها إلى سوق العمالة؛ للبحث عن أي فرصة عمل توفر لهم رغيف العيش.
يوضح الجنيد لـ «صوت الأمل” أن الأطفال –حاليًا- يمارسون أي عمل شاغرًا يجدونه، وأنه لا توجد أعمال محددة يشتغلون بها؛ الأمر الذي يجعلهم عرضة لمخاطر عدة بداية من الاصابات، وانتهاء بالاسغلال الجنسي.مشيرًا إلى أن في الحضر نسبة عمالة الأطفال أكبر من الريف؛ لأن أطفال الريف الذين يبحثون عن فرص عمل يتجهون إلى المدن، ولم يتبقى في بعض الأرياف إلا نسبة قليلة من الأطفال العاملين.
يرى الجنيد أن من الحلول لمكافحة هذه الظاهرة تتمثل في إيقاف الصراع، وصرف مرتبات موظفي الدولة، وتوفير فرص عمل لأرباب الأسر –العاطلين-، وبعدها يأتي فرض القوانين التي تحد من عمالة الاطفال.
من جهته يقول (الدكتور عبدالكريم غانم: وهو باحث في علم الاجتماع السياسي): “أدت عمليات الهجرة والنزوح المكثف خلال السنوات الأخيرة إلى حدوث تقارب بين الريف والحضر من حيث عمالة الأطفال، ومن أوجه التشابه عمل الأطفال في قطاع البناء وفي قطاع الخدمات و التجارة”.
مردفًا أنه نظرًا لافتقار الأطفال للخبرة، فهم عادة ما يشتغلون في أعمال شاقة مثل: نقل الأحجار أو نقل أكياس الأسمنت والكراتين وعبوات القمح وغيرها؛ الأمر الذي قد يتسبب لبعضهم في حدوث إنزلاقات غضروفية في العمود الفقري وآلام مستدامة في الرقبة.
يرى غانم، أن من الاختلافات بين عمالة الأطفال في المدينة عنها في الحضر أن الأطفال في المدينة يعملون في مسح زجاج السيارات وبيع المياه المعدنية، والإكسسوارات في الجولات، ويقضون ساعات طويلة في الشوارع بشكل يجعلهم أكثر بعدًا عن أسرهم، ويحرمهم من تلقي الرعاية التي يحتاجونها ويحول دون تلقينهم القيم والأخلاق التي يفترض أن تمدهم بها الأسرة، موضحًا أنه قد يحتك الطفل العامل في المدينة بسيئي الإخلاق أو بشبكات من المنحرفين فيتعرض مستقبله للضياع وقد يصبح فريسة سهلة للجماعات المتطرفة التي تسعى لاستقطاب صغار السن.
عمالة الأطفال في المدن عادة ما تكون بعيدة عن رقابة المجتمع المحلي، وغير خاضعة للضبط الاجتماعي مما يسهل عملية الاستغلال المادي، وحتى الاستغلال الجنسي للإطفال، ويمكن القول أن عمالة الأطفال في الريف أقل خطورة منها في المدينة؛ فعمل الأطفال في الزراعة مثلا هو عمل موسمي لا يأخذ من الطفل كل وقته، وقد يجد الطفل الذي يعمل في رعي المواشي أو الزراعة الفرصة لممارسة اللعب بما يعنيه من احتياج لا غنا عنه للأطفال، كما قد يتمكن الطفل في الريف من الجمع بين مساعدة أسرته في العمل الزراعي والرعوي وبين البقاء في صفوف الدراسة في حين تتدنى فرص اللعب أو الدراسة أمام الطفل العامل في المدينة؛ نظرًا لعدم وجود مساحات آمنة للعب ولارتفاع تكاليف المعيشة التي تجعل عائدات عمل الطفل لاتكاد تسد رمقه (تفي بمتطلبات واحتياجات أسرته التي اضطرته للعمل)، -بحسب الدكتور عبدالكريم غانم-.
تقرير لمنظمة العفو الدولية، أشكال عمالة الأطفال بأعمال استعباد الأطفال، وفصلهم عن عائلاتهم، وتعرضهم لمخاطر وأمراض خطيرة أو تركهم لتدبير أمورهم بأنفسهم في شوارع المدن الكبرى – غالبًا في سن مبكرة جدًا.
وأشار التقرير ذاته إلى المهن والأعمال الخطرة والتي يجب على الحكومات حظرها في دولها، ذكرها التقرير هي:- العمل الذي يعرض الأطفال للاعتداء الجسدي أو النفسي أو الجنسي، العمل تحت الأرض أو تحت الماء أو على ارتفاعات خطرة أو في الأماكن الضيقة؛ العمل مع الآلات والمعدات والأدوات الخطرة، أو التي تنطوي على المناولة أو النقل اليدوي للأحمال الثقيلة.
مضيفًا العمل في بيئة غير صحية قد تعرض الأطفال على سبيل المثال لمواد أو عوامل أو عمليات خطرة أو لدرجات حرارة أو مستويات ضوضاء أو اهتزازات تضر بصحتهم، العمل في ظل ظروف صعبة بشكل خاص مثل العمل لساعات طويلة أو أثناء الليل أو العمل حيث يكون الطفل مقيدًا بشكل غير معقول في مقر صاحب العمل.
29% يرون أن الحل لظاهرة عمالة الأطفال هي فرض عقوبات على أهاليهم ومستأجريهم للعمل
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت صحيفة “صوت الأمل”، في النصف الأول من شهر أغسطس للع…