‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة السرطان في اليمن العلاج الكيماوي: بوصلة الأمل والتحدي في معركة السرطان

العلاج الكيماوي: بوصلة الأمل والتحدي في معركة السرطان

هبة محمدصوت الأمل

في رحلة الشفاء والصمود، تتراكم التحديات وتتلاقى القصص في عالم العلاج الكيماوي، هذا السلاح الذي يحمل في طياته الأمل في الشفاء، ولكنه في الوقت ذاته يشكل تحدّيًا كبيرًا للمريض بسبب آثاره الجسدية والنفسية، ومن أجل معرفة هذا العلاج وجب علينا أن نغوص في أعماق هذا الموضوع، لمعرفة أنواعه وتأثيره على المرض، والتحديات التي يوجهها المريض، والمقاومة الباسلة، ولحظات الاستسلام الجريء.

في زمن تتسابق فيه التقنية والتطور، نتأمل الأجهزة الطبية المستخدمة في عمليات العلاج الكيماوي، ونقارن بين مدى حداثتها في بلادنا وبين دول الجوار، لنفهم كيفية تأثير هذا التطور على نتائج العلاج وجودة الرعاية. 

أطفال في مواجهة السرطان

تمكنت (لين) البالغة من العمر ست سنوات، أخيرًا من السكون بعد أيام من البكاء بسبب آلام الجرعات الكيماوية، التي كانت تحرق جسدها يومًا بعد آخر، والتي تسببت في نوبات بكاء متواصلة.

تعاني لين من ورم العقد الليمفاوية، وهو نوع من السرطان يؤثر على الجهاز اللمفاوي، وقد شُخِّصت حالتها في مارس 2020م، وفقًا لوالدتها، كانت عملية العلاج تتسم بالتأخير بسبب نقص الأَسِرّة الفارغة في المستشفى، مما جعلها تنتظر لأيام حتى تمكنت أخيرًا من بدء العلاج.

وفي سياق متصل، يعاني الصغير (محمد أحمد) البالغ من العمر سنتين ونصفًا من سرطان الكُلى، على الرغم من ابتسامته التي تأسر القلوب، يأمل محمد كل يوم في العودة للمنزل بعدما تلقّى جرعات العلاج الكيماوي على مدى ثمانية أشهر، مع جرعات إضافية في الأشهر المقبلة، وعائلته تسعى للانتقال من إب إلى صنعاء لتوفير تكاليف العلاج.

وفي ظل هذا الواقع القاسي، تقول والدة محمد: “تكلفة السفر لكل جلسة علاج تصل إلى 100 ألف ريال يمني، وهو مبلغ كبير بالنسبة لنا، خاصة أننا نعاني من ضائقة مالية بعد توقف دفع رواتب موظفي الحكومة”. يُضاف أنّ الحالة المالية الصعبة تجبر العائلة على اقتراض الأموال لتمويل جرعات العلاج.

العلاج الكيماوي وآثاره الجانبية

العلاج الكيماوي هو أحد أساليب علاج السرطان الرئيسية التي تستخدم في مكافحة هذا المرض الخطير، ويعدُّ هذا النوع من العلاج أحد الخيارات الرئيسية التي يلجأ إليها الأطباء لاحتواء الأورام السرطانية ومعالجها، ومع هذا العلاج الفعّال تأتي العديد من الآثار الجانبية التي تصاحبه، والتي قد تكون تحدّيًا إضافيًّا يواجه المريض أثناء رحلته العلاجية.

يقول الدكتور مجاهد الجوفي، اختصاصي الصحة العامة في المركز الوطني لعلاج الأورام: “استنادًا إلى مجموعة واسعة من العوامل، يقوم اختصاصي الأورام الطبية باختيار الأدوية المناسبة للعلاج الكيماوي، ويعتمد هذا الاختيار على عوامل؛ مثل نوع الورم ومدى انتشاره، إلى جانب عوامل أخرى؛ كعمر المريض وحالته الصحية العامة، بالإضافة إلى ذلك، يُحدد طبيب الأورام الجرعات المناسبة، والجدول الزمني للعقاقير بعناية، معتمدًا على عدّة عوامل أخرى”.

في سياق متصل، يقول الدكتور سعيد نعمان، اختصاصي علاج الأورام والعلاج بالإشعاع والطب النووي: “عندما يتعلق الأمر بعلاج سرطان معين بالكيماوي، يُختار نوع العلاج، وتُوضع خطة علاجية معتمدة عالميًا، بناءً على الطرق العلمية الرائدة، وتُحدّد الخطة العلاجية وفقًا لعمر المريض ومرحلة المرض عند التشخيص، ويُؤخذ في الاعتبار مدى قابلية المريض لتحمل هذا العلاج بناءً على الحالة الجسمية، ونتائج التحاليل الدموية، وأمراض القلب، ووجود أمراض باطنية مصاحبة؛ مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم”.

مشيرًا إلى أنّ هذه الخطة العلاجية تعتمد على البحوث العلمية الحديثة والتوجيهات العالمية في مجال علاج السرطان بالكيماوي، مما يساعد في تحقيق أفضل النتائج للمريض، وتقليل الآثار الجانبية المحتملة، وتهدف هذه الخطة إلى تحقيق أقصى استفادة من العلاج بالكيماوي، مع الحفاظ على سلامة المريض وصحته، وتحسين نوعية حياته أثناء مدّة العلاج وبعدها.

من جهته أيضًا، يشاركنا الحديث الدكتور صلاح عبد الله فارع، استشاري طب الأورام والعلاج الكيماوي بالقول: “هناك العديد من الآثار الجانبية التي تظهر للمريض أثناء أخذه للعلاج، ومنها الغثيان والقيء، يختلف من شخص لآخر، فمثلًا يحدث أكثر عند الفتيات صغيرات السنّ، وأكثر عند المدخنين، والإسهال، وكذلك تساقط الشعر، والإرهاق والتعب، والأرق وقلة النوم، ومن الآثار الجانبية التي تظهر نتيجة العقاقير الكيماوية مشاكل في الفم والحلق، عبر ظهور تقرحات والتهابات تسبب الآلام التي تعوق الأكل”.

وعن كيفية تسبّب العلاج الكيماوي بالغثيان والقيء، أوضح فارع أنّ العقاقير الكيماوية تقوم مباشرة بتنبيه منطقة معينة ومحددة في الدماغ، كما تقوم أيضًا بتنبيه خلايا أعصاب في المعدة والأمعاء، ممّا يؤدّي إلى إفراز مادة السيروتونين، وبهاتين الطريقتين ترسل تلك العقاقير رسالة إلى مركز القيء الواقع في جذع المخ، الذي بدوره يرسل إشارات وأوامر إلى كل الأجزاء التي تعنى بالقيء؛ مثل الحلق والمعدة والأمعاء والمريء والحجاب الحاجز والغدد اللعابية، وإشارات إلى الجهاز التنفسي ليتوقف لمدّة قصيرة جدًّا ما يمنع تسرب القيء إلى الرئتين.

ولمنع الآثار الجانبية المتمثلة في القيء والغثيان، أشار فارع إلى الابتعاد عن منبهات الكافيين، وعدم تعاطي الكحول والدخان، وتجنب الطعام الدسم والحمضي والمقلي، وكذلك الحلويات، وينصح بتناول وجبات صغيرة ومتكررة بدل الثلاث الوجبات المعتادة.

فيما أكد الجوفي أنه يمكن التغلب على تلك الآثار الجانبية قبل حدوثها عن طريق اتخاذ إجراءات وقائية قبل بدء العلاج الكيماوي، بالإضافة إلى إجراءات أثناء مدّة المعالجة، وإجراءات طبية بعد تلقي العلاج، الهدف من هذه الإجراءات هو منع حدوث الآثار الجانبية، أو التخفيف منها، أو علاجها، بهدف تجنب المضاعفات التي قد تنشأ نتيجة لهذه الآثار الجانبية.

تفاوت الاستجابة للعلاج

وبحسب الدكتور نعمان فإنّ كل مريض وكل حالة تختلف في مدى استجابتها للعلاج؛ إذ يتأثر ذلك بعوامل متعددة مثل العمر، والقوة الجسمية، والمرحلة التي شُخّص فيها، ووجود الأمراض المصاحبة؛ مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكُلى. 

وأشار إلى أن نسب أخذ الجرع ومدى التزام المريض بمواعيد الجرعات يعتمد على الحالة الصحية والغذائية للمريض؛ إذ يمكن أن يؤدّي نقص المناعة ونقص الدم وسوء التغذية إلى تأجيل مواعيد الجرعات، كما تؤثر الحالة المادية للمرضى في قدرتهم على الوصول إلى مراكز العلاج، خاصة إذا كانت تلك المراكز بعيدة عن مكان إقامتهم.

وأوضح أنّه في عملية العلاج بالكيماوي، لا يوجد جهاز محدد لإعطاء الجرعات؛ إذ تعطى كل جرعة كيماوية عبر مغذيات وريدية، في حين يعتمد العلاج بالإشعاع على أجهزة حديثة، مثل جهاز المعجل الخطي، ويستخدم لعلاج حالات معينة، وفي مراحل معينة من المرض، مما يساعد على شفاء المرضى وتحسين استجابتهم.

ولفت الجوفي إلى أنّ الاستجابة للعلاج الكيماوي ليست مرتبطة بشكل مباشر بالآثار الجانبية للعلاج، وأنه على الرغم من ذلك، يمكن للمرضى الذين يتمتعون بحالة صحية عامة جيدة، وتغذية جيدة، ويتلقون رعاية ذاتية ورعاية عائلية ورعاية طبية ممتازة، تحمل تأثيرات العلاج الكيماوي بشكل أفضل من غيرهم الذين يعانون من ضعف في الحالة الصحية، ولا يتلقون الرعاية الطبية الكافية.

وأشار إلى أنّ معظم الأجهزة والمستلزمات الضرورية للعلاج الكيماوي متوفرة بسهولة، كبيانات تحضير الأدوية الكيماوية، وأدوات الحقن المتنوعة، وهي عبارة عن آلة يُحضّر العلاج الكيماوي بداخلها، تعمل على حماية الكادر الذي يقوم بتحضير العلاج الكيماوي، وكذلك حماية البيئة الخارجية، هذه المعدات لا تختلف كثيرًا عن تلك المتوفرة في الدول المجاورة.

العلاج الكيماوي والجهات الرسمية

يؤكد الجوفي أنّ الدور الذي تلعبه الجهات المعنية المختلفة في توفير العلاج الكيماوي يعدُّ أساسيًّا لتلبية احتياجات المرضى في اليمن. في المرافق الرسمية، تتوفر أدوية العلاج الكيماوي بنسبة 98%، ممّا يعكس الجهود الكبيرة المبذولة لضمان توفير الأدوية اللازمة لمكافحة السرطان. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه المرافق خدمات إعطاء العلاج الكيماوي بنسبة 95%، مما يشير إلى مستوى عالٍ من الكفاءة في تقديم هذه العلاجات.

ومع ذلك، يشير إلى أنّ الجهات غير الحكومية لا تقدّم سوى خدمات بسيطة، مقتصرة على إعطاء العلاج الكيماوي فقط، دون توفير النطاق الشامل للعناية والدعم الذي يحتاجه المرضى، وهذه الفجوة في الخدمات تعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها المرضى في الحصول على رعاية شاملة.

وأوضح أن توفير الخدمات الكاملة المتعلقة بالعلاج الكيماوي في المرافق الرسمية يعكس التزامًا بتقديم رعاية شاملة للمرضى، في حين قد تكون الجهات غير الحكومية محدودة في الإمكانيات التي توفره لذلك، لذا تظل المرافق الرسمية غالبًا الخيار الأمثل للحصول على الرعاية الشاملة والفعّالة للمرضى الذين يحتاجون إلى علاج كيماوي.

من جانبه، يناشد الدكتور نعمان الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومات، والمنظمات الخيرية، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الأعمال، بتقديم الدعم المنظم لزيادة فعالية العلاج الكيماوي والعلاج البيولوجي، ويؤكد أنّ التنسيق والتكامل بين هذه الأطراف أصبح أمرًا ضروريًّا للحد من انتشار مرض السرطان، وتحقيق زيادة ملحوظة في نسبة الشفاء.

كما يلفت إلى أهمية التوعية الصحية، وضرورة توعية المرضى بأهمية مراجعة الأطباء في مراحل مبكرة من المرض، قبل أن ينتشر ويؤدي إلى تدهور الحالة. ويشدد على أهمية دور وسائل الإعلام في نشر الوعي بشكل فعّال، لتمكين المجتمع من فهم المخاطر المرتبطة بالسرطان، وأهمية الكشف المبكر والعلاج في تحسين فرص الشفاء.

‫شاهد أيضًا‬

(عفاف غالب)؛ قصة ملهمة لرحلة كفاح ضد مرض السرطان

علياء محمد – صوت الأمل يعد مرض السرطان من أكثر الأمراض الصحية تأثيرًا وانتشارًا حول …