منظمات المجتمع المدني والشعر اليمني… تعزيز الإبداع عبر إحياء التراث ودعم المواهب
أفراح بورجي – صوت الأمل
تلعب منظمات المجتمع المدني، سواء الدولية أو المحلية، دورًا محوريًّا في دعم المبدعين في مختلف المجالات، بما في ذلك الشعر، وتعدُّ الداعم الأكبر للمبدعين الذين يحاولون السعي بأن يكون لهم بصمة ثقافية مميزة في وجدان أفراد المجتمع. في اليمن، هناك إسهامات للمنظمات المحلية والدولية في رعاية الشعراء اليمنيين وتشجيعهم، وذلك بهدف الحفاظ على التراث الثقافي اليمني، وتعزيز الإبداع والابتكار في مجال الشعر.
تُقدّم عددٌ من المنظمات الدعم للشعراء المبتدئين، عبر منحهم فرص النشر والمشاركة في الفعاليات الشعرية، وتوفير فرص التدريب والتطوير، كما تُسهم في حفظ التراث الشعري اليمني عبر جمع الدواوين الشعرية القديمة وتحقيقها ونشرها، وذلك بقيامها المسابقات والفعاليات التي تشجيع الشباب ثقافيًّا، على المستوى المحلي والإقليمي.
ويعدُّ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، من أهم الجهات التي تُعنى بالشعر اليمني، ويُنظم العديد من الفعاليات الشعرية التي تُقام بشكل دوري على مستوى المحافظات اليمنية، والندوات الشعرية، التي تناقش مواضيع حديثة، وتسلط الضوء على تجارب الشعراء في مختلف المحافظات اليمنية، كما تسهم بعض المؤسسات الثقافية والمنظمات الدولية في نشر الشعر اليمني عبر إصدار الدواوين الشعرية، وتنظيم أمسيات شعرية.
وفي هذا التقرير سنتحدث عن أهم المنظمات المحلية التي عملت في مجال الشعر، وعلى أهم التحديات التي واجهتهم، بالإضافة إلى البرامج والفعاليات التي تهدف إلى إنشاء جيل جديد من الشعراء والمثقفين على مستوى المحافظات اليمنية.
منظمات محلية فاعلة
يُعدّ مشروع “الأدب في خدمة السلام” الذي نظمه مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب مبادرة مهمة، ساعدت في دعم الشباب المبدعين من الجنسين في المجال الأدبي والشعري وتشجيعهم، وتعزيز ثقافة التسامح والحوار والحياة المدنية، على مستوى العديد من المحافظات اليمنية، وذلك بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ.
هدف المشروع الذي يتضمن مسابقة في القصة القصيرة والشعر والمقالة النقدية الأدبية، إلى الكشف عن المواهب الأدبية الشابة وصقل مهاراتها، وتوفير فرص التعبير عن إبداعها، ونشر ثقافة السلام؛ عبر تناول موضوعات ذات علاقة بالصراع والعنف، والتشجيع على التسامح والحوار، والحلول السلمية للنزاعات، وتنشيط الحركة الأدبية في اليمن، وتقديم أصوات جديدة على الساحة الثقافية.
أوضح رئيس مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب قاسم داود العمودي أنّ الأدب اليمني، وخاصة الشعر، واجه تحديات جمة في ظل الصراع الدائر في البلاد منذ سنوات عدة؛ الأمر الذي أدّى إلى تراجع دور المنظمات المحلية والدولية في دعم هذا المجال، ففي سنوات ما قبل الصراع، لعبت منظمات الأدباء والكتاب ونوادي الشعر وملتقياته دورًا بارزًا في دعم الشعر وسائر أنواع النتاج الأدبي، كما كان هناك دعم وتمويل من منظمات دولية مهتمة بهذا المجال.
وأشار إلى أنّ الحال تغير تمامًا مع اشتداد الصراع؛ إذ واجهت هذه المنظمات العديد من الصعوبات التي أدّت إلى تراجع دورها بشكل كبير، منها تراجع اهتمام المؤسسات الرسمية الذي أدّى إلى شلل في نشاط المنظمات المحلية العاملة في مجال الشعر، ونقص الموارد، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم اهتمام الناس والمبدعين في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها.
مواجهة التحديات
في ظل الظروف الصعبة التي تُواجهها البلاد بسبب الصراع الدائر منذُ سنوات، واجه المركز تحديات جمة في الاستمرار في أداء رسالته في نشر الوعي الثقافي ودعم المبدعين؛ إذ اهتم مركز عدن للرصد والدراسات بتنظيم مشروع استهدف الشباب المبدعين في مجال الأدب والشعر والإنتاج الأدبي.
وذكر قاسم أنّه في خضم الظروف القاسية التي تمرّ بها البلد، يُدرك مركز عدن للرصد والدراسات أهمية الثقافة في بناء مجتمع متماسك، يعزز فيه حب الحياة والتعايش والسلام، التي تعدُّ من ضمن اهتماماته، عبر تعظيم الحاجة لتفعيل النشاط الثقافي والأدبي، وخلق توازن في حياة الفرد والمجتمع؛ عبر تعزيز القيم الإنسانية الإيجابية، والعمل على مكافحة ثقافة العنف والانقسام، والسعي إلى تنمية ثقافة مدنية تعزّز لدى الإنسان حب الحياة والمسؤولية تجاه المجتمع، وإدراك حجم الكوارث والمآسي التي تولدها الصراعات.
واستعرض داود مشروع “الأدب في خدمة السلام” الذي تضمن نشاطين رئيسيين، الأول إقامة ندوات أدبية في كل من محافظات عدن، ولحج، وأبين، الثاني تنظيم مسابقة أدبية عامة، استهدفت الشباب من الجنسين في مجالات الشعر، القصة القصيرة والمقالة النقدية؛ إذ استغرق تنفيذ المشروع ستة أشهر، من أكتوبر 2022م إلى مارس 2023م، حقق فيه المشروع نجاحًا منقطع النظير، وحظيت المسابقة بإقبال واسع من المشاركين من داخل اليمن وخارجه.
كما ذكر أنّ المشروع التزم بكل المعايير الأدبية في إجراءات المسابقة التي نفذت ضمن معايير دقيقة متعارف عليها أدبيًا من قبل متخصصين؛ إذ بلغت نصوص المشاركين المستوفية للشروط 187 مشاركة، من إجمالي المشاركات التي بلغ 305 مشاركة من داخل اليمن، ومن شباب عرب ينتمون لـ17 بلدًا عربيًّا، وأيضًا من شباب يمنيين مقيمين في بلدان أخرى، أمّا بالنسبة للإناث المشاركات، فقد كانت نسبتهنَّ من المشاركين %54، ومن الفائزين التسعة بالجوائز المالية للمسابقة، كان عدد النساء الفائزات أربعًا.
وبيّن أنه تمَّ تقديم جوائز مالية للفائزين بالمراكز الأولى والثانية والثالثة في كل من مجالات المسابقة، كما مَنحت لجنة التحكيم شهاداتٍ تقديرية لـ 20 من أصحاب الإعلام المتميزين. مؤكدًا أنّ من ضمن أهداف المشروع طباعة كتاب يضم معلومات عن المسابقة وعرضًا لسير المشروع، ومشاركات الفائزين بالمراكز الأولى.
الشعر يجسّد القيم المُثلى
يُلاحظ غياب ملموس لدور المنظمات المحلية والدولية في الوقت الراهن في دعم الشعراء اليمنيين؛ إذ لا تقدّم العديد من الفعاليات أو البرامج التي تُسهم في تنمية مواهبهم ونشر أعمالهم، ولعلّ من أسباب إهمال المنظمات، سياسة عملها على مجالات أخرى غير المجال الثقافي؛ ممّا يؤدي إلى إهمال الشعراء واحتياجاتهم، وتوجه بعض الجهات المانحة دعمها إلى مجالات أخرى؛ مثل الإغاثة والمساعدات الإنسانية، بدلًا من دعم الثقافة والأدب.
يقول رئيس مؤسسة ميون للإنتاج الفني والإعلامي سام البحيري: “يكاد يكون دور المنظمات الداعمة لمجال الأدب والشعر والشعراء شبه منعدم في اليمن، ولم يحدث أن وجدنا ذلك، ربما يرجع الأمر إلى سياسة عمل المنظمات، أو سياسة المانح، ولعلّها بالأحرى تتجه إلى جوانب أخرى”.
ويتابع: “الشعر منذ القدم كان لسانًا ناطقًا بالحب والسلام والتعايش في مختلف المجتمعات، وكان بمثابة بيان يصدر عن القبائل والمجتمعات، إذا ما أرادت أن توصل رسائلها للتسامح والتصالح والسلام”.
وأوضح أنّ الشعر جسّد القيم المثالية؛ مثل المحبة والإخاء والتّعايش، وحرك مشاعر الناس، ودعاهم إلى التسامح ونبذ العنف؛ إذ عبر الشعراء اليمنيون عن هذه القيم من خلال كلمات مرهفة وأشعار جميلة؛ لامست قلوب الناس، وتناقلتها الأجيال، وتحولت بعض القصائد الشعرية إلى أغانٍ شعبية تغنّى في مختلف المناسبات، ممّا أسهم في انتشار رسائل الحب والسلام، وتجاوزها لحدود الزمان والمكان.
وأضاف البحيري: “أنّ الشباب اليمني المهتم بالأدب والشعر نظّم العديد من المبادرات الأدبية باجتهادات شخصية، مثل المنتديات الثقافية، ونوادي القراءة، والمجموعات الإلكترونية المخصصة للأدب والثقافة، غير المدعومة رسميًا؛ إذ تقام في صالون ميون الأدبي في تعز، أيضًا ما تتبناه مؤسسة حضرموت للثقافة”.
أهمية الاهتمام بالشعر
أوضح قاسم داود العمودي أنّ تنفيذ مشاريع تركز على أهمية الاهتمام بالأدب والشعر ودعم الشعراء، تهدف إلى الحفاظ على شعلة الثقافة في اليمن في ظل ظروف الصراع الصعبة، وتُتيح للشباب اليمني فرصة التعبير عن إبداعهم وإظهار مواهبهم في مجال الأدب والثقافة، كما تسهم في نشر الوعي الثقافي في المجتمع اليمني، وتشجيع القراءة والكتابة.
وأكد أنّ المشاريع التي تهدف إلى الترويج لثقافة التعايش بين السكان الأصليين والنازحين أثبتت نجاحًا فوق التوقعات، فقد أسهمت في إعادة الاهتمام بمجالات الثقافة والأدب وإحياء التراث المشترك بين الطرفين، ورفع مستوى التسامح، والقبول المتبادل، وتعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية المشتركة.
وبيّن رئيس مركز رصد للدراسات والتدريب أثناء حديثه عن الشعر وعلاقته بالسلام أنّ هناك توازنًا في الثقافة العامة والوعي المجتمعي؛ فالثقافة المدنية أسهمت في كسر حلقة الصراع؛ من خلال نشر قيم الحوار والتّسامح والقبول المتبادل بين أفراد المجتمع، وهذا النشاط يعدُّ حيويًّا وضرورة لا بُدَّ أن ينال أولوية من الجهات المعنية، كما يجب النظر له بعدِّه أولوية لعملية إعادة الإعمار، وبناء مجتمع واعٍ بأهمية الحقوق والواجبات والمشاركة في الحياة العامة، مما يسهم في تعزيز الديمقراطية وبناء دولة القانون.
يؤكد الجميع أنّ الثقافة المدنية تعدُّ حجر الأساس للسلام المستدام في اليمن. ولذلك، يجب على جميع الجهات الفاعلة في المجتمع؛ من جهات معنية ومنظمات محلية ودولية، التّعاون من أجل نشر هذه الثقافة وبناء مستقبل أفضل لليمن والمنطقة.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…