الدور الرسمي في الحفاظ على الفلكلور اليمني
صوت الأمل -حنان حسين
يُعد التراث الفلكلوري اليمني عنصرًا مهمًا من مكونات الهوية الوطنية، إذ يجسد تراكم الخبرات والمعارف التي اكتسبها الإنسان اليمني عبر العصور في مجال علم الفلك الذي يدرس العلاقة بين الثقافات والأساطير والتقاليد الشعبية؛ ولذلك، فإن إعادة إحياء هذا التراث يعد مسؤولية وطنية يشارك فيها مختلف الجهات الرسمية والشعبية.
ينقسم التراث الشعبي إلى قسمين: التراث الثقافي المادي الذي يتضمن الآثار والمباني والأماكن الدينية والتاريخية والتحف من المنشآت، كالمعابد والمقابر والمساجد والجوامع، ومبانٍ أخرى مثل الحصون والقصور والقلاع والحمامات والسدود والأبراج والأسوار، بحسب اليونسكو.
والقسم الآخر التراث الثقافي اللاّمادي، الذي يعد مجموعة من الممارسات والتصورات المختلفة، وأشكال التعبير والمعارف والمهارات -وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافيّة – التي تراها الجماعات والمجموعات -وأحيانًا الأفراد- جزءًا من تراثها الثقافي. كما يعد التراث الثقافي غير المادي متوارثًا جيلًا عن جيل، مثل: الغناء، الإنشاد، التمثيل، الأمثال الشعبية، صناعة الجنبية، الرقصات، الأزياء، وغيرها.
الدور الرسمي
أحمد الباروت -مدير الأنشطة في صندوق التراث- يتحدث عن وجود دور رسمي في السنوات السابقة، بقوله: “سابقًا، كان الصندوق يدعم الفنون الشعبية وفرق الإنشاد والمسارح وفرق الرقص الشعبي، ويشجِّع المهارات والحرف اليدوية، عندما كان هناك دعم من الجهات العليا. أما حاليًا، وبسبب تداعيات الصراع في اليمن، توقفت الإيرادات”.
من جانبه أوضح الدكتور نجيب الورافي -ناقد وأكاديمي في مجال اللغة العربية والأدب- أن الدور الرسمي يحتاج إلى تقييم وإعادة نظر؛ كونه غير فاعل، لا سيما منذ بدء الصراع وحتى وقتنا الحالي؛ إذ يحتاج التراث إلى توجه مؤسسيٍ جاد يحافظ على الموجود ويبحث عن المفقود، ويحاول توثيقه بطرق وأساليب علمية حديثة معمول بها عالميًا، بالإضافة إلى العمل على تفعيله وإنعاشه على أرض الواقع بالطريقة السليمة التي تحافظ على رونقه، مبينًا أن الدور الرسمي أصبح مخيبًا للآمال في هذا الجانب.
ويضيف الورافي بقوله: “ما نشاهده حولنا من محاولة للحفاظ على المظاهر الفلكلورية الشعبية لا ترتقي إلى العمل المنظم؛ إذ نجد استخدام الأزياء الشعبية كجزء من الاحتفالات التي تنفذها جهات معينة بمحافظات صنعاء وتعز وعدن وتهامة، دون التركيز على مظاهر أخرى؛ فتبدو أن الأزياء تمثل المناسبة وترتبط بها، ومن ثم تنتهي بعد انتهاء المناسبة دون تحقيق هدف. وبالنسبة للأكلات التراثية، فموائدنا ما زالت عامرة بما هو تراثي وشعبي، ولم نترك من تراث الزاد إلا أقل من القليل الذي لا يمكن إحياؤه”.
ويقول محمد أمين -مدير مركز “مشاقر” للفنون والتراث والإعلام-: “تراجع أداء الجهات المختصة في الحفاظ على الفلكلور والتراث بشكل عام في اليمن نتيجة الصراع وآثاره المدمرة، خاصة للأماكن التراثية والتاريخية. وما تقوم به بعض الجهات الخاصة حاليًا يحتاج إلى المزيد من الدعم، ومع ذلك تعد جهودًا محدودة وضئيلة للغاية”.
هذا وقد أقام المركز فعالية ثقافية وزَّع فيها كتابًا يحمل عنوان (ألعابي – من الموروث الثقافي اللامادي “الألعاب الشعبية”)، وبهذا الصدد علق محمد أمين قائلًا: “الهدف من إصدار الكتاب هو تدوين الألعاب الشعبية وحفظها ورقيًا حتى تكون متاحة للأطفال ولمن يرغب في تعلمها، ومن ثمَّ الحفاظ عليها من الضياع والنسيان. وقد كُتبت القواعد الخاصة بكل لعبة وطريقة لعبها والفائدة المرجوة منها، مزودة بالرسوم التصويرية. يحتوي الكتاب على عدة أنواع من الألعاب الشعبية، ووُزع في كثير من المدارس بمحافظة تعز.
أهمية وجود جهات رسمية للحفاظ على التراث
يتحدث الدكتور نجيب الورافي عن أهمية وجود الجهات الرسمية في دعم الفلكلور والحفاظ عليه قائلا: “وجود جهات مختصة وداعمة للفلكلور الشعبي بأنواعه المختلفة، من نماذج فنية وأنشطة إنسانية وطقوس وعادات، يعد أمرًا مهمًا. ويفترض أن يستقل الفلكلور بهيئة تمثله وترعاه وتحافظ عليه وتبذل الجهود لإحيائه ليصبح فاعلًا”.
ويرى أحمد الباروت أن وجود الدعم من الجهات الرسمية يعد ضروريًا؛ فالجانب الرسمي هو الحاضن الأول للتراث اليمني بشكل مباشر؛ لذلك من المهم وجود إمكانيات وفضاءات تمكن هذه الجهات من عرض التراث بشكل محترف ومتميز، مثل العمل على إقامة معارض ومسارح للفنون الشعبية، والتشجيع على دعمها؛ لعرض ثقافة اليمن للعالم أجمع”.
الجهات المهتمة بهذه الأنشطة
تُعدّ وزارة الثقافة الجهة الرسمية المسؤولة عن إعادة إحياء التراث الفلكلوري، ولهذه الغاية تقوم الوزارة بتنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج، في المعارض والمتاحف والجامعات، عن طريق عمل ندوات وورش عمل تستهدف فئات المجتمع، وخاصة الشباب؛ للتعريف بأهمية التراث والحفاظ على الفلكلور الشعبي في اليمن.
ويشير الباروت إلى أن صندوق التراث يعد مركزًا متخصصًا في الفلكلور الشعبي وتعليم المهارات والحرف اليدوية، منها صناعة الأزياء الشعبية والجنبية اليمنية والنقش على المعادن وصناعة الحلي والفضة والعقيق اليماني. يعمل المركز على الحفاظ على الصناعات اليمنية العتيقة وحمايتها من الاندثار والنسيان، ونشرها بين أفراد المجتمع؛ للتشجيع على وجودها وتطويرها مع الحفاظ على الطابع الأصلي لها.
كما أوضح الورافي أن “من أهم الجهات الرسمية مكاتبُ الثقافة في المحافظات؛ إذ تعد معنية بتنظيم الفعاليات الفلكلورية والاهتمام بها، لكن جهودها تعد ناقصة وغير مستمرة، وما زالت مرتبطة بأهدافها القديمة ولم ترتقَ إلى مشروع وطني متنوع جامع يمثل الهوية اليمنية في تعددها واختلافها، وهذا أمر في غاية الأهمية أيضًا.
ويضيف الورافي: “أبرز الجهود المبذولة من قبل الجهات الرسمية هي تلك التي قامت بها وزير الثقافة الأسبق الأستاذة أروى عبده عثمان؛ إذ أنشأت متحفًا خاصًا بالفلكلور الشعبي في صنعاء؛ بهدف الحفاظ عليه”.
أبرز الصعوبات
هناك كثير من الصعوبات التي تواجه الجهات الرسمية في الاهتمام اللازم بالتراث الثقافي والفلكلور الشعبي اليمني، وهي تتمثل -بحسب ما أوضح أحمد الباروت- في: عدم وجود الدعم المالي اللازم، خاصة لمكاتب الثقافة في المحافظات، وعدم وجود إمكانيات لإقامة أنشطة مجتمعية، أو القيام بدعم الأشخاص والجهات الأخرى المهتمة بالفلكلور الشعبي، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالجانب الثقافي ولا بالجانب الفلكلوري الذي يبرز تاريخ اليمن، خاصة من قبل الجهات العليا، كما لا تُوجد قائمة بالتراث الوطني مقارنة بالدول الأخرى.
ويرى الورافي أن الصراعات والنزاعات المسلحة تعد أبرز مخاطر الحفاظ على الفلكلور الشعبي، وهي لم تنحصر على المواطن في جعله يعاني تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بل وصلت المخاطر إلى حد اندثار بعض مظاهر التراث والفلكلور الشعبي في العديد من المحافظات والإضرار بها.
“هناك صعوبات قد لا ندركها لكنَّها مؤثرة، مثل التعاطي مع التراث الفلكلوري اليمني بشكل عشوائي، والارتجال، وتعزيز النظرات الضيقة التي تشوه من صور المظاهر الشعبية أمام اليمنيين؛ فترسيخ زي فلكلوري أو طقس أو عادة بعينها -مثلًا- وجعلها بارزة على ما سواها، يشير إلى وضع غير سليم”.
المقترحات والمعالجات لإعادة إنعاش التراث
يقدم الدكتور الورافي بعض الحلول قائلا: “نمتلك فلكلورًا شعبيًا كبيرًا للغاية، وهو ذو خلفية حضارية موغلة في عمقها الإنساني والثقافي، يحتاج إلى الرعاية التي يستحقها وتناسب مستوى ثرائه، لكن التمثيل الرسمي لا يكفي ما لم تكن الثقافة بمجملها موجهة إلى عامة الشعب؛ إذ ينبغي أن يرتقي الحفاظ على الثقافة والفلكلور إلى مشروع يرعاه الجميع، مواطنين ودولةً”.
ويردف: “ينبغي تجاوز التمثيل الرسمي، وتوسيع الدور ليشمل إشراك الكادر الأكاديمي المتخصص والمنظمات المعنية بهذا الشأن وتشجيع دورها ودعمها، والأهم نشر الوعي بين أفراد المجتمع بأهمية الفلكلور وضرورة الحفاظ عليه وإحيائه؛ كونه يمثل عمقًا حضاريًا وإنسانيًا للبلد”.
أما محمد أمين فيرى أن هناك بعض الحلول المقترحة ويقول: “يحتاج التراث المادي إلى مشاريع كبيرة وتمويل أكبر، مثل مشروع وطني يهدف إلى الحفاظ على الموروث الثقافي من التلاشي والانهيار، مواكبًا للتطورات الحاصلة في جميع المجالات؛ فالأجيال الجديدة لا يوجد لديها خلفية عن أهمية الموروث الثقافي بأنواعه أو كيفية الحفاظ عليه، وبعض الموروثات بدأت تندثر وتتلاشى، ومن ثمَّ يجب العمل على الحفاظ عليها بشكل متطور يواكب العصر؛ فمثلًا في الأزياء يجب مواكبة التطور والحفاظ على الهوية الشعبية، وكذلك الألحان والأغاني التي من الضروري إدخالها في الأعمال الفنية بشكل محدث مع الحفاظ على البصمة اليمنية العريقة الخاصة بها”.
في حين يرى أحمد الباروت أن من الواجب عمل بعض الحلول للحفاظ على الفلكلور، ومنها: “عمل إستراتيجية وطنية للتنمية الثقافية، وتخصيص موارد كافية لتنفيذ هذه الاستراتيجية على أرض الواقع، والتوعية بأهمية الحفاظ على الموروث الثقافي، والعمل على تعريف المواطن بماهية التراث وكيفية الحفاظ عليه، والتركيز على أن الدول الأخرى تعمل على الاستغلال الأمثل لتراثها واعتماده كمصدر دخل قوي يرفد الجانب الاقتصادي للدولة”.
يؤكد باحثون ضرورةَ نشر الوعي بأهمية التراث الفلكلوري من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتخصيص الدعم المالي من قبل الجهات الرسمية بشكل يضمن العمل بشكل كبير ومسؤول، بالإضافة إلى ترميم الآثار الموجودة والحفاظ عليها؛ إذ يعد إحياء التراث الفلكلوري مسؤولية وطنية عامة، تتشارك فيها مختلف الجهات والأفراد، ولذا فإن تضافر الجهود الرسمية والشعبية ضروري لتحقيق النجاح في هذا الجانب.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…