النظرة المجتمعية لمحتوى الأفلام اليمنية.. تأثيرها وتحدياتها
صوت الأمل – أفراح بورجي
تعد الأفلام من أهم وسائل الترفيه والتوعية والتواصل الثقافي في المجتمعات؛ فهي تعكس ثقافة وقيم المجتمعات التي تقوم بصناعة محتواها، وتؤثر في نظرة الناس للعالم من حولهم؛ لأن النظرة المجتمعية لمحتوى الأفلام تشكل جزءًا مهمًا من التفاعل بين الفن والثقافة بسبب تأثر المشاهدين بالقصص والشخصيات التي يروَّج لها هذا الفن.
وقد أثارت الأفلام مؤخرًا العديدَ من الجدل والانتقادات لمحتواها الذي يعدُّه البعض غير ملائم أو مسيئًا لقيم مجتمعات معينة، ولثقافتها. ويمكن القول إن للأفلامِ تأثيرًا كبيرًا في تشكيل التوجهات والمعتقدات الاجتماعية لدى الناس؛ إذ تسهمُ في تمثيلِ الواقعِ، وتعزز القيم والموروثات الثقافية.
بهذا الخصوص يقول نبيل العامري: “تعاني صناعة الأفلام في اليمن إهمالًا كبيرًا من الجهات الحكومية الرسمية؛ لافتقارها لأبسط الإمكانيات. وعلى الرغم من نجاح بعض الأفلام اليمنية وحصولها على جوائز عربية ودولية فإنها تظل جهودًا فردية بسيطة جدًا”.
وواصل العامري: “كذلك تفتقر السينما في اليمن إلى ندرة أو انعدام صالات العرض السينمائية، فضلًا عن تشوه صورة السينما في أذهان معظم أبناء الشعب اليمني؛ فقد ارتبط الظهور الأول لدور السينما في اليمن بالمشرَّدين والعاطلين عن العمل، فارتسمت لديهم صورة سلبية بأن هذا الفن “للصياعة والتصعلك” حسب المفهوم المحلي”.
وشدَّد قائلاً: “في المقابل، فإنه في الآونة الأخيرة نلاحظ أن الساحة الفنية في اليمن تشهد حراكًا إبداعيًا في مجال صناعة الأفلام تقوده مجموعة قليلة من الشباب وبجهود فردية غالبًا، لكنَّ عملية الإنتاج الفنية ما تزال شحيحة وتحتاج إلى اهتمام وتشجيع رسمي؛ لمحاولة إنتاج أفلام أكثر تصدرًا”.
النظرة المجتمعية الإيجابية
أضافت ياسمين قاضي: “صناعة الأفلام في اليمن تعد حديثة، بعكس المسلسلات التي تدخل ضمن الخارطة الأساسية للقنوات، خصوصًا في شهر رمضان، بالإضافة إلى أنها نادرة؛ فكما نلاحظ أن عدد الأفلام اليمنية ضئيل جدًا إذا ما قارناها بالمسلسلات. على الرغم من هذا، صناعة الأفلام حاليًا أصبحت مطلوبة من الجمهور، خاصة بعد فيلم (عشرة أيام قبل الزفة) الذي أحدث صخبًا واسعًا ومشاهدة كبيرة حتى هذا اليوم، وأصبحت شركات الإنتاج تتصارع لإنتاج أفلام تحدِثُ نفس الرواج والصخب بين الجمهور”.
بينما قال رشيد سيف: “خلال السنوات الأخيرة تحسنت نوعية الإنتاج المرئي للأفلام في اليمن بشكل عام، وخاصة الأفلام السينمائية التي أنتجها المخرج العدني عمرو جمال الذي أُعدِّه واحدًا من أبرز المخرجين اليمنيين. فمثلا فيلم (عشرة أيام قبل الزفة) حظي بجوائز عربية ودولية وعالمية، وعلى المستوى الداخلي لاقى تفاعلًا واسعًا، إلى جانب فيلم (المرْهقون) الذي أنتج مؤخرا ويعرضُ حاليًا على المستوى الدولي”.
ويضيف: “بشكل عام، بدأ الإنتاج اليمني يتحسن على مستوى المسلسلات اليمنية الموسمية، وذلك بفعل التطور الهائل في التكنولوجيا وأدوات الإنتاج، بالإضافة إلى تطور الرؤية الإخراجية والدرامية”.
النظرة المجتمعية السلبية
ترى سرور المقطري أن “صناعة الأفلام في تراجع كبير ومواضيعها غير هادفة، فنادرًا ما نرى فيلمًا يمنيًا بمثل جودة فيلم (المرهقون) الذي صدر في هذا العام (2023) وناقش قضية معاناة الأسر والعائلات اليمنية مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اليمن”.
من جانبها، تصف أحلام بورجي صناعة الأفلام في اليمن بأنها “ضئيلة جدًا؛ بسبب ضعف الإنتاج في تمويل الأفلام، وأيضا لركاكة الأفكار المستخدمة، فنرى في أغلب الأفلام اليمنية أفكارًا وقضايا مهمة لكنها لا تصل إلى المشاهد بشكل فعال، بسبب عدم سرد الأحداث والحبكات بشكل يجذب المشاهد، وإنما يكون سرد الأحداث طويلة وغير موضوعية فتجعل المشاهد يشعر بالملل في أغلب الأوقات من خلال مشاهدته للمادة المعروضة”.
ومن جانب آخر أضاف صلاح الجندي “أن صناعة الأفلام في اليمن لم ترتقِ إلى مستوى الأفلام العالمية أو العربية بالتحديد، ونظرة المجتمع أو الجمهور لصناعة الأفلام في اليمن نظرة قاصرة مهما وُجد فيها نوع من الإبداع والاجتهاد الكبيرين، لكن هناك نظرة سلبية من قبل المشاهد الآخر (غير اليمني) لعدم ثقته بالمحتوى الذي يقدمه صانعو الأفلام داخل اليمن”.
تجربة المجتمع
تعبِّر ياسمين: “بالنسبة لي شاهدت مجموعة ضئيلة من الأفلام، لكنَّ بعضها أحدث فرقًا وحركَ مشاعري، والبعض الآخر لم أستطع إكماله بسبب محتواه الضعيف الذي يرى أن عقول اليمنيين لا تستوعب الحياة الحقيقة. توظيف الكوميديا مهم في صناعة الأفلام، لكن بالشكل الصحيح الذي لا يضر أو يضعف المستوى الثقافي، وألا يستهزئ بعقول المشاهدين بعرض الأفكار المجتمعية التي لا نقاش عليها. أعتقد الآن أنه بعد فيلم (المرهقون) والرواج والشهرة التي رافقته عالميًا، سيبدأ صناع الأفلام بالتفكير مليًا قبل البدء بصناعة فيلم جديد؛ فصناعة الأفلام اليمنية لا بد من أن تناقش قضايا عامة وخاصة دون المساس بالعادات والأعراف السائدة وبقالب يوضح الفكرة وإن كانت بسيطة”.
ويرى رشيد سيف “أن التجربة جيدة جدًا في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد اقتصاديًا وأمنيًا؛ إذ تمكن المحتوى المرئي من التطور النسبي رغم كثرة العراقيل التي تواجهه، وأعتقد أن صناعة الأفلام تمضي في الطريق الصحيح مع حاجة البلاد وهؤلاء المنتجين إلى أكاديميات حكومية، أو حتى خاصة، تعمل على تأهيلهم من نواحٍ مختلفة لمواكبة الإنتاج العالمي”.
يضيف الجندي: “التجربة الجميلة والفريدة هي عندما نرى أحد الأفلام اليمنية شاهدة على ما يقوم به صانعو المحتوى داخل اليمن من إنتاج الأفلام، فمهما كانت بدائية وبسيطة فإنها تعطي دفعة معنوية إيجابية كبيرة لصناع المحتوى من أجل الاتجاه إلى صناعة الأفلام الجيدة، وهذا يعطي شعورًا بالفخر لما يقدمه الفنانون اليمنيون في صناعة محتواهم”.
بالنسبة للكاتب والصحفي أحمد شوقي، فقد صرح قائلا: “لا يمكنني الحكم على التجربة بشكل كامل؛ لأنني لم أشاهد سوى جزء صغير من فيلم (يوم في صنعاء القديمة)”. أما تجربة شوقي الواقعية فقد كانت جزءًا من ضمن فريق عمل فيلم (إنسان ضيعناه).
مقترحات للارتقاء بصناعة الأفلام في اليمن
بهذا الخصوص يقول الكاتب والصحفي أحمد شوقي: “صناعة الأفلام في اليمن تعاني من مجموعة من المشاكل التي تؤثر على جودة الأفلام المنتَجة، وعلى تطوير هذه الصناعة. بشكل عام، يجب طرح بعض المقترحات التي من الممكن أن تسهم في توفير دفعة جديدة لصناعة الأفلام في اليمن وتحقيق نجاحات أكبر في هذا المجال”.
من المقترحات المقدمة من قبل الكاتب أحمد شوقي تحسين عملية الإنتاج؛ لأنها العملية الأساس في صناعة الأفلام، ولذلك من المهم العمل على تطوير هذه العملية وتوفير بيئة مناسبة للعمل. ومن ضمن المسائل المهمة في هذا الصدد وضع ميزانية ملائمة لعملية الإنتاج وتحسين الظروف الأمنية والمادية، وكذلك توفير المكان الملائم.
ثم أكمل شوقي قائلا: “يعد التميُّز في النص السينمائي من أهم عوامل نجاح الفيلم، ولذلك يتعين على المؤلفين والكتاب المختصين في هذا المجال العمل على تطوير النصوص السينمائية بما يتناسب مع الثقافة والتاريخ اليمني، إلى جانب تأهيل الممثلين؛ إذ يلعب الممثل دورًا أساسيًا في نجاح الفيلم، ولذلك يتوجب علينا الاهتمام بتأهيل الممثلين وتجهيزهم بالمهارات اللازمة لأداء أدوارهم بحرفية عالية، كما يتعين علينا الاهتمام بالأجور والمقابل المادي للممثلين”.
بالإضافة إلى ذلك، توفير دور السينما ومنصات التوزيع؛ إذ يعد توفير دور السينما ومنصات التوزيع من أهم الأمور التي من الممكن أن تساعد في نجاح الأفلام المنتَجة، فلا يوجد حتى الآن دور سينما في اليمن ولا منصات لتوزيع الأفلام. ويمكن اعتماد مقترحات أخرى كالقراءة المتعمقة والتحضير الجيد للأفلام قبل البدء في الإنتاج، والتعليم الذاتي عبر الدورات التدريبية المتاحة عبر الإنترنت، إضافة إلى متابعة تجارب الناجحين في هذا المجال واتباع نصائحهم.
على الرغم من التحديات التي تواجه صناعة الأفلام في اليمن، هناك إحداث لتحسينات وتغييرات إيجابية في هذا المجال وتطوير للصناعة بشكل جيد. ومن خلال اعتماد المقترحات المذكورة أعلاه، يمكن الوصول إلى صناعة سينمائية ناجحة في اليمن.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…