آثار الصراع شكلت بيئة خصبة لإبداع الشباب في إنتاج الأفلام
صوت الأمل – أحمد باجعيم
“يعدّ الوضع الراهن لليمن أحد الدوافع والمحفزات للشباب في الإسهام بشكل كبير في صناعة الأفلام بمختلف مسمياتها، التي تحاكي القضايا القاسية التي يعاني منها اليمنيون؛ فمن رحم الكوارث والمآسي تولد الأفكار الشابة المبدعة، وتُصنع الحبكة الدرامية التي تعكس الوضع القائم اليوم”.
هذا ما افتتح به الكاتب أحمد الكاف تصريحه الخاص لـ«صوت الأمل»، مؤكدًا أنّ الكثير من الشباب اليمنيين استغلوا النزاع المسلح والكوارث البشرية، التي نتمنى أن لا تطول وأن يحل السلام، في كتابة محتويات رائعة وخارج الصندوق، تجسد حال الإنسان اليمني وظروفه القاسية في صناعة أفلام أكثر احترافية ووصلت إلى العالمية.
وتعدّ صناعة الأفلام السينمائية الفنَّ السابع بعد الفنون الستة السابقة (العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص)، وهو أكثر الفنون انتشارًا وتأثيرًا على مستوى العالم، استطاع الشباب اليمنيون الإسهام بشكل فعّال في صناعة الأفلام من خلال كتابة المحتويات والسيناريوهات والإخراج والإنتاج والتمثيل وغيرها من الأدوار، وفي هذا التقرير، سنتعرف على إسهام الشباب اليمنيين في صناعة الأفلام، وكيف استطاعوا تحقيق إنجازات ملحوظة في القطاع السينمائي من خلال الابتكار والإبداع.
صانعو محتوى
قال الكاتب أحمد الكاف: “إنّ خلق المنافسة بين الشباب في صناعة المحتويات وكتابتها في الأفلام أسهم بشكل ملحوظ في خروج الأفلام عن النطاق المألوف، وتحسين الجودة والرقي إلى أبعد مكان ممكن، كما أصبح تفكير الشباب؛ من كُتّاب ومنتجين ومصورين ومخرجين وممثلين، توظيف الإمكانات والمعدات الموجودة والمتاحة، وإن كانت شحيحة، والخروج بقدر الإمكان بنتائج جيدة وأكثر ابتكارًا وتنافسيّة، وبأقل تكلفة مادية، إذ إنّ صعوبة توفر الدعم المادي يقف عائقًا في طريق الشباب الموهوبين، على الرغم من وجود أفكار ومحتويات شبابية مميزة لو توفر لها الدعم المادي والتقني لوصلت لأكبر المهرجانات السينمائية العالمية”.
وأشار الكاف إلى أنّ دخول الشباب في صناعة الأفلام أحدث نقلة نوعية في خضم الأحداث التي تشهدها اليمن منذ اندلاع النزاع مطلع 2015م، من خلال تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وكتابة محتويات تبرز معاناة المواطن المتأثر بالظروف التي تجرُّ حوله المآسي، وإظهارها للعالم بشكل مختلف ومغاير عن المحتويات السابقة؛ إذ إنّ أغلب السيناريوهات هي مستوحاة من قصص وكوارث حقيقية ولربما عاشها كُتّاب المحتويات، مشددًا أنّ وضع اليمن الحالي أسهم في تفجير مواهب الشباب وساعدهم على التألق؛ إذ إنّ الحبكة الدرامية في كتابة المحتوى لن يستطيع تقديمَها بالشكل المطلوب أيُّ شاب عائش في بلد مستقر خالٍ من الصراعات.
أدوار شبابية
ذكر المخرج خليل بامصري مؤسس شركة (Mix3 Production) للإنتاج الإعلامي أنّ الشباب يعدّون إحدى الركائز الأساسية في تطوير صناعة الأفلام اليمنية لما لهم من أفكار إبداعية مختلفة، ولهم الفضل الأكبر في تطوير صناعة الأفلام المحلية خلال السنوات القليلة الماضية والخروج بها عن المألوف، ويكمن إسهامهم من بداية الفكرة والعمل عليها؛ ككتابة المحتويات والسيناريوهات وصولًا للتنفيذ والإخراج والإنتاج، حتى يصل للعرض والترويج والتسويق، كما أن تأثير الشباب في صناعة الأفلام بطبيعة الحال حقَّق نقلة كبيرة على مستوى الوطن وخارجه.
واستطرد بامصري بأنّ دخول الشباب في هذا المجال أحدث تنافسًا كبيرًا على تقديم الأفضل والحبكة الأقوى في صناعة الأفلام، وهذا الشيء ملاحظ بشكل لا بأس به خلال الآونة الأخيرة. ومع هذا فإنّ اليمن تفتقر لكثير من الأشياء للانطلاق في صناعة الأفلام، ويحتاج الشباب مساعدة بشكل أكبر لتمكنهم من إظهار الأفلام بالصورة المأمولة، ورغم الظروف فإنّ الشاب اليمني يصنع الفارق ويصنع من اللاشيء أشياء، ولقد رأينا بعض الأفلام اليمنية تترشح لجائزة الأوسكار، وهذا دليل على تطور صناعة الأفلام في اليمن.
ومن جانبه أوضح الكاتب صابر بارشيد، أنّ أدوار الشباب في صناعة الأفلام ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، وأحدثت نقلة نوعية في هذا الجانب، وأسهم الشباب اليمنى في خروج الأفلام المحلية من دائرة العزلة المعتمة، التي يُنظر إليها، سواء محليًّا أو خارجيًّا، إلى واقع مغاير تمامًا، نتيجة الرؤية الشبابية الطامحة، وذلك من خلال الإعداد الأمثل لصناعة الأفلام؛ من كتابة المحتوى والسيناريو والتمثيل والتصوير والإنتاج والإخراج وغيرها باحترافية تامة، وللطاقات الشبابية الفضل بعودة الأفلام اليمنية للواجهة وللمنافسة.
وتابع بارشيد وهو كاتب سيناريو فيلم (صابر) الذي تمَّ تصويره وإنتاجه بكوادر شابة خالصة ومتطوّعة بالمكلا، وهو عبارة عن فيلم توعوي قصير (16) دقيقة، يتحدث عن مخاطر المخدرات على الشباب، وقد لاقى رواجًا كبيرًا على مستوى محافظة حضرموت، إذ يقول: “إن الشباب المهتمين بهذا المجال استفادوا بقدر الإمكان من الوضع الراهن الذي تمر به اليمن؛ إذ ابتكروا أفكارًا إبداعية تنقل الواقع المعاصر للإنسان من ويلات الصراع، إلّا أنّ الكثير من تلك الأفكار الإبداعية لم ترَ النور بعد، لعدة عوامل؛ لعلَّ أبرزها ضعف التمويل والدعم”.
عناصر الإنتاج
المخرج بامصري تحدث أنّ إنتاج الأفلام المحلية، خصوصًا من قبل الشركات الشبابية الناشئة، لديها المقدرة الكاملة في الإنتاج؛ من معدات وكوادر مؤهلة ومحترفة، ولكن التمويل المادي ما يزال شحيحًا ومحدودًا، ولن تستطيع أن تنتج أعمالًا أكثر جودة وحبكة درامية ما لم تحل هذه المشكلة من قبل الجهات المانحة، سواء تجارية أو غيرها؛ نتيجة عدم وعي التجار بأهمية صناعة الأفلام ورعايتها، وتأثير النزاع على الاقتصاد اليمني وما خلفه من انهيار في العملة المحلية، وكذا ضعف الثقافة المجتمعية بالدور الذي تلعبه الأفلام في رفع ثقافة الشعوب، إضافة إلى تغيب الجهات الرسمية من تنشيط حركتها في هذا الجانب ودعم الشباب.
وأردف بامصري، ومع هذا قدم الشباب نماذج رائعة في إنتاج الأفلام بأقل تكلفة، وبعضها تطوعية، والوصول بها إلى المشاركات في مهرجانات عرض الأفلام العربية والدولية وكثير من الفعاليات التي تقام في هذا الجانب. أما بخصوص الأفلام التي شاركوا في إنتاجها، يقول خليل بامصري: “إنّ مشاركتي في إنتاج الأفلام وصناعتها لم تكن بالكثيرة، ومنها فيلم (صابر) الدرامي التوعوي، وأفلام أخرى لدى المنظمات الدولية ومؤسسات مانحة”، وقد أحدثت نقلة نوعية للمخرج (خليل) وفق ما ذكر.
وفي سياق متصل أسهم محمد عصب (مصمم جرافيك) في إنتاج بعض الأفلام المحلية من خلال تصميم الرسوم المتحركة والتأثيرات البصرية، التي تعزز قصة الفيلم، وإنشاء تصاميم فريدة وملهمة، ولفت عصب أن مجال الجرافيك والتأثيرات البصرية لها دور كبير في تحسين جودة الأفلام وجعْلها أكثر تشويقًا، ولكن هذا المجال ما زال يحتاج الكثير من التطوير على مستوى اليمن بصورة عامة؛ لذا ينبغي في الصناعة السينمائية المحلية التركيز على الجرافيك لما له من أهمية بالغة، خصوصًا في الأفلام الحديثة.
وأكد عصب أن الإسهامات الشبابية في صناعة الأفلام اليمنية كبيرة بمختلف المراحل من بداية الفكرة وحتى الإخراج والعرض، ومع هذا يتطلب من الجهات الرسمية والمنظمات الدولية احتضان هذه الفئة من الشباب، والعمل على تطويرهم في جميع المجالات؛ من كتابة المحتوى والسيناريو والإنتاج والتصوير والتمثيل والإخراج والجرافيك، وتشجيع الشباب على التعاون والتبادل المعرفي والتواصل مع المجتمع السينمائي الخارجي في مجال التدريب والتأهيل، أيضًا تنظيم فعاليات ومسابقات تحفز الشباب على التبادل المعرفي والخبرات؛ لتعزيز المهارات الفنية والإبداعية بما يسهم في صناعة أفلام ذات جودة عالية.
وفي الختام يمكن القول إنّ القدرات الشبابية للإسهام في صناعة الأفلام اليمنية ما زالت قيد النمو والتطوير وبجهود ذاتية وبدائية، ومع ذلك هناك أعمال شبابية حققت نجاحات متميزة سواء على مستوى اليمن أو الإقليم، من خلال الأفكار الإبداعية، ونقلها بصورة احترافية مغايرة عن الأشكال النمطية القديمة والمفهومة عن الدراما اليمنية.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…