وضع الطاقة المتجددة الحالي والمستقبلي في اليمن
صوت الأمل – مهندس / عبد السلام منصور الجند (مستشار العدد)
يعدُّ ضعف الخدمات الكهربائية أحد العوائق الرئيسية أمام التنمية الاقتصادية المستدامة، فالطاقة هي عصب التنمية لهذا تعد مؤشرًا للتنمية في أي بلد. إنّ القدرة المركبة للمؤسسة العامة الكهربائية بلغت بالكاد1 جيجاوات، وقدرة كهذه تشغل بالكاد مصنعًا للألمنيوم كبيرًا. تجدر الإشارة إلى أنّ أزمة الطاقة في اليمن موجودة قبل مدّة طويلة من بدء الحرب الأهلية؛ إذ كانت نسبة تغطية الكهرباء لا تتعدى 50% على مستوى الجمهورية، أمّا في المناطق الريفية، التي يمثل السكان فيها 75% فلم تتجاوز تغطية الكهرباء إلّا 23% فقط، وهذا مؤشر على فشل اليمن خلال النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن من مواكبة التطور في الاقتصادات العربية الأخرى، وتتميز إمدادات الطاقة في اليمن بعجز حاد، وكانت اليمن وما زالت أقل دولة عربية في قدرات الطاقة الكهربائية المركبة، ويعدُّ نصيب استهلاك الفرد اليمني من الطاقة الكهربائية الأدنى في الشرق الأوسط؛ إذ بلغ ما يقارب 250 كيلووات في الساعة، ورقم كهذا لا يمثل سوى عُشر متوسط استهلاك الطاقة للمواطن العربي قبل بدء الصراع. وعند بدء الحرب الأهلية كانت شبكة الكهرباء العامة من بين أولى ضحاياها. فلقد أدت الهجمات على البنية التحتية ونقص الوقود إلى تضرر إمدادات الكهرباء، وخروج المنظومة الكهربائية عن الخدمة لغالبية السكان. وأدّى نقص الوقود إلى جعل الاعتماد على مولدات الديزل غير ممكن، ولهذا السبب تحول اليمنيون بشكل متزايد إلى الطاقة المتجددة. ومع ذلك، لا يزال الوقود الأحفوري يهيمن على مزيج الطاقة اليمني. ويؤدي الدعم السخي للوقود والكهرباء إلى تفاقم الوضع أكثر وأكثر، وتواجه مناطق المؤسسة المختلفة نقصًا حادًّا في الكهرباء وانقطاعًا يستمر لعدة ساعات يوميًّا. وبناءً على ذلك أصبحت تقنيات الطاقة المتجددة هي الأجدى في المناطق الحضرية والمعزولة. وقد ارتفع نصيب الطاقة المتجددة في اليمن جراء الأحداث التي أعقبت 2011م؛ إذ ارتفع نصيب الطاقة المتجددة من 5 ميجاوات في 2013م إلى 250 ميجاوات في عام 2018م حسب وكالة الطاقة المتجددة الدولية. أي إنّه في غضون ثلاث سنوات فقط، زادت قدرة توليد الطاقة الشمسية في اليمن بنحو 50 ضعفًا عمّا كانت عليه عام 2013م.
أهمية الطاقة المتجددة ودورها في تخفيف معاناة المواطنين
تتمتع الطاقة المتجددة بالعديد من المزايا التي تجعلها حلًّا مناسبًا لأزمة الطاقة في اليمن، ومن أهم هذه المزايا:
- الوفرة: تقع اليمن في الحزام الشمسي، وهو ما يجعل اليمن تتمتع بإمكانيات وفيرة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية (إشعاع شمسي عالٍ، متوسط الإشعاع الشمسي في اليمن هو 5.2 – 6.8 كيلو وات/متر مربع في اليوم الواحد؛ إذ يمكن إنتاج 18 جيجا وات من الطاقة الشمسية المركزة إلى جانب محطات كهرو شمسية الضوئية) وطاقة الرياح برية تصل إلى 34 جيجاوات، وطاقة حرارة الأرض الجوفية تصل إلى 2,9 جيجاوات، وطاقة الكتلة الحية وطاقة المحيطات (المد والجزر وطاقة الأمواج ….) يمكن تسخيرها لسد عجز الطاقة في البلاد. الأمر الذي سيقلل تكاليف استيراد الوقود الأحفوري المرتفع المستخدم حاليًا، ويوفر العملة الصعبة.
- الاعتمادية: تتميز الطاقة المتجددة بأنّها مصدر طاقة موثوق به، ولا تتأثر بالعوامل السياسية أو الاقتصادية.
- الاستدامة: تعد الطاقة المتجددة مصدرًا للطاقة مستدامًا، ولا تتسبب في انبعاثات الكربون الضارة بالبيئة، وتحقق أهداف التنمية المستدامة 2030م ومكافحة التغير المناخي، وتساعد في تحقيق أهداف اتّفاقية باريس.
ولذلك، فإنّ انتشار الطاقة المتجددة في اليمن يمكن أن يسهم في تخفيف معاناة المواطنين من أزمة الطاقة، وذلك من خلال:
- تحسين إمدادات الكهرباء: يمكن للطاقة المتجددة أن تساعد في زيادة إمدادات الكهرباء في اليمن، ممّا سيؤدي إلى تقليل عدد ساعات الانقطاع عن الكهرباء، وزيادة نسبة الوصول إلى الكهرباء على مستوى البلد.
- تخفيض أسعار الكهرباء: يمكن للطاقة المتجددة أن تساعد في تخفيض أسعار الكهرباء، ممّا سيؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة للمواطنين.
- خلق فرص عمل: يمكن لمشاريع الطاقة المتجددة أن تسهم في خلق فرص عمل في اليمن، ممَّا سيساعد في الحد من البطالة.
التحديات والمعوقات
تواجه الطاقة المتجددة في اليمن العديد من التحديات والمعوقات التي تحدُّ من انتشارها، ومن أهمها:
- ضعف البناء المؤسسي والحكم الرشيد: لم يتم تفعيل قانون الكهرباء رقم (1) لعام 2009م. وأيضًا تأخّر تفعيل الإعفاءات الجمركية والتخفيضات الضريبية، الأمر الذي كلَّف المواطنين والاقتصاد الوطني أثمانًا باهظة كان في غنى عنها.
- تداخل الاختصاصات وغياب الرؤية: هناك تداخل في الاختصاصات يؤدي إلى عدم العمل بالسياسات والإستراتيجيات المقرة لقطاع الكهرباء، وعدم تحديثها، وأيضًا تعدد اللاعبين في مجال الطاقة المتجددة على مستوى مؤسسات الدولة.
- إساءة استخدام بعض تقنيات الطاقة المتجددة: مثل الري بالطاقة الشمسية، الذي يمكن أن يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية وتدهور البيئة والزراعة.
- الحرب المستمرة: أدت الحرب المستمرة في اليمن إلى أضرار جسيمة بالبنية التحتية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة. بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني أدّت الحرب الجامعة إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية، وضعف الحوكمة، وغياب المؤسسات الجامعة، ممَّا جعل من الصعب على الحكومة توفير الدعم لمشاريع الطاقة المتجددة.
- ارتفاع تكلفة الاستثمار: تتطلب مشاريع الطاقة المتجددة استثمارات كبيرة، ممَّا يجعل من الصعب على المستثمرين توفير التمويل اللازم لهذه المشاريع.
- ضعف القدرات الفنية: تعاني اليمن من ضعف القدرات الفنية في مجال الطاقة المتجددة، ممَّا يحدُّ من قدرة البلاد على تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وتشغيلها بشكل فعّال.
الوضع الحالي للطاقة المتجددة في اليمن
في عام 1980م ركِّب نظام بحثي للطاقة الشمسية في كلية الفيزياء بجامعة صنعاء، وفي ثمانينات القرن الماضي مولت وكالة دانيدا الدنماركية بناء عدة توربينات رياح في المخاء وعدن بقدرة 60 وات للتوربين الوحد، وكانت هذه أول توربينات رياح تُبنى في اليمن والشرق الأوسط، عملت توربينات الرياح بشكل جيد في البداية، لكنها بدأت في الانهيار بسبب نقص الصيانة، وكذلك بسبب الرياح الشديدة التي تهب في المنطقة.
التطبيق الحقيقي للطاقة الشمسية في اليمن يمكن تقسيمه إلى خمس مراحل[1] :-
المرحلة | المُدّة الزمنية | نوع النظام وقدرته | تكلفة النظام، القدرة السنوية المركبة | نوع الشبكة | ملاحظات |
الأولى | 2010-2015م | شمسي مستقل | أغلى من مولدات الديزل | خارج الشبكة | عجز في التوليد |
الثانية | 2015-2017م | 200-250 م.و | أسعار رخيصة ومنخفضة الجودة في السوق | خارج الشبكة | نقص حاد في الوقود بسبب الحرب، والخيار الأكثر شعبية. |
الثالثة | 2018-2019م | زادت بنحو 200 م.و في عام 2018م وبلغت 300 م.و في عام 2019م. | بدأ التجار في استيراد الأنظمة عالية الجودة فقط. | استبدال المزارعين مضخات الطاقة الشمسية بمضخات الديزل. | انخفض الطلب على الأنظمة في المنازل؛ بسبب رداءة المواصفات، معظم الناس عادوا لشراء الكهرباء من مولدات الديزل التجارية. |
الرابعة | 2020- 2022م | 250 م.و إلى 350 م.و مستوردة سنويا بداية عام 2020م حتى نهاية عام 2020م | انخفضت كلفة الأنظمة بمقدار التخفيضات الضريبية والإعفاءات الجمركية | تركيب أنظمة تفوق قدراتها ال 100 كيلووات في قطاعات التجارة والصناعة والزراعة | في مايو 2020م، أسهم القرار الجمهوري الخاص بالإعفاء الجمركية والتخفيضات في ضريبة المبيعات في زيادة أنظمة الطاقة الكهروضوئية. |
الخامسة | 2023م وما فوق | أنظمة كبيرة بالميجاوات | هناك مشاريع بعشرات الميجاوات | تربط بالشبكة الوطنية | بدأ الربط الشبكي لمشاريع 20 م.و في رأس كتنيب، 15 م.و في المخاء، و120 م.و في عدن. |
بسبب عدم توفر الإحصائيات الموثقة وتضاربها في أحيان أخرى لدى الجهات ذات العلاقة، فهناك عدة تقديرات للقدرات المركبة من الطاقة المتجددة، التي معظمها من الطاقة الشمسية تختلف باختلاف المصدر، لكن أقربها للصحة هو 1600 ميجا حتى نهاية 2021م، بحسب دراسة السوق التي أجراها الدكتور/عبدالرحمن بابريك والبروفسور/ مروان ذمرين في تقريرهما: (التحول المستدام لنظام الطاقة في اليمن، مايو 2022م) هو الأقرب إلى الصحة؛ لأنّ مصدر المعلومات كانت هي الشركات اليمنية المستوردة بالجملة لتلك الألواح الشمسية.
الخطة الاستثمارية للطاقة المتجددة حتى عام 2050م
وضعت وزارة الكهرباء والطاقة خطة استثمارية لقطاع الطاقة اليمني حتى عام 2050م؛ إذ ستشكل الطاقة المتجددة قرابة 30% من إجمالي مزيج الطاقة اليمني عام 2050م، والشكل التالي يوضح مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة اليمني للإعلام 2030 و2050م.
التوصيات والمعالجات المطلوبة
من أجل معالجة التحديات والمعوقات التي تواجه انتشار الطاقة المتجددة في اليمن يجب القيام بما يأتي:
- وقف الصراع المسلح: يعدُّ وقف الحرب المستمرة في اليمن أولوية قصوى؛ إذ سيساعد ذلك في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في البلاد، وإصلاح البنية التحتية المتضررة، وتوفير بيئة مستقرة للاستثمار في الطاقة المتجددة.
- توفير الدعم الحكومي: يجب على الحكومة اليمنية توفير الدعم المالي واللوجستي لمشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وذلك من خلال إنشاء صندوق للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وكهربة الريف للقضاء على تلك المعوقات عبر تقديم قروض ميسرة للمستثمرين، وتوفير التدريب الفني للكوادر الوطنية.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص: يجب على الحكومة اليمنية إصدار قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، الذي سيترتب عنه زيادة الثقة بين القطاعين، الأمر الذي سيجذب الاستثمارات الخاصة في مجال الطاقة المتجددة؛ وذلك من خلال تقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين.
- إنشاء هيئة وطنية للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة: يجب إنشاء هيئة وطنية للطاقة المتجددة تكون مسؤولة عن وضع السياسات والإستراتيجيات اللازمة لتعزيز انتشار الطاقة المتجددة في اليمن.
- تحديث إستراتيجية شاملة للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة: يجب تحديث إستراتيجية شاملة للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، تحدد الأهداف والرؤى والمشاريع والأولويات والمؤشرات والمسؤوليات والموارد المطلوبة، والإجراءات اللازمة لتحقيق تلك.
- تفعيل قانون الكهرباء رقم (1) لعام 2009م: عبر 1) استكمال إنشاء الهيئة الناظمة. 2) تحويل المؤسسة العامة للكهرباء إلى شركة مسهمة قابضة؛ للإشراف والتخطيط على مؤسستي التوليد /النقل والتوزيع اللتين سينبثقان منها كمؤسستين أو شركتين مسهمتين. 3) إنشاء مؤسسة للخدمات الطبية لموظفي قطاع الكهرباء.
- عدم ارتجال صنّاع القرار سياسات متغيرة خارج الدراسات والإستراتيجيات المقرّة: على صناع القرار تنفيذ إستراتيجيات ورؤى قطاع الكهرباء التي صرفت ملاين الريالات لإنجازها، وليس تنفيذ سياسات ارتجالية بغرض خدمة أجندات محددة وقصيرة المدى، لمسنا آثارها في الوضع الكارثي على قطاع الكهرباء في الماضي، وما زلنا ندفع ثمن ذلك حتى الآن.
- عدم اختيار وزراء الكهرباء من خارج قطاع الكهرباء: يتطلب من وزراء الكهرباء وصانعي القرار الرئيسيين المعينين من خارج قطاع الكهرباء سنواتٍ لفهم قضايا القطاع، وأول ما يبدؤون بفهم قضايا القطاع يُستبدلون بآخرين ليعيدوا تكرار نفس القصة السالف ذكرها. ولهذا السبب مهم جدًّا أن يُختار وزراء الكهرباء وصناع القرار من قطاع الكهرباء نفسه لتفادي ما سبق.
[1] في تقرير التحول المستدام لنظام الطاقة في اليمن، سيبل راكيل إرسوي، جوليا تيرابون بفاف، بروفيسور/مروان ذمرين، ود/عبد الرحمن بابريك، مايو 2022م جرى تقسيمها إلى 4 مراحل، ونحن بدورنا أضفنا المرحلة الخامسة.
91.9% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن من المهم بدء الاعتماد على الطاقة النظيفة لتحقيق تنمية مستدامة في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد الطاقة النظيفة شكل من أشكال الطاقة المستدامة التي تُولّد من مصادر ط…