الطاقة النظيفة ودور المهندسين التقنيين في اليمن
صوت الأمل – هبة محمد
السعي نحو الطاقة النظيفة ومشاركة المهندسين المختصين في تلك الطاقة في اليمن عوامل أساسية في مواجهة تحديات الطاقة في البلاد، ويؤدي المهندسون والفنيون دورًا حاسمًا في تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة في اليمن وتطويرها، فهم مسؤولون عن تصميم أنظمة الطاقة النظيفة وتركيبها وتشغيلها وصيانتها، ويتمتع هؤلاء المحترفون بالمعرفة التقنية والمهارات اللازمة لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة.
_ مهندسو الطاقة النظيفة ودورهم في الاستدامة
تحظى اليمن، كدولة نامية تواجه تحديات اقتصادية وبيئية كبيرة، بفرص كبيرة للاستفادة من الطاقة النظيفة وتطويرها، ويعدُّ دور مهندسي الطاقة النظيفة في اليمن ذا أهمية قصوى؛ إذ يعملون على تحويل النظام الطاقي التقليدي المعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري إلى نظام أكثر استدامة وفعالية.
يقول المهندس علي عزيز، رئيس وحدة الشئون الاقتصادية بمجلس تنظيم أنشطة الكهرباء صنعاء: “يمثل المهندسون حجر الزاوية وركنًا أساسيًّا في قطاع الطاقة المتجددة، فهم بالفعل يلعبون دورًا حاسمًا في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة ونشرها، بما في ذلك الطاقة الشمسية، ويجب أن يكون لديهم المعرفة والمهارات اللازمة لتصميم أنظمة الطاقة الشمسية وتثبيتها وصيانتها، وكذلك فهم مبادئ تحويل الطاقة وتخزينها”.
وأشار أنّ الاعتماد على الطاقة الشمسية يمكن أن يكون حلًّا مستدامًا وموثوقًا به؛ بسبب النزاعات واستهداف المنظومة الكهربائية. ولكن من أجل تنفيذ مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة، فإنّ اليمن بحاجة إلى كوادر متخصصة ومدربة في هذا المجال، ويمكن أن يتمَّ تدريب المهندسين والفنيين المحليين لكسب المهارات اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع الكبيرة وصيانتها.
وأوضح أنّ الدكتور محمد البخيتي، كونه عميدًا سابقًا لكلية الهندسة ووزيرًا للكهرباء حاليًا، استفاد من خبرته ومعرفته في تطوير قطاع الطاقة، وقام بتحويل مركز ذهبان سابقًا والمؤسسة العامة للكهرباء والطاقة المتجددة حاليًا إلى معامل تطبيقية؛ هذا الإجراء يعزز الفرص التعليمية والبحثية لطلاب الهندسة، ويسهم في تطوير مهاراتهم العملية وتعلمهم التطبيقي.
وقال: “إنّ المؤتمر والمعرض الوطني الثالث للطاقة المتجددة للعام 2023م، الذي يُقام في كلية الزراعة جامعة صنعاء – يوفر منصة لعرض الابتكارات والتكنولوجيا المتعلقة بالطاقة المتجددة، ويُعد هذا المعرض فرصة للطلاب لعرض أبحاثهم ومشاركة اكتشافاتهم مع المجتمع الأكاديمي والصناعي، ويمكن أن يسهم ذلك في تبادل المعرفة وتعزيز التعاون بين الطلاب والمهندسين والمهتمين بمجال الطاقة المتجددة”.
يقول المهندس يعقوب البريهي، عضو المكتب الفني الاستشاري بديوان عام وزارة الكهرباء: “يلعب المهندسون التقنيون دورًا مهمًّا في تطوير الطاقة النظيفة في اليمن، من خلال تصميم أنظمة الطاقة المتجددة وتنفيذها وصيانتها، وتشمل مجالات عمل المهندسين التقنيين في مجال الطاقة المتجددة، تصميم أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية PV Solar systems بأنواعها”.
ويواصل: “أيضًا مجال أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي تعمل خارج الشبكة Off Grid PV systems ، وهذه المنظومات بعضها تكون هجينة بحسب نوع العاكس Inverter؛ إذ يرتبط بالشبكة ويأخذ من الشبكة ويشحن البطاريات، ولكن لا يزود الشبكة بالتيار الكهربائي، وأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية الهجينة التي تعمل بالتزامن مع مولدات الديزل PV Diesel، وأنظمة الطاقة الشمسية المرتبطة بالشبكة العامة On Grid PV systems، هذا النوع تكون فيه العواكس Inverters مرتبطة بالشبكة الكهربائية، وتمدّ الشبكة الكهربائية بالطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية”.
ويشير أنّ دور المهندسين التقنيين لا يقتصر على التصميم فحسب، بل لهم دور في تنفيذ أنظمة الطاقة المتجددة، بما في ذلك تركيب المعدات وتوصيلها بالشبكة الكهربائية الخاصة بالمنشآت في حالة Off grid systems أو توصيلها بالشبكة العامة في حالة On grid systems. وذكر أنّ من ضمن أدوارهم صيانة أنظمة الطاقة المتجددة، وعمل برامج الصيانة بما في ذلك إجراء الفحوصات والاختبارات اللازمة والتفتيش الدوري والإصلاحات اللازمة.
استثمار الإشعاع الشمسي في توليد الكهرباء
ويقول المهندس علي الموشكي في رسالته للماجستير التي كانت بعنوان: (إمكانية استثمار الإشعاع الشمسي في توليد الطاقة الكهربائية، في محافظة إب، باستخدام التقنيات الحديثة): “إنّ اليمن تقع في المنطقة المدارية الحارة، ويعني أنّ الشمس تتعامد على اليمن مرتين في العام، وهذا الموقع المداري أدّى إلى أن يكتسب اليمن كميّة كبيرة من الإشعاع الشمسي في كل فصول السنة، وبالتالي فإنّ اليمن يقع ضمن الحزام الشمسي العالمي، وأنّ السطوع الشمسي يتراوح بين (٦-١٠) ساعات يوميًّا؛ أي ما يعادل ٥٠-٨٠% من المعدلات النظرية العظمى”.
ويواصل: “اليمن تتمتع بإمكانات طبيعية تمتاز بها مختلف محافظاتها لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة المتجددة كالإشعاع الشمسي، والرياح، والحرارة الجوفية، والكتلة الحيوية، ولهذا فقد سجلت الدراسة الإستراتيجية الوطنية لوزارة الكهرباء والطاقة في عام 2009م كميات الطاقة المتوقع إنتاجها من كل نوع كقيم نظرية وقيم فعلية، وفي تقرير للبنك الدولي في تقييم حالة الطاقة في اليمن، أكّد أن مقدار الإمكانات الفعلية المتوقعة للاستثمار في أهم خمسة قطاعات؛ وهي الصحة، والمياه، والزراعة، والسكن، والصناعة والتجارة، يصل إلى ٥٧ مليار و٩٢٥ مليون دولار”.
ويشير المهندس الموشكي إلى أن الظروف السياسية والاقتصادية في اليمن، بما في ذلك الصراعات المستمرة وانقطاع دخول المشتقات النفطية، دفعت العديد من الناس إلى استخدام منظومات الطاقة الشمسية كبديل للطاقة التقليدية، ويذكر أنّ نسبة 75% من الناس اشتروا منظومات الطاقة الشمسية في جميع محافظات اليمن، وبسبب هذا الاستخدام المتزايد، زادت قدرة التوليد من الطاقة الشمسية إلى 500 ميجاوات في عام 2017م.
ويشير الموشكي أيضًا إلى أنّه تمَّ استثمار مليار دولار أمريكي في منظومات القطاع السكني في اليمن خلال المدّة من 2011م إلى 2016م، وأنّ سوق الطاقة الشمسية تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار في غضون سنتين؛ من 2014م إلى 2016م، وفقًا لتقارير البنك الدولي ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في صنعاء على التوالي.
مهندسو الطاقة وأهم احتياجاتهم
وذكر الموشكي أنّ مهندسي الطاقة النظيفة في اليمن يحتاجون إلى الكثير من الدورات العلمية والفنية والندوات والورش وتوافر أجهزة القياس؛ لتكون بمثابة المرشد للمهندس في التصميم والاختيار والتعامل بحسابات دقيقة للأحمال؛ حتى تستمر المنظومات في التشغيل، ولا يقل عمرها الافتراضي؛ بسبب عدم التقدير الدقيق لها، وهذه المشكلة الرئيسية التي تسببت في انهيار المنظومات الخاصة بالمواطنين.
وأكّد على ضرورة أن يكون مهندس الطاقة على خبرة ومعرفة بكيفية التعامل مع كافة الأجهزة والأدوات اللازمة لتصميم المنظومات أو للصيانة، مثل جهاز قياس الميجا أوم، ومسطرة القياس، والبوصلة، وتحديد الزاوية؛ لأنّه وجدت كثير من المنظومات موضوعة بزاوية صفر، وهذا يسبب أنّ المواطن لا يستفيد، ولا يحصل على خروج الكمية المطلوبة للطاقة، فقد يشتري منظومة كبيرة ومخرجات المنظومة قد تصل إلى ٥٠%.
وأوضح أنّ الكثير من مهندسي الطاقة بحاجة إلى تدريبهم على برامج حساب الإشعاع الشمسي، التي أصبحت مهمّة جدًّا في عمل المحاكاة، والحصول على النتائج مسبقًا بنسب تقاربية عالية جدًا قبل التركيب، وتعلم البيانات الخاصة بالمنظومات وتحليلها.
عزوف الناس عن شراء الطاقة المتجددة
وأفاد الموشكي أنّ هذا الكم الهائل من الإنفاق على الطاقة الشمسية يؤكد المشاكل الفنية الكثيرة والخسائر التي تعرّض لها المواطنون، لعلَّ أهمها هو رداءة البضائع التي تدخل إلى اليمن، وما حدث فيها من غش ومواصفات فنية رديئة، وكذلك الاستخدامات العشوائية في التركيب والصيانة؛ بسبب عدم الوعي المجتمعي، وكذا الغش التجاري؛ فكثرت الأعطال، وتكرر الشراء، خاصة للبطاريات التي كانت تنهار خلال ٦ أشهر أو سنة، وهذا كان سببًا في عزوف الناس عن المنظومات الشمسية، ولُجُوئِهم الاضطراري للتوصيل من ملاك المولدات التجارية، التي وصل تعرفة (سعر) الكيلو وات فيها إلى ٦٠٠، وأحيانا ٥٢٠ ريال، وهو يعدُّ أعلى تعرفة عالميًّا عند المقارنة مع الأسعار العربية والعالمية، مع سوء الخدمة أيضًا.
تحديات تواجه مهندسي الطاقة المتجددة في اليمن
في ظل التطورات العالمية التي تجتاح قطاع الطاقة، يواجه مهندسو الطاقة النظيفة في اليمن سلسلة من التحديات، فإنّ الأوضاع الحالية في اليمن تعقّد مهمة هؤلاء المهندسين وتعرضها لتحديات كبيرة؛ يقول المهندس علي الموشكي: “المهندس اليمني ذو كفاءة عالية في التغلب على معظم التحديات، لكن ما يواجهه هو عدم وجود مراكز متخصصة إرشادية تعليمية في هذا القطاع، وإن كان ظهور هذا النوع من الطاقة بهذا الزخم يعدُّ حديثًا نوعًا ما؛ لذا فالكثير من مهندسي الطاقة المتجددة يعتمدون بشكل كبير على النت في تلقي المعلومات وحلّ المشاكل”.
ويواصل: “ومن التحديات أيضًا قلة الوعي والثقافة لدى المجتمع بأهمية مهندسي الطاقة المتجددة، ودورهم في التصميم والتركيب والصيانة وترشيد الأحمال، ويجب على مهندسي الطاقة الفحص المبدئي من بيانات المنتج؛ لمعرفة المواصفات الفنية، وعدم الشراء إلّا من شركات لها باع في هذا المجال، وأيضًا ارتفاع أسعار مستلزمات المنظومات؛ ممّا يضطر المهندس إلى اختيار الحد الأدنى من أسعار المواد للعملاء للتركيب، ولكنها ليست بنفس الجودة”.
وأفاد المهندس علي عزيز أنّ نقل التكنولوجيا الحديثة وتطبيقها في اليمن يعدُّ تحدِّيًا، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، ومع ذلك يرى أنّ هناك فرصًا محتملة لتحقيق تقدم في هذا المجال. وبالنسبة للشركات العالمية فإنّ استفادتها من الموقع المتميز لليمن قد يشجعها على إقامة مصانع أو شركات في البلاد، وهذا يمكن أن يتيح فرصًا لنقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات، ويمكن للكوادر اليمنية أن تستفيد من هذه الفرص من خلال العمل في هذه المصانع، والتعلم من خبرات الشركات العالمية.
ويرى الموشكي أيضًا أنّ من ضمن الصعوبات هو عدم مصداقية الشركات لخدمات ما بعد البيع، ولو لأدنى مدّة من الخلل المصنعي، وأيضًا المدة الطويلة التي يتم فيها خزن البطاريات لدى محلات البيع أو الشركات، والتلاعب والتزوير في بيانات المنتجات من قبل ضعفاء النفوس في الشركات والمحلات الخاصة بمنظومات الطاقة المتجددة.
وذكر البريهي أنّ الوضع السياسي والأمني غير المستقر في اليمن يؤدي إلى إعاقة تنفيذ المشاريع المتعلقة بالطاقة النظيفة، وأنّ اليمن تعاني من نقص التمويل، ممّا يحدُّ من الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة، مؤكدًا أنّ كل المشاريع المنفذة هي عبارة عن مشاريع خاصة، أو مشاريع لجهات خدمية نفذت عبر مكاتب الأمم المتحدة.
ويرى أنّ أبرز التحديات تدخُّل غير المتخصصين في هذا المجال، قائلًا: “بالرغم من انتشار تركيب المنظومات الشمسية لمعظم منازل الجمهورية اليمنية، التي قد تصل إلى 90% من إجمالي المنازل، فإنّ معظمها تلفتْ سريعًا وتهالكتْ؛ لأنّها رُكبت عشوائيًّا؛ لا أُجريت دراسات لتحجيم هذه المنظومات تحجيمًا صحيحًا، ولا تمَّ استخدام مواد بمواصفات جيدة، ومعظمها بدون أجهزة حماية”.
ويشير إلى ضرورة إصدار تشريع قانوني يلزم المحلات التجارية بعدم بيع المنظومات الشمسية إلّا وفق دراسة معتمدة من قبل مهندسين متخصصين في هذا المجال، ويكون التركيب تحت إشراف مهندس مختص؛ بِعدِّهِ حقًّا من حقوق المستهلك؛ حمايةً له، ولضمان ديمومة منظومته.
النظرة المستقبلية للطاقة النظيفة في اليمن
بوجود أصحاب القرار ذوي الكفاءات والمؤهلات العالية، تستطيع أن تجد لطموحك وأهدافك أملًا كبيرًا، وهذا ما أثبته المؤتمر والمعرض الثالث للطاقة المتجددة في صنعا2023م، الذي لقي حاضنة سياسية وشعبية وتجارية، فكان الفارق الهائل واضحًا بين هذا المؤتمر والورشة السابقة والمؤتمر السابق أيضًا؛ إذ سبقه إقرار مشاريع حكومية تنفذ حاليًا، ومنها المرحلة الأولى للتوليد بالطاقة الشمسية في محطة رأس كتنيب بقدرة 20ميجاوات، ومشاريع مستقبلية ستخرج للواقع أيضًا، هذا ما أكّده مجموعة من المهندسين المتخصصين في المؤتمر، منهم المهندس علي الموشكي.
وأشار الموشكي أنّ التوجه العالمي للطاقة المتجددة أصبح أمرًا حتميًّا وضروريًّا؛ لأنّها لم تتحقق أي استثمارات عالمية متعددة، مثل ما حققته هذه الطاقة البديلة في زمن قياسي؛ إذ وصلت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة خلال الأعوام 2010م_ 2019م إلى 6.2 تريليون دولار أمريكي، كان نصيب الطاقة الشمسية 3.2 تريليون دولار أمريكي، ثم انخفض نتيجة جائحة كورونا، ولما عاد نشاطها وصلت الاستثمارات عام 2022م إلى 499 مليار دولار أمريكي، وزاد عدد مستخدمي الطاقة المتجددة خارج الشبكة إلى 213 مليون في عام 2019م، ونتيجة كورونا أيضًا وصلت إلى 179 مليون شخص.
ويتابع: “وبالتالي عندما نقرأ تلك الأرقام السابقة، رغم وجود محطات تقليدية في تلك الدول، نجد أنّ الأحق والأجدر أن نتجه نحن اليمانيين لذلك، بدليل الانهيار الكامل لمنظومتنا الكهربائية الوطنية نتيجة الصراع الذي أدى إلى توقف المحطات التقليدية التي تعمل بالديزل والمازوت المستوردة من الخارج”.
91.9% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن من المهم بدء الاعتماد على الطاقة النظيفة لتحقيق تنمية مستدامة في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد الطاقة النظيفة شكل من أشكال الطاقة المستدامة التي تُولّد من مصادر ط…