العوامل المؤثرة في الفنِّ المعماريّ اليمنيّ
صوت الأمل – علياء محمد
استطاعت العمارة اليمنية أن تتميز بأنماط بنائية متعددة، واختلفت وفقًا للبيئات والعناصر المعمارية المختلفة للمناطق اليمنية. وقد فرض الفن المعماري اليمني حضورًا قويًّا، وانتشر انتشارًا واسعًا لا سيّما في المدن الرئيسية.
تأثرت العمارة اليمنية بعدد من العوامل المختلفة، التي كان لها ملامح واضحة وبارزة، أعطت المباني اليمنية صفاتٍ ومعانيَ تاريخية.
العوامل التاريخية
تميز فن العمارة اليمني بأنماط مختلفة وفريدة من نوعها؛ نتيجة عدد من التأثيرات الثقافية الإسلامية والعربية القديمة، واستطاع اليمنيون دمج بعض من التفاصيل المعمارية، نظرًا للعلاقات التي كانت تربط اليمن ببعض الدول، فتأثر الفن المعماري اليمني بالتأثير الإسلامي القديم، والعثماني، والأوروبي، والعربي.
وتميزت كل منطقة من مناطق اليمن بأنماط مختلفة في المباني، ويقسم الكاتب والباحث في التاريخ علي عبد الله العجري العوامل المؤثرة على الفن المعماري اليمني إلى قسمين؛ مؤثر داخلي، ومؤثر خارجي.
ويقول: “تمثل المؤثرات الداخلية في الابتعاد عن المواد الأولية، التي كان يعتمد عليها في الفن المعماري اليمني سابقًا، من ضمنها أدوات أولية كالطين والحجر والأخشاب؛ إذ انتقل البناء إلى استخدام أدوات حديثة؛ كالإسمنت والأحجار الأخرى”.
مضيفًا: “كان في السابق يتم تقليم الأشجار في المناطق اليمنية بالشريم (آلة حادة يستخدمها المزارع اليمني في قطع الأشجار)، ثُمّ استخدام المنشار الحديث، الذي أعطى ملامح أكثر حداثة”.
أما بالنسبة للمؤثرات الخارجية أفاد العجري أنّ الفن المعماري قديمًا تأثر بعدد من المؤثرات الخارجية، منها المؤثرات التي تأثرت في الاغتراب؛ إذ عاد اليمنيون من مناطق كثيرة في العالم، وعاد معهم عدد من الأنماط المعمارية، التي تؤثروا بها، سواء في الخليج أو في أوروبا أو في أمريكا، أو في أي بلد يعودون منه.
وأضاف قائلًا: “ومن ضمن المؤثرات أيضًا الحالة التي تمثلت بالوجود الأجنبي في اليمن، بما في ذلك التأثر بالمعمار العثماني في مناطق الشمال، لا سيّما في مدينة صنعاء، التي حملت بصمات تركية”.
موضحًا أنّ المباني الحكومية التي بنيت أيام الدولة العثمانية شاهدة على هذا التأثير؛ كمبنى العرضي، وأيضًا باب اليمن في صنعاء، الذي توجد فيه ملامح من أحد أبواب إسطنبول، بالإضافة إلى عدد من المدارس، التي بنيت بالطراز العثماني؛ كمدرسة الزمر، ومدرسة الصناعية الموجودة في شارع التحرير، التي أصبحت الآن المتحف الحربي، إضافة إلى جامعة البكيرية في شرق مدينة صنعاء، ومدرسة الأيتام، التي كانت أيضًا مدرسة ومعهد المعلمين أيام الوجود العثماني.
مضيفًا: “تأثر الفن المعماري كذلك بالأسلوب الهندي، ونجد ذلك في وادي حضرموت، وفي المناطق الساحلية الممتدة من حضرموت إلى عدن، وأيضًا في عدن، ويبرهن على ذلك دار السلطان، أو قصر السلطان في مدينة كريتر؛ إذ نرى أنّ القصر بُني بطريقة هندسية هندية”.
وأشار العجري في حديثه إلى تأثر الفن المعماري اليمني بالطراز الإنجليزي في محافظة عدن ومبانيها؛ وخصوصًا في منطقتي التواهي والمُعلّا.
وأوضح أنّ الحقب التاريخية الأخرى تركت بصمة مؤثرة على العمارة اليمنية، كالتأثر في المعمار الروسي في ما بعد ثورة 14 أكتوبر، والتأثر بالمعمار المصري في صنعاء، ويليه التأثر بالمعمار الأوربي الحديث، الذي نراه في الفلل والمباني، التي انتشرت في الآونة الأخيرة، لا سيّما بعد الوحدة اليمنية من عام 1990م.
وأوضح أنّ هناك إضافات أخذت من النمط الأوروبي، مثل القرميد الأحمر، وبناء الفلل بالطراز الأوروبي، وربما بعضها يتماشى تمامًا مع المباني الحديثة في أوروبا، لا سيّما الفلل التي تكون خاصة لأثرياء القوم، المبنية من الحجارة والإسمنت المسلح والزجاج والديكورات والسيراميك والتوزيع في الغرف.
وأكد العجري أنه رغم هذا التأثيرات التاريخية المختلفة والتعديلات والتحسينات التي أدخلت على الفن المعماري اليمني، فإنّ الجوهر اليمني ظل موجودًا ومحافظًا على الهوية والبصمة المعمارية اليمنية الكاملة، سواء في شمال البلاد، أو في جنوبها، أو في غربها، أو في شرقها.
العوامل المناخية
يلعب المناخ اليمني وتضاريسه الجغرافية دورًا كبيرًا في تحديد طراز البناء وتصميمه، فيختلف البناء المعماري في المناطق الحارة عن المناطق الباردة، والمناطق الجبلية عن المناطق الساحلية، فتُصمَّم المباني على الظروف المناخية والجغرافية للمنطقة.
ويرى الدكتور أحمد حنشور (أستاذ الهندسة المعمارية) أنّ تأثير العوامل المناخية على العمارة اليمنية يختلف باختلاف نوعية العمارة، ومواد بنائها، فضلًا عن موقعها الجغرافي.
وأشار إلى أن تصميم المباني اليمنية جاءت بناء على الظروف المناخية للمنطقة، ممّا جعلها تتميز بالجمال والوظيفية والتناغم مع البيئة المحيطة بها، واستخدم كثير من اليمنيين الأدوات والأحجار القادرة على تحمل الحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة.
وأكد حنشور أنّ العمارة اليمنية تأثرت بعدة عوامل مناخية؛ أهمها الرطوبة والملوحة، التي تعمل على تآكل الجدران، التي تؤدي إلى انهيار المباني، بالإضافة إلى درجات الحرارة، التي لها تأثير كبير ومباشر على المباني.
مضيفًا: “يجب أن يؤخذ في الأهمية عند البناء خصائص التربة والتضاريس، واختيار مواد بناء مناسبة للمناطق ذات التربة الرملية، والمناطق ذات التضاريس الجبلية”.
العوامل الثقافية
أكد فارس أحمد دبش (مختص في البناء) أنّ الفن المعماري اليمني تأثّر كثيرًا بالعادات والتقاليد، وعكس الفن المعماري اليمني تنوع الثقافة اليمنية وغناها، وبرز ذلك في تصميم المباني اليمنية، التي بنيت وفقًا لحاجة اليمنيين وطبيعة حياتهم.
مضيفا: “تميزت المباني اليمنية بالأعمدة العالية، والممرات الضيقة، والنوافذ الصغيرة، والأبواب الكبيرة، واشتهرت المباني اليمنية بتشكيلتها الزخرفية، التي أضافت لمسة جمالية متناغمة، بالإضافة إلى استخدام الألوان الزاهية والهادئة والمريحة”.
وأوضح في حديثة أهم المواد المستخدمة في العمارة اليمنية؛ كالبلق والأحجار الجيرية والرخام، وعادة ما تستخدم هذه المواد في المناطق الجبلية والطين، الذي يُشكّل في قوالب، بالإضافة إلى الجص، الذي يستخدم في تلبيس الجدران والأسقف والأرضيات، ويستخدم كذلك في الزخرفة.
ويتابع القول: “ندعّم الكثير من البنايات بالخشب، التي تُؤخذ من أشجار الطنب، ويدخل في بناء السقف والأبواب والنوافذ”.
وأشار في حديثه إلى تميّز العمارة اليمنية بالزخارف والنقوش، التي تعدُّ جزءًا لا يتجزأ من الفن المعماري اليمني، وتختلف باختلاف المناطق اليمنية، وكل منطقة لها طابعها الخاص.
مؤكدًا تميّز المباني اليمنية بوجود عدد من النقوش والزخارف على الأبواب والأسقف والواجهات، فهناك مبانٍ تتميز بالزخارف الكتابية بالخط الكوفي، أو الخط المسند، والبعض منها يتميز بالنقوش الحجرية والزخارف الجصية، التي تحمل أشكالًا متنوعة، أمّا الطابع الأكثر انتشارًا ونجده في أغلب المباني اليمنية فهي القمريات، التي تزيّن بها النوافذ، وتصنع من مادة الجص، وتدخل عليها قطع زجاج ملونة؛ تضيف إضاءة جميلة عند شروق الشمس.
تحديات الفن المعماري اليمني
بعيدًا عن العوامل المؤثرة في نمط العمارة اليمني، فإنّ هناك الكثير من العوامل التي أثرت على الفن المعماري اليمني، وجاء ذلك نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية للبلاد.
فقد شكّل الصراع القائم في البلاد تحدّيًا كبيرًا وغير مسبوق، وأسهم في انهيار فن العمارة اليمني، وتعرضت العديد من المباني الفريدة والتاريخية، والمنازل القديمة، والمساجد، والقصور، والقلاع التاريخية في اليمن لأضرار جسيمة جراء النزاع.
يقول الدكتور أحمد حنشور: “ترك الصراع القائم في البلاد آثارًا سلبية على العمارة اليمنية؛ فقد طالت تداعياته المواقع التراثية، وتهدمت الكثير من المباني التراثية ذات البناء المعماري اليمني الأصيل؛ نتيجة الاشتباكات المسلحة”.
وتعرضت بعض المباني التراثية للهدم من قبل مالكيها، وإعادة بنائها بالخرسانة المسلحة، وانتشر البناء العشوائي في كل مكان، بالإضافة إلى تعرض المواقع الأثرية للعبث العشوائي من قبل الباحثين عن الآثار للاستفادة الشخصية؛ نتيجة عدم وجود رادع أمني.
مؤكدًا في حديثه أنّ تدمير المباني التاريخية والمعمارية في اليمن خسارة كبيرة للتراث العالمي، وفقدان للثقافة اليمنية؛ إذ كانت هذه المباني من الشواهد الحضارية والثقافية لليمن.
وشدد على ضرورة العمل الجماعي لحماية الإرث المعماري التاريخي اليمني واستعادته، وإيجاد حلول للصراع الدائر في اليمن، وإعادة ترميم ما تمَّ تدميره، بالإضافة إلى تعزيز الجهود، وتوسيعها للحفاظ على التراث المعماري اليمني الغني والمتنوع.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…