دور منظمات المجتمع المدني في الحفاظ على التراث المعماري في اليمن
صوت الأمل – حنان حسين
يعد التراث المعماري من أهم مظاهر التطور البشري على مر العصور، ويعد المحافظة عليه واجبًا وطنيًا. وقد عملت منظمات المجتمع المدني في الحفاظ على التراث المعماري في اليمن من خلال الجهود متعددة ومضنية قدمتها على أرض الواقع، وعلى رأس تلك المنظمات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) المهتمة بالتراث الثقافي للبلدان حول العالم.
اليونسكو وإعادة الاعمار
ضمت اليونسكو اليمن إلى قائمة التراث العالمي اللامادي عام 1962م، وسجلت ثلاثَ مدن يمنية تراثية شهيرة هي: صنعاء وشبام حضرموت وزبيد في سجل التراث العالمي للإنسانية؛ لما تمتلكه المدن من أهمية وقيمة ومكانة كبيرة للعمارة التراثية اليمنية، ولاحتوائها على خصائص معمارية استثنائية تميزها عن غيرها من مدن العالم.
عام 1980م، أطلقت اليونسكو حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة وحمايتها وتحسينها، والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري المميز، وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها. وقد شاركت عدد من الدول في تمويل تلك الحملة التي كان لديها عدد من الأهداف، منها: حماية المدينة، القيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها، إعادة المباني الرئيسة فيها إلى ما كانت عليه. وعندها رُممت أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار.
وكان من الأهداف أيضًا القيام بترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السائلة وغيرها، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات العلمية التي قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين وانتهت بعمل مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة.
وعن طريق هذه الحملة أجرت اليونسكو العديد من الأبحاث والدراسات المتعلقة بالتراث المعماري في اليمن؛ بغرض فهم جميع جوانبه التاريخية والثقافية والفنية، وبناء على هذه الدراسات تم تصميم وتنفيذ الاستراتيجيات المناسبة للحفاظ على المدينة.
وفي عام 1984م، أُنشئت لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها، وكان من أهم مهامها الحفاظ على مظاهر المدينة من التدهور والانهيار، ومساعدة صنعاء على استعادة حيويتها وجمالها، ثم طُورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة، وتحولت عام 1997م إلى الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية.
وعام 2020م شهدت صنعاء الكثير من السيول الغزيرة التي جعلت اليونسكو تطلق نداءَ استغاثة وحشد للدعم؛ لإعادة تأهيل عدد من المباني التاريخية في صنعاء القديمة التي تضررت جراء التحديات المتزايدة من قبل المناخ وحدوث سيول تسببت بأضرار كبيرة. وانتقلت إلى المرحلة الفعلية على أرض الواقع عن طريق القيام بدراسات فنية للمناطق السكنية الواقعة بشكل مباشر على الضفة الغربية من السائلة (مجرى السيول)، وتبعتها بأنشطة إعادة التأهيل التي تقرر إطلاقها بالشراكة مع مشروع الأشغال العامة والهيئة العامة لحماية المدن التاريخية.
وأكدت اليونسكو في البيان الذي نشرته حينها أنها “ستقدم المزيد من الدعم للحد من مخاطر الكوارث، وزيادة استعداد السلطات والمجتمعات المحلية لإدارة الطوارئ، بناءً على الدروس المستفادة من تدابير الوقاية من الفيضانات التي تمّ تنفيذها على طول وادي السائلة في العام 2020م”.
وذكرت في بيان آخر نُشر لها عام 2020 م، بما ورد نصه: “تحمي أنشطة المشروع بشكل فعال المنازل الخاصة، والأماكن العامة في المدن الأربع وتخلق فرص دخل لـ4000 شاب من السكان، في أكثر من 30 موقع عمل مستمر في مدينة صنعاء القديمة وحدها”.
وذكرت أن مشروع “النقد مقابل العمل”، الذي بدأ في سبتمبر 2018م وانتهى في أغسطس من العام 2021م، وتم تمويله من قبل الاتحاد الأوروبي واليونسكو، قد استهدف مباني تاريخية في عدة مدن يمنية (صنعاء، تريم، زبيد)، وحدِّد 129 مبنى للتدخل في مدينة صنعاء القديمة.
وصرحت اليونسكو في بيان صحفي أن التقييم الشامل للأضرار التي لحقت بمباني صنعاء القديمة الذي أجري عام 2021، كانت نتائجه تضرر نحو عشرة آلاف مبنى، وبناءً على ذلك تم إطلاق مرحلة جديدة من المشروع لاستئناف إعادة تأهيل المباني التاريخية في المدينة، وإتاحة فرص عمل لآلاف الشباب من خلال مخططات “النقد مقابل العمل”.
وورد في البيان أن أعمال الترميم التي يقودها المجتمع المحلي باستخدام تقنيات ومواد البناء التقليدية سمحت بمقاومة السيول والفيضانات المستمرة. إلى جانب ذلك، فإن حجم الاحتياجات على الواقع يقتضي مزيداً من إعطاء الأولوية للاهتمام بالمنازل التاريخية المأهولة ذات القيمة المعمارية البارزة التي أصيبت بأضرار كبيرة.
وأوضحت اليونسكو في بيانها أن المشروع استطاع، طيلة الأربع السنوات السابقة، إعادة تأهيل 213 مبنىً تاريخيًا في مدينة صنعاء القديمة، وأن اليونسكو تعمل -بمساعدة أصحاب المصلحة والشركاء المحليين- على حماية التراث الثقافي في اليمن، من خلال تنفيذ التدخلات الطارئة، وإعادة تأهيل المنازل وبناء القدرات، إلى جانب التزامها بحشد الموارد والخبرات، وخلق فرص عمل قابلة للحياة للشباب في البلاد، وبذل الجهود بما يكفل حماية التراث الثقافي اليمني، والحد من مخاطر الكوارث، والتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره في اليمن.
واستمرارًا لذلك دشنت اليونسكو عام 2022م، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، المرحلة الثانية من مشروع ترميم المباني التاريخية في اليمن التي تأثرت نتيجة الصراع بكلفة بلغت حوالي 20 مليون يورو. واستهدف المشروع إعادة جميع المباني والأسواق التاريخية في كلا من عدن وصنعاء وزبيد إلى سابق عهدها.
وبحسب تصريح ممثل اليونسكو حينها، الأستاذ صلاح الدين خالد، بما ورد نصه: “المنظمة دربت أربعة آلاف شاب وشابة على الترميم، ورممت 400 منزل تاريخي، وأنشأت محطة لصناعة الأشكال الحجرية التراثية لإعادة بناء هذه العمائر”.
وأوضح المسؤول الأممي في تصريحه أن المنظمة ستتوسع في المرحلة القادمة لتغطية ثمان محافظات ضمن المشروع، ومنها جزيرة سقطرى. وذكر حينها أن المشروع يهدف إلى إحياء الصناعات الإبداعية والثقافية لتوفير وسائل العيش للشباب والمجتمعات. فضلًا عن إقامة عدد من الأنشطة التي تتحدث عن التراث اليمني حول العالم.
منتصف عام 2023م، قامت منظمة اليونسكو بإعادة ترميم وتأهيل 500 منزل في مدينة صنعاء القديمة، جراء تضررها نتيجة قوة الأمطار ونقص الموارد الاقتصادية وانعدام الصيانة، كما قامت بخلق فرص عمل لأكثر من أربعة عشر ألف شاب وشابة ضمن مشروع موله الاتحاد الأوروبي.
مشروع “هوية عدن”
بإشراف وكالة تنمية المنشآت الصغيرة (SMEPS) -وكالة محلية “تدعم التنمية الاقتصادية المتخصصة في تنمية القطاع الخاص” حسب تعريفها عن نفسها على موقعها- وبدعم من منظمة اليونسكو والاتحاد الأوروبي، أطلق عام 2020م مشروع “هوية عدن” الذي هدف إلى التعريف بالإرث المعماري والفنّي للمدينة التاريخية القديمة.
مبادرة “هوية عدن” هي أحد أنشطة مؤسسة “عدن أجين” الثقافية التي تأسست عام 2013، وتسعى إلى تعزيز الثقافة والوعي الفني لدى المجتمع المحلي. انطلق المشروع من مدينة كريتر القديمة في محافظة عدن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020م – واستمر حتى منتصف شباط/ فبراير 2021م، في مرحلته الأولى.
وضع للمشروع عدد من الأهداف منها: رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية النمط المعماري القديم والحفاظ عليه عبر تنظيم لقاءات وتدريبات استهدفت خريجي وطلاب المعمار والتصاميم الداخلية، والعمل على القيام بزيارات ميدانية لفريق عمل المشروع إلى أحياء مختلفة من مدينة كريتر الواقعة جنوبي عدن، وتوثيق 50 منزلاً ذات طراز معماري قديم.
دعا المشروع عددًا من الأهالي، بينهم مجموعة من ملاك المنازل التي استُهدفت في عملية التوثيق، من أجل توعيتهم حول أهمية الحفاظ على نمط البناء القديم في المدينة، ونفَّذ تدريب مجموعة من المشاركين على الرصد والتوثيق، وإقامة ورشات تدريبية. تعرَّف المتدرّبون على الإرث المعماري القائم في المدينة القديمة وطرق دمجه في التصاميم الداخلية التي سيعمل عليها المتدرّبون مستقبلا، وبعد ذلك تحفيزهم على إنتاج أعمال وتصاميم مماثلة لأنماط البناء المعماري القديم في المدينة.
وكان من آثار هذه المبادرة تعزيز دور سكان المدينة في الحفاظ على الموروث الثقافي لمدينة عدن، والرغبة في مواجهة كل مظاهر العبث والإهمال، إلى جانب التعارف وإقامة علاقات تواصل بين الأهالي والمنظمات المختصة والمهتمة بالحفاظ على الموروث الثقافي في عدن.
اهتم المشروع بدعم دور أهالي المنطقة بالدفاع عن تراث مدينتهم المعماري، إلى جانب مشاركتهم في أنشطة المجتمع المدني، ودعم المطالبات بإعلان مدينة عدن القديمة محمية تاريخية، وتعزيز دور المنظمات في مهمة الحفاظ على الإرث المعماري والثقافي. أخيرًا، نرى أن دور منظمات المجتمع المدني هو دور كبير وحيوي ومهم في الحفاظ على التراث المعماري في اليمن؛ لأنها تعمل على توعية الجمهور وتثقيفه، وتنفيذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على المباني التاريخية والثقافية بهدف إظهار اليمن التاريخي بشكل مناسب ومدهش لكل محافظاتها ومناطقها.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…