جهود وخطوات مدروسة للحفاظ على الفن المعماري اليمني
صوت الأمل – علياء محمد
اكتسب الفن المعماري اليمني قيمة جمالية رائعة تعكس مدى عبق الحضارة اليمنية، ولعب الفن المعماري دورًا كبيرًا في جذب السياح من مختلف المناطق العربية والعالمية.
هذا وتدعم الجهات الرسمية في اليمن عدة مشاريع للحفاظ على التراث المعماري والثقافي، وقد تكون هذه المشاريع في إطار قوانين وتشريعات، والبعض منها يكون عن طريق معارض ثقافية، وفعاليات وحملات إعلامية أو ترويجية.
عرّف القانون الخاص بالمحافظة على المدن والمناطق والمعالم التاريخية وتراثها الثقافي العمراني مفهوم المحافظة بعملية مركبة، تهدف إلى استمرار استخدام المدينة أو المنطقة أو المعلم التاريخي وفق آلية مستدامة، تسمح بحماية التراث الثقافي العمراني والمعماري فيها.
ويشمل المفهوم عنصرين رئيسين؛ عنصر الحفاظ، ويشمل حصر المدن والمناطق والمعالم التاريخية وتصنيفها وتسجيلها وتوثيقها وصيانتها وترميمها وإعادة تأهيلها، بكل عناصرها العمرانية والمعمارية والجمالية والتاريخية، وحمايتها من أي اعتداء أو تشويه. وعنصر التطوير، ويشمل تحسين المستوطنات الحية بِعدِّها المرآة العاكسة للتراث الثقافي العمراني، وبما يسهم في تأمين حياة لائقة لساكنيها.
وفي السياق ذاته عرّف القانون الصـيانة بمجموعة من الأعمال الدورية، التي تهدف إلى منع تدهور المبنى أو المعلم التاريخي، بشرط عدم المساس بملامحه وخصائصه المعمارية، أو إحداث أي إضافات أخرى عليه، أو تغيير وظيفته إلَّا وفقاً للحالات والشروط التي تحددها اللائحة.
هذا وتهدف عملية الترميم إلى الحفاظ على المعلم التاريخي، من خلال إصلاح الأجزاء المتضررة فيه، دون المساس بطبيعة موادّه وعناصره المعمارية الأصلية.
الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية
ترى نجلاء الحكيم (باحثة تاريخية، ومدير عام الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية) أنّ الفن المعماري اليمني الأصيل يتفرد عن غيره من العمارة في أنحاء العالم.
وتقول: “لا شك بأنّ المباني العالمية التاريخية لها طابع فني جميل، ولكن ليست بالزخم أو التنوع الذي نجده في اليمن؛ فكل محافظة تتنوع بتميز لونها وطابعها المعماري الفريد، ونجد المقارنة في أنواع المباني التاريخية والأثرية وأشكالها وأنماطها، والنمط المعماري في كل محافظة، وفي كل منطقة”.
مضيقة: “لن تجد نفس الطابع في حضرموت أو في مأرب أو في عدن أو في تعز أو في صنعاء؛ فلكل محافظة وكل منطقة لها ما يميزها في نمطها المعماري الفريد”.
مشيرة إلى أنّ المباني المعمارية اليمنية المبنية من الطين أو الحجر أو الطوب تتمتع بنمط معماري متناغم، بالإضافة إلى أنّ مكونات المباني اليمنية مرتبطة ببيئة المنطقة نفسها.
وحول دور الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية أفادت الحكيم أنّ للهيئة دورًا كبيرًا في أزمنة مختلفة، منذ تأسيس الهيئة في الثمانينات وإلى الآن.
وأكدت على أنّ الهيئة سعت بجهود بعض الأعضاء المهتمين، سواء كانوا يمنيين أو غير يمنيين، للحفاظ على المدن والمواقع والبيوت والمعالم التاريخية، بالرغم من الصعوبات التي عانتها بسبب عدم وجود ميزانية تشغيلية، وظروف الصراع التي طالت تداعياته المدن والمباني التاريخية والأثرية، وهنا كان دور الهيئة فعّالًا وكبيرًا جدًّا، وبادر الموظفون والمواطنون للنزول والقيام بأعمال الصيانة، بالرغم من عدم توفر الإمكانيات لمواجهة هذه الكوارث.
وأردفت: ” قامت الهيئة بعدة مشاريع بارزة في ترميم العديد من المنازل، بشراكة مع منظمة اليونسكو، التي شاركت الهيئة، بالإضافة إلى شراكات من بعض التجار؛ كمؤسسة هائل سعيد، التي رممت في أوقات سابقة، ونتمنى أن يستمرَّ ذلك الدعم، ونسعى لإيجاد شركاء جدد”.
مشيرة إلى عدد من المشاريع التي بدأت بتنفيذ عمليات الترميم للمعالم التاريخية؛ أبرزها ترميم بيوت في صنعاء القديمة، التي قد بدأت بالمرحلة الأولى منها، بالاستعانة بعدد من المتخصصين والفنيين في هذا المجال.
وزارة الثقافة
استطاعت وزارة الثقافة اليمنية أن تخطو خطوات للحفاظ على التراث المعماري اليمني، من خلال إقامة عدد من المشاريع والبرامج؛ أبرزها تنفيذ حملة وطنية للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة، التي أدرجت ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. كما أطلقت الوزارة معرضًا بعنوان: (بين الثقافتين)؛ لعرض التراث الثقافي لليمن والمملكة العربية السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت الوزارة تقريرًا يتضمن معلومات عن تاريخ الخط العربي وقصة الكتابة. ولعب مركز توثيق التراث المعماري اليمني دورًا كبيرًا في التنقيب عن الآثار والمخطوطات، وفي عملية جمع مكونات التراث اليمني بمختلف أشكاله.
ويشير سالم رميضة (مختص بفن العمارة اليمني) إلى ما قامت به وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف في الاهتمام بسور صنعاء التراثي، وأسواقها المتعددة، وترميم عمارة مسجد صنعاء الكبير، والعامرية في رداع، وكثير من المعالم المعمارية والتراثية.
وأشار إلى أنّ هذه الجهود المبذولة كانت بتنسيق منظمة اليونسكو، وقد حظيت أكثر من ثلاث مدن يمنية برعايتها؛ وهي مدينة صنعاء القديمة، ومدينة زبيد، ومدينة شبام حضرموت.
مضيفًا: “أسهمت وزارة الثقافة بتعزيز الوعي الثقافي بالحفاظ على التراث المعماري، ونظمت العديد من الحملات والندوات الخاصة بالحفاظ على التراث، بالإضافة إلى إطلاقها العديد من الفعاليات”.
برامج ومشاريع أخرى
قدمت نقابة المهندسين اليمنيين في عدن عددًا من البرامج والمشاريع للحفاظ على التراث المعماري اليمني، وتعزيزه عن طريق الأعمال الهندسية، التي تبرز النمط المعماري التاريخي القديم، ونشطت نقابة المهندسين اليمنيين في تنظيم الدورات التدريبية لتوسيع المعرفة لدى المهندسين في عدن.
كما تسعى النقابة إلى توثيق العلاقات مع المنظمات الهندسية العربية؛ لزيادة فاعلية النقابة في الأنشطة.
وظهرت في عدن عدد من المشاريع والمبادرات للحفاظ على الطراز المعماري للمدينة اليمنية، وكانت (هوية عَدَن) واحدة من أهم المبادرات التي دعت إلى إعادة إحياء التراث الفني المعماري، عن طريق التوثيق والنشر، ودمج الأنماط المعمارية القديمة مع التصاميم الحديثة.
بدأ مشروع (هوية عَدَن) من مدينة كريتر القديمة، في العام 2020م، وانتهت مرحلته الأولى في العام 2021م، وحدد القائمون على المشروع أهدافًا عامة؛ أهمها رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية النمط المعماري القديم والحفاظ عليه، من خلال تنظيم ندوات وورش استهدفت طلاب الهندسة المعمارية؛ لتعريفهم الإرث المعماري القديم، ودرّبت المبادرة شبابًا من المدينة على الرصد والتوثيق.
كما قامت جامعة عدن بعمل ندوة علمية حول العمارة اليمنية وتحديات العصر، هدفت إلى دراسة المشاكل والتحديات التي تواجه العمارة اليمنية في العصر الحالي، وتناولت الندوة العديد من الخصائص المعمارية والعمرانية للعمارة اليمنية والأخطار التي تهدد التراث.
وأصدرت الندوة العلمية عددًا من التوصيات، ومن بين التوصيات التي أصدرتْ في الندوة، دراسة خصائص العمارة التقليدية لمدينة عدن، ومقارنتها بالعمارة الحديثة المستوردة. والتعرف على أهم ما يميز الهوية المعمارية المحلية لمدينة عدن من ناحية التخطيط والتصميم والإنشاء، والاتجاهات المعمارية والتخطيطية الحديثة، وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية في مجال العمارة والتخطيط؛ لتطوير إستراتيجيات مستدامة للحفاظ على التراث المعماري اليمني، بالإضافة إلى توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على التراث المعماري اليمني، وحمايته من الأخطار التي تهدده.
صعوبات وتحديات
أفادت نجلاء الحكيم أنّ الهيئة من أكثر الجهات التي واجهت صعوبات بسبب التأثيرات المختلفة؛ تأثيرات بسبب تدخل الإنسان؛ من خلال الزحف التجاري الذي أثّر تأثيرًا مباشرًا على المباني، وأسهم في تغيير النمط المعماري بمدينة صنعاء وزبيد وغيرها من المدن، نظرًا لتحويل المباني ذات النمط المعماري القديم إلى مبانٍ خرسانية مسلحة. وتأثيرات بسبب الأمطار التي عانت منها المباني التاريخية القديمة، وذلك بسبب شحة الإمكانيات، سواء كانت على الدولة أو على المواطن.
مضيفة: “كثير من المنظمات عزفت عن المشاركة في ترميم المباني والمعالم التاريخية، ومن هنا ندعوها وندعو المجتمع المدني إلى الشراكة الفعّالة مع الهيئة، سواء كانت في التوعية أو في المشاركة أو كلٌّ بما يستطيع”.
وأوضحت الحكيم في حديثها أنّ الأوضاع الاقتصادية أثرت سلبًا بشكل مباشر على المباني المعمارية، وقد واجه المواطن صعوبات بالترميم؛ نظرًا لاحتياجه مواد ترميم خاصة بالبيوت التقليدية، والبيوت التاريخية، والمعمارية؛ ولكون المواد المعمول بها موادها تقليدية خاصة لا نستطيع العثور عليها الآن.
وناشدت الحكيم التجار والهيئات والمنظمات إنقاذ الطابع المعماري والتراث العالمي لـ صنعاء وزبيد وحضرموت، التي تدخل ضمن التراث العالمي.
حلول ومعالجات
أكد صالح الحيقي (مهندس وباحث في فن العمارة) على أهمية ترميم مواقع التراث المعماري، وتحويلها إلى مزارات سياحية، لما لها من دور اقتصادي كبير.
موضحًا أنّ الدعم الاقتصادي من أهم الأسباب التي تضمن استمرار العمل على الاهتمام بتراث الفن المعماري اليمني، بالإضافة إلى تفعيل دور القطاع الخاص، والمشاركة في إحياء التراث المعماري اليمني، وتقديم التمويل المناسب لإنجاز مشاريع استكمال مخطط الحفاظ على المعالم التاريخية. وأشار إلى أهمية سنّ القوانين اللازمة لتنظيم أعمال البناء والترميم والصيانة، وإعادة التأهيل للمعالم والمباني التاريخية في المدن والمناطق التاريخية، وفرض عقوبات على كل من يقوم بتشويه المعالم والمباني المعمارية التاريخية.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…