التقنيات الحديثة أتاحت للمرأة فرصًا واسعة لوضع بصمتها الخاصة في الفن المعماري
صوت الأمل – حنين الوحش
قبل أن يكون علمًا، كان فنًّا، وإذا ما مررت باليمن وصافحت بعينيك المنازل ستكتشف أنّ هذا الفن العمراني كان صنعة يمانية، ابتدعه اليمنيون وأبدعوا فيه رجالًا ونساء، وإن لم يكن للنساء الدور الأكبر قبل أن تتغول الذكورية على مختلف المجالات، إلا أن الانفجار التكنولوجي اليوم ساعد النساء على تخطي جدران العزلة ومقاومة النمطية، واستعادة حضورهنّ الفني عبر إنتاج تصاميم معمارية بالغة الدهشة والذكاء، ولا تخلو للرائي من إبداع الأنوثة.
“في بداية التحاقي بالهندسة واجهت الكثير من العقبات والعواقب في مجتمع يحارب المرأة لكينونتها، فكيف بها حين تكون مهندسة، هذه كارثة مضاعفة بالنسبة لمجتمعنا، لكننا نجحنا في تخطي هذه التحديات ولو جزئيًّا”، تعمل دعاء معمر مهندسة معمارية، وكانت تلك إجابتها عن الصعوبات التي تواجهها كمهندسة.
التقدم العلمي وولادة الهندسة كعلم من رحم الفنّ، مكّن المرأة من الالتحاق بأقسام الهندسة، التي بدأت بالتناسل بتنوع رهيب، وفي المجال المعماري وجدت دعاء معمر نفسها: “شكلت لي الهندسة المعمارية فضاءً رحبًا للإبداع في مجال التصاميم، كما ساعدتني على إيصال الآراء والأفكار المختلفة، إلى جانب أنها أوجدت لنا عالمًا صاغيًا يمكننا فيه التعبير عن نفوسنا، ووضع بصمة الأنثى الخاصة في الهندسة المعمارية اليمنية”.
وتؤكد دعاء أنّ المرأة منحت الهندسة المعمارية مميزات كثيرة، إذ تقول: “من المنظور الاجتماعي تتميز المرأة بقدرتها على فهم الاحتياجات الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وبالتالي يمكنها تصميم مبانٍ ومساحات تفاعلية تلبي هذه الاحتياجات، وتعزز التواصل والتفاعل الاجتماعي”.
ومع ما تتصف به المرأة من حس جمالي تشير دعاء بقولها: “تمتلك المرأة القدرة على التعبير عن الجمال والتفاصيل الدقيقة في التصميم المعماري، يمكنها من خلق مساحات مريحة وجذابة تعكس شخصية المجتمع وثقافته”.
وتمتلك المرأة حساسية عالية نحو البيئة والاستدامة، لهذا تقود اليوم حملات صاخبة لحماية الأرض، هذا ما تحدثت به دعاء لتضيف: “تعدُّ المرأة عادة حساسة لحماية البيئة وتحقيق الاستدامة في التصميم المعماري، وتضع الاهتمام بالمواد المستدامة وتصاميم الطاقة المستدامة في أعلى أولوياتها”.
وتعدُّ المهندسة دعاء “التصميم المعماري عملًا تعاونيًّا يتطلب التفاعل والتعاون مع فريق متنوع من المهنيين، وتسهم المرأة في بناء هذه الثقافة التعاونية وتعزيزها”.
وتؤكد: “تتميز المرأة بقدرتها على التمييز بين درجات الألوان المختلفة؛ نتيجةً لتميزها بوجود أنسجة خاصة بشبكية العين تساعدها على التميز الدقيق، وهذا يمكنها من تنسيق الألوان بشكل صحيح كما يجب، ونظراً لأهمية الألوان في المجال المعماري فهذا جعلها نقطة مميزة للمرأة بشكلٍ كبير”.
وتدعو المهندسة المعمارية دعاء المجتمع أن يمنح المرأة استحقاقها من الفرص بالتساوي للمشاركة في مجال التصميم المعماري، وتعزيز تمثيلها الفعّال في هذا المجال.
شاركت في الحديث المهندسة إيمان ناجي (مهندسة استشارية وأحد أعضاء ديوان المهندسات)، تقول إيمان: “إنّ ديوان المهندسات تمَّ إنشاؤه في العام 2019م، وكان فكرةً عابرةً قبل أن يصبح ملاذًا للكثير من المهندسات؛ إذ إنّ عدد المشاركات في ازدياد يومي، حالياً هو 379 مهندسة، وسيزداد العدد بشكل كبير إذا ما تم إشهار افتتاح الديوان رسميًّا ولو في العالم الافتراضي”.
بدأت إيمان ودعاء وزميلاتهنّ تدشين عمل ديوان المهندسات عبر منصة إنستجرام: “فتحنا صفحة بالإنستجرام لكن خاصة بالقسم الأخضر، وهو الذي يعتني بالبيئة والحفاظ عليها، يضمُّ القسم 26 مهندسة، وفي منتصف سبتمبر أطلقنا حملة المحافظة على البيئة والتوعية بهذا المجال بشكل أوسع”.
كما يضم الديوان حاليًا مهندسات طالبات سواء بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه، تتابع إيمان “لم نكن متفرغات تمامًا، لكننا كنا نريد أن نعمل وفق خطط مدروسة، وحاليًا نعد خارطة عمل ندرسها بشكل أفضل”.
ويهدف ديوان المهندسات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى: “تبادل المعلومات، وإقامة دورات عبر شبكة النت، والإجابة عن أسئلة الزميلات من أرض الواقع نتناقش فيها، وهو ملاذٌ وجدناه بديلًا عن حاجتنا لما هو مغيب من جمعيات ونقابات للهندسة عمومًا”، تقول المهندسة إيمان.
المرأة والفن
تقول الطالبة في الهندسة المعمارية آية المجيدي “اخترت الدراسة في جامعة خاصة؛ لأن الهندسة المعمارية غير متوفرة في جامعة تعز”، وعن الدافع لهذا القرار أجابت:” كامرأة أشعر بقدرات عالية على خلق بيئة مملوءة بالكثير من الأشكال الهندسية أو غيرها، وهو شغف بدأ منذ الطفولة في إطار ملء الفراغ بالأشياء الرائعة، لذلك المرأة لها بصمة رقيقة؛ كونها أنثى، وهي تخلق الفن بأشياء بسيطة، والجمال دائمًا يكمن في البساطة”.
وتسترسل آية: ” المرأة ملهمة للفن، إنها تمنحه شيئًا من الجمال والإبداع، وتزيد من تطوره، فنحن من نصنع ناطحات السحاب”.
يتفق حديث آية مع ما قالته زميلتها المهندسة دعاء معمر؛ إذ أكدت أن دخولها فن الهندسة المعمارية بدأ كــ” طموح وتحقيق مستقبل، ونظرة للعالم بمختلف الجوانب… العالم محتاج إلى ثورة تقودها امرأة مهندسة، فدخولي في هذا المجال له دور كبير في تحقيق ما أطمح إليه”.
الغريبة دائمًا
تخرجت هديل العريقي حديثًا من جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء، وعلى الرغم أنّ دخولها الهندسة المعمارية كان طموحًا إلَّا أنّها تستشعر الغربة في مجتمع تصفه بالذكوري.
تكشف هديل عن جانب من التحديات تلك مستشهدة بعبارة خطتها المهندسة زها حديد، (إحدى المشاهير وأكاديمية في الهندسة المعمارية) تقول زها حديد “باعتبارك امرأة في الهندسة المعمارية، فأنت غريبة دائمًا”، وتضيف هديل: “كمهندسات يمنيات نواجه الكثير من التمييز خصوصًا عند التقدم الوظيفي؛ إذ لا تزال النساء يكسبْن أقل، ويشغلنَ عددًا قليلًا من الأدوار العليا في المهنة”.
وتدعو هديل القطاعين العام والخاص إلى “إعطاء المرأة كافة حقوقها في سوق العمل، وعدم وضع واصطناع حواجز تعيقها من التقدم الوظيفي واستلام مناصب إدارية” على حد وصفها. وترى العريقي أنّ الاحتفاظ بالمرأة في القوى العاملة في مجال الهندسة المعمارية أمر مهم؛ لتنوع المهنة ونجاحها، وبالذات فيما يتعلق بالحفاظ على التراث المعماري اليمني الأصيل وتطويره، بِعَدِّ المرأة شريحة ديناميكية فعّالة ومؤثرة بالمهنة.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…