الجمال والتراث: تشكيلات فنية في فن العمارة اليمنية
صوت الأمل – هبة محمد
تمتلك العمارة اليمنية خصوصية فنية فريدة، تعكس تاريخ وحضارة الشعب اليمني عبر العصور. تتميز بتصاميمها المعمارية الاستثنائية وتفاصيلها الدقيقة، وتعبر عن التوازن المثالي بين الجمال والوظيفة، كما تتعامل العمارة اليمنية مع تحديات المناخ القاسية في المنطقة، وتوفر طرقًا فعالة للتهوية والتبريد، بالإضافة إلى ذلك، تعكس التشكيلات الفنية روح التضامن والمجتمعية للشعب اليمني، وتلك العناصر الفريدة تجعل العمارة اليمنية تحظى بمكانة متميزة في عالم الفن المعماري.
التراث الثقافي المعماري
تتميز التشكيلات الفنية في العمارة اليمنية بالتفاصيل الدقيقة والزخارف المعقدة، وتعكس ثراء التراث الثقافي والتاريخي لليمن، وتعدُّ هذه التشكيلات الفنية موروثًا ثقافيًّا مهمًّا، وتعبيرًا عن هوية الشعب اليمني وتقاليده.
يقول المهندس المعماري خالد علي (مستشار في هيئة المدن التاريخية): ” تتميز العمارة اليمنية بتصاميمها الفريدة والمعمارية الاستثنائية، إذ تعكس توازنًا مثاليًّا بين الجمال والوظيفة، وتعدُّ المدينة القديمة في صنعاء، التي تعود لأكثر من 2500 عام، من أبرز الأمثلة على العمارة اليمنية التقليدية، وتتميز هذه المدينة بمجموعة متنوعة من المباني ذات الطابع الإسلامي، بما في ذلك القصور والمساجد والحمامات والسوق القديم”.
ويوضح أنّ التشكيلات الفنية في العمارة اليمنية تتميز بالتركيز على الكتلة والمساحة، إذ يتم استخدام العناصر المعمارية، مثل الأقواس والقباب والشرفات والنوافذ المزخرفة بشكل متقن، تعكس هذه العناصر؛ التفاصيل الدقيقة والزخارف المعقدة، ذوقًا رفيعًا ومهارة حرفية عالية تميز العمارة اليمنية.
ويواصل” تعدّ العمارة اليمنية أيضًا استجابة لظروف المناخ القاسية في المنطقة، إذ توفر طرقًا فعّالة للتهوية والتبريد في ظل ارتفاع درجات الحرارة الصيفية وقلة الأمطار، ويتم تصميم المباني بشكل يسمح بتدفق الهواء وتبريده، وذلك من خلال استخدام الأسقف الشبه مسطحة والشرفات المظللة والساحات الداخلية”.
ويضيف أنّ من ضمن التراث الثقافي المعماري اليمني المنازل المعلقة في شِبَام محافظة المحويت، وهي من العجائب المعمارية في اليمن، إذ تتميز بتصميمها الفريد الذي يتضمن بناء المنزل على حافة صخرة جبلية، مما يُعطيها مظهرًا كأنها مُعلقة في الهواء، وتعدُّ هذه المنازل تحفًا فنية تجمع بين الجمال والتصميم العملي للتكيف مع الظروف الجغرافية.
ويشير أن اليمن تحتضن العديد من المساجد التاريخية ذات التصاميم الفنية البارزة مثل جامع الجند في تعز، وجامع زبيد في الحديدة، والجامع الكبير في صنعاء، إذ تزخر هذه المساجد بالقباب المزخرفة والأعمدة الجميلة والنقوش الفنية الدقيقة، التي تتميز بها فن العمارة اليمنية، وتتميز بعض المساجد بأبراجها الزخرفية والمآذن الشاهقة، التي تعكس الهندسة المعمارية اليمنية في العصور الإسلامية، وأسلوب البناء اليمني التقليدي.
جمال التشكيلات الفنية للعمارة اليمنية
وعن أبرز التشكيلات الفنية للعمارة اليمنية يقول المهندس المعماري عبد القادر التميمي: “تتميز المنازل اليمنية بتصاميمها الفريدة والمعمارية الجميلة، إذ تتألف منازل صنعاء القديمة، التي تعدُّ جزءًا من قائمة التراث العالمي لليونسكو، من عدة طوابق، وتحتوي على فناء داخلي مركزي يعمل كمركز للتهوية والإضاءة، كما تتميز الواجهات الخارجية للمنازل بنقوش هندسية معقدة ونوافذ خشبية منحوتة، وتتميز المدينة بمجموعة متنوعة من العمارة التقليدية، بما في ذلك المنازل المصنوعة من الطين المحلي والحصى والألواح الخشبية، وتتميز الأبنية بالتصاميم الهندسية المعقدة والزخارف الفنية الرائعة”.
تشتهر العمارة اليمنية أيضًا بتشكيلاتها الفنية الرائعة في الأبواب والشبابيك، يوضح ذلك المهندس التميمي قائلًا: “تعدُّ الأبواب في العمارة اليمنية جزءًا مهمًّا من التصميم الفني والزخرفي، وتتميز الأبواب بتصاميمها الفريدة والمعقدة؛ إذ تنقش بالزخارف والنقوش الهندسية والزهرية، وغالبًا ما تكون الأبواب مصنوعة من الخشب القوي، وتزخر بالتفاصيل الدقيقة، والزخارف الجميلة، والألوان الزاهية، وتعدُّ الأبواب في العمارة اليمنية عنصرًا مهمًّا في إبراز الهوية المعمارية، وإضفاء الجمال والأناقة على المباني، لكن ما تبقّى من أبواب مدينة إب القديمة الأربعة سوى الباب الكبير، وباب سنبل، وباب النصر”.
ويواصل” وتشكل الشبابيك (النوافذ) جزءًا آخر من التشكيلات الفنية في العمارة اليمنية، إذ تتميز الشبابيك بتصاميمها الهندسية المعقدة والزخارف الجميلة، وغالبًا ما تكون الشبابيك مصنوعة من الخشب أو الحجر الآجر، وتحتوي على شبكات متقاطعة بين جوانب الشباك مزخرفة، تسمح بدخول الهواء والضوء إلى المباني. وتعكس الشبابيك في العمارة اليمنية تفاصيل دقيقة، وتصاميم فنية فريدة، ما يعزز جمالية المباني، ويعكس التراث الثقافي”.
المنازل التقليدية في العمارة اليمنية تحمل سمات فريدة، تعكس التراث الثقافي والتصميم المعماري المبتكر، هذا ما أشار إليه المهندس المعماري الدكتور إبراهيم عباس في قوله: “المنازل التقليدية تعزز الهوية الوطنية، وتشتهر في اليمن بتصاميمها الفريدة والمعمارية الجميلة، وتتميز هذه المنازل بالطابع القروي والبناء العمودي، إذ يتم بناؤها على عدة طوابق، وتزين بالشرفات الخشبية المزخرفة، والنوافذ الجميلة. وتعدُّ المنازل التقليدية في صنعاء، وصعدة، والجوف، وتعز، وعدن، ومأرب، وإب، من بين الأمثلة البارزة لهذا النمط المعماري”.
وعن أهم الألوان المستخدمة في تصميمها، يوضح أنّها تستخدم الألوان الزاهية، مثل الأزرق والأخضر والأصفر والأحمر في النقوش الزخرفية على الجدران والأبواب والشبابيك، وأيضا صممت بعض المنازل التقليدية بما يتواءم مع التكييف الطبيعي في ظروف المناخ القاسية، باستخدام الجدران السميكة والمواد العازلة للحفاظ على البرودة في فصل الصيف، والدفء في فصل الشتاء.
فيما يشير المهندس المعماري عبد القادر التميمي إلى عناصر معمارية أخرى أضافت لمسة سحرية وتاريخية للعمارة اليمنية، وهي القمريات والشواقيص (نوافذ صغيرة تُبنى بجانب الغرف)، إذ قال: “لا يوجد منزل يمني إلَّا وتواجد فيه القمريات، وهي أحد العناصر الجميلة في واجهات المباني، وهو اسم يطلق على فتحات مقوسة، التي تعلو النوافذ وتكسو الواجهة وتجملها”.
وأضاف” وتبنى القمرية عادة فوق أعتاب النوافذ، وعلى أعتاب الأبواب من الداخل، واسم قمرية يرجع لكونها شفافة، وكذلك لصفاتها؛ أنّها تدخل الضوء إلى داخل المنزل أو الغرفة، وخاصة عند إغلاق النوافذ المصنوعة من الخشب، وكذلك الشاقوص، وهو أحد العناصر المعمارية المهمة، وخاصة في العمارة الصنعانية، وهو أحد عناصر التهوية العلوية؛ إذ يسمح بخروج الهواء الساخن المتصاعد إلى أعلى”.
المشربيات تراث أصيل في العمارة اليمنية
المشربيات تمثل تراثًا أصيلًا في العمارة اليمنية، وتتميز بتفاصيلها الفنية الرائعة والتصاميم المعمارية المبتكرة، وتحمل المشربيات قيمة ثقافية وتاريخية عميقة، وتعكس الحكمة الهندسية والابتكار في استغلال الموارد المتاحة في البيئة الجغرافية، ويجب الحفاظ على هذا التراث الثقافي القيم، وتعزيز الوعي بأهميته، إذ يسهم في إثراء التراث العمراني والثقافي لليمن، ويعزز الانتماء والهوية الوطنية، هذا ما أكده الحاج محمد صالح أحد الساكنين في زوايا مدينة إب القديمة منذ ثمانون عامًا.
يقول محمد: “تحتضن اليمن عددًا من المشربيات، التي تعود لأزمنة مختلفة، وتنتشر المشربيات في مباني صنعاء وإب القديمة، وعدد من المدن اليمنية، وهي غرفة عالية ذات بروز خارجة عن مستوى جدار المنزل، تبنى على شكل ثقوب من الخشب أو الياجور، ولها العديد من الأشكال والمنقوشات، التي تجسد في تصاميمها الحرفية والابتكار في العمارة اليمنية”.
وعن أهم استخدامات المشربية في العمارة اليمنية، يشير محمد أنّها كانت تستخدم لتبريد الماء، وإدخال التهوية للمنزل بجانب النوافذ، وأيضًا في استطلاع مَن في الخارج عند طرق باب المنزل، موضحًا أن ذلك يعكس الحكمة الهندسية للأجداد اليمنيين في استغلال الموارد المتاحة بطرق فعّالة، وجمالية ذات زخارف فنية رائعة، ويزيد استخدامها في المناطق الحارة؛ كالحديدة وعدن، وبالرغم أنّها تعد من العناصر الثقافية القديمة، التي جمعت بين بساطة الماضي وجماله، إلَّا أنّها تختفي اليوم وتغيب عن العمارة اليمنية في الوقت الحاضر. باختصار، تشكيلات العمارة الفنية في اليمن تعكس جمالية فريدة، وتراثًا ثقافيًّا غنيًّا، من خلال النقوش الزخرفية، والألوان الزاهية، والهندسة المعمارية الدفاعية، لتستمد العمارة اليمنية تفرّدها، وتعبّر عن ثقافة الشعب اليمني وتاريخه، ويجب الحفاظ على هذه التشكيلات الفنية الثمينة، وتعزيزها للحفاظ على الهوية الثقافية الفريدة لليمن، وإثراء المشهد المعماري في البلاد.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…