تأثير الثقافات المتعددة على تطور فن العمارة اليمنية
صوت الأمل – هبة محمد
تعدّ العمارة اليمنية إرثًا ثقافيًّا فريدًا يمتد لآلاف السنين؛ إذ تجسد تطور الحضارة، وتعكس تنوع الثقافات التي تأثرت بها، ويعدُّ اليمن وجهة تاريخية للعديد من الشعوب والتجار والإمبراطوريات، التي تبادلت الخبرات والأفكار والتقنيات المعمارية، وقد أدت هذه التبادلات إلى تشكيل العمارة اليمنية وتطويرها، بما فيها من تأثيرات وتداخلات مع الثقافات الأخرى.
التداخلات الثقافية في الهوية المعمارية اليمنية
في جميع الحقب التاريخ، احتضنت اليمن مجموعة متنوعة من الثقافات والحضارات المختلفة، بما في ذلك الإسلام والعثمانيين والعجمية والعرب والأفارقة والبرتغاليين واليهود، وكل منها ترك بصمته الخاصة على العمارة اليمنية، وتمتاز العمارة اليمنية بأنها نتاج لهذا التنوع الثقافي الواسع، وتعكس التداخلات الثقافية والتأثيرات المتنوعة في تصاميمها وأنماطها المعمارية.
يقول المهندس المعماري طارق حاتم: “إحدى الثقافات التي أثرت بشكل كبير على العمارة اليمنية هي العمارة الإسلامية، فالإسلام له دور حضاري مهم في اليمن، وشكل هوية الأمة اليمنية وتجلياتها المعمارية، ويمكن رؤية ذلك في استخدام العناصر المعمارية الإسلامية التقليدية، مثل القباب والمآذن والأقواس الزخرفية في بناء المساجد والمنازل التاريخية”.
وأضاف: “تأثرت العمارة اليمنية بالتدخلات العثمانية خلال مُدّة العثمانيين، وكانت اليمن جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، وتركت العمارة العثمانية بصمتها على العمارة اليمنية في استخدام القباب والأقواس والخط الزخرفي في المساجد والقصور والحصون، ويمكن رؤية المعالم المستوحاة من الطراز العثماني في مدينة صنعاء القديمة ومدينة تعز”.
ويواصل: “وتأثرت العمارة اليمنية بالتداخلات العجمية، وهي العمارة التي تأتي من إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى، ويمكن رؤية هذا التأثير في استخدام الألوان الزاهية، والزخارف الهندسية المعقدة، والأعمدة المزخرفة في بعض المباني والمساجد في اليمن”.
وأشار أنه بالإمكان رؤية تأثير الثقافات الفارسية والبرتغالية واليهودية على العمارة اليمنية في المدن الساحلية، مثل عدن والمكلا، وتجمع هذه المدن بين عناصر معمارية مميزة، تعكس التداخل بين الثقافات المختلفة، وتعزز التنوع الثقافي للعمارة، إنّ فهم تأثير هذه الثقافات المتعددة على العمارة اليمنية يسهم في توثيق تراث البلاد المعماري الغني وحمايته، وتعزيز الوعي بالتنوع الثقافي والتاريخي اليمني.
ويوضح أنّ قرب اليمن من القارة الإفريقية أدى إلى تبادلات ثقافية، بما في ذلك التأثيرات المعمارية، وتعرض المناطق الساحلية في اليمن مثل عدن والحديدة، عناصر معمارية إفريقية، ويمكن ملاحظة ذلك في استخدام الحجر المرجاني، والأسقف المصنوعة من القش، والساحات المفتوحة، وهي سمات شائعة في الأساليب المعمارية الإفريقية.
تأثير التواصل الثقافي على العمارة اليمنية
تطورت العمارة اليمنية على مر العصور من خلال التأثير المتواصل للثقافات الأخرى، ويعود ذلك إلى موقع اليمن الإستراتيجي كمركز تجاري مهم عبر القرون؛ إذ اجتذبت العديد من الثقافات والحضارات، وأصبحت نقطة تقاطع للتجارة والتبادل الثقافي، فتأثرت العمارة اليمنية بتلك التداخلات واستوعبتها في تصاميمها وبناء هويتها المعمارية، هذا ما أوضحه المهندس المعماري عادل علي أحمد، الذي يعمل في إعداد مشاريع معمارية للتراث المعماري اليمني لعدد من الجهات الرسمية والخاصة.
وذكر المهندس عادل أنه يمكن رؤية تأثير الثقافات الأخرى على العمارة اليمنية في عدد من العناصر المعمارية، التي تشتهر بها اليمن، فمثلاً تجد في العمارة اليمنية استخدامًا متقنًا للقباب والمآذن والأقواس الزخرفية، وهي عناصر تعكس التأثير الإسلامي العميق، كما استوحت العمارة اليمنية تصاميمها المعمارية والزخارف المعقّدة من العمارة العثمانية والعجمية والفارسية، ممّا أضاف لمسة فريدة إلى التصاميم اليمنية.
ويواصل: “يمكن رؤية هذا التأثير الثقافي في مختلف المدن اليمنية، بدءًا من العاصمة صنعاء التي تشتهر بالمنازل التاريخية، التي بنيت على الطراز اليمني التقليدي، وصولاً إلى مدينة شبام التاريخية، التي تحتضن آثاراً من الحضارة العثمانية، كل مدينة يمنية لها خصوصيتها المعمارية الفريدة، وذلك بفضل التأثير الثقافي المتنوع والتداخلات التي شكلتها”.
وأشار إلى تأثر العمارة اليمنية المعاصرة أيضًا بالاتجاهات المعمارية الحديثة من جميع أنحاء العالم، فقد أدّى ذلك إلى إدخال مواد البناء والتقنيات ومبادئ التصميم الجديدة إلى ظهور المباني الحديثة في المناطق الحضرية، وخاصة في مدن مثل محافظات إب، صنعاء، عدن.
وقال الباحث التاريخي محمد أحمد أنه خلال مدّة حكم الدولة الزيدية في اليمن في القرون الثالثة عشرة والرابعة عشرة، تأثرت العمارة اليمنية بالتصاميم الفارسية والمغولية، وتمَّ استخدام الزخارف المعقدة، والنقوش الهندسية، والتفاصيل الفنية المتقنة في العمارة الزيدية، وخلال المدّة الاستعمارية البريطانية في اليمن تأثرت العمارة اليمنية ببعض العناصر المعمارية الأوروبية والبريطانية، مثل استخدام المواد البنائية مثل الخرسانة المسلحة والزجاج.
ويوضح أنّه في القرن التاسع عشر ترك الاحتلال البريطاني أثرًا واضحًا على العمارة اليمنية، وبشكل خاص في مدينة عدن، خلال مدّة الاحتلال البريطاني (1839-1967م)، تم تطوير العمارة في عدن، وتحويلها إلى مستوطنة بريطانية حديثة، فقد تأثرت عمارة عدن بالأسلوب البريطاني الكلاسيكي والفكتوري، وتمَّ بناء العديد من المباني الحكومية، والمنازل، والفنادق، والمنشآت العامة بناءً على التصميمات البريطانية، وتم استخدام الطوب الأحمر والحجر الجيري في البناء، وكانت المباني تتميز بالتصاميم الكلاسيكية مع مظاهر معمارية ضخمة.
وختم حديثه قائلًا: ” إنّ تأثير التواصل الثقافي على العمارة اليمنية يعكس ثراء التراث الثقافي والتاريخي لليمن، والتفاعل المستمر مع العديد من الحضارات والثقافات على مر العصور، وتتحد هذه التأثيرات لإنتاج تصاميم فريدة ومتنوعة، تعكس ثقافة اليمن وتاريخها المعماري الغني”.
العمارة اليمنية وبصماتها الخاصة
يقول المهندس فياض محمد” من المهم أيضًا أن نذكر أنّ العمارة اليمنية لم تكن مجرد استيعاب للثقافات الأخرى، بل قدمت إسهاماتها الخاصة أيضًا، فقد تم تطوير تقنيات بناء فريدة في اليمن، مثل تقنية بناء القصور والمنازل الطينية المعروفة باسم (المشربية)، التي تعدُّ رمزًا للعمارة اليمنية التقليدية”.
ويشير إلى واحدة من أبرز الإسهامات الخاصة للعمارة اليمنية، وهي استخدام الطين كمادة بناء رئيسية، يعود استخدام الطين في البناء في اليمن إلى آلاف السنين، ويعدُّ الطين مادة متوفرة ورخيصة ومتجددة، ويسهم في توفير مساكن مقاومة للحرارة، ومتكيفة مع المناخ.
وأضاف: “يجب أن ندرك أن تأثير الثقافات الأخرى على العمارة اليمنية ليس مجرد مسألة تاريخية، بل لا يزال له تأثير قويّ حتى اليوم، في العصر الحديث، يمكن رؤية تجسيد ذلك التأثير في تصاميم المباني الحديثة في اليمن؛ إذ يتم دمج الأساليب المعمارية عالميًا، واستخدام التقنيات الحديثة في البناء، مع الحفاظ على العناصر الثقافية والتراثية اليمنية”.
وذكر أنّ العمارة اليمنية تعكس أيضاً طبيعة البيئة المحيطة، نظرًا للمناخ الصحراوي في العديد من المناطق اليمنية، فإنّ العمارة التقليدية تأخذ في الاعتبار استخدام المواد المتوفرة في المنطقة مثل الطين والحجارة والخشب، وتهدف إلى توفير حماية من الحرارة والرياح القوية. هذا يتجلى في تصميم البيوت والمباني التقليدية، التي تحظى بشعبية كبيرة في اليمن.
في الأخير، إنّ العمارة اليمنية هي نتاج للتأثيرات المتعددة والتداخلات الثقافية على مرّ العصور، وتجمع بين العناصر التقليدية والتصاميم الحديثة، وتعكس الهوية الثقافية والتاريخية لليمن، وتعد العمارة اليمنية موروثًا ثقافيًّا غنيًّا يستحق الاحتفاظ به والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…