الفن المعماري في يافع.. جمال وعراقة ينتصران للفن والعلم
صوت الأمل – حنين الوحش
إذا ما قادتك خطاك إلى يافع فستكون أمام حاضرة الفن اليمني المعماري، وبخُطا متأنية تجرّك أقدامك في جنبات المدينة لتستحضر أبرز ما أبدعه الإنسان اليمني من فنّ عمراني هيّاب ومُهاب!
يمتدُّ التراث المعماري اليافعي إلى الحميري، ويعود تاريخه إلى العصور القديمة والوسطى، التي تركتْ أثرًا معماريًّا محبوك بحنكة صانعيه حتى وقتنا الحاضر.
ويعتمد أسلوب البناء على قطع حجرية صغيرة ومتوسطة الحجم، تشكل الأصل الأول للجمال، الذي سيتجسد في ناطحة سحب، استخرجت هذه الحجارة من نوع محدد من الصخور يسمى (المناقاش)، وتميزت بتعقيدها، وارتفاعها الشاهق، وأسقفها المميزة، التي يعتليها تشاريف اقترنت بقصصٍ وحكايات قديمة، عبرت عن كرم ساكنيها، وكذلك (المشربية)، التي صممت بذكاء، لتعطي منظرًا جماليًّا، وتحمل عِبْءَ ارتفاع الحرارة من خلال التهوية الطبيعية.
العمارة في يافع
هذه المدينة التي تطاول في بنائها التاريخ والفن قبل أن يتحول إلى هندسة علمية، يقف المهندسون اليوم مشدوهين أمام إبداع الإنسان اليمني في عصوره القديمة.
بحسب قول المهندس المعماري عبد الإله أحمد، الذي أضاف: “أنّ المباني التراثية المعمارية في يافع عرفت بارتفاع مبانيها، فكان يتراوح ارتفاع المبنى الواحد ما بين طابق إلى سبعة طوابق كحدّ أقصى، والطابق الواحد يبلغ ارتفاعه من أربعة إلى خمسة أمتار تقريبًا، وطولها ما بين 8 – 13متراً، وكذلك العرض بالنسبة للمباني القديمة، أمّا الآن فقد تجاوزت ذلك الرقم نتيجة الإصلاحات في الطرق، وغيرها من التسهيلات، التي قدمت مع تطور التقنيات الحديثة للبناء”.
ويضيف: “قديمًا كانت الأحجار تُحمل إلى مكان البناء عن طريق العمال أو بظهور الدواب، وعلى الرغم من وعورة الطريق وارتفاع المناطق في الجبال، فإنّ الأبنية اليافعية بنيت بشكل متقن، وتصاميم وزخارف فنية جميلة ونادرة، جعلتها مميزة في عيون الناظرين”.
دراسات
تُعدُّ مدينة يافع -بحسب دارسات هندسية- المدينة الأكثر تعقيدًا وفرادة، بطرزها الحجرية وارتفاعاتها الشاهقة.
تسرد الباحثة العراقية الدكتورة سلمى الدملوجي رحلتها إلى مدينة يافع، التي أثارت اهتمامها بالفن المعماري اليمني، وإبداع استخدام الفكر الخلاق في التصميم، وامتهان حرف البناء بحذاقة متأصلة، وحكمة متواصلة في نمط البناء التقليدي للمدينة.
ومن خلال تقرير عام يصف الوضع المعماري في يافع تقول الدملوجي: “جاء اهتمامي حرصًا على هذه العمارة، وأسلوب مدنها، الذي بقي في اليمن شاهدًا على حضارة عريقة، فيما تلاشت وتداعت أشكال المدن العربية والإسلامية وثقافتها المعبرة عن هويتها، جئتُ دون أن أعلم أنّ هذه الثروة العمرانية ما زالت معاصرة، وحين وجدتُ أهلها ومعلمي بنائها يتفاعلون معها، أقدمت على دراستها وتسجيلها من أجل إعطائها درجة الامتياز، التي تستحقه في مجال التطور الحضري”.
تحملك خطاك إلى يافع، وهناك يبدأ التفاؤل بالتدفق واجدًا طريقه إلى قلب؛ إذ سرعان ما تكتشف أنّ جميع المباني اليافعية الأصيلة؛ قديمها وحديثها ما زالت قائمة، رغم هجران البعض لها، وهذا ما يؤكد الاستمرارية والثقة بأنّ الحضارة أو العمران الذي يشكل كيان مدن يافع موجود، وهو من حيث النوعية والكمية أقوى من البناء الإسمنتي العشوائي والمتدني أصلًا نمطًا وشكلًا·
تؤكد نجاة اليافعي (مهتمة) أنّ فن العمارة في يافع فنٌّ جميلٌ، يمزج بين الأسلوب الحديث والتقليدي، في تصميم المباني، وتتميز هذه العمارة بأناقتها وتفرد تصاميمها، التي تساعد على إبراز جمالية الفن ورقي الذوق.
وتشير إلى أنّ العمارة اليافعية هي عبارة عن مجموعة متنوعة من المباني، التي تم إنشاؤها في القرن الحالي، وتشتهر العمارة اليافعية بخطوطها النظيفة، واستخدام الزجاج والفولاذ والخشب في البناء، ممَّا يخلق تأثيرًا جماليًّا.
وتضيف: “يتميز الفن المعماري اليافعي بتصاميمه المبتكرة، ويتمُّ استخدام المواد والألوان والأشكال بطرق جديدة ومختلفة، كما يتم التركيز على التفاصيل الدقيقة، وتكوين المساحات بشكل مبتكر وفريد، فتركز على إبراز الجمال البصري للمباني والمشاريع”.
عبثية البناء
ومع تعقيدات البناء الأصيل الذي لا يفتقر أبدًا للبساطة، يأتي البناء الحديث بثقله على المدينة، في صراع يخوضه الرخام ضد كل ما هو لامع ومتلألئ في طبيعته.
ففي يافع يخشى كثيرون من طغيان البناء الحديث؛ لرخص قيمته، وسهولة تجهيزاته من مصانع البلوك والرخام وغيرها؛ لتفقد جزء من هذه المدينة تفردها، فضلًا عن انتشارها كورم خبيث داخل المباني القديمة.
وفي إطار الحديث عن خطر التغيير في نمط البناء يقول المهندس عبد الإله أحمد: “يتوهم البعض من القانطين هناك أنّ عمارة الإسمنت المؤقتة تمثل البديل لعمارة الحجر التقليدية؛ لرخص المواد المستخدمة فيها، وتوفرها؛ كالأحجار والإسمنت وغيرها، وينعكس هذا بوضوح في الواجهات الخارجية، وتصميم الفراغات الداخلية للبناء “.
تعقيدات هندسية
وفي نفس سياق الحديث عن أسلوب البناء في يافع ودقة تفاصيله تقول المهندسة المعمارية دعاء معمر: “الفن المعماري اليافعي له تصميم فريد وإمكانيات كبيرة من حيث وضع طبقات الدور إلى ارتفاع سبعة أدوار بالحجارة، وشكل السقوف الحجرية”.
مشيرة إلى أنّ فن العمارة في مدينة يافع فنٌّ حصريٌّ من حيث أشكال البناء بالحجر الأكثر تعقيدًا وتطورًا في ذات الوقت؛ إذ إنّ فنون هذه العمارة ترتبط بحرفة البناء، وتتمثل بأشكال متغايرة عن بقية أشكال البناء في بقية المحافظات؛ من نحت الحجر، وتشكيله، مهما كانت أنواعه المختلفة من بناء قباب المساجد إلى حدّ زخرفة السقوف، ولعلّها فنون تجريدية، إلَّا أنّها تتجانس مع العمارة، فتضفي عليها الصفة النحتية، وهذه صفة وميزة متفوقة في العمارة، وخاصة عمارة القرن العشرين·
توصيات معماريين
يقترح معماريون مجموعة توصيات للحفاظ على نمط البناء في يافع، وإدخال أشكال التحديث والوسائل أو المتطلبات المعاصرة، من حيث تصميم المكان الداخلي والتقنية، دون أن تتحكم التقنية الحديثة وموادها بقلب صميم الهيكل المعماري الأصلي.
ومن أهم المقترحات المطروحة تقويم أشكال المباني، التي وقعت فيها الأخطاء، والعديد منها سطحية قابلة للتقويم من خلال استبدال العناصر الدخيلة أو المواد وإعادتها، وترميم المباني وأغلبها دور خاصة تمَّ هجرها من قبل الأهالي في السبعينات، وهي معرضة للخراب حاليًّا، والاستفادة منها؛ كونها تمثل جزءًا أساسيًّا من المخزون المدني العمراني.
يؤكد أحد المهندسين أنّ العلاج الناجع يكمن في منع البناء بالإسمنت والبلوك ( الباردين)، إلَّا في الحالات التي تبرر ذلك، ومن خلال تخفيض أسعار مواد البناء التقليدي لتفادي البناء العشوائي، على أن يتم ذلك بشكل هادئ ومقنع، ووضع لجنة استشارية في التصميم والبناء لحل بعض المشاكل الوظيفية والجمالية تكون في خدمة الأهالي وأصحاب البناء، ولتشرف على مراعاة الضوابط، وتسهم في تطوير نمط العمارة اليافعية، إضافة إلى وضع الدراسات المتعلقة بدفع المستوى المعيشي في التجديد الحضري ومشاريع البيئة التحتية، واستقطاب الدعم والتمويل لإنشاء المراكز والخدمات الاجتماعية والتأهيلية والتثقيفية المطلوبة للمدن والقرى·
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…