الفن المعماري التهامي عراقة تأخذك إلى أعماق التاريخ
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يمتلك اليمن فنًّا معماريًّا متميّزًا، يحظى بشهرة عالمية عكست الحضارات التي اتخذت من اليمن موطنًا لها على مرِّ الأزمنة، وقد برزت الكثير من المدن اليمنية التي تحتضن طرازًا معماريًّا فريدًا، لا شبيه له في أماكن أخرى من العالم، ومنها: صنعاء القديمة في محافظة صنعاء، وشبام حضرموت، وزبيد في محافظة الحديدة غرب اليمن، وغيرها كثير.
لقد عكس فن العمارة في هذه المدن وغيرها براعة الإنسان اليمني في مجال الفن المعماري، وانعكست مهارته على مختلف المباني التاريخية القديمة، سواء المنازل والقلاع والحصون أو المساجد والمعابد وأسوار المدن، وغيرها من المعالم الأثرية التي تزخر بها بلادنا، التي تختلف طريقة بنائها ونقوشها من منطقة إلى أخرى.
وتعدُّ منطقة تهامة من المدن اليمنية الزاخرة بالطراز المعماري الأصيل، بل تُعدُّ نموذجًا مشرّفًا لفن العمارة في اليمن، الذي يتميز بجماليات؛ سواء في طريقة البناء أو بالزخارف التي جذبت الأنظار له، حتى أدرجت مدينة زبيد في قائمة التراث العالمي، وهي إحدى أهم المناطق التاريخية في اليمن والجزيرة العربية بشكل عام.
وقد ارتبط الفن المعماري التهامي بطبيعة المدينة الساحلية وثقافة أبنائها، إلى جانب أنه عكس الجانب الديني والحضاري للبلاد. وقد ظهر ذلك من خلال طريقة المباني التاريخية والأثرية وتكوينها في مختلف مناطق الحديدة.
المنازل
تميّزت المنازل التاريخية في تهامة بخصائص معمارية، منها أنّها اتسمت بارتفاع قياسي؛ إذ تتكون بعضها من خمسة طوابق، رغم بنائها من مواد صنعها الإنسان اليمني بطريقته الخاصة، مثل مادة الياجور الذي يتخلله طين، وغيره من مواد البناء التقليدية.
وتوجد هذه المنازل في مناطق مختلفة من محافظة الحديدة، ومنها حارة السور الواقعة على ساحل المدينة، وهي من أهم المناطق الأثرية وأقدمها في محافظة الحديدة، التي يقول مؤرخون إنّ منازلها بنيت منذ 400 عام، ولها طابع معماري فريد، جعلها منطقة سياحية لكثير من الزائرين منذ زمن بعيد.
وحول الفن المعماري في هذا الحي يقول الكاتب والباحث يوسف جابر الأهدل: “المدينة القديمة (حارة السور) بنيت مبانيها بطريقة معمارية فريدة ومتميزة؛ إذ كانت الأساسات من نفس بيئة المنطقة، وهي الشُعب المرجانية والبناء من الياجور (وهو الطين المجفف بأشعة الشمس)، والسقوف من جذوع أشجار محلية، هذه المباني قد يصل ارتفاعها إلى خمسة طوابق، وبعضها أكثر، وهي المنطقة الوحيدة التي تمَّ بناؤها بهذا الارتفاع، بعكس المدن الأخرى مثل زبيد”.
ويضيف الأهدل لصحيفة (صوت الأمل):” البنَّاؤون تنافسوا على إضافات؛ مثل الجسور الخشبية (المشايات)، التي تصل بيوت الأسر بعضها ببعض الأدوار للترابط الأسري، وكذلك عمل المشربيات الخشبية، التي يتم نحتها بطرق فنية وفريدة ورائعة، وهي أماكن استراحات، وتطلُّ على الشوارع، وصُممت المدينة على هيئة مربع مقسّم إلى شوارع وفواصل وكذلك ساحات”.
وأشار الأهدل في حديثه أنّ تخطيط بيوت هذه الحارة وأسوارها وأبوابها قد مثل استجابة حضرية لضرورة حماية النفس والممتلكات، بعدَها تعززت مكانتها الاقتصادية، وأصبحت محطة تزويد وميناء تصدير، وجاء التجار الهنود والفرنسيون والإنجليز واليونانيون وغيرهم، الذين جعلوا من أحد شوارع المدينة سوقًا تجاريًّا باسم سوق البينيان.
القلاع
وتُعَدُّ القلاع والحصون من أهم المباني التاريخية التي تمتلكها العديد من المناطق اليمنية، وقد جاء بناؤها -حسب مصادر تاريخية- نظرًا للأوضاع غير المستقرة التي شهدتها العديد من المدن والمناطق في البلاد على مرِّ العصور، وقد شكلت ظاهرة دفاعية وتحصينات لدويلات حكمت اليمن قديمًا.
وتمتلك منطقة تهامة الكثير من القلاع التاريخية، التي تدل على عظمة الإنسان التهامي، والتي تعكس براعته، كغيره من اليمنيين القدماء، في مجال الهندسة المعمارية المتميزة، التي لفتت أنظار العالم والكثير من المهتمين بهذا الفن.
ومنها قلعة بيت الفقيه، إحدى أهم المعالم الأثرية وأبرزها في محافظة الحديدة، تقع شرق مدينة بيت الفقيه، وعدّها مهتمّون بتاريخ العمارة اليمنية أنّها من أقدم القلاع وأكبرها في منطقة تهامة، كما تعدّ من المعالم الأثرية والسياحية في المنطقة.
ذكرت دراسة حملت اسم (القلاع في تهامة اليمن)، التي أعدها مبروك محمد يحيى الذماري أنّ تاريخ القلعة يعود للوجود العثماني في المنطقة، وقد أنشأها الأمير العثماني مصطفى باشا، وتمَّ ذلك في العام الأول من توليه الحكم لولاية بيت الفقيه آنذاك.
وتناولت الدراسة المخطط العام للقلعة، وهي أن تأخذ مساحتها شكل المستطيل؛ إذ يتوسطها فناء واسع مكشوف السطح، الغرض منه دخول الشمس والهواء، وتشرف عليه العديد من المرافق والمنشآت، مثل قصر الإمام، والمرافق الملحقة به، وحجرات الجند، والمسجد، والمرافق الملحقة به، والبئر. وهو طريقة تشترك بها المباني في تهامة.
جدير بالذكر أن قلعة بيت الفقيه لها بوابة رئيسية تقع في الجهة الجنوبية للقلعة، إضافة إلى ثلاثة أبواب فرعية. ومن الخارج تتكون القلعة من أربع واجهات، الغربية منها تعدُّ الواجهة الأساسية؛ نظرًا لوجود البوابة الرئيسية للقلعة، إلى جانب أنّها تشرف على المدينة.
مساكن الأكواخ والعشش
توجد في محافظة الحديدة الكثير من القرى التي يسكن أبناؤها المساكن والأكواخ المبنية من الأعشاب، والطين، ولها أحجام وأشكال تختلف من منطقة إلى أخرى، ويتفنن أبناء تهامة في بنائها بأسلوب زخرفي متميّز، يفضل المواطنون في بعض مناطق تهامة العيش فيها؛ كونها تحميهم من حرارة الصيف المرتفعة، وتجعل الجو لطيفًا.
في دراسة أعدَّها الباحث عبد الودود مقشر حملت عنوان: (الزرانيق ودورهم في تاريخ اليمن الحديث)، تطرق فيها إلى الحديث عن هذه المساكن في منطقة الزرانيق في محافظة الحديدة، وقال: “إنّ هذه المساكن يتم بناؤها من أغصان الشجر والأعشاب، وتُكسى جدرانها بالطين المخلوط ببراز الأبقار، أمّا سقوفها فتبنى بواسطة الأعشاب، وهذه البيوت لا يوجد لها نوافذ إلَّا نادرًا، وأبوابها عبارة عن قطعة من الحصير. وتأخذ رؤوس هذه المساكن شكل القبة، يتمُّ تكونها من عدة نباتات، منها ما هو موجود في تهامة، وأخرى يتم جلبها من خارج المدينة”.
وذكر الباحث في دراسته أنّ هذه المساكن يتم تقسيمها حسب عدد أفراد الأسرة؛ فإذا كان عدد الأفراد كبيرًا، فإنّها تتكون من عدة أكواخ، إضافة إلى تخصيص مكان للحيوانات إذا كانت الأسرة لديها ماشية، ويتم تسويرها بحائط مكون من الأعشاب الشوكية.
يتفنن أبناء تهامة في بعض المناطق بزخرفة هذه المساكن من الداخل بالنقوش والرسومات وبعض الكتابات، إلى جانب تزيين الجدران ببعض الأدوات المصنوعة يدويًّا، مثل الأواني الخزفيّة، التي يصنعها الإنسان في تهامة، مثل الكوافي المصنوعة من سعف النخيل وغيرها.
لا تكاد تدخل مديرية من مديريات محافظة الحديدة إلَّا ويصادفك العديد من المباني الأثرية، التي تعود لسنوات بعيدة، يلفت انتباهك الفن المعماري الذي تتميز به، ومن أبرز المناطق التي تحتضن العديد من المباني التاريخية مديرية زبيد، والسخنة، والضحي، والزيدية، وبيت الفقيه، واللحية والخوخة، ومديرية الدريهمي، ومديرية المغلاف، وغيرها من المناطق التي تمتلك العديد من المعالم الأثرية، التي عكست براعة الإنسان اليمني في تهامة، وتميزه في مجال فن العمارة.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…