الفنُّ المعماريُّ في اليمن عنصرُ جذْبٍ سياحيٌّ ورافدٌ أساسيٌّ لاقتصاد البلاد
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
هناك ارتباط كبير بين السياحة والآثار، فالمناطق الأثرية تشكل منطقة جذْب سياحي لأي بلد ويؤدي إلى تنشيط قطاع السياحة فيها، لمَا لها من فن معماري يميزها عن غيرها، واليمن من الدول التي تزخر بالكثير من المواقع الأثرية الغنية بالمباني التاريخية المختلفة، التي تمتلك طرازًا معماريًّا فريدًا، ما يجعلها واجهة لتوافد السياح إليها.
فمدينة تعز لديها العديد من المواقع والمعالم الأثرية، منها قلعة القاهرة، وجامع الأشرفية، وغيرها، وصنعاء توجد بها مدينة صنعاء القديمة، ودار الحجر، إلى جانب العديد من المعالم التاريخية، ومدينة حضرموت لديها قصر سيئون، وحصن الغويزي، ومعالم أُخرى، أما محافظة الحديدة فتمتلك من المواقع الأثرية ما يفخر به اليمنيون، منها مدينة زبيد، وباب مشرف، وغيرها من المواقع الأثرية، إلى جانب عدد من المعالم التاريخية.
في محافظة عدن جنوب اليمن تصادفك المباني التاريخية المختلفة، منها صهاريج عدن، وقلعة صيرة، ومنارة عدن، ومسجد العيدروس، وغيرها، وكذلك بقية المناطق والمدن اليمنية، التي لا تخلو من المواقع الأثرية، والمعالم التاريخية، وكل مقومات السياحة والاقتصاد.
هذه الثروة التاريخية التي تمتلكها بلادنا والمتمثلة بالقلاع، والحصون، والمعابد، والسدود، والمساجد، والقصور وغيرها، تتميز بطابع معماري جذَبَ أنظار العالم إليه، من خلال طريقة بنائه ونقوشه، التي تميزت به بلادنا عن غيرها.
من هذه المكانة التي تحظى بها بلادنا، فإنّ الكثير من الأماكن الأثرية تحتاج الاهتمام بها والحفاظ على معالمها التاريخية، التي كانت قِبلةً للكثير من السياح من مختلف الدول، حينها تطور قطاع السياحة، الذي يرفد اقتصاد البلاد، وينعش قطاعات كثيرة تسهم في تقدمها ورخائها، إلّا أنّ الكثير من السياح توقفوا عن زيارة اليمن منذ بدء الصراع فيها.
الآثار والسياحة
يقول الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري: “من الطبيعي أنّ أيَّ بلد يحافظ على تراثه ومعالمه الأثرية فإنه بذلك يحترم إرثه التاريخي، وبالتالي فهو يحرص على جعل هذه المعالم أهم المقومات الرئيسية للسياحة في البلد، وتقديمها للسياح الأجانب والمواطنين المحليين من مختلف المحافظات، كمعالم يمكنه فرض رسوم دخول عليها، كمصر، التي تشكل السياحة ومعالمها الأثرية خامس مصدر دخل قومي للدولة، إضافة إلى أنّ تلك المعالم ستجذب الوفود السياحية إليها، وهذا ينعش الاقتصاد والحركة التجارية والفندقية عمومًا، إذا ما توفر الأمن والاستقرار بعيدًا عن الصراعات”.
وحول علاقة المعالم الأثرية بدعم قطاع السياحة، يقول الداعري: “تعدُّ المعالم الأثرية عامل الجذب الرئيسي للسياح والباحثين التاريخيين والوفود الأثرية، سواء لرؤية تلك المعالم، أو لاكتشاف تاريخها وأهميتها والحقب الزمنية التي تعود إليها”.
ويتابع: “وبالتالي فوجود السياح في البلد ينعش الحركة السياحية لأيّ دولة، وبدون أيّ شك، إنعاش قطاع السياحة يعني خدمة الاقتصاد الوطني للدولة بشكل عام”.
من جهتها تقول المهندسة أروى محمد جباري (أستاذ محاضر في جامعة صنعاء): “إنّ الحفاظ على الفن المعماري يسهم وبشكل مباشر في نمو القطاع السياحي، وهو أكبر جاذب للسياحة في اليمن في أوقات السّلم؛ لأنّ الفن المعماري اليمني الأصيل مميز، وليس له مثيل في العالم بكل تفاصيله. والمدن القديمة مثل صنعاء وزبيد وغيرها، ما زالت شاهدة على هذا الفن المعماري”.
وتؤكد: “إنّ الحفاظ على هذا الفن ضرورة، وبالتأكيد يشجع السياحة، ويسهم في رفع العائد الاقتصادي منها”.
يوافقها في الرأي أحمد كرامة باحمالة (رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية) إذ يقول: “تكمن أهمية الحفاظ على الفنّ المعماري في اليمن من خلال صيانة المباني وترميمها والحفاظ عليها؛ فهي الواجهة الرئيسية للبلاد وجذب السياح”.
ويتابع: “كون السياحة من أهم الموارد المالية الرافدة للاقتصاد، والمورد الوحيد الذي يستفيد منه الجميع؛ فهي تنشط المجتمع بتوفيرها العديد من الأعمال، فتعمل المحلات التجارية، وتزدهر حركة المواصلات؛ لذلك فالاهتمام بالآثار والتراث المعماري من أهمِّ ما تركه وخلفه لنا الأجداد، فهو أمانة وإرث وكنز، ومن الواجب أن نحافظ عليه ونعتني به”.
الآثار واقتصاد البلد
في هذا الشأن يقول نبيل الشرعبي: “إنّ حماية الفن المعماري والحفاظ عليه يسهم في رفد اقتصاد البلاد، ويتحقق ذلك من خلال الحفاظ على المعالم الأثرية وحمايتها من العبث والاندثار، وبقدر ما يعدُّ ذلك ضمانًا لحفظ تفاصيل أجيال من البشر وتاريخهم وأساليب عيشهم عبر قرون، فإنه يعد مصدرًا وموردًا اقتصاديًّا مهمًّا ودائمًا”.
ويشير في حديثه إلى أنّه في نظريات التحول الاقتصادي، من الاقتصاد الريعي المعتمد على موارد معرّضة للنضوب إلى الاقتصاد الإنتاجي والمستدام، فإنه ينظر إلى المعالم الأثرية التاريخية التي لم تندثر أو تتعرض للعبث على أنها مورد اقتصادي مستدام لا ينضب، بل كلما طال عمرها زادت عوائدها أكثر فأكثر.
وقال الشرعبي: “من بعد أن بلغ إنتاج النفط باليمن ذروته عام 2004م، ووصل حجم الإنتاج اليومي إلى 450 ألف برميل، فقد كان إنتاج النفط يتراجع كل عام. وفي المقابل يرتفع عدد الأفواج السياحية القادمة إلى اليمن لزيارة صنعاء القديمة، أو عرش الملكة بلقيس في مأرب، وغيرها من المعالم الأثرية والتاريخية، وهذه هي المفارقة التي تؤكد بأنّ المعالم الأثرية مورد اقتصادي مستدام”.
ويشير في حديثه إلى أنَّ متاحف عالمية تعرض تحفًا وأزياء وأواني أثرية تحقق عوائد عشرات ملايين الدولارات في العام الواحد، وفي حال بقائها في أماكنها الأثرية التاريخية ستتضاعف العوائد أضعافًا، إضافة إلى ذلك أنّ الحفاظ على المعالم الأثرية وحمايتها، يحول مساحات واسعة حولها إلى مراكز لتقديم الخدمات للزائرين، وتوفير آلاف من فرص العمل.
ويضيف: “أضف إلى ذلك، إسهام المعالم الأثرية في اجتذاب مئات من أصحاب وهواة الأعمال الحرفية الملائمة لأذواق الزائرين، وهذا يسهم في تدفق عوائد كبيرة سواء على الأفراد أو خزينة الدولة، ناهيك عن الحفاظ على تلك الحرف من الاندثار”.
من جهته يقول رشيد الحداد (صحفي اقتصادي): “إنّ المعالم التاريخية أهم روافد الاقتصاد الوطني، خاصة أن لها قيمة إنسانية وأخرى اقتصادية؛ كونها أحد معالم السياحة التاريخية في اليمن، التي تزيد قيمتها كلَّما تقادمت”.
ويضيف الحداد: “وخلال سنوات ما قبل الصراع كانت السياحة التاريخية تستقطب عشرات الآلاف من السياح الأجانب، الذين يرفدون الاقتصاد بالعملات الصعبة، وكذلك يسهمون في إحداث حراك في مجال الخدمات؛ كالنقل الجوي والبري، والمنشآت السياحية”.
يتفق مختصون في علم الآثار أنّ اليمن تمتلك العديد من المواقع الأثرية، بما فيها من فن معماري مذهل، التي سجلت مواقع تراث عالمي، وهو ما يجعلها مناطق جذب سياحي، لكنها تتطلب عدة أمور لتحظى بإقبال كبير للزائرين من مختلف دول العالم، وليعودَ قطاع السياحة إلى ما كان سابقًا. وتتمثل أولًا في إنهاء الصراع المستمر منذ ثمان سنوات، ومِن ثَمَّ إعادة ترميم الكثير من المعالم الأثرية، والحفاظ عليها وتأمينها، ومِن ثَم الترويج للمواقع الأثرية، وذلك من خلال عدة طرق؛ منها توزيع برشورات لها في المطارات، وعرض فلاشات تتناول أهم المعالم والأماكن الأثرية، وإبراز تفاصيل الفن المعماري لها في العروض التقديمية في المؤتمرات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتشجيع المؤسسات والجمعيات والمنظمات المحلية على تنفيذ أنشطة تصب في حماية هذا الفن. وأكد آخرون أنّ المواقع الأثرية تحتاج إلى تأهيل الكوادر الوظيفية فيها، وبناء القدرات لديهم، وتفعيل الإدارات فيها، وكذلك الحراسة، إلى جانب تفعيل الإدارة القانونية، ودور السلطة المحلية، ودور الهيئة العامة للآثار، فكلّما كان هناك تنمية في المواقع الأثرية كانتِ البلاد منطقة استقطاب للسياحة العالمية، والدليل أنّ بعض المناطق اليمنية التي شهدت تحسن الوضع الأمني فيها عادت السياحة فيها.
82% يرون أن انتشار طابع العمارة الحديث من أكبر المشكلات التي تواجه الحفاظ على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية
صوت الأمل – يُمنى احمد عرفت اليمن منذ زمن بعيد بجمال عمارتها وتفرد مبانيها بطابع خاص ومميز…