الظروف الاقتصادية الصعبة تساعد في انتشار المخدرات
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تعيش البلاد ظروفًا معيشية خانقة، جعلت الكثير من اليمنيين جل اهتمامهم البحث عن وسائل كسب الرزق، وإن كانت غير مشروعة، دون أن يُدركوا كمية المخاطر التي تنعكس سلبًا على المجتمع، خاصة مع توسع رقعة الكثير من المشكلات داخل المجتمع، مثل، الفقر، والبطالة، وانكماش اقتصاد البلاد، وانعدام الأمن الغذائي، وغيرها من المشاكل المرتبطة بحياة الأسر ماديًّا واقتصاديًّا، التي جعلت المجتمع عرضة للتجارة غير المشروعة.
الظروف الاقتصادية والبطالة
ذكر واعد باذيب (وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة عدن) في كلمته التي ألقاها في منتدى سياسي رفيع المستوى، عقد في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية أنّ نسبة الفقر في اليمن 80٪، وأنّ أكثر من 80٪ من اليمنيين يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة، وأنّ نسبة انكماش اقتصاد البلاد من الناتج المحلي 50٪.
هذه الأرقام كفيلة بأن تجعل البلاد عرضة لنشاطات غير مشروعة، مثل: تجارة المخدرات، والإتجار بالبشر، وغيرها من طرق كسب المال غير المشروع.
هذا ما أشار إليه ياسر الصلوي (أكاديمي في علم الاجتماع) في حديثه لـ(صحيفة صوت الأمل) إذ قال: إنّ طبيعة الظروف الاقتصادية السائدة، التي أتت نتيجة الصراع الذي تشهده البلاد منذ ثماني سنوات، وما أدّى إليه من نتائج وتداعيات سلبية خطيرة، تتمثل في انتشار رقعة الفقر، وارتفاع مستوى البطالة، وتردّي الأوضاع المعيشية، كلها عوامل تدفع الكثير من الأشخاص إلى الإتجار بالمخدرات، بعدّها وسيلة للكسب والحصول على المال.
ويقول الصلوي: “إنّ خلق مزيدٍ من فرص العمل أمام الناس يدفع الكثير من الأفراد إلى الانخراط في سوق العمل، ويصبح ليس لديهم وقت لتعاطي المخدرات، والهروب من المشكلات”، مؤكدًا: ” كلما كانت الظروف الاقتصادية متحسنة، ساعد ذلك في الحد من انتشار المشكلات الاجتماعية، ومنها انتشار المخدرات”.
ويرى الصلوي أنّ كثيرًا من المشكلات التي يواجهها الأفراد، سواء مشاكل شخصية، أو بما يتعلق بالتوظيف، أو محدودية الدخل، أو البطالة، أو فرص عمل، كلها تدفع إلى تعاطي المخدرات؛ لاعتقاد المدمنين أو توهمهم بأنّ هذه المخدرات تنسيهم الهموم التي يعانون منها، والظروف التي يعيشونها؛ حتى يصبحوا مدمنين.
ويضيف الصلوي: “أنّ الوعي مسألة في غاية الأهمية؛ فكلّما ارتفع مستوى وعي المجتمع بمخاطر المخدرات وعواقبها، كان المجتمع أكثر حذرًا وتجنّبًا لمخاطر هذه الجرائم، ويكون ذلك الوعي حافزًا لعدم تعاطي المخدرات، وهنا تقع المسئولية على الدولة والمجتمع سواء، عبر وسائل الإعلام، أو عبر منظمات المجتمع المدني، أو عبر المساجد، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويشير الصلوي في حديثه إلى أنّ رفع مستوى الوعي يكاد أن يوازي دور الدولة في الحد من انتشار المخدرات، إضافة إلى اهتمام الأسر بأبنائها وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة صحيحة، خاصة في المراحل العمرية التي ممكن أن يكون فيها الأبناء عرضة لمثل هذه الجرائم.
الفقر والإدمان
يقول الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي: “إنّ أوقات الحروب بيئة خصبة لتفشي تجارة المخدرات وتعاطيها، جراء انزلاق البلدان في مستنقع الفقر، الذي ينشأ مقابله أنشطة التجارة الممنوعة، وما يعقبها من تبعات، تضمن بقاء البلدان في دوامة هذه التجارة وتعاطيها”.
ويضيف في حديثه: “أنّ الأحياء الفقيرة تأتي بالمرتبة الأولى في تجارة المخدرات، وهذا يرجع إلى المستوى المعيشي المتدني الذي يعيشه سكان الأحياء الفقيرة، ويقف وراءها جهات أو شخصيات تجد بالأحياء الفقيرة بغيتها للقيام بهذه التجارة، ومِن ثَمَّ يتطور الأمر إلى التعاطي والإدمان”.
يوافقه في الرأي رشيد الحداد (صحفي)؛ إذ يقول: “إنَّ فئات الشباب من الذكور والإناث في الأحياء الأشد فقرًا أكثرهم مدمنو مخدرات، فتجدهم يستخدمون أكثر من وسيلة، مثل تعاطيهم بعض الأدوية، أو استنشاق البنزين، وهي ربما تكون أشياء بسيطة، وبإمكانهم توفيرها بسهولة، واستخدامها دون أن يلفتوا نظر المجتمع، لكن تكون آثارها مدمرة”.
ويتابع: “وتأتي الحلول لمواجهة هذه المشكلة بعمل دراسة حول الأسباب التي تدفع الشباب في الأحياء الفقيرة إلى إدمان المخدرات؛ هل من أجل الهروب من الواقع، خاصة أنّ هناك الكثير منهم عاطلين عن العمل، أو نتيجة تأثرهم برفقاء السوء، أو وصولهم إلى الإحباط من الأوضاع التي يعيشون فيها، أو ناتج عن ضعف الوازع الديني، أو ناتج عن فراغ اجتماعي، ومِن ثَمَّ إيجاد حلول حقيقية لإنقاذ المجتمع من هذه الظاهرة، ومِن ثَمَّ التوعية بمخاطرها خاصة الشباب الفقراء”.
يتفق متخصصون في علم الاجتماع أنّ هناك عوامل رئيسية وراء انتشار تعاطي المخدرات، وتتمثل في الصراع السياسي والدموي الحالي، إلى جانب غياب وسائل الضبط الاجتماعي، مثل الشرطة، والأمن، والقضاء، ونقص الوازع الديني، وإغفال التوعية، والإرشاد الأسري والديني من البيت والمدرسة والمسجد، إلى جانب الأطماع الاقتصادية والتجارية بدون أي ضمير أو رقيب.
من الناحية النفسية
في هذا الشأن تقول أفراح عبده حسن العريقي (رئيسة قسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة الحديدة): “إنّ البطالة والفقر تلعبان دورًا مهمًّا في انهيار الفرد والمجتمع اليمني، فالعاطل عن العمل يتأثر بالضغوط النفسية؛ بسبب شعوره بالنقص لعدم قدرته على استغلال قدراته وانخراطه في المجتمع، وهذه بحد ذاتها مشكلة نفسية، تولد مشاكل أسرية، كما أنّه يتعرض للانتقاد والنبذ من المجتمع، وهذا يؤدي إلى الجنوح والانحراف نحو القيام بالجرائم، ومنها تعاطي المخدرات”.
وتتابع: “إحدى نتائج الفقر هي إدخال المجتمع في حالة انتشار الآفات السلبية، التي تؤدي لعدم ترابط المجتمع اليمني وتماسكه، وتظهر على المتعاطي سلوكيات، مثل الانطواء، والعزلة عن الجماعة وأفراد الأسرة، وإهماله لمظهره الخارجي، وسوء التقدير والإدراك لذاته”.
وتؤكد على أن عدم إشباع الشاب لحاجاته، وعدم قدرته على تقدير ذاته، يؤدي إلى وقوعه في شباك الأوهام، وتسيطر عليه الأفكار التخيلية البعيدة عن الواقع الذي يعيش فيه، وبذلك تحدث التهيئة النفسية للتعاطي.
وتضيف: ” تلعب أوقات الفراغ دورًا كبيرًا في اتجاه الشباب أو المراهقين نحو تعاطي المخدرات، بغرض إشغال هذا الفراغ، وبعد ذلك تتطور الحالة إلى أن تصل إلى حالة الإدمان، وإذا لم يدركها المجتمع، تفشت ويصعب علاجها”.
وتشير العريقي إلى أنّ الفقر والبطالة ليسا السببين الوحيدين في تفشي هذه الظاهرة؛ فهناك أيضًا الثراء الفاحش والدلال الزائد للأبناء؛ يجعلهم يتجهون إلى تعاطي المخدرات؛ إذ لم يكن هناك رقابة أبوية، ومجتمع واعٍ بذلك، وأيضًا يتأثر الشاب بالآخرين، وخاصة بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد، ويكتسب سلوكيات سلبية تؤدي إلى التعاطي.
وحول الحلول والمقترحات التي من شأنها أن تحدَّ من تعاطي المخدرات، وتقضي على تجارتها في المجتمع اليمني، تقول العريقي: “إنّ هذه المشكلة مسؤوليتها مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة، فدور الأسرة أساسي في الرقابة والوقاية، من خلال التوعية، وتصحيح مفاهيم أبنائها حول المسميات المنتشرة في المجتمع (كبد الحوت، قات، الحشيش)، ومحاولة توعيتهم بأنّها مخدرات تضر بالصحة”.
وتتابع: “التوعية بالأمراض النفسية التي تؤدي إلى الإدمان، ونبذ التنمر المدرسي، يعدُّ علاجًا فعّالًا في الوقاية من تعاطي المخدرات، وأيضًا يجب توفير وظائف مناسبة للشباب، تناسب قدراتهم، ممّا يؤدي إلى رفع معنوياتهم، وإحساسهم بأنّهم مقبولون في المجتمع اليمني، والابتعاد عن البيئة المشجعة للتعاطي، بالإضافة إلى تلقي العلاج النفسي اللازم عند أطباء نفسيين متخصصين”. يبقى الفقراء، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة، وعدم وجود فرص العمل لهم، أكثر عرضة لتعاطي المخدرات وبيعها، كوسيلة لكسب المال؛ حتى يتمكنوا من النجاة، وتحسين وضعهم المعيشي، وهذه المشكلة تعد من أكثر المشاكل التي يعاني منها المجتمع اليمني، وهو ما ينذر بخطورة توسع ظاهرة تعاطي المخدرات، خاصة مع الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد، وضعف الرقابة.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…