من ظلام الإدمان إلى نور الحياة
صوت الأمل – هبة محمد
بالرغم من النهايات المظلمة في اليمن لمتعاطي المخدرات، وانعدام المراكز المتخصصة لمعالجة الإدمان، لتنتهي حياة الكثير من متعاطي المخدرات بالموت والضياع أمام غياب الوعي المجتمعي والأسري، ولكن بعد بحث طويل عن وجود بقعة ضوء نعيد من خلالها الأمل لكثير من الشباب، من خلال شباب تعاطوا المخدرات في لحظة ضعف، ولكنهم لم يستسلموا وقرروا العودة للحياة من جديد. في هذا الأسطر نسرد تفاصيل حياة يوسف، الذي رفض أن نذكر اسمه بالكامل ونكتفي بسرد قصته.
وُلد الشاب يوسف (30سنة) في عائلة متواضعة، كانت طفولته صعبة؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أسرته، ومع مرور الوقت بدأ يوسف يشعر بالضغوط والتوتر الناجم عن الحياة اليومية الصعبة، وكان يبحث عن طرق للهروب من هذه الواقعية المرهقة.
يقول يوسف: “في مرحلة المراهقة عندما كان عمري 15سنة، تعرفت على مجموعة من الأصدقاء الذين كانوا يتعاطون المخدرات، في بداية الأمر كنتُ أشعر بالخوف والارتباك تجاه هذا النوع من السلوك، ولكنّي كنت أشعر أنّي أجد فيها ملاذًا من حياتي المتعبة، وفي لحظة ضعف قررتُ تجربة المخدرات للمرة الأولى، ومن هنا بدأت معاناتي الحقيقية”.
ويتابع يوسف والدموع تنهمر من عينيه” بدايةً، كنتُ أعتقد أنّي أستطيع التحكم في استخدامي للمخدرات كالتدخين، ولكني وقعتُ في شباك الإدمان، فبدأت أقضي أيامي وحياتي في البحث عن المخدرات وشرائها، وهمّي الوحيد أصبح الحصول على دفعة أخرى؛ لكي أشعر بالنشوة والهروب من واقعي المرير”.
تأثرت حياة يوسف بشكل سلبي، تراجع أداؤه الدراسي، وتخلف عن المدرسة بشكل متكرر، تراجعت علاقته مع عائلته وأصدقائه القدامى، وأصبح يعيش في عالم منعزل عن الجميع، يتجنب الحياة الاجتماعية والمسؤوليات اليومية.
مع مرور الوقت، تفاقمت مشكلة يوسف، وبدأ يعاني من آثار جسدية ونفسية سلبية نتيجة لتعاطي المخدرات، فقد واجه مشاكل صحية خطيرة وانخفاضًا في وزنه، كما زادت حالات الاكتئاب والقلق لديه، وبدأ يعاني من هلوسات وانفصام في الشخصية.
يصف يوسف تلك المرحلة من عمره بالقول: ” أمام كل هذه التغيرات في حياتي كنت أموت من الداخل وأسرتي لا تعلم عن حالتي شيئًا، بالرغم أني أعيش معهم، لكنّ والديَّ كانا ينشغلان في العمل وتوفير لقمة العيش، وفي أحد الأيام تلقيت صدمة كبيرة، حين شهدتُ وفاة صديقي المقرب، جراء جرعة زائدة من المخدرات، كانت تلك اللحظة هي النقطة المفصلية في حياتي، أدركت أنّه يجب عليَّ أن أغيّر مسار حياتي، قبل أن يكون الموت هو مصيري مثل صديقي”.
لحظة اعتراف
بدأ يوسف في التوجه نحو الشفاء والتعافي، والبحث عمّن يساعده، وقرر أن يكلم والديه بأنّه أصبح مدمن مخدرات، وحالته صعبة، فيقول يوسف: “واجهت والديَّ بعد أن تمالكتُ نفسي بالقوة، بأنَّ ولدهم يوسف يضيع يوم بعد آخر وسط شبكة المخدرات، فانهمرت أمي بالبكاء وأغمي عليها، أمّا والدي فصفعني بقوة على وجهي إلى أن ارتميتُ أرضًا، ثم ذهبتُ إلى أمي لأعتذر لها، وأحاول أن تفيق من الإغماء”.
ويواصل يوسف سرد القصة قائلًا: ” وبعد مرور ثلاثة أيام دخل والداي إلى غرفتي وأنا بحالة سيئة جدًّا، لا آكل ولا أشرب، فقط يصاحبني الألم والبكاء، فحضنتني أُمّي وهي تقول لأبي: ولدنا يموت ونحن نتفرج، سأعمل المستحيل لكي يعود يوسف إلى حياته ومدرسته، أو أموت معه”.
البحث عن العلاج
قام والد يوسف بالاتصال ببعض أصدقائه؛ ليسأل عمّا إذا كان هناك مركز متخصص في علاج الإدمان في اليمن، ولكن الجميع يقول له: بأنّه لا وجود لمراكز علاج الإدمان في اليمن، فقط هناك بعض مراكز العلاج النفسي. سرعان ما قرر والد يوسف أخذ ولده للعلاج في الخارج.
يقول يوسف ” قام والدي ببيع الشيْء الوحيد الذي يملكه، وهو أرضية ورثها عن جدي؛ لكي تغطي تكاليف العلاج، فكنتُ أرى والديَّ يتعذبان من أجلي، وأموت في اليوم ألف مرة، وأقرر أن أتعافى من هذا السُّم الذي في جسدي مهما كلفني الأمر، وبعد شهر سافرت أنا وأمي وأبي إلى مصر؛ للبدء في رحلة العلاج”.
رحلة العلاج وأهم التحديات
يتابع يوسف “فدخلنا مركز لعلاج الإدمان، وبدأت ببرنامج علاجي شامل، كان الطريق طويلاً وصعبًا، إذ كان عليَّ التغلب على الإدمان، ومواجهة التحديات النفسية والجسدية، التي نشأت نتيجة استخدامي المستمر للمخدرات، ومع مرور الوقت، وبفضل التعاون مع الأطباء والمستشارين، بدأت حالتي تتحسن تدريجيًّا، تعلمت كيفية التعامل مع الضغوط والتوترات بطرق صحيحة، وبدأت في بناء شبكة دعم اجتماعية قوية، تساعد على الاستمرار في الطريق نحو التعافي”.
ويشير يوسف إلى جملة من التحديات التي واجهته، بعد أن بدأ رحلته نحو التعافي، وهي الانتكاسات المحتملة في طريقه إلى الشفاء، فقد كانت الانتكاسات جزءًا لا يتجزأ من عملية التعافي، وكان على يوسف أن يتعلم كيفية التعامل معها، والارتقاء بها كفرصة للنمو والتقدم.
تلقى يوسف الدعم العاطفي والمعنوي من أسرته، ومن كادر الأطباء في المركز، وكان لهم دور كبير في تشجيعه، وتعزيز إصراره على الشفاء، كما حضر جلسات علاجية ومجموعات دعم تعاطي المخدرات؛ إذ شارك في مناقشة تجاربه مع الآخرين الذين يعانون من نفس المشكلة، هذا النوع من الدعم والتواصل الاجتماعي كان حاسمًا لدى يوسف في مساعدته على التغلب على التحديات الصعبة.
العودة للحياة
مع مرور الوقت، بدأ يوسف يشعر بالتحسن التدريجي؛ عادت طاقته وحيويته، وتحسنت صحته العامة، استعاد أهدافه وأحلامه في الحياة، وعمل على تحقيقها، وبدأ يستكشف مواهبه واهتماماته، ويعمل على تطوير نفسه بشكل شامل.
مع الوقت، تمكن يوسف من التغلب على إدمان المخدرات، وقررت أسرته الاستقرار في مصر، وترك اليمن للبدء بحياة جديدة هناك، وبدأ بإعادة بناء حياته، فعاد إلى المدرسة واستكمل تعليمه، وتمكن من إصلاح علاقته بعائلته ومجتمعه، وأصبح يعمل كمتطوع في مراكز إعادة التأهيل للمدمنين في مصر؛ ليساعد الآخرين على التغلب على إدمان المخدرات، وإعادة بناء حياتهم.
ويختم يوسف قصته بالقول: ” أتمنى العودة إلى اليمن؛ لمساعدة الشباب الذين أثرت عليهم ظروف النزاع والحياة الاقتصادية، لكن التجارب القاسية التي عشتها في اليمن مع عائلتي جعلتهم يرفضون العودة، خاصة بعد أن خسرنا كل شيء هناك؛ البيت، والأرض، وكل ما نملك، لكني اليوم، والحمد لله، أعمل ليل نهار؛ لأعوض والديَّ عن العذاب الذي سببته لهما، وإذا تحسنت الأوضاع في بلدي اليمن بالتأكيد أنّنا سنعود”. قصة الشاب اليمني يوسف المدمن على المخدرات، تجسد النضال والصمود والتحديات التي يواجهها الأشخاص، الذين يكافحون للتغلب على إدمان المخدرات، إنّها قصة عن الأمل والتحول والقوة الداخلية، تذكرنا بأهمية توفير الدعم والعلاج المناسب للأشخاص، الذين يعانون من إدمان المخدرات، وأنه لا توجد حالة يائسة لا يمكن التغلب عليها، إذا تمَّ توفير الدعم المناسب والإرادة القوية.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…