المخدرات وعواقبها النفسية والاجتماعية
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
يبلغ أحمد طه من العمر 22 عامًا، ويعيش في إحدى مديريات محافظة الحديدة في أسرة مكونة من خمسة أخوة وأمهم، تُوفي والده وأحمد ما يزال طفلًا، فترك تعليمه من أجل البحث عن لقمة العيش لأهله؛ لأنه الأكبر بين إخوته. عمل في بيع الخضروات، وحمل البضائع مع أحد التجار، وغيرها من الأعمال التي استطاع من خلالها أن يوفر حياة كريمة لأسرته. هذا بحسب ما قالت جارته أم سعيد.
وتضيف: “خذله أصدقاؤه المقربون الذين كانوا يتعاطون المخدرات دون علمه، وذات يوم دعوه إلى مجالسهم، ووضعوا كمية من المخدرات في المشروب الذي قدموه له، كان أحمد ذا مناعةً ضعيفةً؛ فلم يحتمل مفعوله وسقط أرضًا وتم إسعافه فورًا، وحينها عرفت أسرته السبب”.
تقول أم سعيد واصفة حال أحمد بعد الحادثة: “تغير وضع أحمد وتعامله مع الآخرين لم يعد يتحدث مع أحد حتى في بيته، يجلس وحيد أمام منزلهم لساعات طويلة، نشاهده يضحك ويتشاجر مع الجدران، ويحدث نفسه كثيرا، ينفعل فجأة ويعصب وكأنه يتخاصم مع شخص ما دون أن يكون أحد بجانبه”.
وتشير أم سعيد في حديثها إلى أنه أخبر الشرطة أن أصدقاءه هم من وضعوا المخدرات في المشروب، وأنه قد شك بذلك حينها إلا أنه لم يكن متأكدًا، ولم يدرك أنهم قد يفعلون به ذلك. وأكدت أن أصدقاءه قد أنكروا، وكذا أهاليهم، ولم يستطع أخذ حقه منهم؛ لأنه لم يجد دليلًا يثبت فعلهم الشنيع.
لا توجد إحصائيات تصف حجم تعاطي المخدرات في اليمن؛ فقد ساهم الصراع في توسع تجارتها بشكل كبير خاصة مع تدهور الوضع الأمني في البلاد، وانتشرت في المجتمع وبقيت آثارها النفسية والاجتماعية تثبت بشاعة الوضع الذي وصلنا إليه.
وهذا ما أكده الأكاديمي عبدالكريم غانم (أخصائي علم اجتماع بمركز الدراسات والبحوث اليمني) الذي قال: “على الرغم من شحة البيانات التي توضح حجم انتشار تعاطي المخدرات في اليمن فإن الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها البلاد حاليًا تجعل الباب مفتوحًا أمام تنامي إدمان المواد المخدرة”.
ويؤكد “أن تعدد السلطات المسيطرة على الأرض يجعل من الصعب السيطرة على الحدود والمنافذ البرية والبحرية، وأن حالة الانفلات الأمني تجعل اليمن ممرًا سهلًا لعصابات تهريب المخدرات إلى دول وبلدان أخرى؛ فهناك كميات كبيرة من العقاقير والمواد المخدرة يتم تهريبها عبر سواحل البحر العربي، لتجد طريقها من هناك إلى دول أخرى. ومن هذه العقاقير عقار الكبتاجون، الأكثر شعبية في هذه البلدان”.
ويضيف: “وطالما ظلت اليمن ممرًا لتهريب المخدرات، فمن المتوقع انتشار تعاطيها في أوساط اليمنيين لا سيما بين الشباب، جراء الاحتكاك بتجار المخدرات، وانخراط بعضهم في عمليات التهريب”.
التأثيرات الاجتماعية
يقول غانم إن علم الاجتماع يُصنف إدمان المخدرات في خانة الانحراف باعتباره ظاهرة تزعزع استقرار المجتمع وتخل بتوازنه؛ حيث تؤدي بالأفراد إلى ارتكاب الجريمة تجاه المجتمع أو تجاه أنفسهم، كما هو الحال في الانتحار.
ويضيف “أن الشباب في المراحل الانتقالية وشديدة الاضطراب والتعقيد -كالتي تمر بها اليمن- يكونون أكثر قابلية لتعاطي المخدرات؛ ففي ظل ما يشهده المجتمع من تراجع للمعايير القديمة، وانتقال إلى معايير جديدة يجد الشباب، لا سيما من أبناء الفئات الفقيرة، أنفسهم غير معنيين بالتمسك بالقيم القديمة، وفي الوقت نفسه غير مدمجين ضمن المجتمع المدني، وهو ما يجعلهم أكثر قابلية للجوء إلى المخدرات”.
ويرى أن الأشخاص الذين لديهم اتجاه إيجابي نحو المخدرات، فعلوا ذلك لأنهم كوَّنوا اعتقادًا مميزًا بشأنها، تحت تأثير بعض الظروف التي يمكن أن تكون خارجية، كسوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وتأثير جماعة الأصدقاء التي تتعاطى المخدرات.
ويضيف غانم: “التقبل الاجتماعي لإدمان المخدرات أحد أبرز آثار انتشار المخدرات، فالسلوك المنحرف قابل للانتقال من شخص إلى آخر. وفي ظل الأوضاع التي يمر بها الشباب في اليمن، ترتفع قابلية تعلم تعاطي المخدرات لاعتبارات متعددة، منها تجنب نتائج الفشل التي يزداد احتمال التعرض لها في ظل حالة الانسداد السياسي والانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني الذي تمر به البلاد. فتعاطي المخدرات سلوك مُتعلَم موجه وهادف للبحث عن النجاح أو للتغلب على الفشل، وعند فشل الفرد في تحقيق هدفه المنشود، يمكن أن يلجأ إلى اكتشاف ممارسات بديلة، ومنها تعاطي المخدرات”.
وحول الحلول والمعالجات الممكنة لتجاوز الآثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات يقول غانم إن لا بد من توجيه الأبحاث والدراسات والتحقيقات نحو هذه الظاهرة التي ما تزال غامضة في اليمن؛ بغرض تقديم فَهَمٍ أفضلَ لأسبابها ومظاهرها وتجلياتها وتداعياتها على الفرد والمجتمع. ومن ذلك على سبيل المثال، علاقة إدمان المخدرات بارتفاع مستوى العنف، ومعدلات الطلاق، والصحة النفسية وتحديد السبل الممكنة لمكافحة تعاطيها رسميًا ومجتمعيًا.
ويؤكد أن من المهم قيام المؤسسات الإعلامية والتربوية بدورها في تقديم المعلومات الصحيحة حول خطر تعاطي المخدرات على مختلف شرائح المجتمع، كما يجب قيام السلطات الحاكمة بإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والأمنية بما يسهم في الحد من الفقر والبطالة، وإنهاء حالات الانفلات الأمني، ودعم التحاق الطلاب بصفوف الدراسة؛ للحد من العوامل التي تسهم في انتعاش ظاهرة تعاطى المخدرات، وفرض الرقابة على تهريبها، وبيعها، والترويج لتعاطيها.
أبرز الآثار النفسية على المدمنين
تقول الأخصائية النفسية شفيقة صبر إن المدمنين يعانون في كثير من الأحيان من مجموعة متباينة وكبيرة من النتائج والآثار النفسية، بما في ذلك الحالات النفسية السلبية، وسرعة الغضب، واللجوء دائمًا الى الدفاع، وفقدان الاحترام والثقة بالنفس. كما أنهم قد يعانون من إحساس قوى بالذنب والعار بالرغم من إخفائهم تلك الأحاسيس.
وتتابع: “ثقة متعاطي المخدرات بنفسه واحترامه لذاته تتدنى بسبب المشكلات التي تتراكم عليه في العمل وفي المنزل، وبسبب المشاكل المالية أيضًا. ولأن المتعاطي لا يستطيع السيطرة على تلك المشاكل فإن مشاعر الإحساس بالفشل وانعدام الحيلة تتولد لديه، وبالتالي يُصاب بالاكتئاب واليأس”.
وتؤكد صبر أن بعض المخدرات يمكن تؤدى إلى الاضطراب العقلي، فتظهر لدى المدمن الأوهام والهلاوس السمعية والبصرية، والشعور بالاكتئاب الشديد الذي يؤدي إلى التفكير في الانتحار ومحاولة التنفيذ للتخلص من المعاناة، وهنا تزداد رغبة المتعاطي في تعاطي المخدر مرات ومرات؛ للهروب من الألم والمعاناة.
من جهته يرى جمهور الحميدي (الاستشاري النفسي لمنظمة جسور السلام والتضامن – كندا) أن ظاهرة تعاطي المخدرات بكافة أشكالها ترتبط بموضوع السلوك الإدماني للفرد، الذي يعد محصلة للهشاشة النفسية والأفكار اللاعقلانية التي يتميز بها المصابون بهذا السلوك، وهو بحد ذاته يعد سلوكًا هروبيًا ناتجًا عن الصراعات النفسية المختلفة داخل الفرد.
وأوضح الحميدي أن الدراسات العلمية في هذا الصدد تشير إلى أن أغلب الأفراد المتعاطين لهذه المواد المخدرة هم في الأساس ممن يعانون من اضطراب المزاج العام والوساوس القهرية مما يجعلهم في صراع دائم تكون محصلته النهاية الهروب إلى تعاطي المخدرات اعتقادًا منهم بأنها الوسيلة الناجحة في تخفيف هذا الصراع.
وأكد أن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن المتعاطين للمخدرات والخمور هم أفراد يمتلكون طاقة نفسية ووجدان خصب، مما يجعلهم أكثر حساسية لأحداث المجتمع التي تشكل لهم ضغوطًا نفسية تجعلهم يهربون إلى الإدمان.
ويتابع: “هناك مجموعة من الإجراءات الوقائية التي قد تحد من لجوء هؤلاء الأفراد إلى تعاطي المخدرات، منها الكشف المبكر عن سماتهم الشخصية، والسيطرة على العوامل التي تشكل لهم ضغوطًا نفسية، والتوعية المبكرة؛ لكي يدركون عواقب الإدمان”.
ويؤكد الحميدي أن على الجهات ذات العلاقة أن تتعامل مع المتعاطي على أنه ضحية من خلال تقديم برامج دعم نفسي، ومحاولة إكسابه المهارات الاجتماعية التي تمكنه من مواجهة الأحداث الضاغطة.
نصائح وارشادات
يتحدث صالح باشامخة (أخصائي نفسي) عن “وجود حلول ممكنة تساعد المدمن في الاقلاع عن إدمان المخدرات، وتتمثل في البحث عن الدعم الاجتماعي (الحصول على دعم من الأصدقاء والعائلة المقربة)، والانضمام إلى مجموعة دعم الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع عن المخدرات، والاستعانة بمستشارين أو معالجين نفسيين أو أخصائيين في مجال الإدمان، إلى جانب تغيير البيئة، ويقصد بها أن يحاول المدمن تجنب المواقف والأماكن التي ترتبط بتعاطي المخدرات”.
ويضيف: “وكذا تعلم استراتيجيات التحكم في الرغبة عن طريق تعلم تقنيات التحكم، مثل التنفس العميق، والتأمل، وتحويل الانتباه؛ فهذه التقنيات يمكن أن تساعد في التغلب على الرغبة الملحة في تعاطي المخدرات، وكذا الاهتمام بالصحة من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول وجبات صحية، والحصول على قسط كافٍ من النوم”.
وأوضح باشامخة أن البحث عن نشاطات جديدة ومفيدة لملء الوقت والحفاظ على تشغيل الذهن والجسد (مثل ممارسة الفن، والرياضة، والقراءة، وتعلم مهارات جديدة) قد يؤدي إلى الاستقرار النفسي وبالتالي الابتعاد عن طريق المخدرات.
ويتابع: “قد نحتاج إلى البحث عن العلاج المناسب للتغلب على إدمان المخدرات، ويمكن أن يشمل العلاج: الإرشاد الفردي، العلاج الجماعي، العلاج الدوائي. ويجب على المدمن أن يكون على استعداد للتحديات والانتكاسات في رحلة الإقلاع عن المخدرات، فهناك أوقات صعبة، والمهم أن يصمد المدمن ويستمر في السعي نحو الشفاء”. تقع المسؤولية الأولى في محاربة تجارة المخدرات في اليمن على عاتق الجهات المسؤولة التي يجب أن تقوم بدورها، فانشغالها في ميادين الصراع وضعف الأجهزة الأمنية أتاح المجال لانتشارها بين فئات المجتمع في مناطق كثيرة من البلاد.
71.3% يرون أن ظاهرة تعاطي المخدرات سببٌ رئيس في ارتفاع معدل الجريمة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الصراعات
صوت الأمل – يُمنى احمد تعد المخدرات ظاهرة اجتماعية خطيرة وغير صحية، وصارت تنتشر في المجتمع…