التنمية المستدامة والتغير المناخي
صوت الأمل – فتحية الهمداني
تتطلع الكثير من دول العالم إلى التقدم والإنجاز في أهداف التنمية المستدامة 2030، وذلك من خلال أبعاده المتنوعة المرتكزة على الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إلا أن المتتبع للتقارير الدولية للتنمية في مختلف ركائزها يلاحظ أن الاستدامة المرجوة لتلك الركائز تواجه خطرَ التغير المناخي.
التغير المناخي هو أحد القضايا التي حازت على اهتمام العديد من علماء القرن التاسع عشر، باعتبارها قضية تتعدى حدود الزمان والمكان، ولا تقتصر على جيل واحد بل تمتد لأجيال ومئات السنين، وتحتوى على العديد من المجالات؛ فقد أوضح العديد من علماء المناخ وعلوم الأرض أن مناخ الكرة الأرضية في تغيُّر مستمر، وبطريقة ستؤثر سلباً على الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا يعود إلى أن الاستهلاك العشوائي واللاعقلاني للموارد الطبيعية قد أدى إلى ارتفاع مستويات التلوث في الكرة الأرضية، وكل ذلك سيؤثر على التنمية المستدامة، فما هو مفهوم التغيُّر المناخي، وما أسبابه، وما تأثيره على التنمية، سنحاول من خلال هذا المقال العلمي أن نطرح إجابات علمية لذلك.
يُعني مفهوم المناخ بالتحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، فيما تعرف التغيُّرات المناخية بحسب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (UNFCCC) على أنها تغيُّر في المناخ يُعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي.
كما يعرف التغيُّر المناخي بأنه كل أشكال التغيرات التي يمكن التعبير عنها بوصف إحصائي التي ممكن أن تستمر لعقود متوالية.
وبذلك فإن التغيُّرات المناخية عبارة عن تغيُّر في الخصائص المناخية للكرة الأرضية نتيجة زيادة النشاط البشري الذي أدى إلى زيادة في نسبة تركيز الغازات المتولدة من عمليات الاحتراق في الغلاف الجوي؛ فنجد زيادة انبعاث الغازات السامة، وارتفاع نسب غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكاسيد النتروجين والكلوروفلوروبون. كل ذلك تسبب بما يسمي “الاحتباس الحراري” وارتفاع درجات الحرارة ومستويات التلوث البيئي. وهو ما لا يحدث بعيداً عن البشر وأنشطتهم التي تمثل السبب الرئيس لتلك التغيرات؛ فاستخدام البشر المفرط للموارد الطبيعية واستخراج الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي والفحم) وعمليات تكريرها واستخدامها، كل ذلك يعتبر من أهم العلميات التي تؤدي إلى انطلاق كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُطرح في الجو ويؤدي إلى تغيُّر في تركيب الغلاف الجوي، ويرتفع مستوى التغيُّرات المناخية السلبية.
كما أن استخدام الأراضي في البناء والصناعة والقضاء على الغطاء النباتي يؤثر على المواصفات الفيزيائية والحيوية لسطح الأرض، وعلى قوى الإشعاع التي تؤثر على المناخ. وللعوامل الطبيعية دورٌ في عملية التغيُّرات المناخية التي تتمثل في تغيُّر دوران الأرض والإشعاع الشمسي؛ فالأرض تدور حول نفسها بمحور منحرف عن المركز، هذا الانحراف يؤدي إلى تغيُّر كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض وبالتالي حدوث تغيرات مناخية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر النشاطات البركانية على الموازنة الطاقوية بين المناخ والأرض؛ إذ ينتج عن الانفجارات البركانية الهائلة كميات من المعلقات الهوائية -وهي عبارة عن اتحاد أكاسيد الكبريت- التي تقذف إلى الجو وتشكل شاشة عاكسة للإشعاعات الشمسية تمنع وصولها إلى الأرض، وهذه لا تشكل إلا جزءًا يسيرًا من أسباب التغير المناخي.
إن لتلك المسببات أثرًا في تعدد صور التغيُّرات المناخية المتمثلة في: تلوث الهواء وارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون، ارتفاع درجات الحرارة، الجفاف، اختلاف أوقات وكميات الأمطار، ذوبان العديد من القمم الثلجية، ارتفاع مستويات المياه في المحيطات، تغيُّر الدورة المائية وعملياتها المختلفة، ارتفاع نسبة الاحتباس الحراري، انتشار مساحات الجفاف على نطاق واسع للعديد من المسطحات المائية والزراعية، وزادت من الاضطرابات البيئية في القطاعين الزراعي والحيواني، وتهدّدت حياة البشر وأصيبوا بالأمراض المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك نجد أن النظام الإيكولوجي تأثر بتلك التغيُّرات؛ فقد انقرضت العديد من الحيوانات، وتعرض الغطاء النباتي للعديد من الإشكاليات، كانتشار الحرائق والجفاف واتساع رقعة التصحر في العديد من المناطق؛ وهذا بدوره أثر على استدامة البيئة. كما نجد ارتفاع درجات الحرارة عند الشواطئ مما أدى إلى تراجع نمو بعض الحيوانات البحرية والأحواض المرجانية، وساهمت تلك التغيُّرات في نقص المياه العذبة الصالحة للشرب وظهور “ظاهرة النينيو” التي تعنى بانخفاض معدلات المياه العذبة، وقله الأراضي الزراعية، وارتفاع معدلات الحموضة في المحيطات ويترتب على ذلك انخفاض مخزون الأسماك وانخفاض معدلات الأمن الغذائي، كما نشأت ظاهرة الأعاصير التي تخلف وراءها الكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية والبيئية، كل تلك الصور للتغيرات المناخية أفرزت الكثير من التداعيات التي أثرت على حياة البشر؛ فقد انتشرت ظاهرة هجرة السكان ومن ثم ظهور توترات سياسية وحروب أهلية، وانتشار العديد من الأمراض كسوء التغذية والتقزم، وظهور العديد من الأوبئة والأمراض المعدية كالملاريا وحمى الضنك والحمى الصفراء، وبذلك ارتفعت معدلات الوفيات، بالإضافة إلى ما سبق نجد أن تلك التغيُّرات مثلت عائقاً في تحقيق المساواة على أساس النوع الاجتماعي كون المرجح أن أغلبية النساء عرضة للفقر مقارنة بالرجال، الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للمخاطر والآثار الناجمة من تلك الاختلالات.
كل تلك التغيرات كانت –وستظل- أهم المعوقات التي تعيق الدول في تحقيق أهداف التنمية الإنمائية في مجال التعليم والصحة والبيئية والمساواة وتحقيق النمو الاقتصادي، فالتغيُّرات المناخية فرضت على الدول أجندة اقتصادية جديدة وباهضة الثمن؛ فقد ارتفعت التكلفة الاقتصادية لمواجهة تلك الآثار على حساب أهداف التنمية ومجالاتها المختلفة. وفي المقابل، ارتفعت مستويات الجهل العلمي وانخفضت مستويات الرعاية الصحية وزادت معدلات الوفيات ومعدلات الفقر والبطالة، وتم استنزاف الموارد الطبيعية لانعدام خطط التنمية البيئية، وسيكون لدى الدول خياران فقط، أولهما توجيه مواردها المالية إلى عملية التنمية في ظل اضطرابات سكانية وصحية وتعليمية وبيئية، وثانيهما مواجهة تلك المتغيرات وطرح الحلول والمعالجات المناسبة دون اهتمام بأهداف التنمية، وفي كلا الحالتين ستوجه الموارد المالية بخط مغاير لتحقيق التنمية ورفع مؤشراتها في مجال الصحة والتعليم ومواجهة الفقر والمساواة بين الجنسين، لأن ما سيتم إنفاقه لن يرفع مستويات التنمية التي تتطلب وجود نوع من الاستقرار الاقتصادي والسكاني والاجتماعي لدعم مجالاتها في التعليم والصحة والبيئة؛ لتحقيق مستوى عال من الحياة الآمنة والصحية للأجيال الحالية والمستقبلية.
والمتتبع لقضايا التغيُّر المناخي يلاحظ أن الدول المتقدمة هي الطرف الرئيس في عملية ارتفاع مستويات التغيُّرات المناخية، وأن حوالي أكثر من 50 دولة نامية حول العالم لا تعتبر مسؤولة عن 1% من تلك التغيُّرات، وبالأخص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع ذلك، تحصد نتائج وعواقب تلك التغيُّرات بصورة واضحة؛ وهذا يعود إلى هشاشة اقتصاديات تلك الدول في مواجهة آثار وتداعيات التغيرات المناخية، فالعديد منها –لا سيما الفقيرة- ما زالت تعتمد بصفة رئيسة على قطاعات اقتصادية مرتبطة بالظروف المناخية، كالزراعة والصيد واستخراج الموارد الطبيعية وغيرها من الموارد المعرضة للنضوب، وبذلك تتأثر الحياة الإنسانية ومستويات التنمية، وتنتج العديد من المشاكل بسبب التغيُّرات المناخية التي تشتمل على أربعة أبعاد هي: الأمن الغذائي، وقدرة وصول الإنسان إليه، واستخدامه، واستقراره؛ فعلي سبيل المثال، يؤدي ارتفاع معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو إلى نتائج سلبية متعددة، منها انخفاض مستويات الإنتاج الزراعي الذي سينتج عنه ارتفاع في أسعار المحاصيل الزراعية، وانخفاض الأيدي العاملة في الزراعة، وارتفاع معدلات البطالة، وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر، وانتشار الأمراض وغيرها من القضايا التي تؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
إن العلاقة بين المناخ والتنمية المستدامة علاقة ثنائية الاتجاه؛ فالمناخ يؤثر على ظروف الحياة المعيشية الطبيعية والبشرية، ومن ثم تؤثر على مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن ناحية أخرى، تؤثر أولويات المجتمع بشأن التنمية المستدامة على انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب تغيُّر المناخ، بالإضافة إلى تأثيرها على الصحة العامة، والأمن الغذائي والمائي، والهجرة، والسلام. والوقوف السلبي أمام تلك التغيُّرات سيترتب عليه تراجع مكاسب التنمية؛ لذا ينبغي العمل على رفع مستوى الوعي لدى الشعوب للحد من مسببات التغيُّر المناخي، ووضع الاستراتيجيات الرامية إلى الحد من تغيرات المناخ -وبالأخص الاحتباس الحراري- وإدماج الخطط والتدابير المتعلقة بالمناخ في السياسيات والخطط على مستوى كل دولة، والتشجيع على إقامة مشاريع الطاقة المتجددة، والحرص على الالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالمناخ، وتعزيز قدرات المؤسسات المختلفة في تفعيل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة للعمل المناخي، وزيادة كمية التدفقات المالية الدولية لتمويل العمل المناخي، وغيرها من التدابير اللازمة لتحسين ودعم مجالات التنمية.
لن تتحقق التنمية في ظل التغيُّرات المناخية التي تفرض الكثير من التداعيات السلبية والمؤثرة على الحياة البشرية حالياً ومستقبلاً، فنحن بحاجة إلى نهضة توعوية طويلة المدى بأهمية المحافظة على موارد الكرة الأرضية وترشيد استخدامها بأسلوب علمي وصحي.
84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…