صنعاء وإب وعمران تتصدر المحافظات اليمنية في أعداد ضحايا الانتحار
صوت الأمل – هبة محمد
تواجه اليمن الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مدى عقود من الزمن، ولعل العقد الأخير شهد ذروة تلك الأزمات جراء احتدام الصراع الذي أثر بشكل كبير ومباشر على المسار المجتمعي، وأفضى إلى نشوء ظواهر مخيفة في المجتمع أبرزها ظاهرة الانتحار.
قائمة مرعبة
تتصدر محافظات صنعاء وإب وعمران أعلى المستويات في أعداد ضحايا الانتحار منذ بداية العام 2014، حسب إيضاح مدير مركز الدعم النفسي والتربوي الحكومي في محافظة إب عبد العزيز الوحش، مبينًا لـ”صوت الأمل” أنه من خلال أبحاث كثيرة للمركز توصلوا إلى أن محافظة إب هي الأولى في تسجيل حالات الانتحار في الآونة الأخيرة؛ حيث تم تسجيل ثلاث حالات انتحار متتالية في الأسبوع الماضي، في مديريات: حبيش، العدين، القفر. وتنوعت أساليب الانتحار بين الشنق وإطلاق الرصاص وتناول جرعات من المبيدات السامة والقاتلة.
برامج تدريبية لمواجهة ظاهرة الانتحار
وأكد الوحش على ضرورة التدخل السريع للجهات المختصة في مكافحة السلوك الانتحاري بالتعاون والتنسيق مع وسائل الإعلام، ورصد وتقييم السلوكيات الانتحارية وسرعة معالجتها قبل الوقوع في الانتحار.
وأضاف: “نفذ مركز الدعم النفسي والتربوي في الفترة من 2013 إلى 2016 برنامج دبلوم الإرشاد النفسي مجانًا لعدد من نزلاء السجن في الإصلاحية المركزية بمحافظة إب البالغ عددهم 150 نزيلاً وتتراوح أعمارهم بين (20-50) عامًا، وكانت تظهر عليهم سلوكيات انتحارية داخل السجن. استمر البرنامج لمدة ثلاث سنوات، وخلاله تغيرت تلك السلوكيات التي كانت تهدف إلى إنهاء حياتهم، وأصبحوا مدربين في المجال النفسي لزملائهم السجناء”.
ويتحدث مسؤول وحدة التدريب والبحوث في المركز، الدكتور علي راجح، عن أهم الأنشطة والبرامج التي ساهم بها مركز الدعم النفسي والتربوي الحكومي في محاربة ظاهرة الانتحار قائلا: “قدم المركز منذ تأسيسه في العام 2010 إلى اليوم خدمات كثيرة للمواطنين في مجال الإرشاد والعلاج النفسي لجميع المتضررين نفسيًا من أحداث الصراع، وأيضًا استهدف المركز في إطار خدماته العلاجية جميع الطلاب من داخل جامعة إب وخارجها، وكلها خدمات مجانية في الإرشاد النفسي والأكاديمي والمهني والأسري. كما قام المركز بالتعاون مع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في العام 2019-2020 بتنفيذ حملات الدعم النفسية للاجئين من جميع المحافظات في عدد من مخيمات النازحين واستمرت لمدة ستة أشهر”.
ويضيف راجح: “بالرغم من وجود صعوبات كثيرة للنهوض في المجال النفسي في محافظة إب، بسبب تهميش الجهات الحكومية وغياب الاهتمام والدعم المادي للمركز وتغييب الدور الهام الذي يقوم به وبجهود ذاتية وسط إهمال كل الجهات المعنية داخل المحافظة، فإن قيادة المركز أعدت خطة مكثفة للعمل مع بداية العام الجديد من خلال برامج دراسية جديدة ستقدم خلال الأشهر القادمة، منها دبلوم علم النفس الإكلينيكي، ودبلوم الخدمة الاجتماعية، وستستمر لمده ستة أشهر، مستهدفة خريجي الإرشاد والعلاج النفسي لتطوير مهاراتهم في العمل الميداني. وكذلك العديد من الدورات التدريبية في مجال الاهتمام بالذات والإرشاد النفسي وتوعية المجتمع حول التكافل والتعاون مع المريض النفسي ومساعدته على تجاوز مرضه حتى لا يصل إلى مرحلة التفكير في الانتحار”.
طموحات لاستعادة الحياة
يشير الدكتور راجح إلى أن الشباب الذين يموتون تحت التأثيرات النفسية، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بحاجة ماسة إلى مساعدتهم وتقوية ذواتهم؛ للنهوض من جديد ومواجهة تلك التحديات. ونحن لن نستطيع أن نصل إلى كل شرائح المجتمع؛ لبثِّ وتفعيل برامج الإرشاد النفسي في كل مكان، في المدارس والجامعات والمرافق الصحية، إذا لم تقدم لنا الجهات الحكومية والمنظمات والاتحادات المحلية والدولية الدعم الكافي لإنعاش التوعية النفسية والإرشاد النفسي في نفوس كل من أثرت عليهم ظروف النزاعات. إننا ندعو السلطة المحلية والجهات الداعمة بتقديم الدعم المادي للمركز من أجل الاستمرار في تنفيذ دبلوم الإرشاد النفسي لنزلاء السجن في الإصلاحية المركزية، الذي يتوافد إليه يومياً عشرات من الشباب الذي هم بحاجة إلى إعادة تأهيل، خاصة بعد ظهور العديد من السلوكيات الانتحارية داخل الإصلاحية”.
ولفت الدكتور عبد اللطيف القادري، استشاري الصحة النفسية في المركز، أن أغلب من في اليمن، من شباب ونساء وأطفال وشيوخ، يطمحون فقط إلى توفير احتياجاتهم الأساسية والقضاء على الفقر والبطالة بتوفير الرواتب، وخلق فرص العمل، لا سيما أن نصف اليمنيين يعانون اليوم من انعدام الأمن الغذائي، مما يسبب انكسارات نفسية لا يتم احتواؤها طبيًا في مجتمع ما تزال ثقافته في العلاج النفسي ضعيفة جدا.
ويواصل القادري حديثه قائلًا: “وحسب ما تناقلته وسائل إعلام محلية عن وفاة جماعية لثلاث شباب تعاطوا مادة (السبرتو- Spirito) في المدينة القديمة بمدينة إب، وما يزال أربعة آخرون في حاله خطرة. فإن السؤال المهم هو: ما الذي يدفع بهؤلاء إلى تعاطي مادة مخدرة لها آثار قاتلة؟ بالطبع يكون الدافع رغبتهم في الهروب من الواقع، حتى وإن كانت النتائج هي الموت. إن إقدام سبعة شباب على هذا الفعل هو مؤشر خطير على أن الواقع أصبح أكثر مأساوية جراء العجز عن الحصول على وسيلة لتحسين الوضع المعيشي للبقاء على قيد الحياة”.
يؤكد القادري على ضرورة وجود تحرك جادٍ وحاسم من قبل الجهات الحكومية والخاصة، في توفير رواتب الموظفين وفرص عمل للشباب ورفع المستوى الاقتصادي والمعيشي للبلاد. كل ذلك سيساهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة بين أوساط المجتمع؛ لأن الفقر والبطالة وانعدام رواتب الموظفين هي من الأسباب الرئيسة لحوادث الانتحار، مثلما حدث في محافظة ذمار حين أقدم موظف حكومي على الانتحار من خلال إحراق جسده أمام أطفاله بسبب عجزه عن شراء كيلو دقيق لهم وهو يعيش بلا راتب منذ سنوات جراء توقف صرف المرتبات الحكومية. ولأن عزة نفسه منعته من السؤال؛ فقد وصل إلى حالة نفسية شديدة من الاكتئاب النفسي فقرر الانتحار.
فيما أشار الدكتور مأمون البناء -أخصائي في القياس النفسي- إلى أن الدولة تكافح حالات الانتحار من خلال محاربة أهم مسبباته، المخدرات، عن طريق ضبط رجال الأمن لتجار المخدرات وأنواع الحشيش، وكذلك من خلال رسائل نصية للهواتف تنبه عن خطورة المخدرات وأهمية الإيمان بالله وتعزيز الثقة بالنفس من أجل محاربة سلوكيات وأفكار الانتحار.
مكاتب الصحة ودورها في مكافحة ظاهرة الانتحار
تعد مكاتب الصحة من أهم الجهات التي تعمل على مساعدة الأفراد للوصول إلى مستوى جيد من الصحة النفسية. وعن دور هذه المكاتب في مكافحة ظاهرة الانتحار تحدث استشاري الصحة النفسية ورئيس “منظمة إسفير التنموية” الدكتور محمد الجميل قائلا: “بالرغم من الدور الذي يجب أن تلعبه مكاتب الصحة في تفعيل جميع الأنشطة المجتمعية والتوعية المكثفة التي تعمل على تعزيز الصحة النفسية وبرامج مكافحة التنمر بالتعاون والتنسيق مع جهات الاختصاص ومراكز الدعم النفسي؛ لتنفيذ حملة توعوية تنتزع الجهل القائم في المجتمع في المجال النفسي والخوف من العلاج بسبب نظرة المجتمع، ومحاربة ظاهرة الانتحار، بالرغم من ذلك فإننا اليوم نلاحظ ركودًا شديدًا في عملها المنشود الذي اقتصر على بعض الأنشطة والبرامج البسيطة بدون تنسيق مسبق مع جهات الاختصاص النفسي، وهذا دون المستوى المطلوب.
وقال الجميل: “نحن، بوصفنا منظمة مجتمع مدني، نتبنى عيادة نفسية خيرية لمعالجة الحالات النفسية، وهي عيادة الطمأنينة للاستشارات النفسية والأسرية التي نقدم فيها خدمات العلاج النفسي الإكلينيكي والطب النفسي على مدار العام، ونقدم خدمات الدعم والارشاد والتوعية النفسية للمجتمع ونقيم مخيمات نفسية مجانية، ولدينا حملة إذاعية وتلفزيونية أسبوعية للتوعية بالاضطرابات النفسية. وجميعها أنشطة تهدف إلى الحد من انتشار المرض النفسي الذي قد يؤدي إلى الانتحار”.
من جانبه، أوضح الدكتور عمر القرحزي (المنسق العام لبرامج مكتب الصحة بمحافظة إب) ما يقوم به المكتب قائلاً: “قام مكتب الصحة بالمحافظة منذ بداية الصراع، الذي يعد وضع طوارئ، بإدخال برنامج الدعم النفسي كخدمة أساسية في قسم الرعاية الصحية الأولية، وتطبيقه في الميدان من خلال تدريب العاملين في المجال الصحي والمجتمعي على تقديم الدعم الأولي والإسعاف النفسي، واكتشاف الحالات المتقدمة المصابة باضطرابات نفسية، وإحالتها إلى المراكز المتخصصة لتقديم العلاج النفسي المناسب من أجل الحد من انتشار الاضطرابات النفسية التي قد تودي إلى الانتحار”.
مضيفًا: “ونحن نعمل في الجانب العلاجي بتقديم خدمة الدعم النفسي بشكل مباشر للحالات الخفيفة والمتوسطة المصابة باضطرابات نفسية عن طريق فرقنا بالميدان. وما يميز مكتب الصحة بتقديم هذه الخدمة النفسية للمواطنين وحصوله على التشجيع والدعم في الاستمرار في نشر ثقافة العلاج النفسي، هو أنه أكثر الجهات تعاملا مع المواطنين والأقرب إليهم في اكتشاف الحالات النفسية، في جميع المديريات والعزل والأرياف، وبشكل مجاني”.
ظاهرة الانتحار وتهميش الجهات الحكومية
يعمل كثير من الباحثين والمختصين في المجال النفسي في اليمن بجهودهم الذاتية وإمكانياتهم المحدودة في التصدي لظاهرة الانتحار بكل الطرق والأساليب المتاحة لديهم. وفي المقابل، هناك غياب كبير وتهميش مباشر من قبل الجهات الحكومية المختصة في محاربة هذه الظاهرة أو في التعاون والتنسيق مع جهات الاختصاص.
وقد أفادت الدكتورة وفاء الشوكاني -أخصائية نفسية في مركز الطمأنينة النفسي في صنعاء- قائلة: “عندما نتحدث عن مدى تجاوب الجهات الحكومية مع البرامج التي تهدف إلى محاربة ظاهرة الانتحار فإنه لا يوجد تجاوبٌ مباشر وفعال في منع انتشار الظاهرة نهائيًا، ولكننا نقوم بالتوعية المجتمعية من خلال التنسيق مع بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية عن طريق علاقات شخصية فقط، وليس بطلب من الجهات الحكومية”.
وأضافت: “لن تكون تلك التوعية كافية وواسعة بالشكل المطلوب إذا لم تشعر الجهات المسؤولة بحجم الكارثة التي تترتب على تعاقب هذه الظاهرة من حين إلى آخر. والمجتمع بأكمله بحاجة ضرورية إلى نقلة كبيرة في التثقيف النفسي والصحي. فعندما حدثت حالة انتحار طالب في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، مشنوقا على شجرة وسط حديقة الجامعة، ذهبت أنا وفريق كامل من المتخصصين في العلاج النفسي، وطلبنا من رئاسة الجامعة التعاون والتنسيق معنا لفتح عيادة نفسية متخصصة داخل الجامعة؛ لمعالجة مشاكل الطلاب النفسية كعلاج وقائي يمنع تكرر حالات الانتحار في الجامعة، التي يكون سببها الرئيس ناتجًا عن أمراض نفسية، لكننا للأسف لم نلق أي تجاوب أو تعاون من رئاسة الجامعة، مع أنه من الواجب أن تكون الجهة الحكومية هي الجهة الحاضرة والداعمة والأولى في هذا الجانب”.
أصبح الانتحار ظاهرة تؤرق المجتمع، ومحاربتها والقضاء عليها هي مسؤولية مجتمعية. بالإضافة إلى ضرورة أن تقوم جميع الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية بتأهيل الكوادر الصحية والنفسية والتدخل الطارئ والعاجل لتحجيم هذه الظاهرة والقضاء عليها من جذورها.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…