انتشار السلاح في البيئة اليمنية يؤثر في ارتفاع عدد حالات الانتحار
صوت الأمل – علياء محمد
لا يزال الانتحار ظاهرة اجتماعية تحمل منحنيًا نفسيًا خطيرًا ويصنف كردِ فعل مأساوي لمواقف الحياة المسببة للضغوط. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، “فإن الانتحار هو السبب الرئيسي الرابع للوفاة لمن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا”. وذكرت المنظمة في تقريرها الصادر في العام 2021 “أن أكثر من 700,000 شخص ينتحرون كل عام، وتقابل كل حالة انتحار حالات أخرى عديدة من محاولات الانتحار، وأن 77% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل”.
طرق الانتحار
ترى منى نجيب (أخصائية نفسية) أن الكثير من حالات الانتحار تحدث نتيجة أزمة نفسية معينة، حينها يصاب الشخص المنتحر بانهيار يمنعه من القدرة على التفكير والتعامل مع ضغوط الحياة، ومن ثمَّ يدخل في حالة اكتئاب شديدة تدفعه إلى التخلص من الحياة.
مضيفة: “الاضطراب النفسي والأوضاع الاجتماعية السيئة والتفكك الأسري والإدمان هي أبرز العوامل التي تعزز الرغبة في الانتحار. وتزداد فُرصهُ عند سهولة الحصول على الوسيلة التي سيقوم المنتحر بتنفيذ عملية الانتحار بواسطتها”.
وأشارت في حديثها إلى تعدد طرق وسائل الانتحار بين شرب المبيدات والسموم، والشنق، إلى القفز من مكان عالٍ، أو قطع الأوردة، أو إطلاق أعيرة نارية. وأكدت أن أكثر وسائل الانتحار انتشارًا في المجتمع اليمني هي شرب السموم والشنق والأسلحة النارية، وأن الأسر التي تقتني الأسلحة في المنزل تكون معدلات الانتحار فيها مرتفعة مقارنة بمن لا تقتنيها. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 20% من حالات الانتحار العالمية تعود إلى حالات التسمم بالمبيدات يليها أساليب أخرى.
وفي سياق متصل، أوضحت عائشة محمد (أخصائية اجتماعية) أن الإقبال على الانتحار يزداد نسبته كلما زادت تعقيدات الحياة وضغوطاتها. وفي ظل الأوضاع الراهنة في البلاد وازدياد نسبة البطالة والفقر، ترتفع نسبة الانتحار في المجتمع. ومن المنتحرين من قرر الانتحار بمفرده، فيما قرر البعض قتل عائلته والانتحار بعدهم؛ لاعتقاده أنه يخلصهم من واقعهم التعيس. تعرف هذه الحالة بالقتل ثم الانتحار، وتظهر نتيجة لعدد من النزاعات الأسرية، والمشاكل المالية أو اضطرابات في الصحة العقلية، وتوفر وسيلة الانتحار وسهولة الحصول عليها.
وأضافت: “تختلف الوسائل التي يحدد بها المنتحر طريقة موته؛ فعلى سبيل المثال نجد الانتحار بالأعيرة النارية من أكثر أساليب الانتحار انتشارًا في المجتمع اليمني نتيجةَ طبيعة البيئة اليمنية ووجود الأسلحة في معظم البيوت اليمنية، أي أنه يسهل الحصول على وسيلة الانتحار. وتأتي وسيلة الشنق ثانيَ طريقة انتحار منتشرة في المجتمع اليمني، وتزداد نسبتها في المناطق الريفية، يليها بعد ذلك تناول جرعات أدوية زائدة”.
بناء على تقرير خاص بمنظمة الصحة العالمية 2020 حول العنف والصحة، “فإن النساء يستخدمن ألطف الطرق مقارنة بالرجل؛ إذ تقرر المرأة الانتحار بتناول جرعات مفرطة من الأدوية، بينما الرجال يميلون إلى استعمال وسائل انتحارية أكثر عنفًا، مثل الشنق وشق الوريد، بالإضافة إلى الانتحار من خلال استعمال الأسلحة النارية”.
عدوى السلوك الانتحاري
يفيد محمد (اختصاصي أمراض نفسية) أن نسبة كبيرة من المراهقين تلجأ إلى الانتحار نتيجة التقليد لما يرونه في الأفلام أو الألعاب الالكترونية؛ حيث لعبت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في هذا الجانب.
مضيفا: “ما يراه أبناؤنا في شاشات الكمبيوتر والهاتف يتم تطبيقه بعدوانية، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من المشاهد التي تمجد الانتحار وتصور وصفًا مفصلاً لكيفيته عن طريق وسيلة معينة دون أن تترك معالجة فورية للظاهرة، الأمر الذي يزيد من نسبة الانتحار بين عامة الناس”.
استراتيجيات الوقاية من الانتحار
تقول منى نجيب إن معرفة طريقة الانتحار ووسيلته يلعبان دورا كبيرا في وضع استراتيجيات تمنع حصول مثل هذه الظاهرة وكذا منع الوصول إلى هذه الوسائل بسهولة.
وأضافت: “يجب أن نقوم بعدد من التدابير التي تحد من انتشار الظاهرة عن طريق منع وصول الأشخاص الذين يمرون بضغوط مختلفة إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات، والأسلحة النارية، وبعض الأدوية)، بالإضافة إلى نشر الوعي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول آثار الانتحار النفسية والصحية”.
ومن جانبها، أشارت عائشة محمد إلى أهمية معرفة أعراض الشخص القادم على الانتحار وتحديد سلوكه الانتحاري حتى يتم التقييم لوضعه النفسي والصحي، بالإضافة إلى إكساب الشباب مهارات جديدة ومختلفة وإخراجهم من دائرة تأثير الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي والتركيز على إشراكهم بأنشطة علمية وترفيهية. وأكدت في حديثها على أهمية تكاثف الجهود وتعاون الأسرة مع المدرسة في إيجاد بيئة مناسبة وآمنة لأبنائنا بعيدة كل البعد عن ضغوطات الحياة المستمرة.
تبقى مشاعر الانتحار مشاعر مؤقتة في حال كان هناك إرادة كاملة بالعيش ورغبة في العلاج من أي اضطراب أو مشكلة نفسية، لكن منع هذه الظاهرة يتطلب ضبطًا ذاتيًا وتكاتفًا مجتمعيًا.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…