الألعاب الإلكترونية هرولة نحو الانتحار
صوت الأمل – عبد الجبار التام
حققت الشبكة العنكبوتية قفزات كبيرة لتواكب طلبات مستخدميها المستمرة والمتزايدة، خصوصاً في مجال تطوير وبرمجة أجهزة المحمول الذكية. الأمر الذي ساهم في ظهور جيل جديد من الألعاب الإلكترونية المختلفة جذريًا عن سابقاتها في العقود الماضية.
وبدافع زيادة الإثارة في هذه الألعاب، سعت الشركات -وما تزال- إلى تطويرها وإضفاء التفاعلية عليها من خلال فتح قنوات للتواصل (صوتيًا أو كتابيًا) بين اللاعبين، على العكس مما كان ممكنًا في الألعاب السابقة التي اتسمت بالعزلة والوحدة.
ورغم كل ذلك، فقد ظهرت ألعاب ظاهرها المتعة والترفيه، وباطنها خطرٌ حقيقيٌ ومدمر. تستهدف هذه الألعاب المراهقين والأطفال بشكل كبير وخاص، وتحصد أرواحهم. وحاليًا تُتهم الألعاب الإلكترونية بأنها خلف جميع العلل؛ التحريض على العنف واضطراب النوم والإدمان، وحتى السمنة بسبب قلة النشاط البدني، بل والوصول إلى مرحلة الانتحار.
إدمان الألعاب الإلكترونية وخطرها
تبحث الكثير من الأمهات عن طرق يشغلن بها أطفالهن أثناء قيامهن بشؤون المنزل؛ لذا لجأت معظمهن إلى الألعاب الإلكترونية، اعتقادًا منهن أنها تُنمي مَلَكات الأطفال وتوسع مداركهم للأشياء. لكنهن سرعان ما لاحظن انحصار تفاعلات أطفالهن مع المحيط، وندرة الكلام، وقلة الحركة أو فرطها بشكل عدواني، وتراجع المستوى الدراسي، والعزلة وعدم اللعب مع أقرانهم، والتأثير النفسي والسلوكي، وأحيانًا الصحي. وهكذا سيطرت الألعاب على عقولهم ليلاً ونهاراً، ومن ثم الانحراف عن مسار الاستمتاع بممارسة الألعاب إلى إدمانها وترك بقية النشاطات، ومن الألعاب العادية إلى الإلكترونية العنيفة وثلاثية الأبعاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى احتمالية وجود السلوك الانتحاري بين مدمني الألعاب، ولا سيما صغار السن في العالم بشكل عام واليمن بشكل خاص.
ويترتب على إدمان الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية آثار سلبية مدمرة على حياتهم؛ حيث يتحول المدمن إلى فرد غير سليم، ويميل إلى العنف والعزلة والكراهية. ويرجع سبب الإدمان لهذه الألعاب إلى الفرصة التي تمنحها للطفل أو المراهق من أجل إثبات الذات من خلال التحديات والصعوبات التي يواجها في اللعبة، وبالتالي تؤدي إلى ضغوط نفسية تتحول تاليًا إلى تعب وإجهاد، ثم إلى اكتئاب وعدم تركيز. وتمنعه أيضا من العلاقات العائلية والاجتماعية، فيميل إلى العزلة وبالتالي احتمالية الوصول إلى مرحلة الانتحار، كما هو الحال مع الإدمان على الهاتف النقال بين مختلف فئات المجتمع.
إذن، هناك العديد من العوامل التي ساعدت على انتشار بعض تطبيقات الألعاب الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت العنكبوتية في العالم، الأمر الذي أدى -وبشكل واضح- إلى التأثير على السلوك والصحة والتعليم لدى الأطفال والمراهقين؛ حيث يفيد بعض المهتمين بمتابعة بعض حالات الإدمان بأن هذه الألعاب تشكل خطرًا حقيقيًا على وجدان المدمنين عليها وفكرهم وسلوكهم.
ألعاب إلكترونية خطرة
في الفترة الأخيرة، ازداد الإدمان على الأجهزة الإلكترونية بشكل عام، وعلى تطبيقات الألعاب الإلكترونية بشكل خاص، بسبب جائحة كورونا التي أجبرت العالم على البقاء في أماكنهم؛ وهذا أدى إلى إدمان الألعاب الإلكترونية، والاعتماد بشكل كبير على الإنترنت في مختلف نواحي الحياة.
انتفضت مجتمعات العالم في وجه لعبة “البوبجي” القتالية، بعد أن تحولت من وسيلة للعب والمتعة إلى وسيلة للقتل أو الانتحار، ووصل عدد ضحايا هذه اللعبة إلى أكثر من 10 حالات حول العالم. تأتي مصر في مقدمة البلدان التي شهدت حوادث انتحار أو قتل تحت تأثير اللعبة بعدد أربع حالات، تليها الهند والسعودية والعراق. وقد لجأت بعض الحكومات إلى فرض حظر على هذه اللعبة، بل وصل الأمر في بعض الدول إلى تحريمها دينياً.
الأمر نفسه بالنسبة للعبة “الحوت الأزرق” التي انتشرت على مستوى العالم وتسببت في حالات انتحار العديد من الأطفال والمراهقين. كانت انطلاقة هذه اللعبة من روسيا، لكنها سرعان ما باتت عالمية، وسُلطت عليها الأضواء؛ مما ساعد في انتشارها بعد مقال صحفي عام 2016 عن حدوث أول حالة انتحار بسببها.
تبدأ لعبة “الحوت الأزرق” بالطلب من اللاعب القيام بمهام مختلفة ومشاهدة أفلام الرعب لمدة 50 يومًا، وغالبًا ما تكون المهام خطيرة ومؤذية، مثل وشم الحوت على ذراع اللاعب باستخدام آلة حادة، أو الجلوس في مكان مرتفع، أو تصوير أنفسهم خاصة في أوقات متأخرة من الليل. وفي المرحلة الاخيرة وتحديداً في اليوم الخمسين، يُطلب من اللاعب الخضوع التام؛ لتنفيذ المهمة الأخيرة وهي الانتحار وغالبًا ما يكون من خلال الشنق أو السقوط من مكانٍ عالٍ.
لعبة “مريم” لعبة تتميز بالغموض والإثارة وتسبب الرعب في نفوس اللاعبين، وهي إحدى النسخ العربية لألعاب الرعب. تبدأ اللعبة بصورة لفتاة جميلة وضائعة تطلب المساعدة من اللاعب للعودة إلى منزلها. وخلال مراحل البحث عن المنزل، تطرح مريم العديد من الأسئلة المريبة تحت إيقاع أصوات وموسيقى مخيفة. وفي نهاية اللعبة تُرضخ اللاعب على الانتحار، وإن رفض تهدده بإلحاق الأذى في أهله.
أثارت هذه اللعبة موجة كبيرة من السخط في الوسط العربي، حيث اعتبرها مستخدميها أنها لعبة تجسس على الخصوصية؛ لطلبها الاسم الشخصي، والهوية والعنوان.
أما لعبة “البوكيمون” فتقوم على أساس بحث اللاعب عن شخصية البوكيمون الافتراضية اعتماداً على خرائط للمكان الموجود في اللاعب؛ فيقوم بملاحقة شخصيات البوكيمون المختلفة قبل اختفائها من الشوارع، الشيء الذي يتسبب في وقوع العديد من الحوادث بسبب عدم تركيز اللاعب وانشغاله بمطاردة البوكيمون.
لا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة للعبة “الوشاح الأزرق” أو ما يطلق عليها بـ”تحدي التعتيم”؛ فقد أثارت هذه اللعبة لغطًا واسعًا على “تيك توك”؛ حيث تعمل اللعبة بالتأثير على الأطفال والدفع بهم إلى الانتحار، وذلك من أجل الشعور بإحساس مختلف.
الأمر نفسه في لعبة “جنية النار” التي توهم الصغار بإمكانية تحولهم إلى مخلوقات نارية من خلال اللعب بالنار؛ فهي تطلب منهم القيام بفتح غاز موقد الطبخ في المنزل، والبقاء في غرفهم بمفردهم، خصوصا في الليل، وترديد بعض الكلمات السحرية ومن ثم القيام بحرق أنفسهم. الأمر الذي أدى إلى وفاة العديد من الصغار حرقاً بالنار أو اختناقاً بالغاز، وهو ما حدث للكبار أيضًا.
تسببت هذه الألعاب في زيادة حالات الانتحار على المستوى العالمي والمستوى المحلي، هناك تصريحات تقول إن بعض الأطفال اليمنيين قد انتحروا بسبب إحدى هذه الألعاب. من بين تلك الحالات: انتحار طفل في سن الثانية عشر بالشنق في منطقة وادي السلامي في تعز، وانتحار طفل في سن الحادية عشر في صنعاء بسبب لعبة “الحوت الأزرق”.
المعالجات
أصبح الإنترنت موجودًا في كل مكان وكل بيت؛ لذا بات من الصعب منع الصغار والمراهقين من استخدامه واستخدام الألعاب المثيرة الموجودة فيه؛ لذلك يقدم بعض الخبراء والباحثين بعض النصائح التي يمكن من خلالها حماية الصغار والمراهقين من أخطار الشبكة العنكبوتية، لا سيما الألعاب الإلكترونية.
من بين هذا النصائح متابعة الصغار وتفاعلهم مع الألعاب، والتحدث والتقرب إلى المراهقين ومشاركتهم همومهم ومشاكلهم، وعدم استخدام العنف معهم، ومشاركتهم بعض الألعاب غير الإلكترونية من أجل الترفيه والتواصل، ومحاولة اكتشاف وتنمية مواهبهم، وجعلهم يمارسون الرياضة وشراء بعض الحيوانات الأليفة لشغل أوقاتهم. كما يمكن، أيضا، الترشيد في استخدام الأجهزة الإلكترونية، ابتداءً من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والدولة من خلال مراقبة ومنع بعض المواقع.
بالإضافة إلى إمكانية حظر بعض الألعاب الإلكترونية التي تشكل خطرًا على الأطفال والمراهقين، وتؤثر سلبًا عليهم وعلى تصرفاتهم، بأن تقوم السلطات بفرض مجموعة من القيود لتصبح مثل هذه الألعاب صعبة التحميل أو اللعب المباشر بها، وبالتالي يقل عدد الأطفال والمراهقين المستخدمين للألعاب الإلكترونية الخطرة، ومن ثم حماية المجتمع ككل.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…