‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن الانتحار.. حالة اضطرارية أم موضة؟!

الانتحار.. حالة اضطرارية أم موضة؟!

صوت الأمل – حنان حسين

تكثر حالات الانتحار في اليمن يومًا بعد يوم وكادت أن تصبح ظاهرة بارزة فيها، لا سيما أنها لم تكن متفشية بهذا الشكل الذي يدعو إلى الريبة، فما هي الأسباب والدوافع؟ وما وجهة نظر الأسرة والمدرسة والمجتمع ورجال الدين من انتشار هذه الظاهرة. 

مشاكل اجتماعية ونفسية

في هذا الإطار وضحت الدكتورة النفسية رباب عبد الله أن الكثير من حالات الانتحار في اليمن كانت بسبب مشاكل نفسية، كالاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب، في ظل جهل تام من المجتمع اليمني بخطورة هذه الأمراض وما تؤدي إليه مستقبلا. وحثت أفراد المجتمع على العلاج النفسي والبحث عن سبب المشاكل النفسية والعمل على حلها أولاً بأول.

وأكدت عبد الله أن الأسباب قد تكون اجتماعية بدءًا من البيت إلى العمل والضغوطات المرافقة لها، وتقول: “تراكم المشاكل الاجتماعية على الفرد وتكالب الظروف قد يدفعانه إلى البحث عن سبيل للخلاص، ولا يعلم أن هذه مجرد تشابك لمشاكل كثيرة، وأنه لو جلس إلى شخص مختص أو خبير فإن ذلك سيساهم في حل الكثير منها، ويساعده على إعادة ترتيب حياته، ومن ثم لن يصل إلى قرار إنهاء حياته بأقرب وسيلة ممكنة”.

 وأضافت أنه لو وُجد العلاج النفسي الصحيح لما وُجد التفكير في الانتحار من الأساس، وأن وجود البطالة وتوسعها في بلادنا قد يكون محفزًا وعاملًا رئيسًا من عوامل الانتحار لدى الكثير من الشباب، وتفصل: “قد يرتبط قرار الانتحار بشكل مباشر بالمشاكل الاقتصادية جنبًا إلى جنب مع المشاكل النفسية والاجتماعية؛ فبسبب البطالة وقلة الفرص الوظيفية يصاب الشخص باليأس في إيجاد فرصة عمل يؤمن بها قوت يومه وقوت أسرته ويحفظ كرامته أمام الآخرين، وهذا قد يدفعه إلى التفكير في الانتحار”.

وترى الدكتورة عبد الله أن المحفز الأساسي اليوم هي الصراعات السياسية التي تسبب مشاكل اقتصادية كبيرة تصيب الشباب باليأس وعدم استطاعتهم في الحصول على الفرص التي تدفعهم إلى مواصلة حياتهم باستقرار نفسي واجتماعي، وبالتالي عدم قدرتهم على تخطي هذه المشاكل.

على حافة الانهيار

في السياق ذاته، تقول الدكتورة صباح الخيشني -أستاذ مساعد بقسم الصحافة في كلية الإعلام، جامعة صنعاء-: “إن حب الحياة شيء فطري في داخل كل كائن حي، وعندما يقرر شخص إنهاء حياته باختياره، فلا بد أنه مر بفترة تفكير عصيبة وعميقة كي يتخلص منها ومن أعبائها بالانتحار كحل أخيرٍ وجذري”.

وأضافت: “إذا نظرنا إلى الأسباب لوجدنا أن من أهم الأسباب لتفشي الظاهرة في اليمن هي الضغوط والظروف التي تمر بها البلاد والآثار التي خلفتها ثمانُ سنوات من الصراع، ومنها انقطاع الرواتب ووصول الكثير من اليمنيين إلى تحت خط الفقر”.

مؤكدةً على أن الصراعات المسلحة في اليمن هي المسؤول الأول عن تنامي هذه الظاهرة في المجتمع؛ فقد أدخلتنا في عداد الموتى مع انقطاع الرواتب طيلة ثماني سنوات، والموظف لم يعد يجد قوت يومه لعدم وجود فرص أو وظائف بديلة توفر له حياة أو شبه حياة، ومن ثم لا يعرف الشخص إلى أين يتجه أو أين يذهب عندما تتراكم عليه الإيجارات ونفقات البيت والتزاماته تجاه أطفاله وأسرته؛ وهذه الأسباب جميعها تشكل ضغطًا يوثر على نفسيته وتكون حافزًا له لمغادرة الحياة في أسرع وقت.

وأوضحت قائلة: “الانتحار ليس حالة ترف أو موضة، لكنها حالة اضطرارية. يعبر فيها الشخص عن عجزه عن مواجهة ضغوط الحياة وعن تغيير واقعه السيء أو العيش بشكل أفضل عن طريق مقاطعة الحياة بشكل كلي وحاسم”.

ووفقا لرأي الخيشني، فإن الانتحار لا يرتبط بقوة أو ضعف الإيمان بالله، لكن شدة الضغوط النفسية والممارسات الاجتماعية ضد الشخص قد تدفعه إلى التفكير بشكل جدي في أنه أصبح عبئًا على الحياة ومن ثم يريد الخلاص منها.

مسؤولية مجتمعية

في خضم الموضوع تحدث نشوان السميري -مدرب ومستشار إعلامي- قائلا: “تنامي ظاهرة الانتحار ناتج عن ضغوط الحياة التي ربما وَّلدها النزاع القائم في الساحة اليمنية وانسداد الأفق، خاصة مع تدهور الوضع المعيشي لكثير من الشرائح في المجتمع، وبالذات عند الشباب، وهذا ما ساهم في انتشار الظاهرة”.

كما أكد على أن للعامل النفسي دورًا كبيرًا في تعزيز فكرة إنهاء الحياة والاستسلام للإحباط قائلا: “إن الإحباطات النفسية التي وقفت حاجزًا أمام طموحات الشباب تقودهم إلى التفكير في الانتحار والتخلص من عبء الحياة. بالإضافة إلى الخلافات الأسرية والعنف داخلها، مما يشكل عاملاً مساعدًا في انتشار وتكرار حوادث الانتحار”.

وتحدث السميري كذلك عن أضرار وجود مشاهد عنيفة في المسلسلات والأفلام والمحتوى العنيف في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقليد تلك المشاهد من قبل الأطفال والشباب بشكل يدعو إلى الحذر وضرورة التوعية؛ فـ”بعض الشباب والأطفال فقدوا أرواحهم في تقليد المشاهد الدرامية التي ربما علمتهم طرق الانتحار”.

من جانبه، يقول شرهان عبدالله -رجل دين-: “مسؤولية المؤسسات الدينية والاجتماعية والسلطات المختصة تنفيذ حملات توعية وتثقيف لمختلف الشرائح في المجتمع، والبحث عن حلول للمشاكل الموجودة التي قد تدفع الشخص إلى الانتحار، وتقديم حلول للمشاكل الاقتصادية أو توفير أعمال، وكذلك احتواء الشخص في المجتمع ومعالجة مشاكله تحت مسمى “المسؤولية المجتمعية”؛ كي نخفف من حدة هذه الظاهرة”.

وأضاف شرهان أن الاختلاط بأصدقاء السوء قد يكون دافعًا من دوافع الذهاب إلى مخاطر كثيرة، وما قد يروجون له من أفكار سوداوية؛ لذلك يجب توعية الشباب بضرورة مرافقة الأصدقاء الصالحين والبعد عن مجالس ورفاق السوء. وأكد أن المجتمع بحاجة إلى الكثير من التأهيل والتدريب؛ لبث الأمل، وعدم الياس من البحث عن العمل بكل السبل المتاحة ما دام أن الوسيلة صحيحة.

غياب التوعية المجتمعية

فيما يخص أهمية التوعية، يقول محمد صالح –مواطن-: “إن غياب الوعي والحملات التوعوية عن أبناء المجتمع، ابتداء من المدرسة ووصولا إلى الجامعة والإذاعات ووسائل التواصل المجتمعي فاقم من الظاهرة، فالحملات التوعوية لم تهتم بوجود هذه المشكلة ولم تتناولها بشكل صحيح بعيدًا عن الإثارة والتشويه، وهكذا صارت عائلات المنتحرين تخاف من التصريح بانتحار فرد منها؛ لأنهم يرونه وصمة عار وعيب كبير”.

المرأة

يرى صالح أن المرأة لا تزال تواجه ضغطًا مجتمعيًا كبيرًا في جميع نواحي حياتها، فكيف إذا وصل بها الأمر إلى الانتحار؟! لو فعلت ذلك لجعلها الناس علكة تلوكها مجالسهم، خاصة في الأرياف، وأغلب الحوادث هناك تسجل كحوادث غرق أو سقوط من مكان مرتفع، وغالبًا ما يتم الدفن سريعًا خوفًا من  كلام الناس والمجتمع.

وأكدت سلمى ناصر -ناشطة مجتمعية- أن الكثير من حوادث الانتحار لا توثق ويتم طمسها تحت مسمى حادث سقوط من جبل شاهق أو غرق في بركة ماء عند الرعي، وقد تكون بسبب ابتزاز أو عنف أسري، لكن المرأة تخشى الإبلاغ وتفضل إنهاء حياتها، هذا إن لم تكن قضية قتل ويتم طمسها وإخفاء معالمها.

فيما تقول أنيسة علي –مدرسة- إنه ينبغي عمل أنشطة وحملات عن مثل هكذا قضايا حساسة، لكي ينشأ الطفل من صغره على قيم وثوابت لا تهتز بسهولة. وإن واجهته صعوبات فسيكون لديه مبادئ أخلاقية تمنعه من هذا الفعل، بل وتحثه على مقاومته ونصح غيره. كذلك يجب على الأسرة أن تركز كل اهتمامها على أطفالها من صغرهم كي ينشؤوا نشأة صحيحة بعيدًا عن العنف أو الضغط أو القمع، ويصبح جيلًا سويًا في المستقبل.

أرقام

تعد ظاهرة الانتحار إحدى القضايا الهامة التي تحتاج إلى اهتمام خاص على مستوى العالم. ومن الصعب في اليمن الوصول إلى إحصائيات محددة ودقيقة عن ظاهرة الانتحار؛ لعدم وجود مركز رصد يشمل كل أنحاء الجمهورية بسبب الوضع الراهن الذي تمر به البلاد، لكن في آخر إحصائية -وردت في العام 2016- لمنظمة الصحة العالمية عن حالات الانتحار في اليمن، تصدرت اليمن القوائم العربية في حالات الانتحار بعدد (2,335) حتى نهاية ذلك العام. وذكرت المنظمة ذاتها أن معدل الانتحار عند الذكور كان أعلى من الإناث بمعدل 7 إلى 4.6 لكل 100 ألف من الجنسين (ذكور/ إناث) بشكل متوالٍ. فيما أكدت الرابطة الدولية لمنع الانتحار أن هناك 3000 منتحر كل يوم على مستوى العالم، وعليه فإن عدد المنتحرين قد يضاهي عدد ضحايا الحرب والقتل العمد.

وإلى جانب الأسباب الاقتصادية أو الخلافات المجتمعية والأمراض النفسية أو العضوية، كانت الصراعات المسلحة والنزاعات سببًا إضافيًا في بلادنا؛ ولذلك يلجأ البعض ممن انغلقت في وجوههم أبواب الأمل إلى البحث عن أقرب وسيلة لإنهاء حياتهم، وبحسب موقع البنك الدولي عام 2019؛ فقد وصل معدل الانتحار في اليمن إلى5.8  لكل 100 ألف نسمة، وعلى ما يبدو أن هذه الظاهرة انتشرت على نحو أكبر خلال العامين السابقين.

ونشر موقعWORLD LIFE PECTANCY  دراسة سابقة تحت عنوان “ضرورة منع الانتحار في اليمن: تحديات وتوصيات” ورد فيها أن عدد الأشخاص الذي انتحروا 1700 شخص تقريبًا عام 2020، وهذا يمثل 1.09% من إجمالي الوفيات في جميع محافظات الجمهورية. منظمة الصحة العالمية تضع التوعية من الانتحار من أولويات الصحة العامة لديها، وحسب ما نشرته المنظمة فإن هناك ما يقارب من 800 ألف شخص يموتون نتيجة الانتحار سنويًا، وما يقرب من 20 محاولة انتحار مقابل كل حالة انتحار مسجلة حول العالم، وهناك أيضًا حالة وفاة واحدة تُسجل كل 40 ثانية بسبب الانتحار على مستوى العالم.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…