‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن الأمراض النفسية تزيد من خطورة الانتحار بمعدل 20 مرة

الأمراض النفسية تزيد من خطورة الانتحار بمعدل 20 مرة

صوت الأمل – هبة محمد

تمثل مشاكل الصحة النفسية أحد أبرز عوامل الخطر المرتبطة بالانتحار، وقد ازدادت هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة جراء النزاع والصراع الدائر في البلد مما أثر بصورة مباشرة على الصحة العقلية والنفسية لعدد كبير من المواطنين في اليمن، وأدت تلك الاضطرابات النفسية إلى وقوع العديد من حوادث الانتحار.

بوابة الانتحار

يعاني المجتمع اليمني كغيره من المجتمعات العربية من تردي مستوى الخدمات الصحية المتعلقة بالأمراض النفسية والعصبية، فضلاً عن الثقافة الاجتماعية المتخلفة ووصمة العار المرتبطة بمرضى العلاج النفسي، أو حتى من يطلب الدعم النفسي. كل ذلك ساعد في انتشار الظاهرة في كل مناطق اليمن، وأصبحت الأمراض النفسية والإهمال في سرعة العلاج بوابة الطريق إلى الانتحار.

توضح الدكتورة أضواء المحمدي -استشارية أمراض نفسية وعصبية بجامعة تعز- لـ”صوت الأمل: “أن السبب الرئيس وراء حوادث الانتحار هو ناتج عن وجود اختلالات نفسية في الفرد المنتحر؛ فليس هناك شخص سليم نفسياً يقرر أن ينتحر، ذلك مستحيل. أما إذا كان يعاني من تراكمات نفسية أو ضغوطات أو مشاكل أسرية أو مجتمعية أدت إلى إصابته باكتئاب نفسي شديد فإنه قد يفكر في الانتحار”.

وفي حديثها عن أهم الأمراض النفسية المنتشرة التي تسبب الانتحار وعن أعراضها، تبين المحمدي أن أول سبب هو الاكتئاب الحاد، ومن أعراضه التي تظهر على الشخص المصاب به: الشعور بعدم الرغبة في العيش، اضطرابات في النوم أو الأكل، الانعزال عن الآخرين، الإحساس بألا قيمة للذات، الضيق والكرب، الرغبة في البكاء، ومن ثم إنهاء الحياة.

وعن المرض النفسي الآخر فتقول: “إذا أصيب الفرد بمرض فصام الشخصية، بحيث يُخيل إليه سماع أصوات غير موجودة، ويعاني من هلوسة سمعية وبصرية، ويعتقد أن هناك أحدًا يتكلم معه، فإن هذه الأصوات تصدر له أوامرَ بأن ينهي حياته أو يؤذي نفسه، أو يعتدي على أقرب الناس إليه أو الذين لا يثق بهم”.

وعن أهم العوامل التي تُسبب تلك الأمراض النفسية تقول المحمدي: “توجد أسباب عديدة تقف وراء نشوء الأمراض النفسية تتمثل في الأسباب الجينية المتعلقة بالوراثة؛ فإذا حمل أحد أفراد الأسرة مرضًا نفسيًا، سواء كان الاكتئاب الحاد أو فصام الشخصية، فإنه ينتقل وراثياً إلى أحد أفراد الأسرة. والسبب الآخر هو الضغوطات النفسية الناجمة عن المشاكل الأسرية، أو خسارة أحد الوالدين، أو خسارة الأطفال، أو خسارة الزوج أو الزوجة، أو خسارة العمل. هناك أيضًا النزاعات التي تؤدي إلى الفقر والبطالة، وانعدام الأمن الغذائي. كل هذه ضغوطات معيشية تؤدي إلى المرض النفسي وما ينجم عنه من تصرفات ضارة كالانتحار أو أذية الغير”.

الأمراض النفسية وعلاقتها بالانتحار

يقول الدكتور فؤاد مرشد -أخصائي نفسي في مركز الإرشاد النفسي بجامعة إب- متحدثًا حول الأمراض النفسية وارتباطاتها العلمية بالانتحار: “الانتحار أو فعل الموت، قد يكون فعلًا عقليًا مُنفذًا نظرا لاعتبارات فكرية، أو اجتماعية، أو دينية، أو فلسفية أو شخصية، أو عكس ذلك؛ فيرجع إلى فعل مرضي ناتج عن تطورات لمختلف الإصابات العقلية (اكتئاب، هذيان مزمن، …) أو ناتج عن صدمة حقيقية حادة تشكل موجة عنيفة من القلق وتتجه بعدوانية نحو الذات”.

ويؤكد مرشد أن الاضطرابات النفسية غالبًا ما توجد في وقت الانتحار، وأن التقديرات تشير إلى أن ما بين 27% إلى أكثر من 90% من إجمالي عدد الأشخاص الذين يموتون بفعل الانتحار يعانون من الاكتئاب الحاد؛ حيث إن المعاناة من ذلك الاضطراب أو غيره من اضطرابات المزاج (مثل الاضطراب ثنائي القطب) تزيد من خطورة الانتحار بمعدل 20 مرة.

ويوضح أن الحالات الأخرى المتضمنة لانفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب واضطراب ما بعد الصدمة تمثل 14%، وأن هناك حوالي 5% من الأشخاص المصابين بمرض انفصام الشخصية ينتحرون.

ويتابع حديثة قائلا: “هناك عدد من الحالات النفسية التي تؤدي إلى زيادة احتمال الانتحار، منها: اليأس، فقدان المتعة في الحياة، الاكتئاب، القلق المزمن. وتعد القدرة المحدودة على حل المشكلات وفقدان القدرات التي اعتادها الشخص وضعف السيطرة على الانفعالات من الأمور التي تلعب دورًا في ذلك. مشيرًا إلى أن بعض الأفراد قد يلجؤون إلى الانتحار هربًا من التسلط عليهم أو نتيجة تعرضهم لاعتداء جنسي في سن الطفولة. وللعلم يسهم الاعتداء الجنسي بنحو 20% من الخطورة الكلية لاحتمال اللجوء إلى الانتحار بحسب الدراسات”.

فيما ترى الدكتورة عبير درهم -أخصائية نفسية بجامعة صنعاء- أن العلاقة بين الأمراض النفسية وظاهرة الانتحار في المجتمع اليمني هي علاقة طردية، فكلما زادت الأمراض النفسية في المجتمع –نتيجة الأوضاع الصعبة- ارتفعت احتمالية انتشار حوادث الانتحار. ولا يوجد إنسان يفكر في الانتحار إلا إذا وُجدت أشياء أقوى منه تدفعه إلى إنهاء حياته. وبنسبة كبيرة جداً، تكون هذه الأشياء أمراضًا نفسية مختلفة.

وتواصل درهم قائلة: “في حقيقة الأمر، لا يصل الفرد إلى التفكير في الانتحار إلا إذا اشتدت المعاناة وحاول بكل الطرق الممكنة بالنسبة له وضع نهاية لها. لكن كل هذه الحلول لم توصله إلا إلى طريق مسدود. وقد يكون السبب تعرُّضَ الشخص لصدمات كثيرة ترافقه من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، يفكر الإنسان خلالها بالتخلص من حياته، وينتج عنها تراكمٌ في المشاعر السلبية وأخطاءٌ في التفكير؛ فيبدأ الإنسان بالتفكير غير المنطقي وغير العقلاني”.

من جهته يلفت الدكتور أحمد الأميري -استشاري الصحة النفسية بجامعة تعز- إلى أن الأمراض النفسية المختلفة تعد السبب الرئيس للانتحار في اليمن في ظل عدم وجود الوعي لدى الناس بأهمية مواجهة الأمراض النفسية منذ بدايتها بالعلاج المناسب. وقد زادت حالات الاضطرابات النفسية نتيجة الأوضاع الكارثية التي خلفها الصراع؛ لخلقه أوضاعًا نفسية مريرة. ويزيد الوضع الاقتصادي السيئ من المعاناة والأمراض النفسية، حتى أننا نكاد نجزم بأن ما من أسرة يمنية إلا ولديها أزمتها الخاصة.

الاكتئاب والوسواس القهري

تشير الدكتورة عبير درهم إلى أن أغلب الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والوسواس القهري، تكون متداخلة ومرتبطة ببعضها. ولا نستطيع القول إن هناك اضطرابًا صافيًا بحسب معيار التشخيص النفسي في أي الأمراض ظهرت أولاً وأيها ظهر أكثر؛ فمثلا قد يكون الاكتئاب الحاد ناتجًا عن صدمة قوية تعرض لها الإنسان أو فشل أو خسارة في أمر ما، ومن أعراضه الوصول إلى مرحلة اليأس والإحباط بسبب أخطاء في التفكير. وبعد محاولات عديدة يقوم بها ولم تنجح، تتكون لديه نظرة سوداوية عن الحياة، تجعله يبحث عن الحلول المتاحة، مجربًا بعضها ويائسًا من بعضها الآخر. وحين تفشل جميعها يلجأ إلى الانتحار.

 “الوسواس القهري عبارة عن سلوك متكرر ناجم عن التشكك في فعله، مثل غلق الأبواب بشكل مستمر أو إعادة وضوء الصلاة أكثر من مرة أو غير ذلك. وقد يأتي في شكل فكرة متكررة ومغلوطة، مثل الأفكار الخاطئة عن الإله بأنه لا يتصف بالكمال، وهي أفكار شاذة تراود فكر مريض الوسواس القهري وتسبب له القلق وربما الاكتئاب فيما بعد. ومن ثم فإن الوسواس القهري لا يؤذي الإنسان بشكل مباشر، بل إن ما يؤذيه هو اليأس والقلق من أنه لن يشفى من هذا المرض؛ لأنه قد تظهر عليه أعراض الاكتئاب، وهكذا تؤدي عدة اضطرابات وأعراض متداخلة مع بعضها إلى التفكير إنهاء الحياة”، بحسب الدكتورة درهم.

 لا خوف مع العلاج النفسي

المرض النفسي مثله مثل أي مرض عضوي آخر يخضع للعلاج ويكون قابلًا للشفاء منه بكل سهولة. وبحسب المحمدي: “ليس هناك عيبٌ في المرض النفسي، ولا هو ضعف إيمان ولا ضعف شخصية كما هو الاعتقاد السائد في مجتمعنا اليمني. ولا علاقة للمرض النفسي بالجن أو الشياطين أو السحر أو الشعوذة، فكل هذه أخطاء مجتمعية. المرض النفسي مرض طبيعي جداً، مثل مرض السكري أو الضغط، وهناك أمراض مزمنة يحتاج فيها المريض إلى علاج طول العمر، وأمراض يحتاج فيها المريض مدة زمنية معينة من العلاج إلى أن يشفى تماماً”.

وينصح الأميري المجتمع اليمني بضرورة التوجه السريع إلى مراكز العلاج النفسي في حال ظهور أعراض الأمراض النفسية؛ لأن معالجة الحالة في بدايتها يجعل العلاج سهلًا والشفاء أسرع. أما إذا تأخر عن العلاج وتساهل في ذلك وساءت حالته النفسية فسيتحول المرض إلى اكتئاب مزمن وحاد، وتكون فرصة التفكير في الانتحار أكبر، وعلاجه يصبح عسيرًا وسيأخذ مدة زمنية طويلة.

أما درهم فتوجه رسالتها إلى المريض النفسي والأسرة والمجتمع اليمني قائلة: “لن يكون هناك خوف من الأمراض النفسية إذا امتلك المريض النفسي الوعي الكامل، ودعمته أسرته بالإسراع في العلاج المناسب لحالته. على المريض أن يساعد نفسه أولا ويطلب المساعدة من الآخرين، وألا يخجل من ذلك، خاصة عندما يشعر أن حالته النفسية متعبة؛ فالصحة أهم من كل شيء، ونظرة المجتمع والناس ليست مهمة بتلك الدرجة؛ ففي وقت المرض الشديد والوصول إلى التفكير في الانتحار لن يشعر به أحد وسيكون ضحية نفسه”.

وتواصل حديثها: “يجب على الأسرة أن تكون أقرب إلى أطفالها وأولادها، وإذا وجدت لدى أحد أفرادها مشكلة نفسية فعليها أن تساعده وتأخذه إلى مختص نفسي وتدعمه نفسيا، وأن تمتنع عن تأنيبه وتذكيره بمرضه، بل عليها أن تحتويه وتقف بجانبه؛ لأن المساندة والدعم أثناء المرض أو الاضطراب النفسي يحدثُ فارقًا كبيرًا في الشفاء والحماية من الوصول إلى الانتحار”.

تظل الأمراض النفسية واحدة من الأسباب الرئيسة للانتحار، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار المواد المخدرة وتعاطيها وسط الشباب، وضعف الوازع الديني، وأسباب أخرى تجعل المجتمع اليمني في مواجهة حقيقية أمام نفسه، فمهمة تخفيف وخفض معدلات الانتحار تقع على عاتق المؤسسات التعليمية ودور العبادة وداخل الأسرة من خلال التفاعل الإيجابي مع المرضى النفسيين، ومحاولة إلحاقهم بمراكز الرعاية النفسية دون خوف أو قلق من النظرة الاجتماعية القاصرة قبل أن تتفاقم حالاتهم ويصيرون في وضع أسوء مما هم فيه.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…