صناعة الياجور اليمني الصناعة المنسية
صوت الأمل – هبة محمد
تشتهر اليمن منذ قديم الزمان بصناعة الطوب الطيني، ويعدُّ من مواد البناء المنتشرة في اليمن، ويعرف الياجور اليمني بأنَّه طوب طيني محروق يسمى أيضاً بالطوب الأحمر. هذا ما أوضحه لنا صالح النشبة صاحب معمل (محرقة) ياجور في صنعاء، قائلاً: “ورثت هذه المهنة عن أجدادي، وما زلنا نعتمد على الطريقة التقليدية التي كان اليمنيون القدماء يهتمون بها في ببناء منازلهم من طوب الياجور الصنعاني”. مضيفًا: “يسمى كذلك الياجور بالذهب الأحمر، وكان يحرص السكان قديمًا على بناء بيوتهم منه؛ لما له من مميزات، فهو من المواد الصحية وذات التكلفة القليلة، وينتشر استخدام الياجور المحروق في البناء بمناطق تهامة وصنعاء (المنازل) وزبيدة ويريم”.
الياجور الأحمر الأفضل استخداماً
وعن مميزات الياجور واختياره في بناء المنازل، يقول النشبة: “يتميز الياجور اليمني بخفته؛ حتى لا يكون ثقيلاً على أساسات المنزل، بالإضافة إلى ملاءمته للطقس والأجواء المتقلبة، فيُستخدم عازلاً للحرارة والبرودة، مما يجعل المنزل دافئاً في الشتاء ومعتدلاً في الصيف؛ بسبب امتصاص أجزائه الخارجية لمياه الأمطار، ويُستخدم كذلك عازلاً للصوت الخارجي”. مضيفاً: “يتميز الياجور الأحمر كذلك بمقاومة الحرائق، ويمكن بناء عدة طوابق بعضها فوق بعض، وتكاليف صناعته وإنتاجه قليلة جداً”.
وحول صلاحية الياجور الأحمر للبناء، أشار النشمي إلى تميز الياجور ببقائه لآلاف السنين دون حدوث أي تغيير، فهو أفضل من الطوب الإسمنتي، ويمكن تشكيله بتصاميم هندسية جميلة وجذابة، من خلال القص بأشكال متنوعة حسب الطلب، ويمكن استخدامه أيضاً في منارات وقباب المساجد، وحمامات البخار، كما تُزين به أعالي المنازل؛ فهو يعطي منظراً جميلاً.
مراحل صناعة الياجور اليمني
أوضح العم صالح النشبة في حديثه لـ”صوت الأمل” مراحل صناعة الياجور اليمني، التي تبدأ بخلط التراب الصافي الخالي من الحصى، عبر وضعه في أحواض كبيرة مع الذبل (مخلفات الحيوانات كالأبقار والأغنام) وبمقادير محددة، بحيث تكون كمية التراب أكثر بكثير من الذبل المخلوط؛ لأنَّ هذا يساعد على تماسك الطوب، وتخلط جميعها مع الماء ويستمر في التقليب. ويتابع القول: “بعد ذلك تُترك حتى تتخمر لليوم الثاني، وبعد أن يتخمر الخليط ويتماسك نضعه في قوالب معدنية مختلفة، توضع هذه القوالب تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع حتى تنشف تماماً، وبعد أن يجف يُرص الياجور بطرق هندسية، وبشكل عمودي ومتباعد فيما بينه؛ حتى يدخله الهواء؛ استعداداً لإدخاله في الفرن”.
ويضيف النشبة: “بعد أن يجف الياجور الطيني يوضع في محرقة الياجور، وهو فررن كبير جداً وعميق مبني من حجر الياجور أيضاً، ويصل عمق الفرن إلى8 أمتار من الأعلى، أما عرضه فيصل إلى 6 أمتار، ويتكون الفرن من ثلاثة فتحات، فتحة من أعلى وأخرى من الوسط والثالثة من أسفله. ومن خلالها يُدخل الحطب لإحراق الياجور تحت درجة حرارة800 درجة مئوية، ويُدخل ما يقارب 50 ألف طوب من الياجور، ويُرص داخل الفرن بمسافات متباعدة عن بعضها؛ من أجل الاحتراق بشكل سريع، وبعد أسبوع أو خمسة عشر يوماً، يقوم العمال بإخراج الياجور من الفرن؛ من أجل أن يبرد تماماً من تلقاء نفسه، ويُنقل إلى محلات بيع الطوب”. ويذكر أنَّ هناك أنواعاً وألواناً للياجور الصنعاني: الياجور الأحمر، والمخلوط، والأسود.
الصعوبات التي تواجه صناعة الياجور اليمني والحلول المقترحة
يشتكي الكثيرون من ملاك محارق الياجور، ومنهم صالح النشبة أنَّ هناك توجيهات رسمية بإغلاق محارق الياجور في العاصمة صنعاء، وعدد من المحافظات؛ لما تسببه من تلوث للبيئة والإنسان.
بدوره أكد النشبة أنَّ الإغلاق دون وضع حلول جذرية للمشكلة، أو تخصيص أماكن مناسبة لمحارق الياجور بعيدة عن السكان المقيمين، إجحاف بحق الصانعين لهذه الحرفة. وشدد في حديثه على أهمية تعاون وزارة الصناعة والتجارة، أو مكتب الحرف الصناعية في تطوير هذه الصناعة، التي تعدُّ ضمن التراث المعماري والحضاري القديم، بالإضافة إلى وضع مخططات ذات مساحة كافية لتلك المحارق. وأوضح أنَّهم -بوصفهم صانعي ياجور- يواجهون مشكلة في الإقبال على الياجور المحلي مقارنة بالياجور السعودي، الذي اكتسح السوق؛ نظراً لتجدده بما يتواءم مع متطلبات العمارة الحديثة، بينما اليمني ما زال يُصنع بوسائل تقليدية وقديمة.
وفي السياق ذاته ذكر عدد من العاملين بعضاً من الحلول والاقتراحات لإنعاش هذه الصناعة من جديد، كان أبرزها: عمل دورات تدريبية؛ لتأهيل العاملين والحرفيين في هذه الصناعة، ووضع دراسات واستراتيجيات حديثة؛ لتطوير الصناعات التقليدية للياجور ودمجها مع الصناعات الحديثة، مع الاحتفاظ بالجانب التراثي القديم في الصناعة، وذلك من خلال عمل مسح ميداني لكل الصناعات التقليدية ومنها صناعة الياجور، وتسجيل أدوات الإنتاج المستخدمة وأماكن العمل وطرق الصناعة المستخدمة، وأيضاً تشجيع الصناعات التقليدية ودعم الصانعين وتقديم جميع التسهيلات لهم.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…