فن النحاسة في اليمن.. إبداع الحرفيين اليمنيين
صوت الأمل – علياء محمد
ازدهر فن صناعة النحاس في اليمن ازدهارًا كبيرًا، ولا تزال الكثير من الأسواق الشعبية اليمنية تزخر بالكثير من التحف والأدوات النحاسية، التي تعود إلى فترات تاريخية قديمة. هذا وقد تفردت صناعة النحاس في اليمن بطراز فني مميز، له سماته وخصائصه الفنية؛ فقد ابتدع الحرفيون اليمنيون القدامى مهارة الطرق والرسم والزخرفة الهندسية الإسلامية على عدد من الأواني، طُعِّمت بالنحاس والفضة والذهب. اهتم الحرفي اليمني بهذه الصناعة؛ بسبب انتشار خام النحاس بكثرة في البيئة اليمنية، وفقاً لما ورد ذكره في كتاب “الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء” لأبي الحسن الهمذاني.
صناعة النحاس في اليمن إرث تاريخي
تلاقي المصنوعات النحاسية في الأسواق الشعبية اليمنية رواجاً وإقبالاً كبيراً، خاصة لدى المهتمين بالتراث اليمني، ففي صنعاء القديمة ينتشر بائعو النحاس، وتتفرد كل قطعة من قطع النحاس بتصميمها.
أشار عبد الله إسماعيل (أحد سكان مدينة صنعاء القديمة، والممتهن لحرفة صناعة النحاس) إلى أهم الصناعات التي تشتهر في أسواق صنعاء القديمة، أبرزها الأباريق النحاسة والمزينة بكتابات وزخارف قديمة، والفوانيس المكونة من قضبان حديدية يميزها طبق صغير يوجد في الأسفل. مضيفاً: “تفردت اليمن بصناعة الأدوات المنزلية النحاسية من أكواب وأواني وتحف ومزاهر نحاسية، تزخرف بنقوش إسلامية، تُستخدم لحفظ الأعشاب العطرية”.
عفاف محمد (إحدى النساء اليمنيات المهتمات باقتناء الأدوات النحاسية القديمة) تقول في حديثها لـ”صوت الأمل”: “أزور سوق النحاس في كل فترة لأشتري عدداً من الأدوات والتحف النحاسية؛ بوصفها إرثاً حضارياً قديماً”. وتضيف: “أهتم بجمع الأدوات المنزلية النحاسية، كالملاعق والأباريق والقدور، بالإضافة إلى اهتمامي بشراء الصحون الكبيرة، التي توضع فيها “المداعة” المصنوعة من النحاس والمزهريات”.
ذكر كتاب الفنون الزخرفية اليمنية في العصر الإسلامي، للدكتور ربيع حامد خليفة، عددًا من الأدوات والتحف النحاسية التي ما زلت شاهدة على فن صناعة النحاس القديم في اليمن، وأهمها الأباريق. وأشار إلى أنَّ المتحف الوطني بصنعاء يحتوي على إبريق من النحاس الأحمر، يتخذ هذا الإبريق شكلاً مخروطياً، ويتميز بغطائه الكروي، اتُّبعت في صناعة هذا الإبريق عدة طرق صناعية، أبرزها: الطرق والصب والخز.
هذا وقد نُسبت صناعة الصواني النحاسية المتوفرة في المتحف الوطني إلى الفترة العثمانية، فعلى سبيل المثال توجد صينية من النحاس، يزين حافتها الداخلية شريط كتابي عريض، رُجِّح أن يكون تاريخ هذه الصينية يعود إلى القرن العاشر أو الحادي عشر هجرياً.أما بالنسبة للمجامر النحاسية، فتعود مجموعة كبيرة من صناعة المجامر إلى القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري، متأثرة في شكلها بالأسلوب العثماني.
صناعة النحاس تقنية إبداعية خاصة
أشار الدكتور غيلان إلى أنَّ لليمن دوراً كبيراً في عملية التعدين، ولا سيما تعدين النحاس، والحديد. مؤكداً في حديثه لـ”صوت الأمل” على وجود الكثير من التحف المعدنية الموجودة حالياً في خزانات العرض، في المعارض والمتاحف المحلية والخارجية. مضيفاً: “اكتشفت هذه الصناعات أثناء الحفريات الأثرية، والمدروسة دراسة علمية دقيقة؛ لتؤكد على أنَّ اليمنيين كانوا على دراية كبيرة بعملية الصب، والصهر، وأيضًا عملية الطرق والسحب؛ الأمر الذي يعني أنَّ تقنية التحف المعدنية اليمنية لها خصوصية، خاصة أنَّ بعضها تُزين وتُزخرف سواء بالصب أو بالتكفيت”. موضحاً أنَّ عملية التكفيت هو مصطلح اصطناعي، ويعني به: حفر الرسوم والزخارف على سطح المعدن، وملء هذه الزخارف المحفورة بمعدن آخر، يكون في الغالب أغلى قيمة من باقي المعادن، فمثلاً عندما تكون التحف المعدنية من الفضة فالتزين يكون بمادة الذهب أو العكس، وإذا كان المعدن نحاساً يزين بالفضة؛ والسبب في ذلك يعود لاختلاف اللون، مما يعطي انعكاساً جميلاً على هذه التحف.
وذكر غيلان أنَّ العصر الرسولي أخرج لنا عدداً كبيراً من التحف اليمنية، التي أبهرت كثيراً من الباحثين والعلماء والأثريون، خاصة ما هو معروض اليوم في متحف المتروبوليتان في نيويورك، أو ذلك الصندوق الجميل الرائع المعروض -حالياً- في متحف الفن الإسلامي، والمكتوب عليه بالنص “من ما صُنع بصنعاء المحروسة بالله تعالى، والذي يرجع إلى العصر الفاطمي”. مبيناً أنَّ هذه التحف التي خرجت من اليمن أو الموجودة فيها ما زالت تؤكد على أنَّ اليمنيين كان لهم دور كبير في الفنون، سواء من حيث الأساليب الزخرفية أو التأثير في داخل اليمن وخارجها. وأشاد على الدور الذي يبذله الجميع في الحفاظ على العناصر الزخرفية اليمنية على أسطح كل تلك التحف المتعددة والموجودة إلى الآن. مدللاً على ذلك بوجود مصانع الأشرف الرسولي من اسطرلابات معدنية غاية في الدقة والروعة والجمال، كتب عنها الكثير من الباحثين، ولا سيما ما كتبته الباحثة الكندية نهى.
صناعة النحاس عامل اقتصادي مهدد بالاندثار
يرى عبد الله إسماعيل أنَّ صناعة النحاس أحد أبرز العوامل الداعمة للاقتصاد، حيث يشغر هذه المهنة عدد كبير، وتعدُّ واحدة من المهن التي توفر فرص عمل للكثير. مؤكداً في حديثه على تراجع الطلب على شراء الأواني النحاسية، فقد أصبحت الآن تُستخدم للزينة المنزلية، عكس ما كانت عليه من قبل. وأشار إسماعيل إلى افتقار الحرفيين في هذه المهنة لعملية التدريب والتأهيل، فهم يكتفون بما توارثوها من معلومات عن أجدادهم وآبائهم، وهذا ليس كافياً؛ فنحن الآن في عصر حديث، ويجب أن يتفنن الحرفي في إنتاج مصنوعات نحاسية تلائم وتعاصر الحداثة؛ لذلك لا بد من الاطلاع على كل جديد. وفي السياق ذاته، أكد العم ياسين طلحة (أحد ساكني مدينة صنعاء القديمة، والحريص على اقتناء الأدوات النحاسية) أنَّ أسعار الأواني المحلية باهظة الثمن، مقارنة بما يُستورد من أدوات. مضيفاً: “فقدت أسواق اليمن عنصراً مهماً ساهم قديماً في إنعاش صناعة النحاس، وهم السياح الذين كانوا يحرصون على شراء الأدوات النحاسية، أما الآن لا يهتم اليمنيون القاطنون في البلاد بما كان يهتم به السياح”. ويتابع القول: “صناعة النحاس وغيرها من الصناعات الحرفية تناضل من أجل البقاء، وما زال هناك نافذة أمل نستطيع أن ندخل أشعة الشمس منها؛ لتضيء من جديد عالم الصناعات الحرفية، وتعيد لها مكانتها السابقة، التي لطالما عُرفت بها في الجزيرة العربية”.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…