الأزياء والمنسوجات اليمنية إبداع وبراعة
صوت الأمل – علياء محمد
يحظى التراث اليمني بتميز فريد من نوعه، فقد دلَّت المصادر التاريخية والأثرية على براعة أهل اليمن في صناعة الملابس والمنسوجات في جنوب الجزيرة العربية.
وظلت الأزياء اليمنية التقليدية هي الأجمل خامة والأكثر تنوعاً؛ فقد اختلفت بتنوع مناطق اليمن، وتميزت من محافظة إلى أخرى.
ووفقًا للمركز الوطني للمعلومات، فقد تنوعت أزياء اليمن ومنسوجاتها بتنوع مناخ المنطقة وأذواق ساكنيها، فقد كانت أزياء الحلل والبرد اليمانية والأنسجة الحضرمية واللحجية والتهامية أشهر السلع اليمنية انتشارًا في أسواق العرب.
هذا وقد تميزت الأزياء اليمنية بسمات أساسية، وخصوصيات فنية بناء على الانتماء الإقليمي والجغرافي لليمن.
صناعة النسيج والجلود في اليمن تاريخ عريق
ذكر كتاب “الملابس في اليمن القديم”، الصادر في العام 2013م، للمؤلف حمد عوض منصور باعليان، براعة اليمنيين في صناعة الملابس خلال القرنين السادس والسابع الميلادي، وحصولها على مستوى ومهارة مرموقة في شبه الجزيرة العربية؛ نظراً لتميزها في دقة الصناعة وجودة المادة الخام.
وأشار باعليان إلى أنَّ منطقة المرتفعات الوسطى كانت منطقة مركزية لإنتاج النسيج، بالإضافة إلى مراكز أخرى في عدن وحضرموت، واستغلَّ اليمنيون الموارد الطبيعية المختلفة، والتي كانت متاحة آنذاك في صناعة الملابس عن طريق استخلاص الأنسجة، وانحصرت هذه المواد الطبيعية في نوعين: مواد نباتية، ومواد حيوانية عولِجت وطوِّرت للاستخدام في الغزل والنسيج، فاستُخدم القطن والكتان والحرير وكانوا من أكثر المواد استخدامًا؛ نظرًا لتوفرهم في البيئة اليمنية.
هذا وقد ابتدع الخيَّاطون اليمنيون فنونًا في الخياطة وتزيين الملابس، واتبعوا أساليب مختلفة لتطريز الملابس، أبرزها:
أسلوب الجفت (التطريز بخيوط الذهب والفضة)، وفن الحظاية (عمل حاشية الثوب على حافته، وتكون أغلظ من طرف الثوب، وظيفتها صيانة الثوب من التمزق)، بالإضافة إلى فن الخلع (وهو عملية تزين سطح الثوب بقطع من القماش تختلف في المادة واللون عن قماش الثوب، وتلصق على سطح الثوب).
أم عبد الله (إحدى النساء اليمنيات الساكنات في محافظة لحج) تمتهن مهنة حياكة المعاوز وهي من الصناعات النسيجية القديمة، والتي تمارس بوسائل تقليدية، وتختلف طريقة حياكته من منطقة إلى أخرى من حيث الزخارف والألوان والنقوش.
تقول أم عبد الله في حديثها لـ “صوت الأمل”: “يعدُّ المعوز من الموروثات الشعبية القديمة ويُسمى في بعض المناطق بالمقطب، واختلفت حياكته، وتطور مع تطور الزمان، حيث كان قديماً لا يحتوي على الكثير من النقوش والزخارف، أما الآن فهو يتمتع بزخرفة وتنوع في الألوان”.
وأضافت قائلة: “حياكة وصناعة المعاوز حرفة تحتاج إلى مهارة في عملها، وتتطلب الخفة في حركة اليدين والرجلين، بالإضافة إلى التفنن في صناعتها حسب أذواق الناس ورغباتهم”
وعن تصنيف صناعة المعاوز أوضحت أم عبدالله أنَّ الحياكة وصناعة المعاوز تُصنف إلى عدة أصناف، فمنها ما يكون صافياً بلون واحد، وصنف آخر بلونين، والبعض تدخل فيه النقوش والرسومات الملونة.
أزياء اليمن صناعة مستمرة
أكدت بشرى شاكر (إحدى المهتمات بمجال الخياطة وتصميم الأزياء اليمنية القديمة، وصاحبة مشغل أرجوان للخياطة): “الموروثات اليمنية القديمة ما زالت تحظى بقبول كبير رغم التطور والتقدم الذي وصلنا إليه؛ نتيجة طابعها الجمالي الذي لا يمكن نسيانه”.
وترى أنَّ الأزياء النسائية القديمة متنوعة ومتعددة، ولكل إقليم من أقاليم اليمن خصائص ومميزات تتكون من عدة عوامل، تجعله مختلفاً عن غيره.
وتابعت القول: “نستطيع من خلال الأزياء اليمنية التقليدية القديمة معرفة منطقة من يلبسها؛ بسبب ارتباطه بها ولبسها في الاحتفالات والمناسبات”.
وفي نفس السياق أوضح محمد نعمان (صاحب محلات لتأجير الأزياء اليمنية القديمة في صنعاء) أنَّ أزياء المرأة اليمنية الشعبية ما زالت تحتفظ بجمالها وطابعها الخاص، ولا تخلو مناسبة من مناسبات الأعراس في اليمن من الملابس التراثية الشعبية القديمة، وتختلف الأزياء عن بعضها، فهناك الأزياء الصنعانية القديمة ذات الأكمام الواسعة، والأزياء الحضرمية القديمة والتهامية والتعزية والعدنية وغيرها من المناطق اليمنية.
مشيرًا إلى اختلاف نوعية الأقمشة المستخدمة في خياطتها بحسب المنطقة الجغرافية، فعلى سبيل المثال تختلف أقمشة المناطق الباردة عن أقمشة المناطق الحارة والمناطق الصحراوية، وهناك أزياء مطرزة وأزياء غير مطرزة تعتمد على الحلي والفضة لتزيينها.
ويضيف: “بالنسبة لأزياء الرجال فهي تعتمد بالدرجة الأولى على جودة القماش وفخامته، فنجد القمصان الفاخرة الملونة، والمعاوز المنسوجة بالخيوط”. وتزين عادة ملابس الرجال بالأحزمة المنسوجة والمصنوعة بمهارة عالية، والخناجر اليمنية والكوافي والطاقيات.
ووفقاً لما ذكره الكاتب باعليان في كتابه، فقد تكونت ملابس الرجال بصفة عامة من عدد من القطع، ويتراوح عددها مـا بـين القطعة الواحدة إلى ثلاث قطع يتكــون منهــا اللباس الكامل للرجل، بالإضافة إلى إضافة قطعة كالعمامة أو الكوافي والطاقيات.
أما عن نوعية ملابس النساء، فقد أشار باعليان إلى أنَّ الثوب النسائي يتألف عادة إما من قطعة قماش واحدة تستر البدن من الرقبة حتى أعلى القدم، أو من قطعتين تستر بها المرأة جسدها، بالإضافة إلى وجود عناصر مكملة لرداء المرأة، مثل أغطية الرأس والحلي.
وحول أهم أنواع الأزياء اليمنية النسائية القديمة، والتي ظلت تحتفظ برونقها وجمالها الخاص، أشارت أحلام حمود (إحدى النساء اليمنيات المهتمات بالأزياء والتراث اليمني) إلى تميز الزي الصنعاني بألوانه الجميلة، وهو أحد أنواع الأزياء اليمنية المنتشرة، ويتكون من قطعة قماش ملونة تسمى (الزنة) وتزين بـ”مَصَرّ” يُربط على الرأس وتسمى بـ”العصبة”، تضاف لها الحلي من الفضة والجنيهات الذهبية.
وتضيف: “تتميز الأزياء الصنعانية بالأكمام الطويلة والواسعة وتزيَّن بالتيجان، بالإضافة إلى استخدام قماش الستارة والمصون الصناعي في تفصيل الملابس وتزيينها بالحلي”.
أما بالنسبة لملابس الفتيات الصغيرات فهي تتكون من “زنة قصيرة” يُلبس تحتها بنطال مطرز من الأسفل، ويُلبس عليه غطاء للرأس يسمى بالقرقوش.
وفي السياق ذاته أشارت خديجة الحبشي (إحدى الفتيات القاطنات في محافظة سيئون، وإحدى المهتمات بالأزياء التراثية الحضرمية) إلى تنوع الأزياء الحضرمية والتي يختلف تصميمها عن باقي المحافظات اليمنية، حيث يمتاز الزي الحضرمي بثوب من المخمل طويل من الخلف قصير من الأمام، بأكمام ضيقة وقصيرة، يزيَّن بزخارف وأطرزة مختلفة، ويُلبس عليه حزام وخلخال فضة، ويُلبس في المناسبات والأعراس.
أما بالنسبة لبقية المحافظات اليمنية فتمتاز مناطق تهامة بأزيائها الواسعة المطرزة والمنسوجة من الخيوط الملونة ويطلق عليه اسم قميص، يصاحبه في اللبس سروال مطرَّز. وتمتاز محافظة عدن بزيها التراثي والذي يسمى الدرع، والذي يتميز بقماشه الخفيف وتصميمه الواسع، ويصاحب لبسه الأحزمة الفضية والذهبية، والفل اليمني الذي يزين به الشعر والرقبة.
الأزياء التراثية اليمنية.. طلب كبير يقابله صعوبة في التصدير
جميلة الوادعي (إحدى النساء اليمنيات والرائدات في مجال الأعمال، صاحبة مركز أورجنال ويمن للملابس التراثية) جعلها عشقها للأزياء اليمنية التراثية تغوص في صناعتها ومزجها بلمسات عصرية.
بدأت جميلة صناعتها للأزياء التراثية القديمة باستخدام المخمل الأسود، ومزجه بقماش الستارة والمصون، مضيفة له أطرزة من المرجان والفضة.
تقول جميلة الوادعي في حديثها لـ “صوت الأمل”: “هدفي من المشروع هو إظهار المرأة اليمنية المفتخرة بإرثها وأزيائها القديمة، فهوية المرأة اليمنية تظهر بملابسها الشعبية التقليدية”.
وعن نسبة استهلاك الأزياء اليمنية دولياً ومحلياً تقول الوادعي: “يستحوذ اللبس الصنعاني على الساحة -خاصة اللبس المحدث- بالإضافة إلى القميص الجريز الذي يلبس في يوم الحمام أو يوم الغسل، ويأتي بعده القميص الصبري -الخاص بمحافظة تعز- والذيل والجدمة الخاص بمحافظة حضرموت. أما عن الطلب الخارجي فهناك إقبال كبير عليه، ولكن نواجه مشاكل في التصدير إلى الخارج؛ بسبب متاعب الشحن جراء الصراع القائم في البلاد، فنجد أنَّ التصدير قليل بالنسبة للطلب”.
حماية الموروث الشعبي مطلب ضروري
أكدت فوزية قحطان في دراستها “حماية الموروث الشعبي في المجتمع اليمني، المعوقات والإمكانيات”، الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث اليمني في العام 2013م، أنَّ الاستفادة من التراث الشعبي تستوجب مواصلة توريثه والحفاظ عليه عن طريق إحيائه، وإزالة المعوقات التي تقف أمامه.
مشيرة في دراستها إلى أهم التحديات والصعوبات التي تواجه الصناعات الحرفية أبرزها: قلة الإمكانيات المادية، والغزو الثقافي، والتطور التكنولوجي، وانعدام الوعي بأهمية الحفاظ على الموروثات الشعبية، بالإضافة إلى عدم وجود مزايا تتيح للصانعين الحصول على المواد الخام أو تعفيهم من الضرائب، ولا يوجد قانون يحميهم أمام ضغط المستورد الخارجي. وذكرت الباحثة قحطان أهم الإجراءات اللازمة للحفاظ على التراث الشعبي أهمها: إنشاء معاهد للتدريب على الحرف والصناعات التقليدية الشعبية، وإقامة المعارض والأسواق الشعبية بكل أنواعها، بالإضافة إلى إقامة مراكز لتوثيق وتسجيل الموروثات الشعبية، وتأسيس مجلات متخصصة بالتراث الشعبي، وإصدار التشريعات التي تكفل حماية الممتلكات الثقافية المحلية، والمعالم التاريخية والأثرية.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…