‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصناعة والاستثمار في اليمن التوجه نحو المدن والمناطق الصناعية فرص واعدة في اليمن

التوجه نحو المدن والمناطق الصناعية فرص واعدة في اليمن

صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ

“لا أدري كيف يستطيع سكان المنطقة أن يناموا وسط هذا الضجيج، هل في الدول المتقدمة صناعيًا مثل هذه الضوضاء في الأماكن السكنية” بهذه العبارات تتحدث الشابة مها عبدالله عن معاناة السكان في بعض المناطق القريبة من المنشآت الصناعية، والتي تتواجد بشكل ملفت في كثير من مدن اليمن.

 تعمل مها (29عامًا) مسوقة لإحدى المؤسسات، وأثناء عملها المتواصل في الميدان لفت انتباهها وجود بعض المصانع الصغيرة، والورش الصناعية وسط الأحياء السكنية، والتي تعد مصدر خطر وقلق على صحة السكان.

وتتساءل عبدالله كيف يمكن أن يعيش المواطن وبينه وبين المنشأة الصناعية حائط واحد؟ كيف يُسمح للمنشآت بالعمل وسط المدينة؟ وبالقرب من الأحياء السكنية؟، ناهيك عن وجود ورش النجارة والحدادة بما تصدره من أصوات وروائح. منوهة أنَّه حتى وإن بُنيت هذه المنشآت قبل توسع حركة العمران، فيجب نقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن الأحياء السكنية.

  هناك العديد من الدراسات التي تناولت أهمية التخطيط الصحيح للمدن، وتوزيع مكوناتها بشكل يضمن سلامة البيئة من أي مخاطر قد تسببها المنشآت الصناعية بمختلف مجالاتها وأحجامها، إذ أنَّ التخطيط السليم للمدن، يحقق الراحة والأمان للسكان.

فقد جاء في دراسة بحثية لـ الأكاديمي عبدالرحمن نصر غالب الحطامي حملت عنوان: “أثر تخطيط المدن على البيئة في المدن اليمنية” أنَّ الواقع الظاهر للمدن اليمنية يثبت أنَّه لا يوجد توازن بين  التخطيط العمراني  وسلامة  البيئة.

وتناولت الدراسة مجموعة من التوصيات منها -كما جاءت في الدراسة-: “يلزم الحد من الأنشطة الصناعية داخل المدينة، ووضع قيود صارمة للمصانع الموجودة داخل المدينة أو في المناطق القريبة من المجمعات السكنية, من حيث التزامها بالمعايير البيئية، وأن لا تكون مصدر ضرر للسكان المجاورين لها، سواء من حيث تلويث الهواء أو الضجيج، حيث يلزم عليها معالجة مخلفاتها بصورة منفردة، وفرض رسوم تلوث للمصانع والورش والمعامل وغيرها من الوظائف التي لها تأثير مضر بالبيئة والصحة العامة, واستخدام هذه الرسوم في  حل المشاكل الناتجة عن الملوثات التي تنتجها من جهة، والتشجيع في الحد من التلوث من جهة أخرى”.

قوانين تنص على تخصيص مناطق جغرافية للمنشأت الصناعية

يأتي هذا رغم وجود قوانين تنص على أهمية تحديد مناطق مناسبة لإقامة مثل هذه المنشآت وإلزامها بأخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على الأمن والسلامة البيئية، والإشراف والرقابة على عمل تلك المنشآت وتنفيذ جزاء عقابي في حال خالفت أي إجراء قانوني.

فقد نصت المادة (11) من قانون تنظيم الصناعة، (الفقرة أ) على: “تحديد متطلبات التنمية الصناعية من المناطق والمجمعات الصناعية واقتراح المواقع الملائمة لها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتنظيم إقامتها وربطها بالخدمات اللازمة”.

 كما تنص المادة (12) على:  “تخصص هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني والسلطة المحلية بمواقع الأراضي المقترحة مناطقَ صناعية وفقاً لقانون الأراضي بالتنسيق مع الوزارة، ولا يجوز التصرف فيها خارج نطاق الأغراض المخصصة لها مع مراعاة السلامة البيئية والسكانية”.

كما تنص المادة(16) من نفس القانون على: “الالتزام بالاشتراطات الفنية للتشغيل والإنتاج، تنفيذ شروط الأمن والسلامة المهنية الصناعية، توفير الوسائل السليمة اللازمة للحد من الآثار البيئية السلبية الناتجة عن العمليات الصناعية، والتخلص الآمن بيئياً من المخلفات الصناعية”.

وتنص المادة (18) على: “عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها في أي  قانون آخر”  وبناء عليه يكون الآتي: “(أ) إغلاق المنشأة لمدة ثلاثين يوماً بموجب حكم من قاضي الأمور المستعجلة عند انقضاء المهلة المحددة للمنشأة دون أن تقوم بتصحيح الاختلالات الناجمة عن مخالفة أحكام المادة (16) من هذا القانون، بعد أن تكون المنشاة قد تسلمت إخطاراً بذلك من الوزارة، أو مكتبها في المحافظة التي تقع المنشأة في إطار اختصاصها الجغرافي، يتضمن المهلة ونوع المخالفة”.

 وتنص المادة (19) على: “تضاعف فترة إغلاق المنشأة عند تكرار مخالفة الأحكام المنصوص عليها في المادة (16)، وعند تكرار تلك المخالفات لأكثر من ثلاث مرات تغلق المنشأة ويشطب قيدها من السجل الصناعي”.

أهمية تخصيص مناطق صناعية

يذكر إلياس  الذبحاني (خبير في التطوير المؤسسي والاقتصادي) لـ “صوت الأمل” أنَّ وجود منشآت صناعية بشكل عام يعد مؤشراً إيجابياً يدل على النمو الاقتصادي، أما عن وجود منشآت صناعية في المدن (بافتراض أنَّها بالأطراف)، فهذا يدل على أنَّ المجتمع يستطيع توفير احتياجاته ومتطلباته، وينعكس ذلك بصورة أخرى على أسعار السلع، حيث إنَّها في الغالب ستنخفض نتيجة للوفرة، وانخفاض تكاليف النقل، وهذا أيضاً يُعد مؤشراً جيداً؛ لأنَّ وجود منشآت صناعية يحد من نسب البطالة، ويوفر فرص عمل، وكذلك تهيئة المناخ للمستثمرين الآخرين وتشجيعهم، وبذلك تصبح البيئة خصبة وجاذبة لرؤوس الأموال وأصحاب المدخرات.

ويضيف الذبحاني أنَّ بناء منشآت صناعية داخل المدن وعلى مقربة من السكان، وهي من الحجم الكبير وذات الطابع الصناعي الكيميائي، فهذا يعد مؤشراً سلبياً لعدة أسباب؛ وهي أنَّ مثل هذه الظاهرة تدل على غياب التخطيط المسبق من قبل الدولة، وغياب الجانب الرقابي، وفشل المنظومة الاقتصادية، خاصة إذا كان هناك بدائل لإقامتها خارج المدن، وتوفرت المساحات والخدمات والمرافق، فوجودها بقرب التجمعات السكنية يعد أمراً مزعجًا وخطيراً وله أبعاده.

أهمية إنشاء المناطق الصناعية

ونحو إنشاء مناطق صناعية في اليمن يرى وفيق صالح (المحلل الاقتصادي)  أنَّ إنشاء المدن الصناعية مهم من ناحية التطور الاقتصادي، ومعالجة العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية؛ إذ يعد القطاع الصناعي من أكثر القطاعات الاقتصادية استيعاباً للأيدي العاملة من مختلف مستوياتها الفنيّة والعلميّة، وإنشاء المناطق الصناعية يساعد على إقامة المصانع والاستثمارات في البلاد؛ كونها توفّر البيئة الملائمة والمناسبة للمستثمرين لإنشاء المشاريع الاستثمارية والتجارية.

مواصلًا حديثه: “تكمن أهمية إقامة المناطق الصناعية، في كونها تجذب المستثمرين المحليين وتنمي النشاط التجاري؛ الأمر الذي يولد مزيدًا من فرص العمل، نتيجة تزايد الإنتاج، وهو ما يساعد على تخفيف نسب البطالة في المجتمع، والتسهيل من عملية تقديم الخدمات الصحية والتعليمية للعاملين في هذه المدن، فضلًا عن التقليص من تكلفة إقامة المشاريع الاستثمارية”.

ويعد إنشاء المناطق الصناعية من أهم السبل التي تحد من حاجة الدولة للاستيراد، وتساهم في توظيف العديد من الأيدي العاملة، والتقليل من البطالة، وترفع المستوى الاقتصادي في الدولة، وتغطي حاجة السوق بأقل التكاليف التي تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، كما تشرح المهندسة أشجان مشهور (مهندسة صناعات غذائية).

الفرص القائمة

توضح مشهور الفرص التي تتميز بها اليمن وتؤهلها صناعيًا والتي تتمثل في: المساحات الواسعة، وتوفر المياه خاصة بالمناطق الساحلية، أيضًا توفر أغلب المواد الخام الداخلة بالصناعات المختلفة عامةً والغذائية خاصة.

من جهته يقول مروان الصوفي (متخصص في الهندسة الصناعية): “هناك الكثير من الفرص في كثير من مناطق اليمن تشجع التوجه نحو إنشاء مناطق ومدن صناعية؛ بسبب موقعها الجغرافي، وتنوع مناخها، وتضاريسها، وتنوع ثروتها المعدنية، إلى جانب امتلاك البلاد القدرة  البشرية والكفاءة، بالإضافة إلى أنَّ بلادنا غنية بالمواد الخام، وهذه كلها فرص تتطلب ضرورة  وجود مدن صناعية بمختلف الصناعات ومجالاتها، وجميعها فرص مشجعة  على أن تكون بلادنا منطقة مصنعة ومصدرة في نفس الوقت”.

يتفق معه في الرأي إلياس الذبحاني الذي قال في حديثه لـ “صوت الأمل”: ” تمتلك اليمن مقومات اقتصادية مذهلة إذا استُغلت بشكل أمثل؛ ستكون الفرص الصناعية متوفرة في أكثر من مجال، وفي العديد من المواقع الصناعية، مثل: مجال المواد الغذائية بكافة أنواعها، ومجال الصناعات البلاستيكية، ومجال الصلب والتعدين، ومجالات أخرى لا حصر لها، فقط إذا توفر مناخ اقتصادي آمن وجاذب للاستثمار وليس طاردًا”.

المناطق الأفضل للصناعة

ويرى الذبحاني أنَّ هناك فرصاً كثيرة لإنشاء مناطق صناعية في اليمن أو على الأقل توفير المناخ الاقتصادي الآمن لرأس المال والمستثمرين من قبل الدولة، حيث إنَّ توفر مناخ اقتصادي آمن قد يشجع المستثمرين على إنشاء مناطق صناعية، وعلى نفقتهم الخاصة.

يقول إلياس الذبحاني (الخبير في التطوير المؤسسي والاقتصادي)، عن أفضل المناطق للصناعة في اليمن، أنَّ ذلك يعتمد على نوع الصناعة، ومتطلباتها من الموارد والأيدي العاملة، وكذلك تحديد السوق الذي سيشكل الهدف الأول لتلك الصناعة، مشيرًا إلى أنَّ القرب من الموانئ والمنافذ البحرية أو البرية يعد عاملاً رئيساً في تحديد المناطق المناسبة، ثم يأتي القرب من الخطوط الرئيسة لشبكة الطرق التي تربط المدن ببعضها، ثم القرب من التجمعات السكانية لتوفير الأيدي العاملة وسهولة النقل، ثم تأتي المساحات الأرضية الأفقية والتي تعد عاملاً مهماً أيضاً في تحديد المناطق المناسبة لإقامة مشاريع صناعية.

السياسة التي تحتاجها الصناعة

من جهته يقول مروان الصوفي: “من الضروري أن تقام المصانع تحت الاشتراطات اللازمة وأن تكون المصانع قريبة من الأراضي الزراعية خاصة المتخصصة بإنتاج مواد غذائية، وأن تستخدم المصانع الطاقة النظيفة للحفاظ على البيئة وتخصيص أماكن لرمي المخلفات الصناعية، وعلى أن تكون المخلفات الصناعية يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها واستخدامها”.

وفي هذا الخصوص يرى الذبحاني أنَّ السياسات التي تحتاجها الصناعة، تتمثل في استقرار الوضع السياسي والاقتصادي للبلد، وبعد ذلك يأتي الحديث عن السياسات المالية المشجعة للاستثمار، وتوفير خطط استراتيجية من قبل الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الصناعة والتجارة، وكذلك تسهيل المعاملات وتخفيض الرسوم الجمركية، وإصلاح شبكة الخدمات العامة.

تحديات

وعن أهم التحديات التي تحول دون إنشاء مناطق صناعية في اليمن، ترى أشجان مشهور أنَّها تتمثل في: قلة النقد الداعم لإنشاء المصانع، وهجرة المستثمرين لخارج الوطن، إلى جانب تعرض أغلب المناطق الواقعة بأطراف المدن المؤهلة لإنشاء المصانع للنزاعات، ووعورة الطرق بالمناطق الجبلية، وصعوبة الحصول على المياه، وقرب منفى المخلفات من مواقع المنشآت، وصعوبة الحصول على بعض المواد الخام التي يجب استيرادها من الخارج وارتفاع تكاليفها.

من جانبه يقول عادل الكندي (أكاديمي في قسم الكيمياء – جامعة عدن) أنَّ من أهم التحديات التي تحول دون إنشاء مناطق صناعية في اليمن في الوضع الحالي هي تداعيات الصراعات الداخلية، وعدم توفر البيئة الآمنة للاستثمار.

ويزيد الكندي على التحديات، فساد ملكية أراضي الدولة؛ بسبب توثيق عقارات وملكيات للدولة لا حصر لها بأسماء نافذين. مضيفًا أنَّ الطاقة الكهربائية في اليمن أكبر معيق للاستثمار؛ لوجود تكاليف إنتاج للسلع، فعند توفر الطاقة الكهربائية من قبل الدولة ستكون تكاليف الإنتاج منخفضة مقارنة بالإنتاج باستخدام المولدات الخاصة، والتي ترهق المنتجين؛ وبالتالي المستورد يكون أرخص من المنتج المحلي، ومن هنا يغادر المستثمر؛ لأنَّه دائماً يفكر بالربح.

مشيرًا إلى أنَّ من التحديات صعوبة التنقل، خاصة أنَّ الطرقات غير مؤهلة والموانئ تحتاج لجهد وإمكانيات لإصلاحها، إضافة إلى عدم السيطرة على النظام المصرفي، وعدم الحصول على التمويل، والمعوقات التنظيمية والفساد.

حلول

يوضح عادل الكندي أنَّ من الحلول لإنشاء مناطق صناعية، هو إيقاف الصراع، إلى جانب إنشاء محطات توليدية للكهرباء تعمل بتكاليف رخيصة لا ترهق الدولة اقتصاديًا، وسبق طرح الحلول والتدابير إزاء ذلك، والإصلاح المالي والإداري.

ويؤكد على ذلك المحلل الاقتصادي وفيق صالح والذي قال: “الدول المستقرة، والتي تملك بنية تحتية صلبة، ومنظومة خدمات متكاملة، وبنية تشريعية ومنظومة قضائية محترمة هي من تستطيع أن تنفذ مثل هذه المشاريع التي تساهم في زيادة النشاط الصناعي، أما في وضعنا الحالي باليمن تبدو مثل هذه الأمور مستبعدة التنفيذ على أرض الواقع؛ نظرًا لحجم التحديات التي تواجه اليمنيين من مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

51% من الآراء تؤكد على وجود تأثير كبير للصناعات الصغيرة والمتوسطة تجاه الاقتصاد المحلي

صوت الأمل – يُمنى أحمد       كشفت نتائج استطلاع إلكتروني نفذته وح…