‫الرئيسية‬ الاقتصادية الفقر والنزوح عوامل اقتصادية تزيد من ظاهرة الزواج المبكر في اليمن

الفقر والنزوح عوامل اقتصادية تزيد من ظاهرة الزواج المبكر في اليمن

صوت الأمل – علياء محمد

ينتشر الزواج المبكر في اليمن بشكل واسع، ويحمل خصوصية معينة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بقيم المجتمعات وعادتها وتقاليدها حيث يُنظر للزواج المبكر بنظرة مجتمعية على أنَّه صيانة للفتاة، وحماية لها من الانحراف، وطوق نجاة من شبح العنوسة.

لكن الوضع الحالي لليمن يشير إلى ارتباط ظاهرة الزواج المبكر بعوامل متعددة، أهمها: الحالة الاقتصادية للأسرة، فمستوى الفقر الذي شهدته اليمن منذ اندلاع الصراع؛ نتج عن الوضع الاقتصادي المدمر للبلاد، مما أدّى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنحو 50% مما كان عليه في السابق، حيث بات يعيش اثنان من كل ثلاثة يمنيين –(20) مليون رجل وامرأة وطفل– في فقر مدقع، وفقًا لتقرير صادر عن معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية الصادر في العام 2022م.

ولذلك أُرغمت الكثير من الأسر على تزويج بناتهن في سن مبكرة؛ للتخفيف من المصاريف وتكـاليف التعلـيم، -خاصـة- الأسر ذات العدد الكبير من الأطفال، وذوي الدخل المنخفض تحت ضغط الحاجة، وثقل الأعباء الحياتية، والمعيشية والركض أحيانًا  وراء المهور.

الفقر وثقل الأعباء

أُجبرت (م.م.ا) –فضّلت عدم ذكر اسمها- على الزواج بعمر الثانية عشرة سنة؛ بسبب وفاة والدها وعدم قدرة عمها على التكفل بمصاريفها؛  فقرر تزويجها .

تقول (م.م.ا): “تفاجأت عندما أتى عمي يقول لي عرسك هذا الأسبوع بدون أن يأخذ موافقتي أو رأيي في القبول أو الرفض، فقد قرر كل شيء بدون علمي، ووجدت نفسي بين ليلة وضحاها، يتغير حالي من طفلة ألعب وأتجول مع الفتيات اللاتي في عمري إلى امرأة تستعد لزواجها”.

ذهبت (م.م.ا) إلى منطقة ريفية، وانصدمت بالواقع المعاش، فهي الآن ربة منزل مسؤولة على أسرة، يجب أن تصحو باكرًا؛  لتذهب لجلب الماء من مناطق بعيدة، ثم تعود لتنظيف المنزل والطبخ.

 بدورها أشارت منظمة الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في العام 2022م، إلى أنَّ الوضع الإنساني في اليمن ينذر بالخطر مع وصول انعدام الأمن الغذائي إلى أعلى نقطة  منذ تصعيد الصراع .

وأوضح التقرير أنَّ 19  مليون شخص، أي أنَّ أكثر من 60% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ولا تزال القدرة الاقتصادية للحصول على الغذاء بالنسبة للأفراد في اليمن محدودة للغاية.

ترى مها عوض(رئيس مؤسسة وجود للأمن الإنساني)أنَّ الزواج المبكر ليس ظاهرة حديثة وإنما قديمة، وعلى الرغم من وجود جهود للتخفيف منها، فإنَّ هذه الجهود لا تزال تنصدم بالأسباب التي تشكل تحديات فعلية –خاصة- المتمثلة في الثقافة المجتمعية (العادات والتقاليد) التي تفرض على المجتمع اليمني انتشار مثل هذه الظاهرة؛ لعدم وجود قوانين أو سياسيات  يمكن من خلالها التعامل بفاعلية في الحد منها، على سبيل المثال:  لا يوجد قانون يحدد سن الزواج، وإذا وجد القانون فاليمنيون بحاجة إلى وجود آلية تطبيق فعَّالة.

 وأوضحت مها في حديثها لـ “صوت الأمل” أنَّ العامل الاقتصادي والفقر يؤثر بشكل كبير على انتشار ظاهرة الزواج المبكر –خصوصًا- مع استمرار الصراع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وازدياد نسب النزوح؛ الأمر الذي دفع الكثير من الأسر إلى حرمان فتياتها من التعليم، وتبني فكرة أنَّ البنات مصيرهن الزواج؛ خوفًا عليهن  من فقدان سبل العيش، وعدم وجود بيئة آمنة لهن، بالإضافة إلى أنَّ هناك قبولاً مجتمعياً يسمح بتوسع هذه الظاهرة بشكل كبير وكأنَّها  ضمن ثقافة المجتمع .

مشددة في حديثها على أهمية إيجاد سياسات تُلزم الأسر بإلحاق أبنائها وبناتها بالمدارس، وتفعيل مجانية التعليم، وتسهيل وصول أبناء وبنات الأسر الفقيرة إلى الفصول الدراسية، حتى لا يقعن فريسة للجهل، والزواج المبكر، بالإضافة إلى إيجاد خدمات تساند حملات التوعية، والمناصرة  كمحاسبة أولياء الأمور المتسببين في تفاقم هذه الظاهرة، وعمل برامج تمكين اقتصادي للمرأة، وتأمين طريقة للنزوح الآمن.

المهمشون بيئة خصبة للزواج المبكر

تتعدد أسباب زواج القاصرات في فئات المجتمع، وكان لفئة المهمشين الجانب الأكبر؛ بسبب حالة الفقر المدقع التي يعيشون فيها، وانتشار الجهل  بين أفراد هذه الفئة، وقلة الوعي حول الآثار السلبية للزواج المبكر.

عبد الغني عقلان(رئيس جمعية التنمية من أجل الدمج) يشير إلى أنَّ فئة المهمشين من أفقر فئات المجتمع اليمني،  فهي طبقة تفتقر لأبسط الخدمات والاحتياجات الضرورية للحياة؛ الأمر الذي دفع الكثير من أسر هذه الفئة لتزويج فتياتها؛ للتخفيف من الأعباء المعيشية، ويلعب عدد أفراد الأسرة دورًا مهمًا في انتشار ظاهرة الزواج المبكر؛ هروبًا من تكاليف الإعالة .

مضيفًا أنَّه يلجأ الكثير من أرباب الأسر إلى تزويج بناتهن في عمر صغير ليستفيدوا من العائد المادي، والبعض منهم لإكمال ما تبقى من مهر ابنه، وآخرون خوفًا من التحرش والاعتداءات  التي قد تتعرض لها بناتهم .

ويرى عقلان أنَّ تدني مستوى الوعي بأضرار الزواج المبكر، هو من أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة، مشددًا على أهمية عمل المنظمات والمؤسسات المعنية بتوعية الأباء، ومساعدتهم على رفع المستوى المادي والمعيشي، بالإضافة إلى فتح مشاريع تدريبية وتعليمية؛ لتمكين المرأة اقتصاديًا وتأهيلها علميًا؛ لتستقل ماديًا، وتواجه  حالة الفقر الذي تعيشه الأسرة.

هروبًا من الديون

تمر عدد من الأسر بأوضاع معيشية صعبة، ويضطر الكثير منهم لاقتراض مبالغ من المال يعجزون عن سدادها؛ مما يجعل البعض منها يضطر لعرض بناته للزواج مقابل الدين.

(س.ح) إحدى ضحايا الزواج المبكر مقابل الدين، الذي اقترضه والدها من زوجها تقول لـ”صوت الأمل” -طالبت عدم الإفصاح عن اسمها-: “تزوجت في عمر الإحدى عشرة سنة؛  بسبب الديون التي اقترضها والدي،  فوالدي يعمل في صيد وبيع السمك، ولكن دخله ضئيل، ولا يكفيني أنا وسبعة هم أفراد أسرتي”.

زادت الديون على والدها، وطالبَهُ زوجها الحالي بتسديد الديون، ولكنه لم يجد حلًا غير عرض ابنته للزواج من صاحب الدين، فرحب الأخير بالفكرة، وأُجبرت هي على الزواج، ولم يكن هناك مفر من القرار المصيري الذي اتخذه والدها، حيث رضخت للأمر الواقع؛ خوفًا على عائلتها ووالدها  بسبب عجزهم عن التسديد.

الزواج المبكّر في مخيّمات النازحين

أشار التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، في شهر يناير 2022م، إلى ارتفاع عدد النازحين؛ جراء الصراع الدائر في اليمن إلى أربعة ملايين و200 ألف شخص.

ذكرت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أنَّها رصدت نزوح 1200 أسرة جراء الصراع في اليمن، خلال أول أسبوعين من عام 2022م، وأفادت في تقريرها بـارتفاع إجمالي عدد النازحين في أرجاء اليمن إلى 4.2 ملايين شخص، منذ اشتعال الصراع في مارس 2015م.

تحكي لـ “صوت الأمل” أروى فضل(الناشطة الاجتماعية) تجارب عدد كبير من الفتيات المتواجدات في مخيمات النزوح، وتقول: “ساهم النزوح بشكل كبير في انتشار ظاهرة الزواج المبكر، فبسبب الأوضاع المادية الصعبة للنازحين، أُجبرت الكثير من الفتيات على الزواج ممن يكبرهن سنًا؛ بسبب الخوف على مستقبلهن، وعدم قدرة الأسرة على تحمل نفقاتهن”.

وتُضيف فضل أنَّه وفي مثل هذه الظروف، يُعدُّ زواج القاصرات أمرًا عاديًا؛  بسبب بيئة المخيمات المحفزة على الزواج، حيث يتهافت الكثير من الشبان للزواج من الفتيات النازحات المتواجدات داخل المخيمات؛ بسبب ضآلة المهر المدفوع واستغلال الأسر النازحة في مخيمات النزوح. وتبقى العوامل الاقتصادية أهم المؤثرات في انتشار ظاهرة الزواج المبكر؛ لذلك وجب على الجهات المعنية تحديد خطوات ملموسة وصنع حلول؛ للحد من انتشار هذه الظاهرة عن طريق تحسين الأوضاع المادية والمعيشية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه

صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم)  يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…