تنفيذ استراتيجية إعلامية لمكافحة الاتجار بالبشر مسؤولية تقع على وسائل الإعلام بأنواعها
صوت الأمل – فاطمة باوزير
بما أنَّ وسائل الإعلام أداة قوية التأثير بنفوذها في الرأي العام، وزيادة الوعي بشأن جريمة الاتجار بالبشر، فإنه يمكن أن تقوم بدور مفيد في نشر التوعية والفهم بشأن الاتجار بالبشر لدى السكان على الصعيد الوطني في البلدان .
وتعد الوسائط الإعلامية (التفزيون، الإذاعة، الصحف) وسائل تساعد على تعميم المعلومات عن الاتجار بالبشر والتوعية بها، وقد عمدت بعض الدول إلى إدراج وسائل الإعلام ضمن سياساتها العامة بشأن منع الاتجار بالبشر وذلك بوصفها من وسائل زيادة التوعية بهذه الظاهرة.
جاء في قانون إعادة التكليف بالصلاحيات الخاصة بحماية ضحايا الاتجار، بالولايات المتحدة الأمريكية لعام 2003م، البند الثالث، البند الفرعي(د):
“يوعز الرئيس بإنشاء وتنفيذ برامج تدعم إنتاج برامج تلفازية وإذاعية بما في ذلك أفلام وبرامج وثائقية؛ لإعلام فئات السكان المستضعفة في الخارج بأخطار الاتجار بالبشر، ولزيادة وعي الجمهور في بلدان المقصد بشأن الممارسات الشبيهة بالاسترقاق وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان التي ينطوي عليها هذا الاتجار، بما في ذلك تعزيز الروابط بين الأفراد العاملين في وسائل الإعلام في مختلف البلدان من أجل العمل على تحديد أفضل الأساليب في إعلام تلك الفئات السكانية من خلال هذه الوسائل الإعلامية”.
وهو الأمر الذي يوضح أهمية وسائل الإعلام في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وما لها من دور إيجابي في توعية الجمهور بأشكال وصور الاتجار بالبشر، والكشف عن القصص المستورة والمساهمة في تقديم المتورطين إلى القضاء لمحاكمتهم.
قضايا لا يسلط الضوء عليها
يشدد الصحفي محمد محروس إلى أنَّ وسائل الإعلام لا بد أن تكون ضليعة بشكل رئيس في المساهمة بمكافحة هذه الجريمة، فهو يرى أنَّ هذه القضية في اليمن من القضايا التي لا يسلط عليها الضوء، و لا يتم تناولها بشكل محوري، مؤكدًا على أنَّ هناك انتشارًا واسعًا لهذه القضايا في ظل الانفلات الأمني والصراع الدائر وسوء الأحوال المعيشية، وتفاقم وسوء الأحوال الاقتصادية من يوم لآخر .
يضيف محروس: “من رأيي أنَّ وسائل الإعلام تضطلع بالمساهمة في معالجة هذه القضية مثلها مثل أي قضية تجد سوقًا رائجًا في ظل هذا النزاع، الأشخاص الناجون لا بد أن تسلط عليهم الأضواء؛ لكي يحكوا قصصهم وأن يقدموا النصائح ويحذروا الناس والأسر من التعامل مع التقنيات التي يستخدمها المتاجرون، إضافة إلى الحديث عن أساليب هؤلاء المتاجرين حتى يتم التحذير منهم، بالإضافة إلى وضع سلسلة من البرامج أو الفلاشات التوعوية التي تعمل على الحد من انتشار الظاهرة، وكيفية مواجهتها والتغلب عليها، وإن كان هذا بحاجة إلى أجهزة فعالة وقوية أمنيًا، وأن يقوم الإعلاميون بذلك وإن كان على نطاق ضيق خير من ألا يقوموا بها إطلاقاً، وأن يحاولوا قدر الإمكان بالإمكانيات المتاحة كونهم صحفيين وإعلاميين من باب التوعية في ظل الظروف الدقيقة التي تعيشها اليمن”.
توعية للمجتمع
ويعد الصحفي عبيد واكد أنَّ دور وسائل الإعلام في معالجة قضايا الاتجار بالبشر، هو دور محوري وهام، فهو يعطي مساحة كبيرة للوعي في المجتمع بالقضية وأسبابها وخطورتها على المجتمع -بحسب تعبيره-، مقدمًا مقترحات لنوعية المضمون في التوعية، وذلك من خلال البرامج التوعوية الخاصة في الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة وكذا وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
مضيفًا أنَّ تفعيل وسائل الإعلام اتجاه قضية الاتجار بالبشر، مهم جدًا وركيزة أساسية في معالجة قضايا الاتجار بالبشر، والتحذير منها ويعطي الكثير من الحلول والمعالجات اتجاه هذه القضية بشكل أساسي وهام.
وقد دق الصحفيان أصيل ساريه وأحمد الواسعي في برنامج السلطة الخامسة للصحفي الاستقصائي يسري فودة على قناة DW الألمانية، ناقوس الخطر حينما تطرقا إلى قضية الاتجار بالبشر في اليمن من خلال التحقيق الذي قاما به (أسياد وعبيد) .
ويقدم الدكتور عبد الله باخريصة (باحث دكتوراه في علوم الميديا والاتصال)، وجهة نظر شخصية، تجاه قضية الاتجار بالبشر حيث يرى بأنَّه قبل كل شيء، يجب أن يتم الاتفاق على أنَّ هذه الممارسات “الاتجار بالبشر” تُعدّ من الجرائم المجتمعية والقانونية، بل وحتى الإنسانية، ويمكن معالجتها صحفيًا عبر عدة أشكال وطرق أولها: تفعيل الوعي والحسّ الأمني لدى المواطن بجميع فئاته العمرية، من خلال برامج تثقيفية بجميع وسائل الميديا، موجهة للأسرة خصوصًا؛ لإعطاء صورة واضحة عن خطورة هذه الأفعال وأهمية دور المواطن في التبليغ أو المساعدة بالنصح، للحد منها.
ويذهب باخريصه إلى ضرورة أن يحتوي العمل التوعوي التثقيفي الإعلامي على إجراء تحقيقات صحفية “مكتوبة، مسموعة، ومرئية” من قبل الصحفيين ووسائل الميديا، تُبيّنُ مكامن الخلل ونقاط الضعف المستغلة من قبل الممارسين لهذه الجرائم، بهدف تعزيزها ومعالجتها.
ويؤكد باحث الدكتوراه عبد الله باخريصه بأنَّه يجب على مؤسسات الميديا توجيه محتوى متخصص “مكتوب، مسموع، ومرئي”، لرجال الأمن، -خاصة- العاملين منهم في مكافحة هذه الجرائم، وإبراز أهمية دورهم بالنسبة للمجتمع والبلد، وإعطاءهم الثقة والأمان في حالة القبض على ممارسين لهذه الجرائم، وهو ما سيعزز من دور رجل الأمن في القيام بدوره المطلوب.
مشيرًا إلى أنَّ تسليط الضوء من قبل الصحفيين باستمرار لخطورة هذه الممارسات –الاتجار بالبشر- على المجتمع، وتعزيز دور العلم والمعرفة الذين ينتج عنهما مجتمع واعٍ، قائم بواجباته ومدافع عن حقوقه، مما يعني الحد من تلك الأفعال والممارسات المسيئة للأفراد والمجتمع والدول.
مساعدة الضحايا
أما الدكتور محمد المحفلي (وهو زميل باحث، بجامعة كولومبيا)، مراكز كولومبيا العالمية (مركز عمان) فهو يعد دور وسائل الإعلام محوريًا في رفع الوعي المجتمعي بشكل عام، وفي رفع الوعي تجاه قضية الاتجار بالبشر بشكل خاص، كونها أحد أهم القضايا التي ينبغي على تلك الوسائل أن تركز عليها وأن تعمل على مواجهتها بشتى الطرق الممكنة.
وتزيد أهمية هذه الوسائل بحسب –المحفلي- في البلدان التي تقل فيها نسبة الوعي، وتزيد نسبة الجريمة وانعدام سلطة القانون، وهو ما يجعل من وسائل الإعلام في هذه الحالة الأداة الأكثر فعالية في مواجهة هذه الجريمة، ومساعدة الضحايا على حماية حقهم الإنساني في الكرامة والحياة الآمنة، وكذلك في حماية المجتمع بشكل عام .
ويختصر محمد المحفلي الاستراتيجيات التي ينبغي على تلك الوسائل أن تقوم بها، عبر عدد من الخطوات الأساسية تتمثل الخطوة الأولى في تقديم المعلومات اللّازمة للناس، من خلال توضيح الأبعاد القانونية، المحلية والدولية، وإبراز النصوص القانونية والتشريعات التي تجرم الاتجار بالبشر، وكذلك ينبغي على تلك المؤسسات أن تبين ما هي طبيعة جريمة الاتجار بالبشر، وما هي الممارسات المختلفة التي يمكن أن تسجل بوصفها انتهاكًا لتلك القوانين وتقع تحت طائلة الاتجار بالبشر، إذ يؤدي ذلك إلى تشكيل وعي لدى الناس بماهية الاتجار بالبشر فكرًا وممارسة، وما هي المخاطر التي قد تؤدي إلى التغاضي عن تلك الممارسات المهينة للبشر.
وتتمثل الخطو الثانية في ملاحقة القصص الإنسانية وعرضها على الناس، إذ ينبغي على الصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي أن يعملوا على تنفيذ هذه المشاريع، وقولبتها في أشكال إعلامية مختلفة، مقروءة ومرئية ومسموعة، بحيث يؤدي ذلك إلى تشكيل مناعة لدى الناس رافضة لهذه الممارسات، ومتعاطفة مع الضحايا، وهو ما يؤدي إلى تعاون مجتمعي يسعى إلى المساعدة على إنفاذ القانون.
أما الخطوة الثالثة، فتتجه إلى ملاحقة الانتهاكات، التي يمكن أن تندرج تحت خانة الاتجار بالبشر، وعمل التحقيقات اللازمة التي من شأنها أن تكشف الشبكات الإجرامية التي تسهل عمل تجار البشر، وكذلك العمل على تسهيل نشر مثل هذه التحقيقات، والتعاون مع وسائل الإعلام المحلية والدولية التي تأخذ الاتجاه نفسه، من أجل حماية البشرية من هذه الجريمة المنظمة.
والخطوة الأخيرة تتمثل في ترك مساحات مفتوحة للنقاشات المتعلقة بجريمة الاتجار بالبشر، من خلال تخصيص أجزاء معينة للكتابات أو المواد المسجلة الأخرى التي تناقش القضية أو تبحث عنها وعن مخاطرها على الفرد والمجتمع، ويكون ذلك عبر تنظيم الجلسات الحوارية أو النقاشات المجتمعية التي تجعل المجتمع وممثلوه يشاركون بشكل فعّال في تلك النقاشات، بحيث تتحول الأفكار مباشرة من مجرد مواد تصدر عن تلك الوسائل إلى سلوك يمكن أن يترجم مباشرة من قبل المجتمع.
وأظهر بحث أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة (UNODC) نشر في أكتوبر 2021م على موقع UN أنَّ استهداف الضحايا وتجنيدهم يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات التعارف عن طريق الإنترنت حيث تتوفر المعلومات الشخصية وتفاصيل تتعلق بأماكن وجود الأشخاص بسهولة، مما يضاعف المسؤولية أمام وسائل الإعلام الوطنية لوضع استراتيجية إعلامية لمكافحة الاتجار بالبشر بكافة صوره وأشكاله.
استطلاع .. (37.7%) أغلب ضحايا الاتجار بالبشر من الأطفال!
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه مركز يمن انفورميشن سنتر للبحوث و…